المصطفي صوليح أولا خبر بحدث مر وكأنه لم يكن 1.1 علي خلاف شتي الأقاليم الجغرافية الثقافية العالمية الأخري حيث تم اعتماد، منذ عقود، آلية تعاهدية أو ميثاقية مصحوبة بلجنة ومحكمة لحماية حقوق الإنسان مما قد يمسها من انتهاكات من قبل الدول المنتمية للإقليم المعني، ولتأكيد أن دول هذا الإقليم قد لاءمت بشكل سلس بين الخصوصية والعالمية في هذا الصدد وتبنت بلا رجعة معايير حقوق الإنسان وحرياته المنصوص عليها في القانون الدولي لهذه الحقوق والحريات وذلك في تدبير الحياة العامة وفي تنظيم العلاقة بين مختلف أجهزة الدولة والأفراد والمجموعات، لم يحظ إقليم شمال إفريقيا والشرق الأوسط (العالم العربي) بوثيقة، من هذا القبيل إلا قبل قرابة شهر من الآن. 1.2 تسمي هذه الوثيقة ب الميثاق العربي لحقوق الإنسان وهي تتألف في صيغتها النهائية الحالية من حوالي 4379 مفردة موزعة إلي 165 فقرة تقتسمها ديباجة و53 مادة. ورغم أنها صادرة كقرار عن أقدم منظمة دولية إقليمية في العالم تتمثل في جامعة الدول العربية، فإنه لم تتم الموافقة عليها من قبل مجلس هذه الجامعة علي مستوي القمة إلا بعد 14 سنة من اعتمادها و4 سنوات من آخر تعديل طالها لتدخل أخيرا حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ 16 أيار (مايو) 2008، أي بعد شهرين من المصادقة عليها من قبل الدولة السابعة من بين 22 دولة عربية عضو: الجزائر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، ليبيا، فلسطين، وسورية. 1.3 علي عكس ما قد ينتظره المواطن العربي أو الأمازيغي من أن يكون هذا الميثاق ، بالنظر إلي كونه ظهر متأخرا بعدة عقود عن المعاهدتين الأوروبية والأمريكية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، قد جاء جامعا مانعا في كل الشؤون المتعلقة بالإقرار بحقوق الإنسان وحرياته المستحقة للأفراد والمجموعات وحامياً لها ومسائلا ومحاسبا لكل من يتطاول عليها أو يهدرها، فإن أية قراءة في متنه وأي تحليل لمحتواه أو أية دراسة مقارنة له لن تسعف سوي في اكتشاف أن الأمر يتعلق بتعاقد يتم علي مضض بين الحكام العرب من أجل تقنين إقليمي معصرن لانتقاص مستمر لحقوق الإنسان. فكيف ذلك؟ ثانيا وجهان للميثاق: معايير عامة إيجابية وأخري تفصيلية مجحفة 2.1 الوجه الأول، معايير متلائمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان: أ في ديباجته، يؤكد الميثاق علي معايير حق الإنسان في حياة كريمة علي أساس الحرية والعدل والمساواة و حق الأمم في تقرير مصيرها والمحافظة علي ثرواتها وتنميتها، وسيادة القانون ودوره في حماية حقوق الإنسان والرفض لكافة أشكال العنصرية والصهيونية التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وتهديدا للسلم والأمن العالميين . كما يؤكد علي مبادئ ميثاق الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة (.. )، غير أنه سرعان ما يرتد حين ينبه إلي أنه يأخذ في عين الاعتبار إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام ، وذلك رغم أن هذا الإعلان يسيج حقوق الإنسان بالمغالاة في الارتكان إلي الهوية الثقافية العربية الإسلامية ويتغاضي عن الواقع الجد مترد لحقوق الإنسان وحريات الأفراد والمجموعات والجماعات في البلاد العربية والإسلامية ويتوجه إلي مكونات المجتمع الدولي المغايرة من أجل إبراز الاستقلال عن أنماطها ونماذجها المجتمعية والثقافية. ب وفي مادته الأولي التي يفردها لتعداد الغايات التي يستهدفها، يمثل هذه الغايات في: وضع حقوق الإنسان في الدول العربية ضمن الاهتمامات الوطنية الأساسية؛ تنشئة الإنسان في هذه الدول علي ما تقتضيه المبادئ والقيم الإنسانية وتلك المعلنة في الوثائق الدولية لحقوق الإنسان؛ إعداد الأجيال في هذه الدول لحياة حرة مسؤولة تسودها المساواة والتسامح والاعتدال؛ ترسيخ المبدأ القاضي بأن جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة . ج وفي مادته 10 يحظر الرق و الاتجار بالأفراد في جميع صورهما والمعاقبة علي ذلك، كما يحظر السخرة والاتجار بالأفراد من أجل الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو استغلال دعارة الغير أو أي شكل آخر، وكذا يحظر استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة؛ د وفي المادة 40، يلزم الدول الأطراف بتوفير الحياة الكريمة لذوي الإعاقات النفسية والجسدية.. و الخدمات الاجتماعية مجانا لجميع ذوي الإعاقات... (و) الدعم المادي للمحتاج من هؤلاء الأشخاص وأسرهم أو للأسر التي ترعاهم.. ؛ ه وفي الفقرة 5 من المادة 41 يدعو إلي عمل الدول الأطراف علي دمج مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المناهج والأنشطة التعليمية وبرامج التربية والتكوين والتدريب الرسمية وغير الرسمية . 2.2 الوجه الثاني، معايير غير متناسقة بل متناقضة مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. تطول هذه القائمة لتشمل أحكام عدد كبير من المواد، منها: أ المادة 4 المتعلقة بالظروف الاستثنائية والمادة 26 الخاصة بحرية التنقل، والفقرتان 1 و2 من المادة 30 المرتبطة بحرية الفكر والوجدان والدين تجيز للدول العربية الأطراف في الميثاق الانتقاص من الحقوق والحريات الواردة فيها ووضع قيود عليها طبقا لقوانينها الوطنية، وذلك بشكل متناقض، وعلي التوالي، مع الفقرة 13 من التعليق العام رقم 29 للجنة حقوق الإنسان الأممية والمادة 4 والفقرة 3 من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ب المادة 6 والفقرة 2 من المادة 7 تجيزان فرض العقوبة بالإعدام، والفقرة 1 من المادة 7 تجيز فرض هذه العقوبة علي الأطفال دون سن 18 عاما، وهو ما يتناقض مع الفقرة 5 من المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والفقرة (أ) من المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل اللتين تحظران بصفة مطلقة فرض هذه العقوبة علي الأطفال، كما لا تراعي التوجه الذي تبديه دول العالم نحو إلغاء هذه العقوبة نهائيا من قوانينها الوطنية. ج المادة 24 تتضمن أحكاما تمييزية، إذ فيما تضمن للمواطنين في الدول العربية الحق في تكوين الجمعيات والانضمام إليها والحق في التجمع السلمي، فإنها تتيح لهذه الدول إمكانية تقييد ذلك بالنسبة للعمال المهاجرين، الأمر الذي لا يتلاءم مع الفقرة 1 من المادة 2 والمادتين 21 و22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي لا تقصر التمتع بهذه الحقوق علي المواطنين فقط بل تشمل بها جميع الأفراد المقيمين في البلد، كما أنها لا تتلاءم كذلك مع الفقرة 3 من المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادة 25 من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم التي لا تجيز حرمان هؤلاء العمال من الحقوق المنصوص عليها مهما كان سبب ذلك. د المادة 8 المتعلقة بحظر التعذيب لا تقدم تعريفا للتعذيب يتماشي مع المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب ولا تحدد الإجراءات التي تتضمنها في شأنه المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي فهي لا تحظر العقوبة القاسية واللاإنسانية ولا تتضمن عنصر الألم الذي يتسبب فيه التعذيب ولا عنصر إدراج طرف ثالث، ولا تبين أن التعذيب ينطبق علي الأفعال التي يرتكبها الموظفون المنفذون للقوانين والأفراد والجهات غير التابعة للدولة، ولا تحظر تسليم أو إعادة شخص إلي بلد مهدد فيه بالتعرض للتعذيب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة، ولا تحدد نوعية التدابير الفعالة، من تشريعية وإدارية وقضائية، التي ينبغي علي الدول العربية اتخاذها لحماية الأفراد. وفيما تحصر إنصاف الضحايا فقط في تمتيعهم برد الاعتبار والتعويض لا تتيح أمامهم إمكانية التمتع بالتأهيل وضمانات عدم تكرار التعذيب؛ ه الفقرة 2 من المادة 33 لا توسع من مجال حظر العنف ضد المرأة ليشمل، بالإضافة إلي العنف ضدها داخل الأسرة، جميع أشكاله المجتمعية الأخري بما فيها تلك التي يرتكبها الموظفون الرسميون، كما أنها لا تحث الدول العربية علي وضع تشريعات وسياسات تحد من إفلات موظفيها وغيرهم من العقاب إزاء ممارسة العنف ضد المرأة مع تمتيعها بمجموعة التدابير الأخري اللازمة لحمايتها. أما الفقرة 2 من المادة 29 فتنتقص من حق المرأة في إكساب جنسيتها لأطفالها وذلك بربطها بالتشريعات الوطنية، الأمر الذي لا يتناسب مع الفقرة 2 من المادة 9 من اتفاقية القضاء علي جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص علي أن تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في ما يتعلق بجنسية أطفالها ؛ و بالإضافة إلي أن الفقرة 1 من المادة 7 تجيز فرض عقوبة الإعدام علي الأطفال دون سن 18 سنة، فإن الفقرة 2 من المادة 41 المتعلقة بالحق في التعليم لا تشمل بهذا الحق سوي مواطني الدول العربية دون باقي الأفراد المقيمين فوق ترابها، فلا تحترم بذلك أحكام الفقرة 1 من المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل وأحكام الفقرة (ه) من المادة 3 من اتفاقية اليونسكو لمناهضة التمييز في التعليم. كما أن البند (أ) من الفقرة 3 من المادة 34 يترك أمر تحديد سن أدني للالتحاق بالعمل بين أيدي الدول العربية الأطراف في الميثاق، وذلك دون أن يربطه بنظر لجنة حقوق الطفل في التقارير الدورية الذي يؤكد أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يقل هذا السن الأدني عن سن إكمال التعليم الإلزامي. وعلي نفس الغرار لا تحترم هذه الفقرة أحكام الاتفاقية رقم 182 لمنظمة العمل الدولية التي تحظر عمل الأطفال. وإذا كانت المادة 10 من الميثاق تحظر استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة فإنها في المقابل تهمل حظر جميع أشكال تجنيد الأطفال دون سن 18 سنة في القوات المسلحة، وإن المادة 17 تنتقص من حقوق الطفل، أثناء الاعتقال والاحتجاز والمحاكمة وغيرها من مسار الدعوي ضد الطفل الجانح، في عدم التعرض للتعذيب وعدم فرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة عليه (المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل) وضمان احترام خصوصيات حياته الخاصة فلا تنشر أية معلومات حول هويته (المبدأ 8 من قواعد الأممالمتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث قواعد بكين) وألا تكون جلسات محاكمته علنية (المادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل)؛ ز المادة 12 ذات الصلة باستقلال القضاء تتضمن أحكاما عامة دون أن تنص علي التزام الدول العربية بالمبادئ 2، 4، 5، 11 و12 من المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي تكفل مما تكفله الفصل بين السلطات. أما المواد من 13 إلي 18 المفردة للمحاكمات فإنها تنتقص من الحقوق الكفيلة بضمان أن تكون المحاكمات عادلة، وفي ذلك أن الفقرة 2 من المادة 13 تجيز للدول العربية ألا تكون المحاكمات علنية في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان وذلك ضدا علي الفقرة 1 من المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص علي أنه: ... يجوز منع الصحافة والجمهور من حضور المحاكمة كلها أو بعضها لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومي في مجتمع ديمقراطي . والفقرة 7 من المادة 16 لا تكفل الحق في الطعن في الإدانة والحكم علي حد سواء. كما أن هذه المواد تغفل عن التنصيص علي الحق في الاحتجاز في مكان معترف به رسميا (المادة 10 من الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري). وحق الرعايا الأجانب في الحصول علي تسهيلات معقولة للاتصال بممثلي حكومات بلدانهم وتلقي زيارات منهم (المادة 10 من الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري). ثالثا ميثاق بآلية عرجاء للتتبع وبدون آلية للاحتكام 3.1 يكتفي الميثاق في مادته 45 بإنشاء لجنة حقوق الإنسان العربية تتكون من 7 أعضاء تنتخبهم الدول الأطراف بالاقتراع السري، فتحال عليها عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية تقارير الدول الأطراف ( تقرير أولي خلال سنة من دخول الميثاق حيز التنفيذ وتقارير دورية كل 3 أعوام ) بشأن التدابير التي اتخذتها لإعمال الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الميثاق، وبيان التقدم المحرز للتمتع بها ، وذلك بغرض دراستها بحضور من يمثل الدولة المعنية ومناقشتها وإبداء ملاحظاتها وتقديم التوصيات الواجب اتخاذها، وتتويج ذلك بتقرير سنوي علني يتضمن ملاحظاتها وتوصياتها المرفوعة إلي مجلس الجامعة (المادة 48). 3.2 وفيما يهمل الميثاق بالتمام والكمال أدوار المجتمع المدني الحقوقي غير الحكومي فلا يشير لا من قريب أو بعيد لمكانة التقارير المضادة (تقارير الظل التقارير الموازية) التي تصدرها هياكل حقوق الإنسان، الوطنية أو غيرها المستقلة، بالنسبة لأشغال اللجنة إياها، فإنه يسكت بالمرة عن إحداث إحدي الآليات الأخري المطلوبة دائما للاحتكام إليها إقليميا، كما هو الشأن في أوروبا وأمريكا وإفريقيا، في النزاعات ذات الصلة بحقوق الإنسان. أخيرا، إذا كان المتفائلون سيعتبرون وجود هذا الميثاق ولو بهكذا خاصيات هو أنفع من عدمه، فهل تتبع مساره عن طريق الضغط علي الدول العربية الأقل عداء لمنظومات حقوق الإنسان من أجل استغلال المواد 50، 51 و52 التي تمكنها من تقديم اقتراحات مكتوبة لتعديله ولتقيم لوبي مع دول عربية أخري لترجيح التعديلات المطلوبة وكذا لاقتراح بروتوكولات إضافية والحشد لقبولها، سيكون كافيا وفعالا وحده للعمل في سبيل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في كل قطر من أقطار شمال إفريقيا والشرق الأوسط؟ كاتب وباحث من المغرب القدس العربي