لمدة يومين: اضطراب وانقطاع مياه الشرب بهذه المناطق في العاصمة..#خبر_عاجل    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير جذري يعيد الاعتبار للطبيب الشاب    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بالألياف البصرية عالية التدفق    في المحمدية :حجز عملة أجنبية مدلسة..وهذه التفاصيل..    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الخالق: "الإحتساب على ذوي السلطان.. ضمانة للحريات العامة"
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 02 - 2010

أجرى الحوار في القاهرة: همام سرحان
يؤكد الدكتور محمد فريد عبد الخالق أن "الحَسبة على السلطة التنفيذية (الحكومة ورئيس الدولة)، هي الضمانة الأكيدة للحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطن أو المبادِئ التي تحْمِي الأفراد من طُغْيان الدولة واستِبداد الحكام".
وفيما يعتبر أنها تمثل "المطلب العاجِل والمُلحّ الذي تتطلّع إليه الشعوب، لاسيما الواقِعة منها في دائرة الدول النامية، ودولنا العربية والإسلامية داخلة فيها"، قال في تصريحات"على المجالس النيابية والتشريعية، التصدّي للفساد ومساءلة السلطة التنفيذية، وعلى رأسها الحاكم، من خلال إعمال الصلاحيات التشريعية والرقابية التي منحها لها الدستور، كما يجِب على المجتمع المدني، بمؤسساته ونقاباته واتحاداته الطلابية وكل القوى السياسية، أن تتعاون معًا لتحقيق المصالح العُليا للمجتمع وأن لا تقدِّم المصالح الفردية أو الشخصية على المصالح العُليا للشعب".
وكانت كلية الحقوق بجامعة القاهرة قد شَهِدت صباح يوم 17 نوفمبر 2009، مناقشةَ رسالة الدكتوراه المُقدَّمة من الباحث محمد فريد عبد الخالق، البالغ من العمر 94 عامًا، حول موضوع "الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان". وكان الباحث قد سجّل الرسالة في عام 1965 وحالت ظروف الاعتِقال والسفر الطويل، دون مناقشتها.
ويُعتبر الدكتور محمد فريد عبد الخالق أحد رجال الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين، التي تأسّست عام 1928، كما كان سكرتيرا لمؤسِّسها ومرشِدها الأول الإمام حسن البنّا، ويعتبر من طرف كثيرين "كاتِم أسرار" الجماعة وأحد "الآباء الرّوحيين" للكثير من شباب الإخوان. ورغم اختلافه مع الجماعة في بعض وِجهات النظر، إلا أنه فضّل الانسِحاب من التنظيم وتجميد نشاطه، دون أن يُسيء إلى أحد، بل إنه ظلّ محلّ احترام وتقدير الجميع، ونادرا ما يتخلّف عن حضور أي مناسبة تُقيمها الجماعة. مزيد من التفاصيل في الحوار التالي:
لماذا اخترتُم هذا الموضوع بالتحديد؟ وما هي دوافِعكم من اختيار هذا العنوان تحديدا ليكون موضوعا لبحثِكم لنيْل درجة الدكتوراه؟
د. فريد عبد الخالق: نظام "الحسَبة" لا يقتصر على الحُكم الإسلامي، وإنما قد تحوّل إلى العالمية من خلال هيئة الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، واللّذين يُمارسان دوراً "احتسابياً" دولي الصفة وشرعي النفوذ، وهو ما اتّضح من دعوى الحسبة، التي استخدمَتها المحكمة الجنائية الدولية ضدّ الرئيس السوداني الفريق عمر البشير.
أما عن دوافع اختيار هذا العنوان ليكون موضوعا للرسالة، فيُمكن تلخيصها في الآتي:
• أن طرح نظام احتسابي جماعي ومؤسّسي لمقاومة جُور السلطات التنفيذية وفسادها، يجنِّبنا العنف في ممارسة الحسبة غير المنضبطة.
• إلقاء الضوء على الضوابط الشرعية للحسبة في الإسلام وعلى شروط المحتسب والمحتسب فيه.
• إبراز الدّور الرقابي الشعبي على السلطات - المتمثل في نظام الحسبة - ولاسيما على السلطة التنفيذية ورئيس الدولة.
• عدم التعامل مع الحسبة باعتبارها ولاية بوليسية، وإنما إدخالها في الفِقه السياسي الإسلامي كمبدإ يُمارسه المواطنون كفرض كفاية، والمؤسسات الدستورية المعنية كفرض عين، وعلى رأسها المجالس التشريعية البرلمانية والأحزاب السياسية وسائر منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية المعنِية بالحفاظ على حقوق الإنسان وحرياته العامة من اتِّحادات ونقابات.
• إمكانية رفع دعاوى الحسبة على الحاكِم الجائر وما يقع من الحكومات من بغي أو فساد أو مخالفة للدستور والقانون، دون التزام بشرطي الصِّفة والمصلحة الملتزم بها في سائر الدّعاوى القضائية.
• الإشارة إلى إمكانية عولمة نظام الحسبة الإسلامي وتدويله، بناءً على ما يُقبل وما يُرفض وما يُطوّر منها.
• النظر للحسبة باعتبارها قِوى شعبية معارضة لجُور الحاكم.
ماذا يعني نظام الحسبة في الإسلام، وما أهميته وفوائده لعملية التغيير والإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي؟
د. فريد عبد الخالق: الحسبة في الإسلام يُقصَد بها: إزالة المُنكر إذا ظهر فِعله، والأمر بالمعروف إذا ظهر تَركه، ويُمثل الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر نظامًا رقابيًا يتكامل مع النظام الاجتماعي والسياسي في المجتمع الإسلامي. ومِما يُؤسَف له، أن نظام الحسبة غير معمول به الآن في الدول الإسلامية، رغم أهميّته في شتّى المجالات، وفي مقدِّمتها الإصلاح السياسي الذي يتغنّى به البعض في هذه الأيام.
والمشكلة، أن الغالبية لا تعرِف شيئا عن نظام الحسَبة في الإسلام، رغم أهميّته الشديدة ومبادئه القيِّمة، التي تتعلّق بالتغيير إلى الأفضل والتكاتُف من أجل مجتمع أكثر استقرارا. وما يجهله الكثيرون، أنه يُمكن تطبيق الحسَبة على جميع أفراد المجتمع، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين دون تفرقة، ومِن ثَمّ، فإنني أدعو لتطبيق الحَسبة وتفعيلها في المجتمع، لأنها باتت الحلّ للكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع.
فالمجتمع المصري خاصة والعربي عامة، بحاجة لتطبيق نظام الحسبة وتفعيله، بغَضِّ النظر عن الدِّين، كما أنها باتت (الحسبة) الحلّ الأمثل للوصول بالمجتمع إلى الحرية المثلى. فالحسبة إذن واجبات وحقوق متبادَلة ومُتوازنة ومتكاملة أقرّتها الشريعة الإسلامية، فضلا عن أنها تحقِّق الشُّورى التي جاء بها الإسلام ودعَمها، كنظام يرفُض الاستبداد ويؤيِّد الحوار. كما تستهدف الحسبة إحداث نوعٍ من التّغيير إلى الأفضل يرتقي بالأمّة ويساعدها على مُواجهة التحدِّيات التي تُعوِّق مسيرة التنمية في المجتمع مثل: الفقر والجهل، إضافة إلى الاستبداد.
لماذا أصْرَرْتم على مُناقشة رسالة الدكتوراه، رغم تقدّمكم في السن (94 عامًا)؟
د. فريد عبد الخالق: هناك أسباب كثيرة، في مقدِّمتها أنني أردْت أن أوصل رسالة للشباب، مُؤداها: يجِب أن لا يقف السِنّ عائقًا أمام تحقيق الأهداف وأن المُهم ليس السِنّ وإنما العمل والجُهد، وأحَذِّرهم فيها من اليَأس والقنوط من طلب العِلم. فطالما في الإنسان روح، لابد أن يسعى لطلب العِلم والتزوُّد منه. فمِن أشدّ ما يُؤلمني أن أرى شبابا دون الثلاثين فاقِدا الأمل والطموح، وعندما يتحدث يُخيَّل إليك أنه تعدّى الستِّين أو السبعين من فرط اليأس وفقدان الأمل والطموح.
وبهذه المناسبة، أدعو الجميع للتحرّك والإيجابية وعدم التّواكُل والأخذ بالأسباب ومحاربة القصور السياسي، فليس شَرطا أن يرى الإنسان نتائج ما يصنَع، وإنما يجب أن يعمل لغيره وليس لنفسه فحسب.
وما هي أهمّ النتائج التي انتهت إليها رسالة الدكتوراه التي أعددتموها حول (الإحتساب على ذوي الجاه والسلطان)؟
د. فريد عبد الخالق: يُمكن تلخيص أهمّ النتائج والتوصِيات التي توصّلت إليها في التالي:
• أن الحسبة على ذوي السلطان تشكِّل كُبرى الضمانات الشرعية للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان أو المبادئ التي تحمي الأفراد من طُغيان الدولة واستبداد الحكام، وهو المطلب العاجِل والمُلِحّ الذي تتطلّع إليه الشعوب، لاسيما الواقعة منها في دائرة الدول النامية، ودولنا العربية والإسلامية داخلة فيها.
• إنه، إلى جانب الوظائف التقليدية للحسبة، فإن لها وظيفة سياسية في المجتمع والدولة على السّواء بالغة الأهمية والحيوية، بحيث يمكن أن نعتبِرها جزءً أساسيا من المشروع الحضاري الإسلامي المتكامِل، الذي يستهدِفه المسلمون عامة، وعُلماء الأمة ومفكروها الإسلاميون خاصة، ويجدون في إحياء وظيفة الحسبة عامة، وعلى ذوي الجاه والسلطان خاصة، أداة للإصلاح الدستوري من منظور الديمقراطية الحقيقية.
• إن مبدأ الفصْل بين السلطات في الإسلام إضافة إلى مبدإ الشرعية الإسلامية - بمعنى سيادة الشريعة - يكونان أكبر سنَد شرعي لوظيفة الحسبة على ذوي السلطان لما يتضمّنان من تقييد السلطة التنفيذية بمهمّتها الدستورية، وهي التنفيذ لا التشريع، ومن غلْق الباب أمام الحكام، دون حقّ استصدار قوانين ظالمة.
• إن أعمال الحسبة الرقابية على السلطة الحاكمة ما يقوم به في نظامنا الحاضر، هو جهات متعدِّدة على رأسها المجالس النيابية وما خَوّله الدستور لها من حقوق ووسائل لأداء دوْرها الرقابي، وهو احتسابي، وكذلك المعارضة، أحزابا وصحافة ونقابات وجماعات وغيرها، كما أن للقضاء العالي والإداري دوْره في الحسبة، حيث يمكن اعتبار دعاوى الإلغاء أمام المحاكم الجنائية صورا لدعاوى الحسبة المعروفة في الفِقه الإسلامي.
• إن جوهر الديمقراطية مقبول في الإسلام، مع الإقرار بأن ثمّة فوارق، من أهمِّها أن سلطة الأغلبية، التي هي إحدى ركائز نظام الحُكم الديمقراطي النيابي، ليست مُطلَقة في الإسلام، وإنما هي محكومة بما قدَّره الإسلام من مبادِئ وأصول جاءت بها نصوص القرآن والسُنة على وجه القَطع والإلزام التشريعي.
• إن مقاومة الظُّلم والاحتساب على الحاكم واجبٌ دِيني، ومن أجل ذلك، شَرّع الإسلام مقاومة الظُّلم وأوجب على الأمة الإنكار على حكّام الجور ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
انتهيتم في بحثكم إلى إقرار حقّ كل مواطن (عربي ومسلم) في مساءلة رئيسه وحكومته انطلاقًا من كون المساءلة أو "الحسبة"، فرض كفاية علي كل مواطن، وفرض عين على المعارضة ونُواب البرلمان القيام بها نيابة عن الشعوب.. نرجو مزيدًا من التوضيح؟
د. فريد عبد الخالق: تقوم فِكرة الرسالة على إقرار حقّ كل مُواطن عربي ومُسلم في مساءلة رئيسه أو حكومته انطلاقا من كون المساءلة "فرض كفاية" على كل مواطن و"فرض عين" على رجال المعارضة وأعضاء البرلمان، نيابة عن الشعب، وترك مشروع وخريطة للإصلاح السياسي في الأمّة الإسلامية يبدأ من خلال الإختيار الصحيح للحاكِم العدْل وكيفية مساءلته، إذا أخلّ بطبيعة وظيفته.. كما ترسم الرسالة الطريق لإلغاء قانون الطوارِئ والإرهاب وكذلك المحاكمات العسكرية للمدنِيين من خلال تعريف المحكومين بحقوقهم واستخدام آليات الحسبة لمحاكمة جُور الحاكم وأعوانه.
والحسبة تقنِّن العلاقة بين الحاكِم والمحكوم وتجعلها علاقة تعاوُن وتفاهُم، وللأسف، فإن نظام الحُكم لدينا، لا تعرف إن كان برلمانيا أو رئاسيا، فكلّ ما يحدث أن النظام المعمول به لابد أن يخدِم الحاكِم فقط، وبالطّبع، هذا يحدُث على حساب المحكوم المُفترَى عليه والضائع حقّه، ولذا، فلابد من ضوابِط تحكُم هذه العلاقة، والحسبة هي الحلّ الوحيد للوصول إلى هذا الضابط.
وعلى المجالس النيابية والتشريعية التصدّي للفساد ومساءلة السلطة التنفيذية، وعلى رأسها الحاكم، من خلال إعمال الصلاحيات التشريعية والرقابية التي منحها لها الدستور، كما يجب على المجتمع المدني، بمؤسساته ونقاباته واتحاداته الطلابية وكل القِوى السياسية، أن تتعاون معا لتحقيق المصالِح العليا للمجتمع، وأن لا تقدِّم المصالح الفردية أو الشخصية على المصالح العليا للشعب.
رغم أن إعداد الرسالة بدأ في عام 1964 ونوقشت في موفى عام 2009، إلا أن موضوعها لا يزال صالِحاً للمناقشة، بل وأصبح مهمّا للغاية بعد مرور أكثر من 45 عاماً... ما الذي يعنِيه ذلك برأيكم؟
د. فريد عبد الخالق: أعترف بأن الرسالة أخذت وقتًا طويلا، ربما بسبب اعتقالي لعدّة مرات، فضلا عن وجودي خارج مصر لفترات طويلة، لكن ما أودّ أن أقوله، إنه منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه العمل بتلك الرسالة وأنا شَغوف لأن انتهي منها، بسبب أهميّتها الشديدة جدا هذه الأيام ولمعرفتي بأن المجتمع في أشدّ الحاجة لموضوعها، فكل القوى الموجودة في المجتمع باختلاف اتِّجاهاتها الفكرية، يسارية ويمينية وإسلامية وحتى الليبرالية، تحتاج إلى تفعيل هذا النظام، لتعرف معنى الحرية الحقيقة، والشورى أو ما يطلق عليها هذه الأيام "الديمقراطية"، كما أننا نعيش في وضع يجِب تغييره، وأعتقد أن الحسبة ستُساعد على إحداث هذا التغيير، وقد أثنى المُشرفون على الرسالة وأكَّدوا أنها جاءت في وقتها.
أبرزَت الدِّراسة الدّور السياسي الذي يُمكن أن تلعبه مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في إصلاح الفساد المستشري في المجتمع ومقاومة الظلم بجميع صوره، فضلا عن محاربة أنواع الفساد التي تقَع من ذوي الجاهِ والنّفوذ والسلطان في المجتمع.. ما الذي ينقص المجتمعات المدنية العربية للقِيام بهذه الأدوار في القرن الحادي والعشرين؟
د. فريد عبد الخالق: تعرّضت الدراسة لبعض النُّظم القانونية الوضعية، وما قدّمته من تصورات ونظريات ومصطلحات في مجال تنظيم علاقة الحاكم والمحكوم، لافتة إلى بعض التطبيقات العملية وصورها المتنوعة.
وأشارت الدراسة إلى واجِب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في مقاومة الظُّلم بجميع صوره، من سياسي واجتماعي واقتصادي، ومحاربة أنواع الفساد التي تقع من ذوي الجاه والسلطان في المجتمع، وأبرزت الدّور السياسي الذي يُمكن أن تلعَبه "الحسبة" في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتقديم تصوُّر صحيح ومَقبول لنظام الحسبة الإسلامي، يمكن أن يؤدّي دوره في الاحتساب على ذوي الجاه والسلطان في وقتِنا الحاضر.
والقارئ المتفحص للتاريخ الإسلامي، يجد أن النبي "صلى الله عليه وسلم" لم يحدِّد الخليفة الذي سيتسلّم مقاليد السلطة بعده، وإنما ترك ذلك لاجتهاد الصحابة من بعده، لأنه لو وضع أسُس اختيار الخليفة، لكان ذلك سُنّة واجبة التطبيق، ولكنه "صلى الله عليه وسلم"، فطن إلى أن الصيغ التي يتعامل بها المسلمون تتغير بتغير الزمان، وهنا يتّضح لنا ما يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية في الأنظمة الديمقراطية النيابية من دور فاعل، في ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين.
حضر العديد من قيادات الإخوان ورجالات المعارضة في مصر مناقشة الرسالة، هل تتوقع أن تُفيدهم في تحرّكاتهم وخططهم المستقبلية، خصوصًا وأن مواعيد سياسية مهمّة جدا على الأبواب (انتخابات برلمانية وأخرى رئاسية..)؟
د. فريد عبد الخالق: الرسالة مُقدَّمة للجميع وليست لجماعة أو قوة سياسية بعينها، وهي ليست متحيِّزة لحركة بعينها، فالكل في النهاية يمثِّل مجتمعا واحدا، ووطنٌ واحدٌ، نعم لكل منهم توجهه الفكري وقناعاته الخاصة، لكن المصلحة العليا تشغل الجميع، ولا يجوز الإنحياز لحركة عن غيرها. وقد لمست من الحضور أنهم متّفقون على ما أقول من دعوة للحرية وتطبيق نظام الحسبة، وليس جماعة الإخوان فقط.
وقد حاولَت الدراسة إبراز الدّور السياسي الذي يُمكن أن تلعبه الحسبة، كنظام إسلامي يحقق الرقابة الشعبية في تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، من منظور مقارن بالمؤسسات الدستورية في الأنظمة الديمقراطية النيابية الحديثة والتشريعات الوضعية، وبيان أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية في ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين انطلاقًا من هذا، يتوافق مع الشريعة الإسلامية وعدم معارضته لأي أصل من أصوله.
أجرى الحوار في القاهرة: همام سرحان - swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.