قد يكون غرق قوارب الهجرة السرية وعلي متنها عشرات المهاجرين الافارقة والمغاربيين المظهر الأكثر مأساوية في هذه الظاهرة، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل تستمر معاناة عائلات الضحايا، وآخرها الانتظار حتي الآن لنقل جثث شباب مغاربة غرقوا في مضيق جبل طارق في نهاية السنة الماضية. يوم 31 كانون الاول (ديسمبر) الماضي غرق قارب في مياه مضيق جبل طارق، علي بعد ميل ونصف الميل من شواطئ قادش، وعلي متنه 24 شابا مغربيا انتشلت جثث 16 منهم في الحين واعتُبر الباقون في عداد المفقودين. جري التعرف علي أفراد عائلات الشبان المغاربة الذين فقدوا حياتهم، لكن حتي الآن يرفض القضاء الاسباني تسليم الجثث مشترطا تحليل الحمض النووي لتحديد هوية كل جثة والعائلة التي ستتسلمها لنقلها لاحقا الي المغرب ودفنها. لكن العملية التي كان من المفترض أن تتم في ظرف بضعة أيام لم تنجز حتي الآن، مما يبقي الجثث في مستودع الأموات بمدينة الجزيرة الخضراء رغم مرور قرابة ثلاثة أشهر. وما لا يأخذه القضاء في الحسبان ان أفراد عائلات الضحايا، وجلهم من أقاليم وسط المغرب مثل خريبكة وقلعة سراغنة وبني ملال، لم يحصلوا علي تأشيرة للقدوم الي اسبانيا حتي يخضعوا لتحليل الحمض النووي لتحديد هويات الجثث. ولهذا السبب حاولوا الدخول الي مدينة سبتة الواقعة شمال المغرب أو تسليم عينات من الحمض النووي عند الحدود بين هذه المدينةالمحتلة والأراضي المغربية، إلا أن الشرطة الاسبانية ترفض التعامل معهم. وطالبت جمعية أصدقاء عائلات ضحايا الهجرة السرية من الحكومة المغربية ودبلوماسيتها بالضغط علي اسبانيا لمعالجة هذا الملف المأساوي ومراعاة آلام ومعاناة أهالي الضحايا، غير ان الملف لم يسجل أي تقدم يذكر حتي الآن. وهناك جانب آخر لهذه المأساة، فالذين غرقوا هم 24 شابا وعدد الجثث المنتشلة هو 16، وبالتالي ستجد ثماني عائلات أن أبناءها في عداد المفقودين مما سيزيد من معاناتها، في حين يجد الآخرون عزاء ومواساة في دفن ذويهم في مقابر اسلامية بالقرب من مقرات سكنهم. ويكلف نقل جثة غريق من اسبانيا الي المغرب قرابة ثلاثة آلاف يورو، وهو مبلغ ليس في متناول عائلات الغرقي، وهي في مجملها فقيرة، وإلا ما غامر ابناؤها بحياتهم. وتحولت ظاهرة ترحيل الجثث الي مأساة حقيقية لسببين: الأول عدم تقديم السلطات المغربية الدعم المطلوب لعائلات مكلومة بفقدان ابناء انتظرت بفارغ الصبر ان تراهم شبانا يافعين، وحالة جثث الجزيرة الخضراء خير معبر عن ذلك. ولا تتدخل الرباط إلا في حالة ما أثيرت ضجة إعلامية محليا ودوليا حول مأساة ما. والثاني هو تردد القضاء الاسباني في تسليم الجثث إذا لم يتأكد من هويتها وهوية عائلاتها بالاعتماد علي الحمض النووي. وبلغت المأساة ذروتها عندما بقيت جثة شاب مغربي ثلاث سنوات في أحد مستودعات الأموات (ما بين 2003 الي 2006) انتهت بدفنها في مقبرة الجزيرة الخضراء بسبب عدم معرفة عائلته.