من الصعب جدا على أي إنسان,إن لم كان عميلا وفي قمّة الانحطاط الأخلاقي, أن يعثرعلى صفحة واحدة بيضاء في سجل الاحتلال الأمريكي للعراق وعلى مدى خمسة أعوام, ويمكن إعتبارها إنجازا تفتخربه إدارة الشرالأمريكية وحكومة بغداد التابعة لها. فصفحات الاحتلال, منذ أن وطأت أقدام أحفاد هولاكو الأمريكيين أرض العراق, ملطخة بدماء آلاف العراقيين الأبرياء. وإن أيامه ولياليه السوداء لا تعرف,على مدارالساعة, غيرالقتل والدمار والخراب الذي عمّ الوطن من شماله الى جنوبه. ولم يسلم من هذا الجحيم"الدميقراطي" الأمريكي حتى الموتى. لكن أمريكا التي خسرت مليارات الدولارات وآلاف القتلى والجرحى, لم تستطع تحقيق حتى واحد بالمئة من مشاريعها في العراق الجديد رغم عشرات الخطط ومئات الخبراء والمختصّين والأموال الطائلة التي وضعتها من أجل الاستحواذ على العراق وتدجين شعبه الأبيّ وتحويله الى قطيع من الماشية لا يبتغي غيرالماء والكلأ. وبسبب جهل فاضح وقصرنظر سياسي اضافة الى كم هائل من الحقد الأعمى على النظام الوطني السابق والرئيس الشهيد صدام حسين, رحمه الله, أصيبت أدارة المجرم جورج بوش بعمى الألوان فعجزت عن رؤية اللون النقي للشعب العراقي فخيّل لها إن غزوها البربري لعاصمة الرشيد سوف يتحوّل الى أعراس وأفراح يطرب لها جهابذة الصهاينة من أمريكان ويهود ومجوس.
إن عراق اليوم, الذي تسوده الفوضى والضياع وفقدان الأمان والأمل والفقرالمدقع, ليس كعراق الأمس, حيث يعمّ السلام والخير والمحبة, وحيث كان العراقي, رغم قسوة الحصار الأمريكي الجائر وظلم بعض ذوي القربى, مرفوع الرأس مزهواً بانتمائه لوطن كان كالأم الحنونة بالنسبة لجميع أبنائه. لم يفرّقنا لون ولا عرق ولا مذهب. وخلافا لما هو عليه عراق المنطقة الخضراء, عراق الملل والنحل والطوائف والمذاهب المتصارعة, كان عراقنا قبل الغزو الأمريكي, بيتا آمنا للجميع. وعلى العكس من"قادة" العراق الجديد, وهم خليط من اللصوص والسماسرة وأمراء الحرب والفاسدين والمفسدين, لم يُعرف عن قادة النظام الوطني السابق, رغم عمليات التشويه والافتراء المنظمة التي قامت بها أمريكا ضدّهم, غيرنظافة اليد والقلب واللسان. وكانت خدمة شعبهم وحماية مصالحه الوطنية هدفهم الأسمى. وليس ثمة حدود لاخلاصهم وحبهم للعراق. وبمناسبة مرور الذكرى الخامسة لعدوان أمريكا وغزوها البربري للعراق علينا أن نتذكر دائما إن ديمقراطيتها الفريدة من نوعها قامت بتدمير مؤسسات الدولة العراقية وألغت وجودها وأصبح العراق دويلات ومحميات تتحكّم فيها عشائر وعصابات وأحزاب طائفية مدعومة بميليشيات مسلّحة معظمها تابع لحكومة المنطقة الخضراء نفسها. كما أثمرت ديمقراطية المجرم بوش الصغيرأكثر من مليون ونصف بين قتيل ومصاب, وأربعة ملايين لاجيء ومشرد وهارب ومطارد داخل وخارج العراق. ولا ننسى طبعا الأيتام والأرامل الذين تجاوز عددهم الخمسة ملايين. وآلاف السجناء والمعتقلين في سجون العراق الجديد بلا ذنب أو تهمة أو محاكمة. وأبشع ما في هذه "الديمقراطية" التي جلبتها أمريكا لنا هو حملتها الاجرامية المنظمة, وحسب قوائم معدة سلفا في طهران وتل أبيب, والرامية الى تدميرالعقل العراقي وإلغاء الذاكرة الجمعية للعراقيين. فلم تتوقف الى يومنا هذا جرائم القتل والاغتيالات والخطف والتهديد بمغادرة البلد, لخيرة علماء وأساتذة وكوادرالجامعات العراقية, وكذلك قادة وضباط الجيش العراقي السابق. ولكن, ومع كل هذا الخراب والدمار والموت, تبقى قلوبنا عامرة بالايمان وآمالنا كبيرة بحتمية النصر وقرب ساعة الخلاص من الاحتلال الأمريكي الغاشم ومن حالفه وآزره وساعده ولعق أحذيته. فالشعب العراقي, بصبره وصموده البطولي وبمقاومته الوطنية الباسلة, كفيل بأن يعيد للعراق حريته وسيادته كاملة, وأن يطهّره من كلّ ما علق به من جراثيم طائفية وفيروسات عنصرية وشوائب مذهبية. محمد العماري [email protected] المصدر بريد الفجرنيوز