الحمامات: انطلاق الدورة ال 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    النادي الصفاقسي: رباعي يعزز صفوف الفريق في مواجهة الترجي الرياضي    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 30 أفريل    منوبة: مندوبية التربية تنعى التلميذة آية الجبالي    بطولة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصفة 20 عالميا    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    مدنين: ''سمسار'' يتحيّل على مواطن بعقود مدلّسة ويسلبه 3 مليارات    الذكرى الثالثة والعشرون للمغازات الكبرى كارفور في تونس    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    تحذير من برمجية "خبيثة" تستهدف الحسابات المصرفية    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    طقس اليوم : 'أمطار رعدية متوقعة بالشمال ومحليا الوسط والجنوب    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    خبير في السياسات الفلاحية: الحشرة القرمزية تُهدّد القطاع الفلاحي    الكاف: فوضى في مقر الولاية    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    بدعم من البنك الألماني للتنمية...تجهيز كلية العلوم بقفصة بالطاقة الشمسية    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    متابعة/ الجبابلي يفجرها ويكشف سبب اخلاء عمارة بصفاقس من الأفارقة بالقوة العامة..#خبر_عاجل    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    «تراثي الرقمي في مدرستي»...تظاهرة ثقافية تربوية... تستهدف 5 مدارس ريفية    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    احتضنتها القرية السياحية بالشفار ... «دورة أوكسيجين» تصنع الحدث    المهدية: الوحدات البحرية تنتشل 9 جثث لفظها البحر...التفاصيل    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار الإسلامي... و"الثلج المقلي"!
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 03 - 2008

على رغم المداخل الواضحة لليسار الإسلامي وعرض أوجهه المختلفة إلا أن تجربة ربع قرن من محاولات تأسيسه لم تمنع من توجيه بعض الاعتراضات الرئيسية عليه. وهي شبهات تثار من الأحزاب السياسية الدينية والعلمانية، المحافظة والتقدمية، ومن الدولة ومؤسساتها الدينية، ومن الأفكار الشائعة نتيجة للإعلام المزيف، وما تعود عليه الناس من تقليد لما هو سائد دون التفكير الأصيل. إذ يقال عن اليسار الإسلامي:
1- ليس في الإسلام يسار ويمين. الإسلام دين واحد، جوهره واحد، وعقائده ثابتة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، خيره وشره. كبائره معروفة وصغائره محصاة. لا تختلف العبادات من قُطر إلى قُطر، ولا من قارة إلى قارة، ولا من شعب إلى شعب، ولا من ثقافة إلى ثقافة. شهادة أن لا إله إلا الله على كل لسان. ينطقها المسلم ليعلن انتماءه وانتسابه إلى الأمة. وهذا صحيح نظراً، ولكن عملاً تتعدد القراءات والممارسات الإسلامية خاصة في المعاملات والعادات. يشير اليسار الإسلامي إلى إحدى القوى الاجتماعية الموجودة في المجتمع، الفقراء والمحرومين والمساكين والطبقات الدنيا في مقابل إسلام الأغنياء وشركات توظيف الأموال ورجال الأعمال وموائد الرحمن وبيوت الزي الإسلامي. ففي كل مجتمع هناك يسار ويمين، فقراء وأغنياء، طبقة دنيا وطبقة عليا.
اليسار الإسلامي سياق اجتماعي سياسي تاريخي للإسلام في مرحلة تاريخية معينة وفي عصر معين ولدى شعب معين، في مرحلة تفاوت الدخول. وكما أن هناك تمايزاً بين المذاهب الفقهية الأربعة والاتجاهات الفلسفية والفرق الكلامية والطرق الصوفية هناك تمايز أيضاً في تفسير الإسلام طبقاً لحاجات الناس وطبقاتهم الاجتماعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان، وكما فعل الشافعي بين العراق ومصر.
2- اليسار الإسلامي نزعة توفيقية وأحياناً تلفيقية بين نزعات عدة تجمع بين عدة متناقضات. هو مشروع مستحيل مثل "الثلج المقلي"، يرفضه اليسار واليمين، فاليسار علماني لا ديني، واليمين ديني لا علماني. والحقيقة أن هذه الشبهة إنما تنتج من عقلية الاستقطاب بين مطلبين كلاهما صحيح، القديم والجديد، الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، الأصل والفرع، الآخرة والدنيا. وكل سمات اليسار الإسلامي مطالب فعلية للعصر. فهو إسلام مستنير لحاجة العصر إلى العقلانية والاستنارة كما عبر عن ذلك بعض المفكرين العرب المعاصرين مثل محمد عبده ومصطفى عبدالرازق وطه حسين. وهو إسلام ليبرالي لحاجة العصر إلى الحرية كما عبر عن ذلك الطهطاوي والعقاد والشرقاوي، وهو إسلام اشتراكي جماعي لحاجة العصر للعدالة الاجتماعية والمساواة كما عبر عن ذلك مصطفى السباعي في سوريا، وهو إسلامي قومي كما هو الحال عند منير شفيق وخلف الله ومحمد عمارة نظراً لمخاطر التجزئة والتفتيت للأقطار بعد أن قضى على الخلافة لصالح القومية في 1923 ثم قضى على القومية لصالح القطرية، ثم قضى على القطرية لصالح الطائفية والمذهبية والعرقية والعشائرية والقبلية. وهو إسلام إنساني كما عبر عن ذلك العقاد وغيره نظراً لخرق حقوق الإنسان في عصرنا وتعذيب المعتقلين السياسيين بالآلاف. وهو إسلام تقدمي كما هو الحال في تونس نظراً لتصنيف الشعوب العربية والإسلامية ضمن الدول المتخلفة أو النامية. وهو إسلام طبيعي يبدأ من العالم والناس نظراً لغلبة العقائدية القطعية والنصية الحرفية مثل أحمد كمال أبو المجد وسليم العوا. وهو إسلام وطني مثل طارق البشري نظراً للهويات الطائفية السائدة الآن وتواري الأوطان. وهو إسلام أممي مثل عادل حسين نظراً لما فعلته الحدود الوطنية من تجزئة وتقسيم ومعارك حدودية ونزاعات بين القبائل على طرفي الحدود على الثروات الطبيعية. وهو إسلام علماني مثل أحزاب الوسط نظراً لسيادة النزعات الدينية المعادية لقيم العقل والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وهي قيم إسلامية أصيلة تجلت في التراث الإسلامي. وهو إسلام عملي حركي مثل بعض الأجنحة المستنيرة في الحركة الإسلامية نظراً لسيادة الخطاب الديني النظري الوعظي الذي يدخل في أذن ويخرج من الأذن الأخرى.
3- اليسار الإسلامي نزعة مادية وتيار ماركسي شيوعي إلحادي. لا يهتم بالغيب ولا بالحياة بعد الموت إلى آخر ما هو معروف من أمور المعاد. والحقيقة أن هذه صورة نمطية للإسلام منذ العصر العثماني، تغليب الآخرة على الدنيا، والنفس على البدن. وهو ما قاومته حركات الإصلاح الديني الحديثة. فالتراث الإسلامي قام على أساس الاهتمام بالعالم. يبدأ علم الكلام وهو علم العقائد بالعالم أولاً للاستدلال به على وجود الله. ويتحدث الفلاسفة عن الطبيعيات كمقدمة للإلهيات. ويدافع بعض الصوفية عن وحدة الوجود، الجمع بين الحق والخلق. ويقوم علم أصول الفقه على تعليل الأحكام بالعلل المادية ليقيس عليها أحكام الوقائع الجديدة.
4- اليسار الإسلامي تيار غربي يقلد "لاهوت التحرير" في المسيحية خاصة. والحقيقة أن اليسار الإسلامي استئناف لحركات الإصلاح التي أسسها الأفغاني وإقبال، وتطويرها كي تصبح أكثر جذرية وقدرة على التأثير في العالم وإصلاح المجتمعات وتأسيس نهضة الشعوب. وقد سبقت الديانات الأخرى مثل المسيحية والبوذية الإسلام في وضع أسس "لاهوت التحرير" المعاصر في تحقيق المشاريع القومية في الحرية والعدالة، والاستقلال والتنمية ابتداءً من تراثها. كان القدماء منتصرين على الأرض فصاغوا العقائد النظرية. ونحن منكسرون على الأرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير، وكلها تحت الاحتلال المباشر، ومازلنا نتحدث عن إرضاع الكبير. كما أن هذه الشبهة تعطي النفس أقل مما تستحق، وتعطي الغرب أكثر مما يستحق. وترجع كل تقدم وإبداع عند الأنا إلى منابعه ومصادره عند الآخر، وكأن الأنا أصبح عقيماً رضي بأن يكون تلميذاً إلى الأبد، والآخر هو المبدع والمعلم. ولقد استطاع الإسلام في الماضي القيام بنهضة من الداخل وتأصيله في إبراهيم ولم يرَ غضاضة في التعامل مع الحضارات المجاورة، يونانية ورومانية غرباً، وفارسية وهندية شرقاً، والآن أوروبية شمالاً، وأفريقية جنوباً.
5- اليسار الإسلامي خلط بين الدين والسياسة، يرغب في الوصول إلى الحكم. هو مجرد توزيع أدوار داخل الحركة الإسلامية التي مازالت تسعى للوصول إلى السلطة. اليسار الإسلامي مجرد واجهة إعلامية مستنيرة تقوم بدور الغطاء النظري للحركات الإسلامية المحافظة. والحقيقة أن الإسلام -من وجهة نظري- لا يفرق بين الدين والسياسة كما يفعل الغرب نظراً لظروف الكنيسة في صراعها مع الدولة. الإسلام يطبق المثال في الواقع، يحول النظر إلى عمل، والفكر إلى ممارسة. هدفه تحقيق التقدم والتغير الاجتماعي من خلال التواصل وليس من خلال الانقطاع حتى لا يحدث رد فعل إلى القديم من جديد كما حدث في الغرب. الإسلام هو اللحظة الثالثة في تطور العلاقة بين الدين والسياسة بعد اللحظة الأولى تغليب السياسة على الدين في اليهودية، واللحظة الثانية، الفصل بين الدين والسياسة في المسيحية. اليسار الإسلامي تيار معارض. ينقد بعض النظم السياسية القائمة على التبعية للخارج، والقهر والفساد في الداخل. وينقد المؤسسة الدينية التابعة للدولة والمبررة لقراراتها في الحرب والسلم، في الاشتراكية والرأسمالية بنفس الرجال ونفس الفتاوى. الإسلام دين ليس به رجال دين أو كنيسة أو سلطة دينية إلا سلطة العلم. يفك الحصار عن المعارضة العلمانية بأنها ضد الدين. ويخفف من عداء الحركات المحافظة للأيديولوجيات العلمانية، ليبرالية وقومية واشتراكية وماركسية وإسلامية مستنيرة، كما هو الحال في تركيا وماليزيا. وينقد نفاق بعض الإعلام الرسمي واستخدام الدين لصالح الحزب الحاكم.
6- اليسار الإسلامي قد يرفضه الناس لأنه يمس عقائدهم الشعبية. هو تيار نخبوي يسهل حصاره من اليمين واليسار والدولة. هو عند اليمين الديني شيوعية وإلحاد مقنعان. وعند التيار العلماني إسلامي مقنع، وفي أجهزة الدولة الأمنية اليساريون الإسلاميون "إخوان شيوعيون" كما اتهم الشاه من قبل فصائل الثورة الإسلامية مثل "مجاهدي خلق". هو غير مؤثر، أقلية معزولة أمام الأغلبية الطاغية للحزب الحاكم. والحقيقة أن الاتصال المباشر بين اليسار الإسلامي والجماهير يدل على قدرته على التعبير عن الأغلبية الصامتة، عن الوسط بين الجناحين السلفي والعلماني. يريد المحافظة على الشرعيتين في نفس الوقت، الإسلام والعالم، الدين والثورة. ليس حريصاً على السلطة والحكم بل هو للحفاظ على وحدة الأمة في مسارها التاريخي، إن الله يبعث للأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها.

* نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية
السبت 07 ربيع الأول 1429ه - 15 مارس2008م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.