يأتي انعقاد المؤتمر الإسلامي الدولي الثاني للمركز العالمي للتجديد والترشيد تحت شعار"ترشيد السلوك والأفكار" بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، وبمشاركة نخبة من خيرة العلماء والمفكرين من مختلف البلاد العربية والإسلامية، يأتي هذا الحدث الهام وسط ظروف خاصة على المستويين الإسلامي والدولي، أبرز ملامحها هذا التكالب الغريب من أعداء الإسلام للإساءة إليه والمسّ بمقدساته. هذا في الوقت الذي تواجه فيه الشعوب المسلمة تحديات مصيرية على مختلف الأصعدة، ليس أقلها شأنًا ظاهرة التطرف والغلو بتجلياتها التدميرية المشهودة، وتداعياتها الأمنية والسياسية المعروفة. وليس اعتباطًا أن تركز موضوعات هذا اللقاء الإسلامي الدولي على ظاهرة التطرف التي تمثل اليوم أحد أبرز التحديات التي تواجه المشروع الحضاري الإسلامي. ومن هنا فاللحظة التاريخية تدعونا لتجسيد منهج الوسطية والاعتدال في واقع حياتنا، من خلال مراجعة تأصيلية متأنية لفكرنا وتوجهاتنا وعلاقتنا بالآخر.. مراجعة تنطلق من نصوص الوحي ومقاصد الشريعة، وموروث الأمة وتراثها الحضاري. إن أعظم تأصيل لمفهوم الوسطية- كما نؤمن بها وندعو إليها- نجده في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر ولن يشادّ هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا». وبالتالي فالأمة اليوم أحوج ما تكون لتجسيد مفهوم صحيح للوسطية باعتبارها قواعد منهجية عامة، مستمدة من نصوص الوحي ومقاصد الشرع، وتراث الأمة، والموروث الإنساني عامة. وكما قال الشيخ سلمان بن فهد العودة فالعمل لهذا الدين مرتبط بالولاء لله ولرسوله أولاً وأخيرًا، وهذا الدين أكبر وأكمل من أن يكون الولاء فيه لجهة أو طائفة معينة. ورغم أن الكثير من صور الخلاف بين الجماعات الإسلامية هو اختلاف في الفروع والجزئيات نشاهد– مع ذلك– هذا لاصطفاف والتخندق الغريب والمريب "ذات اليمين وذات الشمال" عبر الساحة العربية والإسلامية! ندوة نواكشوط الإسلامية الدولية تستمد خصوصيتها كذلك من المرحلة الراهنة (إقليميًا ودوليًا) التي تشهد هجمة شرسة وغير مسبوقة، تمثل في حقيقتها جانبًا من الصراع الفكري والحضاري بين العالمين الإسلامي والغربي (النصراني) ، وهو ما يتطلب منا مراجعة المواقف، وتحديد المناهج والآليات وأنماط الخطاب الفكري والسياسي بعيدًا عن الارتجالية وسوء الفهم، لرفع التحدي وإيصال الخطاب الإسلامي الأصيل في شموليته وعدله.. وسماحته ووسطيته للعالم أجمع، قيامًا بواجب التبليغ، وتجسيدًا لمبدأ الاستخلاف، ورحمة بالإنسانية جمعاء. كما أن هذا اللقاء الفكري الإسلامي العالمي يعدّ جهدًا مشكورًا للمركز العالمي للتجديد والترشيد الذي يرأسه العلامة والمفكر الإسلامي المعروف الدكتور عبد الله بن بِيه، لتعزيز نهضة الأمة، ومواجهة تحديات المرحلة بتصورات متزنة وحلول واقعية رصينة، تنطلق من مرجعية الأمة وخصوصيتها الثقافية والحضارية.