... إضراب أساتذة تونس مستمر وسط مخاوف من ضرب الحركة النقابية الحياة غرفة صغيرة في مقر نقابة التعليم الثانوي جمعتهم وآلاف المؤيدين يؤمونها يومياً. ثلاثة من أساتذة التعليم الثانوي أعلنوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى استعادة حقوقهم. كلمات التأييد، العناق، الابتسامات والدموع... في جانب المتضامين معهم، هي ما اعتبره المعلمون وقوداً يكفل استمرار إضرابهم. الإقدام على الإضراب كان صعباً، وتطبيقه كان الأصعب، لكن زيارات الدعم اليومية إلى مقر النقابة كانت الدواء لأوجاعهم. بدأ الإضراب في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو لا رجوع عنه، كما يقول محمد المومني، لأن وزارة التربية رفضت أن تعيده وصديقيه إلى عملهم، بعد أن طردوا منه، فضلاً عن نقلها 99 معلماً آخرين إلى مناطق عمل تبعد من أماكن سكناهم 500 كلم. القصة بدأت على خلفية دخول الأحزاب التي ينتمي إليها الأساتذة المضربون في إضراب في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2005, انتقاداً لأوضاع الحريات في تونس، ومحاولة لرفع مستوى المدرسين، وتحديث مناهج التعليم، وإشراك المعلمين في وضعها. ومنذ ذلك الوقت تحول 12 تشرين الأول مناسبة سنوية تتجمع فيها الأحزاب للتعبير عن تأففها من الأوضاع الراهنة. وبما أن الأساتذة الثلاثة يعتبرون الدينمو المحرك لهذا الإضراب، اتخذت الوزارة قرار الفصل في حقهم, وهو ما فسره المومني بأنه رغبة بعض الأطراف «بضرب الحركة النقابية، وتخويف زملائنا من أن يحذوا حذونا». واستغلت الوزارة القانون للإقدام على خطوة الطرد، فهي تملك الحق بالفصل من العمل لمن لا يتبع الخطوات القانونية لتنفيذ الإضرابات والتظاهرات، وهو ما فعله الأساتذة المضربون. وكان الإضراب نظم بدعوة من نقابة التعليم الثانوي، وشارك فيه مئة وعشرة آلاف مدرس في التعليم الثانوي والأساسي. والخطوة لم تتخذ إلا بعد تجاهل مطلب رفعه الأساتذة المعينون بعيداً من أماكن سكنهم في 11 أيلول (سبتمبر) 2007 إلى وزارة التعليم العالي مطالبين بإرجاعهم إلى أماكن عملهم السابقة. لكن المطلب أهمل على رغم الوساطات المتواصلة والنقاش المستمر بين وزارة التعليم الثانوي ووزارة التربية. وتنتمي نقابة التعليم الثانوي إلى المنظمة الأم والأقدم في تونس، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل. ما يبرر التجاوب الواسع مع مطالب المدرسين. ويصدر الاتحاد يومياً بيانات تحتوي على آخر أخبار المضربين، وحالتهم الصحية، والوفود التي جاءت لزيارتهم. ويقول المومني ان الحل بالعودة إلى العمل، «وبما أن حجة الوزارة هي نقص الكفاءة، فيمكن الرجوع إلى التقارير «البيداغوجية» التي تقدم من جانب إدارة المدرسة كل عام، وهي كلها تشهد بالخبرة والكفاءة، وهي تقارير تطلب كتوصية نهائية إعادة الانتداب للعمل». ويتابع المومني: «هناك مدرسون منذ 15 عاماً يمارسون مهنة التدريس والتقارير في حقهم لا تتضمن التوصيات التي قدمت بنا، أما نحن وبعد عام من التدريس وبعد شهادة التقدير فعل بنا ما فعل». ويؤكد المومني ان الإضراب ليس سياسياً بل نقابي، «الهدف منه الدفاع عن قضيتنا وقضية زملائنا، والحد من التعسف المطبق علينا، ولهذا كان قرار الإضراب في مقر نقابة التعليم الثانوي، وليس خارجها، وهذا يدل على عمق الانتماء الى هذه النقابة، وتحمل النقابة مسؤولية الدفاع عن المنتمين اليها». محمد المومني، علي الجلولي ومعز الزغلامي، أسماء باتت على لسان الجميع. والعمل على الإضراب واستمراره وإنجاحه ليس فردياً، أو مقتصراً على الأساتذة المضربين، بل هناك شبكة واسعة من المتضامنين والزملاء والعلاقات العامة، والعمل مستمر على نشر الخبر عبر رسائل البريد الالكتروني، والمكالمات الهاتفية، والأخبار في بعض الصحف، والقضية باتت شائكة. الحوار مع وزارة التربية مستمر، والوساطات لحل الأزمة مستمرة، وأمل الأساتذة بالعودة إلى أماكن عملهم لم يتبدد، والوضع تعكس حقيقته الكلمات التي بها محمد المومني اختتم: «نحن كان لنا شرف الإعلان عن بدء الإضراب، ونأمل أن يكون لوزير التربية شرف إنهائه».