اتحاد الفلاحين.. أضاحي العيد متوفرة والأسعار رغم ارتفاعها تبقى " معقولة "    انتشال 4 جثث آدمية واحباط عمليتي "حرقة" من صفاقس..    ذهاب نهائي ابطال افريقيا.. التشكيلة الاساسية للترجي والاهلي    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    منوبة: الاحتفاظ بصاحب كشك ومزوّده من أجل بيع حلوى تسبّبت في تسمم 11 تلميذا    قريبا: اقتناء 18 عربة قطار جديدة لشبكة تونس البحرية    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    مديرو بنوك تونسية يعربون عن استعدادهم للمساهمة في تمويل المبادرات التعليمية في تونس    الهيئة الإدارية للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس تدعو إلى عقد مجلس وطني للمنظمة خلال سبتمبر القادم    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    قابس: نقل 15 من تلاميذ المدرسة الاعدادية ابن رشد بغنوش بعد شعورهم بالاختناق والإغماء    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    عاجل/ القصرين: توقف الدروس بهذا المعهد بعد طعن موظّف بسكّين امام المؤسسة    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الجابري: الطموح والنتيجة : زكريا محمد


غاب الجابري.
غاب، لكن بعد أن وضع لنا الأساس لمشروع فهم متكامل لما يسمى بالتراث العرب-الإسلامي.
كل مشروع يريد أن يفهم هذا التراث بكليته، سوف ينطلق بعد اليوم من الجابري، رافضا أو قابلا له. فقبله كانت مشاريع فهم هذا التراث قطعا صغيرة. كانت محاولة لفهم جزء منه أو قطعة. أما هو فقد حاول لم التراث بكليته.
أهمية مشروع الجابري تقع هنا، أي في محاولة الإمساك بالتراث ككل، في محاولة اكتشاف تاريخ داخلي له، وليس في النتائج التي وصل إليها. النتائج مختلف عليها، وهذا طبيعي جدا. لكن المحاولة كانت فتحا. وإذا أردنا أن لا نظلم أحدا، فيمكن القول أنها كانت فتحا مغربيا، أو مغاربيا، وأن الجابري كان في جوهر هذا الفتح.
في اللحظة التي صدر فيها (نقد العقل العربي) بأجزائه الثلاثة، أخذتنا المفاجأة. بدا وكأن واحدا ما سقط علينا وحل لنا المسائل الجوهرية دفعة واحدة. في ما بعد، وبالتدريج، نهضت مجادلات تنسف من الأساس ما توصل إليه الجابري. فكل ما أتى به الجابري هو أنه، من جديد، أعاد تأكيد ما قاله الاستشراق مئات المرات: العقل رحلة من الشرق إلى الغرب. رحلة جغرافية في نهاية المطاف. وحركة العقل العربي هي حركة من (مشرقية) ابن سينا إلى (مغربية) ابن رشد. لكن مغربية ابن رشد هي، في النهاية، أرسطو، أي أوربا. أي أن الرحلة، في الوقع، رحلة إلى أوربا. العقل أوربي، أي غربي، أو شمالي حسب الطيب صالح في (موسم الهجرة إلى الشمال). أيختلف هذا عما يقوله المستشرقون؟
في النهاية، وحسب منطق الجابري، ليس للفلسفة العربية، ولا للعقل العربي، تاريخ بحد ذاتهما. أي ليس لهما تاريخ داخلي. تاريخهما خارجي. تاريخهما هو الرحلة إلى الغرب. الرحلة وراء الشمس: من بدئها، من طفولتها، في الشرق، إلى نضوجها واكتمالها في الغرب. الغرب هو الشمس في نضوجها.
رحلة العقل العربي رحلة، إذن، رحلة رفض للذات، والتخلص منها. رحلة الهروب من الغزالي إلى حضن ابن رشد، وابن رشد في النهاية أرسطو. أي انه ليس داخليا، او ليس داخليا تماما، على الأقل. وهذا يشبه أدونيس تماما: (يبتدئ السقوط من مدائن الغزالي). الفارق، ربما، أن أدونيس لا يذهب نحو أرسطو، بل يذهب إلى (الكشف والرؤيا والهجس)، أي إلى النفّري وأشباهه. فمدائن الغزالي مدائن قوننة وترسيم وتحديد، أي مدائن عقل في نهاية الأمر، وإن كان عقلا مقيدا، حسب الفكرة.
مشروع الجابري مشروع هائل الحجم، مشروع فهم للتراث بكليته، ومرة واحدة. أي أنه، مبدئيا، مشروع وحدة التراث. مشروع ان لهذا التراث منطقا وسيرة وحياة. لكن ما أقعد هذا المشروع إنما هو المنطق الذي أسقط عليه من الخارج، منطق الحركة من الشرق إلى الغرب. وهي، في النهاية، ليست حركة داخلية عربية-إسلامية، أي حركة من المشرق العربي إلى المغرب العربي، بل حركة من الداخل إلى الخارج: أي من العرب والإسلام إلى أوربا، من آسيا وإفريقيا إلى أوربا. فالعرب تمكنوا من اكتشاف العقل حين حلوا في أوربا، في الأندلس. لقد كان عبد الرحمن الدخل، وطارق بن زياد يلاحقون العقل الهارب من العرب والمسلمين. وحين احرقوا السفن، فقد احرقوها كي لا يعودوا إلى الشرق، إلى اللاعقل.
حركة العقل العربي، بهذا المعنى، حركة ترك الغزالي ورميه والاكتفاء بأرسطو. وكيف يمكن عمل تاريخ للعقل العربي وللفلسفة العربية، إذا ما رمي الغزالي؟ رمي الغزالي يعني أننا نتقدم من السجستاني ومسكويه إلى سقراط، أي من الإغريق إلى الإغريق.
عليه، فالأمور لم تحل.
ما كان جديدا وجميلا، غنما هو حجم الطموح. زاد الطموح واتسع. صار محاولة لفهم الكل مرة واحدة. لكن الفهم لم يأت بجديد. المحاولة كانت أهم من المنتوج.
وحول المدينة الفاضلة، ما الفارق بين الفارابي وبين ابن رشد؟ ليس في العقل، وإنما في الظروف. ابن رشد كان أقرب إلى فهم معنى المدينة الإغريقية لأن الأندلس كان أقرب إلى الإغريق قبل فيليب والإسكندر. أي أنه كان دولة-مدينة. كانت كل مدينة دولة، كما كان الحال مع أثينا واسبرطة. الشرط التاريخي هو الذي جعل مدينة ابن رشد أقرب إلى مدينة أفلاطون، وليس العقل. أما الفارابي فلم تكن لديه دولة مدينة. كان أمام إمبراطورية. لذا فمدينته كانت مجرد فكرة.
تفسير القرآن
كل مشروع ضخم، كل محاولة للمّ التراث، لفهمه ككل، ستنتهي إلى تفسير جديد القرآن. هذا يشبه القانون. لذا انتهى الجابري في سنواته الأخيرة إلى تفسيره الخاص للقرآن في أجزاء ثلاثة. عمل تاريخ للعقل العربي، أي للفكر والتاريخ معا، يلزم بعمل تفسير جديد للقرآن. لا يكتمل الفهم إلا بالتفسير. والتفسير هو، في الجوهر، تفليت للقرآن من المطلق وتحيينه. إدخال الزمن فيه. كل تفسير تحيين. أي إدخال للوعي الطارئ، الحديث، إلى القرآن.
تفاسير القرآن، أيا كان مدى طموحها، هي، في النهاية، اختصار لحركة الفكر العربي، حواره مع ذاته، ورغبته في فهم ذاته. ليس الجابري وحده من انتهى إلى تفسير القرآن. طه حسين فعل ذلك بشكل ما. لم يقل لنا أنه يفسر القرآن، لكن إسلامياته كانت تستبطن تفسيرا محددا للقرآن.
لم نقرأ بعد تفسير الجابري للقرآن كي نتمكن من الحكم عليه: أهو استمرار لمشروعه، أم زوغان عنه، وتعديل لمساره؟ نتساءل لأن الدخول إلى حقل تفسير القرآن قد يتيح عبور مسالك مختلفة. بالطبع، يمكن بسهولة ان يكون تفسير القرآن وسيلة أخرى لتأكيد ما هو مؤكد عن المستشرقين: أي الحركة من الشرق إلى الغرب. وذلك بالطريق المألوف: نزع القرآن من العالم الذي نشأ فيه، ونزل له، ليصبح مجرد تكرار للعهد القديم والجديد، أي مجرد تكرار للغرب، ما دام العرب قد حول العهدين إلى ملكية خاصة.
سهل جدا أن نسير في هذا الطريق. فهناك ملايين الصفحات التي من شأنها أن تضلل العقل وأن تغويه، وان تجعله يؤكد الرحلة: من الشرق إلى الغرب، من الحدس إل العقل، من اللاعقل إلى العقل.
في كل حال، لقد حاول الجابري أن يعثر على تاريخ ما للفكر العربي، للعقل العربي. صحيح أنه وجده خارجه، أي أثبت، في الواقع، أنه بلا تاريخ، أي أن حركته مجرد انتقال جغرافي من الشرق إلى الغرب، لكن كل محاولة حقيقية لوعي الذات والهوية، ووعي الأخر من ثم، ستبدأ من حيث بدأ الجابري: أي من العقل في حركته التاريخية. أي من محاولة وعي التاريخ، والوقوف فوق أحداثه. من دون هذا الوعي سنظل بلا تاريخ، أي سنظل أطفالا، كما كان حال الإغريق حسبما أوضح الكاهن المصري لصولون في محاورة طيماوس: (أنتم الإغريق مجرد أطفال. ليس هناك من رجل مسن في اليونان). ذلك أن البلوغ بالمعنى الحضاري هو وعي الذات، أي وعي حركتها في التاريخ.
وقد حاول الجابري أن يصل إلى هذا الوعي، أن يمسك به، أي ان ينقلنا من الطفولة إلى الرشد. وقد كانت محاولة كبرى ولا شك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.