جزءٌ كبير من الإجابة على التساؤل اتضح لأهل السودان بل ولمن هم خارجه وهو ذلك البديل المطروح لاستخلاف البشير فقد كان المشهد واضحاً بجلاء في ذلك النزاع والتفرق والتباين الذي عاشته المعارضة في تداول أمر المقاطعة ولم يقف الأمر عند ذلك المشهد البائس بل تطور لكي يعلن كل حزب مشاركته من جديد وان على استحياء أو اشتراط من البعض لاستمرار المقاطعة , هذا الموقف بحد ذاته أعاد تذكير السودانيين بمأزق تقاسم الحكم حين تكون النخبة السياسية دون مستوى التداول الديمقراطي وإقرار الشراكة وبالذات حين تتحول الطائفية الصوفية إلى أحزاب فيتحول اشتراك الحزب إلى ما يدفعه المتنسك عند ضريح ذلك الإمام أو سواه وعليه يكون عضوا في الطريقة وفي الحزب السياسي معاً , وهو كذلك حين تحولت الأحزاب إلى طوائف تتفرق وتنشق ولا يجمعها إلا قادة المتمردين سابقا والجنوب حاليا . ولم تكن مشاركة ياسر عرمان لكي تغير شيء من المشهد رغم المقلب الذي وجهته حركة الجنوب إلى المعارضة في المشاركة وسحب مرشحها , فياسر ذاته لم يكن سوى كومبارس يقذف به سيلفا كير في أوساط الشمال لتحقيق برنامج مناكفة موسمية ليضغط على المؤتمر الوطني والبشير لتقديم تنازلات ثم يُسحب بعد أداء المهمة خاصة بان لأهل الشمال ارث تاريخي من الدماء وشهداء الجيش وقوات الدفاع الشعبي لطالما رقص ياسر على جراحهم وامتهن كرامتهم وسخر من أشلائهم فلم يكن وارداً أن يُشكّل منافساً فضلاً عن بديل يُزيح البشير . وهذا التقييم ينتقل تلقائيا لكي يوضّح بان وضع المؤتمر الوطني ليس ذلك المنافس القوي الواثق من أدائه الديمقراطي والتنموي بل كان شريكاً في رحلة التيه السودانية ولكن إذا كان هناك مقارنة بين النسبية المطلقة فسيبقى للبشير والمؤتمر رصيد باعتبار انه حزبه التابع له وليس البشير يتبع للحزب ولا يمكن للسودانيين أن يفرطون فيه لتلك الموائد المفتتة المتقاتلة في ظل تهديدات للأمن القومي للسودان , ودائماً ما شكّل هجوم د الترابي على البشير دعاية انتخابية للثاني فلطالما كره أهل السودان خاصة في الزمن القديم فيقهة الشيخ حسن وتجاوبوا مع بساطة البشير وطلاقته وقبلوا منه رغم أخطائه وبالذات لان البشير كان في نظرهم سوداني إسلامي مستقل ولم يكن من قبيلة الحزب الحركي , ولذلك كانت كل هتافات الترابي تبعث على السخرية لكونه فَجَر في الخصومة مع المشروع الذي تبنّاه وشارك في زراعته ثم حين خالفه حرّض عليه عند أول لحظة مسجلا انقلابا خطيراً على التاريخ حين أتهم بعيد الرئيس البشير بانه هو من كان وراء محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أثيوبيا , فكان السقوط الأول أمّا الثاني فهي مبادرته المتحمسة لتسليم البشير لأوكامبوا مع نقده المستمر الذي قلب كل ما جرى من ثورة الإنقاذ إلى مسبة يلعنها ليلا ونهارا بعد ان كان عرابها. هذا النوع من المواقف لمن يعرف طبيعة الشعب السوداني لا حظّ لأصحابه لديهم إضافةً إلى أنّ ما شهده السودان من تحرر من الطائفية السياسية واستقلال العقل الوطني وان وجدت ممارسة قمعية ليست مجهولة إلاّ أنّ حجم ما صُبَّ على السودان من تدخلات خارجية جعل البشير في عيون الناس خيارهم الأفضل وان خصومه الخيار الأسوأ لذلك اكتب هذا المقال قبل نتائج الانتخابات لإدراكي لهذه المقاربة في الخرطوم وهذا لا يُقلل من حجم الإحباط والقصور الضخم والقمع الذي يجري في السودان لكنه يبدوا للناخب كما للمراقب أنّ السودانيين سيمنحون البشير فرصة أخيرة ليس لأهليته المطلقة ولكن حتى لا يُتاجر الأسوأ بمعاناتهم فيما عليه هو أن يلتقط الرسالة الأخيرة بأنّهم هذه المرة إن لم يصلح ما يكفي لثقة هذا الشعب الباقية بشخصه فسيلعنوه كما لعنوا الترابي . الاسلام اليوم الاثنين 27 ربيع الثاني 1431 الموافق 12 إبريل 2010