• نخبة الجيش الصهيوني كانت مرعوبة أمام إرادة أبطال الأسطول • حزّ في نفسي أن لا يكون هناك تونسيون ضمن الأسطول • كانوا يطلقون الرصاص مباشرة في الجباه وعلى الظهور • الأساطيل الإنسانية جعلت من صوت المواطن العادي صوتا قويا وحادا "صالح الأزرق" الإعلامي التونسي المقيم في لندن، كان التونسي الوحيد الذي شارك في "أسطول الحرية" لكسر الحصار عن غزة... اتصلت به "الوطن" هاتفيا في لندن وأجرت معه حديثا حول المجزرة التي ارتكبها الكيان الصهيوني ضد النشطاء المدنيين في المياه الدولية. و"صالح الأزرق" هو أحد الإعلاميين المتميزين يعمل منذ سنوات ضمن فريق قناة "الحوار اللندنية" وفيما يلي نص الحديث: أولا، حمد الله على السلامة من هذه المجزرة الصهيونية. الله يخلّيك، هي فعلا مجزرة ارتكبت ضد المدنيين، سقط فيها 9 شهداء ونحو 60 جريحا، وربّما لو قارنّا هذه الأرقام بمعارك أخرى شنّها الكيان الصهيوني سنكتشف حجم هذه المجزرة وهذه الجريمة. كنت التونسي الوحيد المشارك في "أسطول الحرّية"، هل أنّ ذلك مثّل لكم عامل فخر واعتزاز، أم أنكم شعرتم ربّما ببعض القلق لأنكم كنتم تأملون أن يكون عدد التونسيين المشاركين أكثر؟ صراحة فوجئت أن لا يكون هناك تونسيين ضمن الأسطول، ولا أخفي أن ذلك حزّ في نفسي... لكن في الوقت ذاته أنا أعي جيدا أنّ لكلّ ظروفه وأسبابه التي لا تجعله يشارك في "أسطول الحرية". يبقى من المهمّ الإشارة أنّ غياب التونسيين عن هذا الأسطول لا يقلّل من قوة دعمهم وتضامنهم مع القضية الفلسطينية وحصار غزة... فتونس تقريبا هي أول بلد عربي انتظمت فيه مظاهرة رسمية وشعبية تندد بعملية القرصنة التي استهدفت "أسطول الحرية"... ثمّ لا يجب أن ننسى أن تونس والشعب كانا دائما إلى جانب القضية الفلسطينية. وهناك نقطة أخرى أريد أن أشير إليها وهي أن التونسيين ليسوا وحدهم من لم يشاركوا في هذا الأسطول: السودانيون والليبيون أيضا... طبعا انا فوجئت بهذا الأمر لكن دائما التمس لهم الأعذار لأننا لا نعرف ظروفهم. سمعنا العديد من الشهادات عن المجزرة والقرصنة التي ارتكبها جنود الكيان الصهيوني... ماذا يمكن أن يضيف صالح الأزرق؟ ما حصل هو اكبر من القرصنة، هي جريمة بكل المقاييس ارتكبتها "إسرائيل" في المياه الدولية وهي لا تستطيع أن تكذب وتقول إنها قامت بذلك في المياه الإقليمية في غزة. أنا وكثير من المشاركين كنا مستعدين للإعتراض أو الإعتقال أو العرقلة من قبل "إسرائيل"... لكننا صراحة لم نكن نتصور أن يكون هناك إنزال جوي تشارك فيه نخبة الجيش الصهيوني... وأن يطلق الرصاص على النشطاء والمتضامنين مباشرة في الجبهة (أي على الجبين)... نعم في الجبهة وفي الظهر... لا أستطيع أن أصف تلك المشاهد الرهيبة ورائحة الدم التي تغطي المكان. المجزرة كشفت المزيد من عورات الكيان الصهيوني... وكشفت حماقته وغلظته وإلاّ كيف تنفذ هذه الجريمة ضدّ مدنين عزّل... اعتقد أنّه على المجتمع الدولي أن لا يقف مكتوف الأيدي في المستقبل. ولو سمحت هناك استنتاجات خرجت بها وهي أن "الجيش الإسرائيلي" هو جيش مرعوب... جيش جبان صحيح أنّه يملك التجهيزات الحديثة (رأينا أسلحة جديدة وملابس مختلفة...) لكنه غير قادر أنْ يصمد ويقف أمام من له الإرادة ومن يدافع عن قضية عادلة، شخصيا شاهدت بأم أعيني كيف كان الشباب يجرّون "نخبة هذا الجيش" وكيف كانت هذه "النخبة" (التي جاءت من حيفا) مرعوبة أمام قوة وإرادة من على السفينة، هو جيش مرعوب وجبان لأن عناصره تدرك أنّها تدافع عن الظلم. بعض المراقبين والمحللين بدؤوا يتحدثون عن سلاح "القوافل والأساطيل الإنسانية" لكسر الحصار عن غزة، وهناك من رفع درجته إلى مستوى المقاومة. من وجهة نظرك ما هي حدود هذا السلاح وهل يمكن أن يعوض بقية أشكال المقاومة؟ كمواطن عربي اعتقد أنّ هذا السلاح، هو سلاح حادّ والدليل أن "إسرائيل" ارتكبت المجزرة التي خلفت 9 شهداء و60 جريحا... وأن "أسطول الحرية" عرّى ما تبقى من عورات الكيان الصهيوني... وهو ما لم يستطع "الرسميّون" القيام به. وحين كنّا في "سجن بئر السبع" زارنا القنصل البريطاني وممثل عن الصليب الأحمر وغيرهم وأكدوا أن هذه المجزرة ضد "أسطول الحرية" لم يشهدوها سابقا. القافلة تمكّنت بشهدائها ودمائها أن تجعل من صوت المواطن العادي صوتا قويّا وحادّا... صوتا بلغ العالم كلّه وعرّى "إسرائيل" وعرّف بحصار غزة... كيف تفسّر قوّة الحضور التركي والأوروبي وغيره في هذه الأساطيل مقابل ضعف الحضور العربي والمغاربي؟ لا أعتقد أن هناك ضعفا في الحضور العربي، فالجزائر شاركت بوفد يتكوّن من 32 فردا من ضمنهم رسميين وإعلاميين وشباب (فتاة تدعى عائشة عمرها 20 سنة) كذلك الأردن والكويت التي لابدّ أن أقول مشاركتها كانت هامة بشهادة الجميع. ربّما بعض الدول الأخرى تأخرت عن المشاركة... لكن الأكيد أن لها أسبابها وأعذارها. أمّا بالنسبة لتركيا التي كان حضورها قويا (أهم سفينة في الأسطول سفينة مرمرة تحمل 650 فردا) فإن ذلك إشارة إلى عودتها بقوة إلى الساحة السياسية في الشرق الأوسط والساحة الإسلامية عموما. لو أتيحت لكم فرصة المشاركة في أسطول آخر... هل ستقومون بذلك، خاصة بعد الذي وقفتم عليه؟ صدّقني لم أمسك سلاحا في حياتي ومع ذلك لم أشعر بالخوف عندما شاهدت الجنود الصهاينة المدججين بالأسلحة... لم أشعر بالخوف لأني رأيتهم مرعوبين وخائفين... كما أني لم أر الخوف في أعين أي فرد من أفراد السفينة التي كنت عليها والسبب أن الجميع كانوا يدركون أن الجنود الصهاينة هم الخائفون وهم المنبوذون... هم الأقزام ونحن من يملك الإرادة والقوة... وأقولها بوضوح لو خرجت غدا قافلة جديدة سأخرج معها. كيف تنتظر أن يتم استقبالك في تونس عند عودتك؟ أنتظر أن أدخل مطار بلادي كما كنت أدخل دائما وأتوجه إلى مسقط راسي في الجنوب التونسي. صحيفة الوطن التونسية 11 جوان 2010 المصدر بريد الفجرنيوز