لقد عرف المستعمرون الأقوياء أنفسهم من غير الفرنسيين أن الاستعمار في القرن العشرين لم يعد أسلوبا صالحا للبقاء، و في ذلك دعا الشيخ الورتلاني العرب و المسلمين وأحرار الدنيا جميعا ليشدوا أزر المكافحين في سبيل الحرية و الحق و ليؤدوا زكاة الأخوة و زكاة الإنسانية المقدسة لقد دأب المجاهد الكبير و الداعية الإسلامي الشيخ "الفضيل الورتلاني" على العمل من أجل استقلال الجزائر و فكها من أغلال المحتل الفرنسي، فقام بجهود جبارة للتعريف بالقضية الجزائرية وكشف بطش الاستعمار بها، وفي سبيل ذلك شارك في تأسيس عدة جمعيات خيرية وسياسية، مثل: اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، وجمعية الجالية الجزائرية سنة 1942م، وجبهة الدفاع عن شمال إفريقيا سنة 1944م، وكان هو أمينها العام، وضمَّت في عضويتها الشيخ "محمد الخضر حسين"، والأمير "عبد الكريم الخطابي المغربي" ، كما شارك الورتلاني في تأسيس جبهة تحرير الجزائر سنة 1955م، وكانت تضم الشيخ "الإبراهيمي"، وممثلي جبهة التحرير الوطني ومنهم "أحمد بن بلة"،"حسين آيت أحمد"، وبعض ممثلي الأحزاب الجزائرية، وقد أثمرت جهود "الورتلاني" بحيث أصبحت قضية الجزائر تناقش في المحافل الدولية و ذلك بفضل المجاهدين المخلصين الشهداء الأبرار. لقد تعرض الورتلاني أثناء جهاده إلى مخاطر عديدة، وكان دمه مهدراً من قبل فرنسا ووقع أكثر من مرة بالأسر ولكن عناية الله حفظته ورعته، وكان للإمام الشهيد حسن البنا دور في الإفراج عنه وعن رفيقه أمين إسماعيل بعد أحداث اليمن عام 1948م، وبعد فشل ثورة الدستور باليمن ، حُكم على الفضيل الورتلاني بالإعدام وأصبح مطلوباً حيث قضى خمس سنوات متستراً في التجوال في الدول الأوروبية، و هو في سويسرا التقى الشيخ الفضيل الورتلاني بالشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء الجزائريين ونائبه الشيخ محمد العربي التبسي .. يروي الفضيل الورتلاني في كتاب له بعنوان "الجزائر الثائرة" كيف نشأت جبهة تحرير الجزائر فيقول: كانت جماعة من أبناء الجزائر المسؤولين و المقيمين في "القاهرة" تداعوا إلى عقد اجتماع لدراسة المواقف و ما يتطلبه و ما يمليه عليهم من واجبات خاصة بعد اندلاع الثورة، و لقد استقر رأيهم من ذلك الوقت على الوثيقة التالية التي تأخر نشرها حتى اليوم لأسباب لا محال لذكرها كما كتب هو.. كان الأمير محمد عبد الكريم الخطابي أول من أمضى الوثيقة و باركها ، كما أمضاها السادة : ( شقيقه الأمير محمد عبد الكريم و الشيخ محمد البشير الإبراهيمي و الفضيل الورتلاني، و أحمد بيوض و الشاذلي مكي يوم 05 أكتوبر 1955 بعد اقل من أربعة أشهر من اندلاع الثورة الجزائرية على أن تبقى مفتوحة ليمضيها كل من له ماض صادق، و سعي مشكور من أبناء الجزائر المخلصين العاملين، و تأسست رسميا في 17 فيفري 55 بالقاهرة بعد "جبهة التحرير الوطني " FLN و لقد اتفقت الكلمة على أن تسمِّي الجماعة ( جبهة تحرير الجزائر) و على أن تُسْند رئاستها للمجاهد الأمير عبد الكريم الخطابي لفضله على حركات التحرر في المغرب العربي و إسداء رأيه في كل عمل يكون الغر منه مقاومة الاستعمار و المستعمرين، و حررت هذه الجماعة وثيقة اتفقت عليها الكلمة منذ اليوم السابع من شهر نوفمبر 1954 من اندلاع الثورة الجزائرية، تقول الوثيقة ما يلي: في الجزائر العربية المسلمة اليوم كفاح مسلح خطير دفع الشعب الجزائري إليه مرغما بسبب الاضطهاد الاستعماري الغاشم الذي لا يريد أن يفتح عينه على الواقع ليتطور مع الزمن، رغم أن أهل الدنيا كلهم تطوروا، و عرف حتى المستعمرون الأقوياء أنفسهم من غير الفرنسيين أن الاستعمار في القرن العشرين لم يعد أسلوبا صالحا للبقاء.. لقد كان من طبيعة التخصص في الأعمال وطبيعة اختلاف وجهات النظر في أساليب العمل عندما تكون الظروف عادية، كان ذلك يقضي أحيانا بوجود أحزاب و هيئات، فتتحول إلى جيش واحد معبأ للكفاح، و يجب أن ترتفع جميع الآراء، أما في ظروف " الجهاد" التي تقرر مصائر الأمم و تنتهي بالموت أو الحياة، فيجب أن تذوب "الأحزاب" و "الهيئات" فتتحول إلى رأي واحد موحد، يستهدف استعمال جميع المواهب إلى التحرر من الظالمين.. لذلك اجتمعت الشخصيات المسؤولة و الموجودة اليوم في ضيافة مصر الشقيقة تدارسوا ألأمور بعناية و عمق، فكانت قلوب الجميع، و آراء الجميع متفقة الحمد لله، و كانوا مقتنعين بجميع ما تضمنته هذه المقدمة من معاني، ثم حرزوا بالإجماع و بدون تردد ما يأتي: 1-يعتبر الشعب الجزائري اليوم على اختلاف أفراده و جماعته و أنواع اختصاصاته فيما يخص الكفاح القائم، يعتبر ذائبا في كتلة واحدة اسمها الشعب الجزائري و من شذّ شذّ في النار. 2- يعتبر المغرب العربي بأقطاره الثلاثة ( تونس، الجزائر و مراكش) أمة واحدة يكمل بعضها بعضا و يجب التعاون بين الجميع، تعاونا تاما في الحرب و السلم حتى ينالوا حريتهم جميعا. 3- تألفت في القاهرة هيئة تحت اسم ( جبهة تحرير الجزائر) تمثل إحساسات ألأمة الجزائرية و مشاربها، و ذلك لتنظيم ألأعمال و تحمل المسؤولية ، و إلا فكل جزائري صالح يجب أن يُعِدَّ نفسه عضوا عاملا في هذه المعركة المقدسة الفاصلة. 4- هذه الهيئة الجزائرية مستعدة من الآن لتذوب في هيئة أجمع و اشمل للأقطار الثلاث بنظام يوضع و مسؤوليات تُحَدَّدُ. 5-تبعث الهيئة تحياتها العميقة إلى المكافحين في الجزائر و في جميع أقطار المغرب العربي سواء منهم من حمل السلاح أو من كان عاملا وراء الميدان، و تدعو جبهة تحرير الجزائر هؤلاء جميعا ليوطنوا أنفسهم على الصبر و التضحية و جمع القلوب و سوية الصفوف و تبشرهم بأن الأمل في النصر عظيم إن شاء الله و لكنها تنذرهم بأن العمل شاق و أن الطريق طويل. 6-تهيب الهيئة بإخوانها العرب و المسلمين ثم بأحرار الدنيا جميعا ليشدوا أزر المكافحين في سبيل الحرية و الحق و ليؤدوا زكاة الأخوة و زكاة الإنسانية المقدسة، و ليمنعوا ما قد يترتب على هذا الظلم الفرنسي الفادح من قيام حرب عالمية تهلك الحرث و النسل و العياذ بالله. القاهرة في 11 جمادي الأول 1374 الموافق ل: 05 يناير (جانفي) 1955 نقل علجية عيش