منذ 111 يوما، يقبع الصحافي المغربي مصطفي حرمة الله بسجن عكاشة في الدارالبيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، يتقاسم زنزانة لا تتوفر فيها شروط الكرامة الإنسانية (حسب شهود عيان) تجمعه مع سجناء الحق العام. هم مدانون في جنح وجرائم مختلفة، وهو معتقل في قضية تتصل بحرية الصحافة، ذنبه الوحيد أنه نشر وثائق عسكرية سرية تهم الرأي العام المحلي في أسبوعية الوطن الآن التي يعمل فيها. فكان أن حوكم بفصول من القانون الجنائي وليس انطلاقا من قانون الصحافة كما يُفترض، وارتأي القضاء المغربي أن يمكث حرمة الله في ضيافة السجن سبعة شهور بالتمام والكمال. زملاء صحافي الوطن الآن وأصدقاؤه وكذا ممثلو المنظمات الحقوقية والإعلامية يتشكون من كونهم ممنوعين من زيارته في زنزانته، حيث حصرت إدارة السجن الزيارة في افراد أسرة الصحافي المعتقل دون غيرهم، مما يضاعف من عزلة حرمة الله ومعاناته. غير أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية سعت إلي تكسير طوق تلك العزلة والتخفيف من قسوة المعاناة المرتبطة بها، فنظمت مساء الأربعاء مهرجانا تضامنيا في نادي المحامين بمدينة الدارالبيضاء، حضره العديد من الإعلاميين والحقوقيين وأسرة الصحافي السجين. الشخصيات التي تعاقبت علي منصة الخطابة نددت بمحاكمة مصطفي حرمة الله وبإيداعه السجن، وقدمت الدلائل علي أن الأساس التي استندت إليه النيابة العامة في اتهامه له باطل كل البطلان. فالصحافي المذكور لم يخف وثائق حصل عليها بوسائله الخاصة، وإنما عمل علي نشرها انطلاقا من واجبه المهني المحض. وأثار المتحدثون مفارقة تتمثل في أن الهيئة القضائية التي منحت زميله عبد الرحيم أريري (مدير أسبوعية الوطن الآن ) الافراج في القضية ذاتها هي نفسها التي أكدت عقوبة السجن في حق حرمة الله. كما استغربوا كون المجلس الأعلي (وهو أعلي هيئة قضائية بالمغرب) سارع في ظرف قياسي إلي إلغاء طلب نقض الحكم الابتدائي والاستئنافي المتعلق بالصحافي المذكور، علما أن هناك العديد من القضايا موضوعة معروضة عليه تتطلب سنوات لكي يبت فيها. وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أجرت اتصالا مع عدة جهات مسؤولة في مقدمها عباس الفاسي رئيس الوزراء بخصوص قضية حرمة الله، لكنها لم تسفر عن أية نتيجة رغم التطمينات التي قدمت في هذا الصدد. مما جعل نقيب الصحافيين يونس مجاهد يميل إلي الاعتقاد بوجود توجه واضح من لدن السلطات المغربية الي التشدد مع أصحاب مهنة المتاعب في المغرب. كما لا يتردد في الإفصاح عن تشاؤمه في موضوع قانون الصحافة الجديد الذي لم يتم إقراره بعد، ومن ثم يقول مجاهد: إذا لم يكن هناك قضاء نزيه ومستقل فكل محكمة ستؤول فصول ذلك كما تريد وتحكم بما يحلو لها . ولاحظ المتدخلون في المهرجان التضامني أن قضية حرمة الله لا تنفصل عما يحصل في مجال الصحافة المغربية خلال الشهور الأخيرة، مستدلين بالأحكام القاسية الصادرة بحق الصحافة والصحافيين وتعرض بعضهم إلي اعتداءات وصلت إلي حد العنف الجسدي. واستنتجوا أن هناك خطة متواصلة للحد من حرية التعبير وخلق توتر في الساحة الإعلامية والسياسية. كما تساءلوا عن سر استثناء الصحافي حرمة الله من القرار الذي أقدمت عليه السلطات العليا بالبلاد أخيرا والمتمثل في العفو عن مجموعة من المعتقلين في قضايا مختلفة والتخفيف من أحكام القضاء بالنسبة للبعض وتمتيع أشخاص متهمين بالبراءة. وقال حقوقيون إن محاكمة صحافي الوطن الآن عكست أعطابا في الخطاب الرسمي المغربي حول التحديث ودولة القانون. كما أشاروا الي وجود أشخاص في أجهزة السلطة يقاومون الانتقال الديمقراطي ويعارضونه ويجعلون الدولة تبدو كما لو أنها هشة وغير واثقة من نفسها إزاء نشر خبر عادي حول حالة الاستنفار الأمني الذي تعيشه البلاد منذ عدة شهور علي خلفية الحملة ضد التهديدات الإرهابية.