كتبها عبدالحميد العدّاسي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكلّ عام والمسلون في كلّ شبر من هذه المعمورة بخير وسلام. وبعد فإنّه عيد يذكّرنا بالتضحية في أعلى درجاتها... فقد أُُرِي ذلك الأب الذي وصفه الله سبحانه وتعالى بأنّه صاحب قلب سليم، أي قلب فيه جوامع كمال النّفس ومصدر محامد الأعمال وجُماع مكارم الأخلاق، وفي الحديث : "ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"(1)، أُرِي بأنّه يذبح ابنه "الحليم" نتاج الدّعاء الصالح المخلص: "ربّ هب لي من الصالحين"، ذلك الذي لم يتردّد في الإذعان لأمر ربّه ولطلب أبيه "يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين". فالعيد الذي يأتي - كما يقول علماؤنا - في أعقاب الجهد المبذول من العبد، المؤمن الخانع لربّه، يأتي لأغراض وفيرة نافعة منها التوقّف فيه للمراجعة ومحاسبة النّفس والقلب ودعوتهما إلى الإقتداء بالنّموذج ونحن بحضرة نبيّ وابنه أو بحضرة نبيّ جدّ ونبيّ أب عليهما وعلى نبيّنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم. فقد علّمانا كيف تكون التضحية وأخبرنا الله سبحانه وتعالى عن السمت الذي به يرقى المسلم إلى مستوى التضحية. فقوّة الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتسليم بأنّ الأقلام قد رفعت وأنّ الصحف قد جفّت والعِلم بأنّ الثقلين لا ينفعان ولا يضرّان إلاّ بما كُتِب واليقين بأنّ الدنيا – كلّ الدنيا – لا تساوي عند الله جناح بعوضة والتأكّد بأنّ من اعتزّ بغير الله ذلّ، وسائل رفيعة في صقل الأنفس والقلوب وجعلها سليمة مشجّعة لصاحبها على التضحيّة، كلّ بما يستطيع. أسأل الله الكريم أن يوفّقنا إلى محامد الأعمال ومكارم الأخلاق وأن يجرّئنا على التضحية في سبيله وفي سبيل الحقّ وأن يرزقنا من فضله ثباتا على المبدأ لا يتزلل وصبرا لا ينقطع كثبات وصبر إبراهيم موضوع الذكرى عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وأن يعين حكّامنا على التضحية بأنفسهم الأمّارة لتستيقظ فيهم النّفس اللوّامة فيقلعوا عن الصنائع التي حرمتهم مددا طويلة سلامة القلب التّي بها تُقترَفُ الأفعال الطيّبة وتُورَدُ المنابعُ الصافية... وأحني رأسا – في الختام - خجلا أمام سادتي وسيّداتي المساجين والحرومين والمصابين وعائلاتهم لعدم قدرتي على التضحية من أجلهم بما قد يغيّر من وضعياتهم، ولعلّ عزائي يكمن في ثقتي بأنّ الله سبحانه وتعالى قد علم أنّي أتألّم لألمهم ويبكي قلبي لمصائبهم وتمطر عينيّ لبكاء كلمات أحدهم وأبغض كثيرا الظلمة المعتدين عليهم وأدعو الله دائما أن يفرّج عنهم وعن كلّ المأسورين وأصحاب الكروب. كما لا يفوتني أن أخصّ بالتهنئة الإخوة المشرفين على المواقع التي حفظت كلماتنا في مسيرها حتّى أبلغوها مأمنها، سأئلا الله لهم ولعائلاتهم المناضلة المزيد من الثبات على الحقّ وأن يمدّهم بالبركة في الوقت والصحّة في البدن والسكن في الأهل. وأسأل الله في ختام هذه التهنئة النصر لإخواننا في فلسطين والعراق وفي كلّ شبر يتعرّض فيه المسلمون إلى ظلم الظالمين واعتداء المعتدين، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه... (1): من كتاب التحرير والتنوير للشيخ الفاضل محمّد الطّاهر بن عاشور رحمه الله، مع بعض التصرّف...