اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    الأغاني الشعبية في تونس: تراث لامادي يحفظ الذاكرة، ويعيد سرد التاريخ المنسي    منزل بوزلفة:عمال مصب النفايات بالرحمة يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث    إيران: لم نطرد مفتشي الوكالة الدولية بل غادروا طوعاً    تحذيرات من تسونامي في ثلاث مناطق روسية    كل ما تحب تعرفوا عن بلاي ستيشن 5    بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي    ''السوبر تونسي اليوم: وقتاش و فين ؟''    الالعاب الافريقية المدرسية: تونس ترفع حصيلتها الى 121 ميدالية من بينها 23 ذهبية    منوبة: رفع 16 مخالفة اقتصادية و13 مخالفة صحية    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    دورة تورونتو لكرة المضرب: الروسي خاتشانوف يقصي النرويجي رود ويتأهل لربع النهائي    إيمانويل كاراليس يسجّل رابع أفضل قفزة بالزانة في التاريخ ب6.08 أمتار    طقس الأحد: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    طقس اليوم الاحد: هكذا ستكون الأجواء    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    درجات حرارة تفوق المعدلات    مونديال الاصاغر للكرة الطائرة : ثلاثة لصفر جديدة أمام مصر والمرتبة 22 عالميا    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار الإسلامي... و"الثلج المقلي"!
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 03 - 2008

على رغم المداخل الواضحة لليسار الإسلامي وعرض أوجهه المختلفة إلا أن تجربة ربع قرن من محاولات تأسيسه لم تمنع من توجيه بعض الاعتراضات الرئيسية عليه. وهي شبهات تثار من الأحزاب السياسية الدينية والعلمانية، المحافظة والتقدمية، ومن الدولة ومؤسساتها الدينية، ومن الأفكار الشائعة نتيجة للإعلام المزيف، وما تعود عليه الناس من تقليد لما هو سائد دون التفكير الأصيل. إذ يقال عن اليسار الإسلامي:
1- ليس في الإسلام يسار ويمين. الإسلام دين واحد، جوهره واحد، وعقائده ثابتة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، خيره وشره. كبائره معروفة وصغائره محصاة. لا تختلف العبادات من قُطر إلى قُطر، ولا من قارة إلى قارة، ولا من شعب إلى شعب، ولا من ثقافة إلى ثقافة. شهادة أن لا إله إلا الله على كل لسان. ينطقها المسلم ليعلن انتماءه وانتسابه إلى الأمة. وهذا صحيح نظراً، ولكن عملاً تتعدد القراءات والممارسات الإسلامية خاصة في المعاملات والعادات. يشير اليسار الإسلامي إلى إحدى القوى الاجتماعية الموجودة في المجتمع، الفقراء والمحرومين والمساكين والطبقات الدنيا في مقابل إسلام الأغنياء وشركات توظيف الأموال ورجال الأعمال وموائد الرحمن وبيوت الزي الإسلامي. ففي كل مجتمع هناك يسار ويمين، فقراء وأغنياء، طبقة دنيا وطبقة عليا.
اليسار الإسلامي سياق اجتماعي سياسي تاريخي للإسلام في مرحلة تاريخية معينة وفي عصر معين ولدى شعب معين، في مرحلة تفاوت الدخول. وكما أن هناك تمايزاً بين المذاهب الفقهية الأربعة والاتجاهات الفلسفية والفرق الكلامية والطرق الصوفية هناك تمايز أيضاً في تفسير الإسلام طبقاً لحاجات الناس وطبقاتهم الاجتماعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان، وكما فعل الشافعي بين العراق ومصر.
2- اليسار الإسلامي نزعة توفيقية وأحياناً تلفيقية بين نزعات عدة تجمع بين عدة متناقضات. هو مشروع مستحيل مثل "الثلج المقلي"، يرفضه اليسار واليمين، فاليسار علماني لا ديني، واليمين ديني لا علماني. والحقيقة أن هذه الشبهة إنما تنتج من عقلية الاستقطاب بين مطلبين كلاهما صحيح، القديم والجديد، الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، الأصل والفرع، الآخرة والدنيا. وكل سمات اليسار الإسلامي مطالب فعلية للعصر. فهو إسلام مستنير لحاجة العصر إلى العقلانية والاستنارة كما عبر عن ذلك بعض المفكرين العرب المعاصرين مثل محمد عبده ومصطفى عبدالرازق وطه حسين. وهو إسلام ليبرالي لحاجة العصر إلى الحرية كما عبر عن ذلك الطهطاوي والعقاد والشرقاوي، وهو إسلام اشتراكي جماعي لحاجة العصر للعدالة الاجتماعية والمساواة كما عبر عن ذلك مصطفى السباعي في سوريا، وهو إسلامي قومي كما هو الحال عند منير شفيق وخلف الله ومحمد عمارة نظراً لمخاطر التجزئة والتفتيت للأقطار بعد أن قضى على الخلافة لصالح القومية في 1923 ثم قضى على القومية لصالح القطرية، ثم قضى على القطرية لصالح الطائفية والمذهبية والعرقية والعشائرية والقبلية. وهو إسلام إنساني كما عبر عن ذلك العقاد وغيره نظراً لخرق حقوق الإنسان في عصرنا وتعذيب المعتقلين السياسيين بالآلاف. وهو إسلام تقدمي كما هو الحال في تونس نظراً لتصنيف الشعوب العربية والإسلامية ضمن الدول المتخلفة أو النامية. وهو إسلام طبيعي يبدأ من العالم والناس نظراً لغلبة العقائدية القطعية والنصية الحرفية مثل أحمد كمال أبو المجد وسليم العوا. وهو إسلام وطني مثل طارق البشري نظراً للهويات الطائفية السائدة الآن وتواري الأوطان. وهو إسلام أممي مثل عادل حسين نظراً لما فعلته الحدود الوطنية من تجزئة وتقسيم ومعارك حدودية ونزاعات بين القبائل على طرفي الحدود على الثروات الطبيعية. وهو إسلام علماني مثل أحزاب الوسط نظراً لسيادة النزعات الدينية المعادية لقيم العقل والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وهي قيم إسلامية أصيلة تجلت في التراث الإسلامي. وهو إسلام عملي حركي مثل بعض الأجنحة المستنيرة في الحركة الإسلامية نظراً لسيادة الخطاب الديني النظري الوعظي الذي يدخل في أذن ويخرج من الأذن الأخرى.
3- اليسار الإسلامي نزعة مادية وتيار ماركسي شيوعي إلحادي. لا يهتم بالغيب ولا بالحياة بعد الموت إلى آخر ما هو معروف من أمور المعاد. والحقيقة أن هذه صورة نمطية للإسلام منذ العصر العثماني، تغليب الآخرة على الدنيا، والنفس على البدن. وهو ما قاومته حركات الإصلاح الديني الحديثة. فالتراث الإسلامي قام على أساس الاهتمام بالعالم. يبدأ علم الكلام وهو علم العقائد بالعالم أولاً للاستدلال به على وجود الله. ويتحدث الفلاسفة عن الطبيعيات كمقدمة للإلهيات. ويدافع بعض الصوفية عن وحدة الوجود، الجمع بين الحق والخلق. ويقوم علم أصول الفقه على تعليل الأحكام بالعلل المادية ليقيس عليها أحكام الوقائع الجديدة.
4- اليسار الإسلامي تيار غربي يقلد "لاهوت التحرير" في المسيحية خاصة. والحقيقة أن اليسار الإسلامي استئناف لحركات الإصلاح التي أسسها الأفغاني وإقبال، وتطويرها كي تصبح أكثر جذرية وقدرة على التأثير في العالم وإصلاح المجتمعات وتأسيس نهضة الشعوب. وقد سبقت الديانات الأخرى مثل المسيحية والبوذية الإسلام في وضع أسس "لاهوت التحرير" المعاصر في تحقيق المشاريع القومية في الحرية والعدالة، والاستقلال والتنمية ابتداءً من تراثها. كان القدماء منتصرين على الأرض فصاغوا العقائد النظرية. ونحن منكسرون على الأرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير، وكلها تحت الاحتلال المباشر، ومازلنا نتحدث عن إرضاع الكبير. كما أن هذه الشبهة تعطي النفس أقل مما تستحق، وتعطي الغرب أكثر مما يستحق. وترجع كل تقدم وإبداع عند الأنا إلى منابعه ومصادره عند الآخر، وكأن الأنا أصبح عقيماً رضي بأن يكون تلميذاً إلى الأبد، والآخر هو المبدع والمعلم. ولقد استطاع الإسلام في الماضي القيام بنهضة من الداخل وتأصيله في إبراهيم ولم يرَ غضاضة في التعامل مع الحضارات المجاورة، يونانية ورومانية غرباً، وفارسية وهندية شرقاً، والآن أوروبية شمالاً، وأفريقية جنوباً.
5- اليسار الإسلامي خلط بين الدين والسياسة، يرغب في الوصول إلى الحكم. هو مجرد توزيع أدوار داخل الحركة الإسلامية التي مازالت تسعى للوصول إلى السلطة. اليسار الإسلامي مجرد واجهة إعلامية مستنيرة تقوم بدور الغطاء النظري للحركات الإسلامية المحافظة. والحقيقة أن الإسلام -من وجهة نظري- لا يفرق بين الدين والسياسة كما يفعل الغرب نظراً لظروف الكنيسة في صراعها مع الدولة. الإسلام يطبق المثال في الواقع، يحول النظر إلى عمل، والفكر إلى ممارسة. هدفه تحقيق التقدم والتغير الاجتماعي من خلال التواصل وليس من خلال الانقطاع حتى لا يحدث رد فعل إلى القديم من جديد كما حدث في الغرب. الإسلام هو اللحظة الثالثة في تطور العلاقة بين الدين والسياسة بعد اللحظة الأولى تغليب السياسة على الدين في اليهودية، واللحظة الثانية، الفصل بين الدين والسياسة في المسيحية. اليسار الإسلامي تيار معارض. ينقد بعض النظم السياسية القائمة على التبعية للخارج، والقهر والفساد في الداخل. وينقد المؤسسة الدينية التابعة للدولة والمبررة لقراراتها في الحرب والسلم، في الاشتراكية والرأسمالية بنفس الرجال ونفس الفتاوى. الإسلام دين ليس به رجال دين أو كنيسة أو سلطة دينية إلا سلطة العلم. يفك الحصار عن المعارضة العلمانية بأنها ضد الدين. ويخفف من عداء الحركات المحافظة للأيديولوجيات العلمانية، ليبرالية وقومية واشتراكية وماركسية وإسلامية مستنيرة، كما هو الحال في تركيا وماليزيا. وينقد نفاق بعض الإعلام الرسمي واستخدام الدين لصالح الحزب الحاكم.
6- اليسار الإسلامي قد يرفضه الناس لأنه يمس عقائدهم الشعبية. هو تيار نخبوي يسهل حصاره من اليمين واليسار والدولة. هو عند اليمين الديني شيوعية وإلحاد مقنعان. وعند التيار العلماني إسلامي مقنع، وفي أجهزة الدولة الأمنية اليساريون الإسلاميون "إخوان شيوعيون" كما اتهم الشاه من قبل فصائل الثورة الإسلامية مثل "مجاهدي خلق". هو غير مؤثر، أقلية معزولة أمام الأغلبية الطاغية للحزب الحاكم. والحقيقة أن الاتصال المباشر بين اليسار الإسلامي والجماهير يدل على قدرته على التعبير عن الأغلبية الصامتة، عن الوسط بين الجناحين السلفي والعلماني. يريد المحافظة على الشرعيتين في نفس الوقت، الإسلام والعالم، الدين والثورة. ليس حريصاً على السلطة والحكم بل هو للحفاظ على وحدة الأمة في مسارها التاريخي، إن الله يبعث للأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها.

* نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية
السبت 07 ربيع الأول 1429ه - 15 مارس2008م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.