قتلت 10% من سكان غزة".. تقرير عالمي عن تفوق إسرائيل على النازيين في قتل المدنيين    إطلاق نار بالقرب من سجن تحتجز فيه مساعدة جيفري إبستين    غدا.. غلق الطريق في اتجاه باجة أمام القادمين من باب عليوة ولاكانيا    تاريخ الخيانات السياسية (41) .. تسميم الخليفة المعتمد    أخبار الملعب التونسي : تغييرات في التشكيلة والخميسي يقود الهجوم    بين «الشفافية» و«التأثيرات الخفية» من يتحكم في منظومة التوجيه الجامعي...؟    في شارع بورقيبة بالعاصمة : خيمة تعريفية بأسطول الصمود المغاربي لكسر الحصار المفروض على غزة    اكتشاف جديد    كيفاش مناشف الحمام تولي بؤرة ميكروبات؟ وشنوة الحل؟    "لوموند": فرنسا تصدر مذكرة اعتقال دولية بحق دبلوماسي جزائري    تحذير من سمكة الأرنب السامة بشاطئ المريقب في منزل تميم    مشروع دعم التنوع البيولوجي بمنطقة سيدي محمد عين دراهم    انخراط 425 مؤسسة في موسم التخفيضات الصيفي    طقس الليلة: ضباب على الساحل وريح شرقية وهكا باش تكون السخانة    تونس – الطقس: سماء صافية وضباب في وقت متأخر من الليل    عاجل: ألسنة النار تلتهم قمة جبل الفراشيش والحماية المدنية تحارب النيران    مدنين : للمرة الثانية تاجيل اضراب بطاحات جزيرة جربة الى ايام 17 و18 و19 اوت    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (الجولة الافتتاحية-الدفعة1): النتائج والترتيب    عاجل: موسم الحصاد 2025 يتصدر أفضل خمس سنوات في تونس    تونس تدين وبشدّة إعلان الكيان المحتلّ عن نواياه الدنيئة لإعادة احتلال قطاع    كرة اليد: منتخب الاصاغر يفشل في بلوغ الدور الرئيسي للمونديال    عاجل/ سمير الشفّي: لسنا مع تأجيج الأوضاع لكننا لن نصمت..    شنوة الفرق بين أنواع المياه المعدنية؟ وشنيا لازم تعرف قبل ما تشري    جامعة النقل تعلن تأجيل إضراب المطارات    الملح: القَتَالْ الصامت اللي يضرب صحتك...كيفاش؟    إيقاعات الراي تلهب مسرح الحمامات مع النجم الشاب مامي    وزيرة الثقافة تدعو إلى اعتماد رؤية إبداعية مُتجددة خلال أيّام قرطاج السينمائية والمسرحية    حركة تونس إلى الأمام "تدين الدعوة إلى تجميد وحل الاتحاد العام التونسي للشغل"    الترجي يفرض عقوبات مالية وتأديبية على المتأخرين عن بداية التحضيرات    رابطة أبطال إفريقيا .. الترجي يواجه القوات المسلحة من النيجر والاتحاد المنستيري يصطدم بأسود الشرق السيراليوني    القصرين: اختيار 60 مشاركاً لتمثيل الجهة في التصفيات النهائية للبطولة الوطنية للمطالعة    افتتاح فعاليات الدورة 38 للمهرجان الصيفي بزغوان بفضاء معبد المياه    ساقك فيها القلب الثاني... إهماله يسبب جلطات ومضاعفات خطيرة كيفاش؟    عاجل/ مقتل كهل داخل شقته في العوينة: هذا ما تقرّر ضد المشتبه بهم    كأس الاتحاد الإفريقي .. النجم الساحلي يواجه الأهلي مدني السوداني والملعب التونسي يصطدم بسنيم نواذيبو الموريتاني    أربع مواجهات قوية في افتتاح الموسم الكروي التونسي...التوقيت والقنوات    الشابة: القبض على مروج مخدرات    قبل بداية البطولة: تغييرات كبيرة في القوانين... وتنقيح جديد في مجلة العقوبات...شنيا صاير؟    عاجل/ إطلاق نار وسط نيويورك    عاجل - للتوانسة : إحذروا من فخ الجوائز الوهمية على الفايسبوك والإنستغرام!    3 وفيات و4 إصابات في انقلاب شاحنة محمّلة بالفحم الحجري بأوتيك    قابس : استكمال ربط محطة النقل البري الجديدة بمختلف الشبكات في وقت قريب    تنفيذ برنامج تنظيف الشواطئ بنسبة 80%.. #خبر_عاجل    زيلينسكي: لن نترك أراضينا للمحتل.. #خبر_عاجل    خزندار: الإطاحة بمتحيّل خطير محل 26 منشور تفتيش وأحكام تفوق 100 سنة سجناً    صيف المبدعين: الكاتبة سعاد الخرّاط: عشت في الحقول الشاسعة والأبراج المُسوّرة وبيتنا كان مزارا    تاريخ الخيانات السياسية (40): قتل الخليفة المهتدي    استراحة صيفية    أماكن تزورها...الشبيكة (توزر) روعة الطبيعة وسحر الواحات    مصيف الكتاب بالقلعة الصغرى.. احتفاء بالإصدار الأدبي «هدير الأمواج» للكاتبة نسرين قلص    إلى شتات أهل وسلات    الفنان مرتضى ... حضور ركحي متميز وطاقة فنية خلاقة أمام جمهور غفير للموسم الثالث على التوالي بمهرجان صفاقس الدولي    مهنة وصيف: بشير برهومي: »مشوي» على ضفاف شط الجريد    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    وزارة الشؤون الدينية تصدر بلاغا هاما بخصوص الترشّح لأداء فريضة الحجّ لسنة 2026..#خبر_عاجل    صندوق النقد العربي يتوقع نمو اقتصاد تونس بنسبة 2ر3 بالمائة خلال سنة 2025    في سهرة فنية رائقة ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي .. الفنان لطفي بوشناق يعانق الإبداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الإنسان في تونس .. إلى أين المصير؟ : الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 02 - 2010


الشيخ راشد الغنوشي الفجرنيوز
يعدّ الوطن العربي في ميزان التنمية الشاملة وخصوصا التنمية السياسية المتقوّمة بالمقاييس الديمقراطية في مؤخرة الركب العالمي والثقب الاسود الذي ظل بمنآى من أمواج الديمقراطية الجائلة في القارات الخمس، لا بسبب زهد ذاتي في الحرية أوعشق للأغلال، فلقد دفعت شعوبنا أثمانا عالية كبتا وتسجينا وقتلا وتشريدا للأحرار، لكنها لا تزال غير كافية لتعديل الميزان لصالح الحرية وحقوق الانسان، أمام إصرار القوى الدولية على دعمها للمستبدين خدمة مصالحها . وما جرى ويجري في فلسطين ومصر وغيرهما شاهد، فكيف الحال والمستقبل في تونس؟

لا يختلف حال تونس عن كثير من بلاد العرب من حيث الطبيعة الفردية للحكم، بتمركز السلطات في شخص الحاكم وإفراغ بقية المؤسسات من سلطاتها، تشريعا وقضاء وهيآت تنفيذية مركزية وجهوية وصحافة ومجتمعا مدنيا، مع حصانة دستورية للرئيس من كل مساءلة وتضخم للجهاز الامني باعتباره العمود الفقري للسلطة ويدها الطولى، المطلقة في أعراض الناس وأموالهم وأبشارهم وفي مؤسسات الدولة والمجتمع كالنقابات والمساجد ودور الثقافة فضلا عن السياسة، حيث تطبّق بصرامة آليات الإقصاء والقمع والاحتواء للمخالفين . أما الثروة العامة فقد تفاقمت أخبار خصخصتها والاستحواذ عليها ، في غياب صحافة حرة وقضاء مستقل ومعارضة قوية، مما كان له انعكاساته السلبية على الاحوال المعيشية لعامة الناس، فتفاقم التداين والبطالة والشعور بالغبن ، مضافة الى انعكاسات الازمة الاقتصادية الدولية في مستوى السياحة والتصدير والاستثمار الخارجي، وذلك رغم دعم الاتحادالأوروبي وتغاضيه عما يرتكب من انتهاكات للحقوق والحريات ورفض للايفاء بمتطلبات الاصلاح الديمقراطي المنصوص عليها في اتفاقية الشراكة التي تزعم أوروبا حرصها عليها، في ازدواجية مفضوحة.

شطب الحركة

مثلت أول انتخابات في "العهد الجديد" سنة 1989اختبارا لشعارات التغيير، حيث ووجه الحزب الحاكم (منذ 1956) لأول مرة بحركة شعبية شابة "حركة النهضة"، علّق عليها الناس آمالا عريضة في التغيير، بعد ان ملّوا حزبا أسن، وسلطة لا تفي بوعودها ، فلم تتردد في اللجوء الى ما أدمنت ، من التزييف لانتخابات، ساور الشعب الامل في ان تحترم فيها ارادته، فأقبل عليها جادا. ورغم أن السلطة لم تعترف للنهضة إلا بحوالي 20%، ومع أن ذلك دون الحقيقة بكثير، إلا أنه كاف ليجعلها زعيمة المعارضة ، لكنه لم يكن كافيا حتى للاعتراف بها على غرار بقية الاحزاب ، بل كان مبررا لشطبها من الخريطة السياسية جملة، وما يعنيه ذلك من اعتداء على مبادئ التعددية وتمهيد لالغاء المعارضة بعد ادخالها الى البرلمان عبر اسلوب الكوتا المهين ، مقابل الصمت او الولاء، والانخراط بكل مؤسسات الدولة في مخطط استئصالي غير مسبوق للنهضة (ثلاثين ألف سجينا وعشرات من القتلى والمعوقين وآلاف من المشردين)، وتحويل أكبر ملف سياسي في البلاد، ملف الحركة الاسلامية ، ملفا أمنيا لا سياسيا كما هي حقيقته منذ الاعلان عن "حركة الاتجاه الاسلامي" 1981 .

تقويم التجربة

وقد أدّى حشد أجهزة الأمن والإعلام والقضاء في مواجهة حركة النهضة لإستئصالها واعتماد سياسات الإقصاء والملاحقة ازاءها وازاء غيرها من القوى السياسية كان من نتائجه اضعاف البلاد وهدر الطاقات وتفشي المظالم وثقافة العنف والإنتقام ، بديلا عن ثقافة الحوار والسماحة، بما أساء الى سمعة الوطن ووضع على الرف مشروع الإصلاحات الموعودة.
غير أن القمع لئن أنهك جسم النهضة فإنه لم يستأصل فكرتها بل زادها رسوخا وتماسكا وانفتاحا وقد نجحت بفضل الله في افشال خطة استدراجها الى مستنقع العنف ، ردّا على العنف الرسمي ، على غرار ما حصل في أوضاع مشابهة، وبذلك جنّب تعقّلها – حسب تعبيرالاستاذ محمد المصمودي- البلاد كارثة اكبر، بل بادرت رغم عمق جراحاتها الى القيام بتقويم جاد لتجربتها السياسية للوقوف على مواطن الخلل فيها، متحمّلة نصيبها من التبعة فيما حصل من تدهور مريع للآمال في التغيير الديمقراطي- بصرف النظر عن جدّيتها أصلا-، وذلك بأثر مشاركتها الواسعة في انتخابات 1989 المشاركة التي لم تحسن فيها الحركة تقدير حجم الاندفاعة الشعبية الواسعة في اتجاهها، رغبة في التغيير، بما هدد التوازنات القائمة التي لم يكن للحركة قصد للاخلال بها، حتى أنها قبلت مقترح الحزب الحاكم دخول كل الاحزاب في قائمة انتخابية واحدة تحدد فيها الانصبة سلفا ، إلا أن المقترح رفض، وهكذا فتح الطريق أمام مصارعة انتخابية حرة ،حملت مفاجآت لنا وللآخرين، هددت بانهيار التوازنات القائمة وفقدان الحزب الحاكم هيبته وهيمنته . ومن ثمة ازدادت الشكوك وتنامت عوامل التوتر وردود الافعال، زادها تاجيجا من لهم مصلحة في قمع الحركة ومواجهتها . بينما في وضع مشابه ، في ثلاثينيات القرن الماضي، دعا رئيس وزراء مصر عبد الهادي الامام البنا وقد علم أنه يزمع الترشح للانتخابات، فأفهمه أن وضع البلاد وهي تحت الاحتلال لا يحتمل مشاركته ، عارضا عليه بدائل أخرى، قبلها الامام، بما أنقذ الموقف وحافظ على الاستقرار. كما نقل عن الملك المغربي الراحل أنه بلغه أن اسلاميي"الجماعة الاسلامية"- وهم اليوم -العدالة والتنمية-زعماء المعارضة في البرلمان- يزمعون الاعلان عن تشكيل حزب اسلامي، فأرسل اليهم مستشاره، يعلمهم"إن سيدنا يقول لكم: الوقت غير مناسب، فلا تضطروني الى ما أكره"فهموا الرسالة، وأجّلوا مبادرتهم، حتى حان حينها، فتجنب المغرب كارثة شبيهة بما حصل في تونس.

تحديث مغشوش

لقد ظل إسلاميو تونس باستمرار - بحكم اعتدالهم- باحثين عن تسوية مع الدولة –ولكنهم لم يجدوا منها استعدادا للحوار، ليندمجوا في المنتظم السياسي، بدل قمعهم، بما حرم بلدنا من ريادة وتوفير طاقات، التنمية أولى بها. والسؤال: الى متى تستمر الدولة في اعتماد سياسة تقوم على تسليط التونسي على التونسي، يكيد له ويطارده داخل البلاد وخارجها، وتشحن القلوب والعقول بالاحقاد والثارات وتبدد الثروات في مراكمة وسائل القمع بدل وسائل النمو؟
7- لقد وضع البلاد مشروع فوقي للتحديث العنيف المغشوش على طريق التفكك والتوتر المنذرين باشد الأخطار (الاول عربيا في نسب الطلاق والعزوبية والتدخين والانتحار وتدهورنسبة زيادة النسل، لدرجة استشراف شيخوخة للمجتمع، والاضطرار لإغلاق عديد المدارس بسبب انخفاض عدد الاطفال الملتحقين لأول مرة بالمدرسة بحوالي سبعين ألف طفلا عن السنة التي قبلها ، زيادة عن التفاوت المجحف في التنمية بين الجهات والتفاوت المتزايد بين الفئات والحجم المخيف لنسب البطالة وما تفرزه من امراض اجتماعية كالانحراف والتفكك الاسري وتنامي الاوبئة ومنها المخدرات الخ) ان الامراض والآفات التي تهدد نسيج مجتمعاتنا بالتفتيت ليست قليلة والاجراءات والسياسات المتبعة بعيدة عن ان تحقق المناعة الاجتماعية والتنمية المتوازنة وا لرخاء والامن الاجتماعي لقصور في اسسها ووجهتها ولاعتمادها اساليب الاكراه
ومرة أخرى، بدل أن تجدد الانتخابات الشرعية وتطلق الامل ، لم تتحمل السلطة النقد اللاذع لانتخاباتها الشكلية التي أجرتها السنة المنصرمة ، النقد الذي نهض به عدد من الصحفيين الشجعان في دوريات محلية كالموقف والطريق الجديد و"مواطنون" .. وفي الصحافة الدولية ومواقع الانترنات .. كما لم تتحمل انتقادات المناضلين الحقوقيين ومنظماتهم ، فلجأت الى الاعتقال واستخدام القضاء لفرض الصمت، كما فعلت من قبل مع الدكتور الصادق شورو ..وسخرت"الاعلام" الدائر في فلكها لشن حملات ، ضربت المثل الأسفل في الإسفاف وهتك الاعراض .

كرامة المواطن

من عادات دولة الاستقلال ركوبها صهوة كل موجة تنبعث في الغرب.. ركبت قطار الحداثة وحرية المرأة والاشتراكية والاقتصاد الحر والمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الانسان ، ومنذ سنوات وهي تركب موجة الحرب على الارهاب، ذريعة لتعزيز ترسانتها القانونية المحاصرة للحريات والانخراط فيما تسميه المجهود الدولي للحرب على الارهاب، جلبا للمساعدات وشراء للصمت ، فزجت بآفواج من شباب تونس في عمر الزهور، في المعتقلات وسلطت عليهم صنوفا من النكال والاحكام القاسية. وهؤلاء يكادون يغدون نسيا منسيا في أدبيات بعض مدعي الحداثة المتواطئين مع سياسات الاكراه والقمع ، شأن محنة مرتديات الخمار، وكأنهم ليسوا بشرا، ومواطنين مظلومين..لولاجهود حقوقيين شجعان تشبعوا بان حقوق وكرامة المواطن فوق كل اختلاف وهي اما ان تكون للجميع والا فلن تدوم لاحد

مبادرات حيوية

غير أنه مع ما سلط على المجتمع من ضروب المحن وسياسات الخوف فقد توالت وتصاعدت مبادراته المعبرة عن حيويته النضالية وأصالته الدينية وعمق مواريثه الاصلاحية التحررية وتمثل أهم مظاهرها فيما يلي:

أ- لقد تصاعدت في المجتمع حالات التذمر الشعبي إزاء تفشي البطالة وأخبارالتمييز او الاعتداء على المال العام ، فاستأنف مبادراته الاحتجاجية رفضا للاستغلال ومطالبة بالعدالة ، ومن ذلك ما حدث السنة الماضية في منطقة المناجم ،إذ انتفضت مدينة الرديف، وتوجست السلطة شرا من هذا التحرك الجماعي خشية أن يغري مناطق أخرى مشابهة بتحرك مشابهواجهته السلطة بكل عنف فكان القتلى والجرحى والزج بالعشرات في غياهب السجون، وتولى القضاء الباقي. ولا يمر يوم دون وقوع إضرابات في مؤسسات كبيرة وصغيرة متنوعة ..واللافت للنظر تعدد وقائع الاضراب عن الطعام ، خصوصية تونسية دالة على مدنية هذا المجتمع.

ب- شهدت السنوات الأخيرة حركة حقوقية نشطة، داخل البلاد وخارجها لم تنتظرإذنا رسميا للقيام بواجبها في شجب ما يتعرض له المناضلون وحتى عامة المواطنين من ضروب انتهاك لحقوقهم. متحملة ضروبا شتى من المحاصرة والملاحقة وحتى القمع . الأمر الذي أحرج السلطة وزاد من تشنجها وردود افعالها العنيفة وساهم في حملها على إطلاق سراح مساجين الانتفاضة المنجمية ونقابييها، كما اطلق من قبلهم سراح بقية سجناء حركة النهضة بعد قضاء ثماني عشرة سنة ، باستثناء رئيسها السابق د. صادق شورو الذي اعادوه للسجن بعد ثلاثة اسابيع من خروجه عقابا له على اعلانه اعتزازه بالانتماء لحركة النهضة وتمسكه بحقه في التعبير عن رايه

ج_ كما شهدت البلاد تناميا للإعلام الحر وبخاصة عبر فضاء الانترنيت المتحرر من سيف الحجاج رغم كل الجهود والوسائل الامنية والتقنية التي سخرتها السلطة لحجب المواقع وملاحقة المدونين وقطع البريد الالكتروني وقطع الانترنت . وكانت مبادرة مئات من الصحفيين الجسورين بتاسيس نقابة صحفية مستقلة - سارعت السلطة الى الانقلاب عليها ، كما فعلت بجمعية القضاة- جزء من حركة مجتمعية متنامية تتجه الى رفع وصاية السلطة عن المجتمع .

د- أخذت الحركة الطلابية تنتعش، بسبيلها الى استعادة دورها الطليعي في الحراك المجتمعي التحرري، وذلك رغم ما يتعرض له الطلبة من ملاحقة ومحاكمات لمنع اسئناف مسيرتهم التاريخية عودا الى جامعة محايثة للمجتمع حاملة لهمومه وليست منعزلة عنه، متمحورة حول ذاتها ولذّاتها.

ذ- كثيرا ما كانت الحركة السياسية تزداد ثقة وفاعلية بوجود وسند الحركة النقابية العمالية والطلابية ولما دجنت القيادة النقابية اتجهت السلطة الى استهداف الحركة الاسلامية ثم الطلابية ثم استفردت ببقية الاطراف السياسية فمزقتها او دجنتها حتى الذين تحالفوا معها في قمع الاسلاميين، ولأن هناك بوادر كثيرة تبشر بعودة الحركة المجتمعي ، منتظر انتعاش الحركة السياسية لا سيما وقد نجحت جماعاتها الاساسية في حركة 18أكتوبرفي إدارة حوار مثمر بينها أثمر عددا من الوثائق المهمة تشكل ارضية مشتركة لمعالم أساسية لتصور مجتمعي يسعى اليه الجميع، بما نزع ذريعة التشتت ، اتكأ عليها البعض، فشاغب لتسويغ الانعزالية و الاستئصال . لم يبق اليوم مسوغ أمام مكونات 18/10 للانتظار والتردد في ترجمة مشتركاتهم تحالفا معارضا يتسع لكل القوى المناهضة للانغلاق والداعية لانتقال ديمقراطي جدير به شعبنا ويفتح امامه اافاقا ارحب ووسائل انجع لمعالجة مشاكله واصلاح امره.

الهمّ الأعظم

باعتبارتونس جزء من وضع عربي قد تخلف- بسبب الدعم الدولي للدكتاتوريات- عن السير في موكب التحولات الديمقراطية ، أن أزمتها -مثله- تشتد ، بماقد يغريها او يسوقها الى تطبيع صريح مع الكيان الصهيوني خضوعا لضغوط الخارج وطمعا في العطاء وهربا من استحقاقات الواقع!

وفي ضوء الخبرات السابقة يكون التساؤل هل ستطور السلطة سياستها وتستجيب لمقتضيات العدل والصالح الوطني فتتعامل مع ملف حركة النهضة كملف سياسي كما تفعل عموم الدول العربية والاسلامية؟ أم ستستمر في إقصائها والتعاطي معها كمشكلة امنية وعبر جهاز الامن الذي لا يدخر أي جهد لتشديد قبضته الحديدية والتخويف من كل إنفتاح اعلامي او سياسي او حقوقي او نقابي؟ وهل تراها ستعمد الى تخليق كيانات مصطنعة بديلة، كما فعلت مع تيارات أخرى؟

لقد انبعثت السنوات الاخيرة صحوة دينية واسعة اخترقت كل الفئات والجهات تؤكد تشبث التونسي بالبقاء أمام ما تعرضت له مقومات شخصيته من تفكك وتحلل ، وتشهد على عمقه الديني وفشل الحل الامني في تجفيف ينابيعه، فهل ستستمر السلطة في رفض التعامل السياسي مع هذا التيار المتعاظم معتصمة بمنطق أمني تجزيئي،عبر القمع والمحاكمات يستدرج الضحايا الى القبول به، فيسلخون عشرات السنين من أعمارهم في المطالبة بالخروج من السجن المضيق ليجدوا أنفسهم وقد نقلوا الى ما يشبه السجن الموسع، فيبدأ نضالهم لاستعادة الدرجة الاولى من الحقوق كالحق في الشغل والتنقل والعلاج ، فضلا عن الحقوق العالية كالحق في الكلام – أعيد الشيخ الصادق شورو الى السجن لأنه تجرأ على ممارسة هذا الحق. وما إن أخذت السجون المضيقة تخلى من النهضويين، ليحل محلهم جيل آخر من الاسلاميين-، حتى فتح مئات المهجرين ، فبدأوا يطالبون بحق العودة، فلم يجدوا غير التعامل الأمني واساليب الإبتزاز والمساومات والعودة المحفوفة بالمخاطر. وهكذا بدت خشية أن تتقزم مطالب النضال السياسي والحقوقي في مطالب حقوقية جزئية تتبدد فيها الأعمار بدل الإتجاه بإرادة جماعية لمعالجة القضية الكبرى قضية الحريات ، فتتضاءل الاختلافات في مواجهة الهمّ الأعظم

الإصلاح الذاتي

إن فرص التسعينيات التي قدمت سندا للقمع ومنها تأزم المحيط التونسي والإزدهار الغربي، يتسارع تراجعها بما يراكم أسباب انفجار بدت طلائعه، لا ينجي منها، غير التعامل السياسي مع الملفات السياسية بديلا عن الحلول الأمنية، وذلك بالإقدام على إصلاحات حقيقية تبدأ بإطلاق سراح المساجين واسترداد حقوقهم وعودة المهجرين وإطلاق حرية الصحافة والأحزاب والجمعيات بما يفسح المجال أمام حوار عام حول الخيارات الكبرى لا يقصي طرفا. يفضي الى إصلاحات دستورية وقانونية تنهي تمركز السلطات وتكرس الفصل بينها وتوازنها واستقلالها وتحترم المجتمع المدني وتدعم اللامركزية على كل المستويات الوطني والجهوي وتوقف او تحد في الأقل من النهب..
شيء من ذلك بدأ يحدث في المغرب وليبيا، إذا تواصل يمكن أن يمثل سابقة في الإصلاح الذاتي الذي يجنب البلاد الهزات والأزمات. فهل ستشهد السنة الجديدة في بلادنا وفي بلاد العرب المشابهة اصلاحات جادة لم يعد منها مناص، سواء أفرضتها تحركات شعبية تقودها جبهات وتحالفات ديمقراطية؟ أم مبادرات جادة من قبل أهل الحكم للإصلاح الذاتي؟ وهل العمل المعارض سيغادر مواقع التشرذم متجها الى أصل الداء ؟ أم سينحبس في جزئيات مطلبية تتفنن في براعة الخطاب، بينما الأوضاع تتجه الى انفجارات اجتماعية، ومصائر البلاد لعقود قادمة تطبخ في مطابخ خارج البلاد وداخلها لنفاجأ بالمجهول لا قدر الله؟
مجلة المجتمع بتاريخ 23 جانفي 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.