"الثقافة" والرّياضة هما الجنديان اللذان سخّرهما نظام السابع من نوفمبر لزعزعة أركان المجتمع التونسي وتدويخ أفراده لصرفهم كرها عن الاهتمام بما يجري في دورهم... ففي الوقت الذي كانت فيه الحياة تُضرب كانت الأبواق المنافقة تبحّ بكثرة الحديث عن فرحة الحياة، وفي الوقت الذي كانت فيه أسس العائلة تُهدّ كان "المثقّفون" يجتهدون في تزيين إفسادهم وتسميته بالسير على درب التقدّم المستجيب لروح التغيير وتوجّهاته، وفي الوقت الذي كانت فيه الحرّيات في أدقّ مسمّياتها ومتعلّقاتها تُحاصَر كانت موائد الرّياضة تُنصبُ مفتوحة على قناة تونس 7، يتبارى حولها الفنّيون والصحافيون والرياضيون، ينتقدون ويشجّعون ويجرّمون ويقترحون حتّى ليُحدِّث المضطَهد في أقاصي الأرض نفسه بالهجرة إلى هذه الأرض التي ينعم فيها أهلها بمثل ما يعايشون من حريّة منقطعة النّظير... ولمّا كان دوام الحال من المحال، فقد بدأ أداء أحد هذين العاملين في التراجع، وانقلبت الرّياضة عامل إحراج بعد أن كانت عامل تدويخ وصرف انتباه. ولقد بلغت بعض الأخبار التي تحكي عن محاولاتٍ لاتّخاذ ميادين الكرة فضاء للتعبير عن سخط النّاس العارم ضدّ حكّامهم الظلمة المستهترين بمصالحهم... يظنّون أنّ الملاعب هي كلّ ما بقي لهم من تونس التغيير، ويأملون أنّه يمكن منها استرجاع حرّياتهم أو إبطال الكذبة التي بها ديست كلّ حقوقهم... حتّى إذا فعلوا ما فعلوا نقلوا ذلك التصرّف بعفوية إلى ستاد القاهرة فرآهم المسؤولون التونسيون قبل غيرهم من المسؤولين نشازا مخزيا ورأوهم حفنة شاذّة لا تمثّل التونسيين تماما كما رُئِي مِن قبلهم مجموعات أخر في مختلف بقاع تونس كانوا قد عبّروا عن آرائهم دون شماريخ ودون عنف ضدّ شرطة...
لست هنا لتبرير ما فعله المشاغبون في القاهرة أو في غيرها من البقاع، ولكنّي هنا لألاحظ وأدعو غيري إلى ملاحظة سوء استعمال بعض العناصر التي قد تصبح فسادا بعد أن كانت صلاحا وقطيعة رحم بعد أن كانت صلة وقربى ومصدر أحزان بعد أن كانت مصدر بهجة وانشراح، والرّياضة من أولى هذه العناصر... وبالأمس القريب بلغتنا أخبار تعاطي لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم الخمر خلال شهر رمضان الفضيل بُعيد هزيمتهم في عقر دارهم، وقد كان الواحد منهم يسجد لله شكرا عند كلّ هدف وانتصار، أيّام مساهمة لاعب قديم اشتهر بالاستقامة في الإشراف عليهم وتدريبهم، ما أثار إبّانئذ حفيظة بعض "المثقّفين" الذين رأوا في ذلك ما لا يليق بكلّ التونسيين، (إذ كيف يسجدون وهم ليسوا على طهارة!)!... وإذا تأكّد لدينا عند باب حادثة القاهرة أنّ السفر دخولا إلى البلاد وخروجا منها هو حكر على بعض مَن ينتقيهم النّظام الحاكم حسب أذواق ملإه، صار من الصعب التصديق أنّ "الحفنة" – كما وصفها مسؤول السفارة التونسيةبالقاهرة – قد فاجأت المسؤولين والنّاس، ولكنّ "الحفنة" قد تصرّفت بعفوية تعكس الثقافة السيّئة الهدّامة التي اكتسبوها عن طريق معاول هدم المجتمع النّاشطة في البلاد، وعليه فوصف أفرادها بأنّهم شاذّون لا يمثّلون تونس، وإدانتهم بشدّة إنّما يأتي في إطار الصنعة التي أتقنها خدمة نظام التغيير، فبها يظهرون وحشية المواطن التونسي وصلفه وتعدّيه على الأخلاق، كي يؤسّسوا بعد ذلك – وقد أسّسوا من قبل – لتفهّم ظلمهم وتعدّيهم على الحرمات... فالنّاس في مصر – وقد باتوا شديدي الحساسية إزاء القادم إليهم من رياضيي الغرب العربي - قد عايشوا من خلال المباراة أصناف "شاذّة" من المجتمع التونسي، والنّاس في مصر قد ارتاحوا لا محالة لردود الفعل الرّسمية للسفارة التونسية ولرئيس النّادي الزّائر... ولعلّهم أدركوا الفروق بين نظام مسالم متحضّرعادل يتنازل حتّى عن مواطنيه لمحاكمتهم من طرف أخيه النّظام المصري وبين شعب جلف متعجرف جاء من بين أغنيائه هؤلاء "الهمج"!... الحقيقة أنّ التونسي كريم مسالم ويشهد على ذلك وجود شخص نكرة ظالم على جماجمه منذ ثلاث وعشرين سنة... ولكنّ السياسة الهدّامة التي اتّبعها المغيّر وأعوانه جعلت منه (التونسي) العربيد والرعديد والكاذب والمنافق والمدمن (بجميع أنواع وأصناف الإدمان) والفاحش والمتفحّش وفاقد المروءة ومعتلّها والزاني والمزنيّ به والمجاهر بكلّ ذلك، حتّى باتت تونس علما من أعلام الرّداءة في دنيا السقوط... وقد برزت هذه الأيّام بالبلاد ظاهرة السرقة حتّى فرّ الأمن من الدّيار وخُشي على الوالد فقد الثقة من المولود... ومن هنا فما تعرّض له الإخوة في مصر بلا شكّ يؤسفنا، ولكنّ إظهاره على أنّه شذوذ من "حفنة" لا تمثّل التونسيين قد أساءت إلى كرة القدم التونسية إنّما هو كذبة أراد بها المسؤولون إخفاء ما اقترفوا في حقّ البلاد والنّاشئة، فإنّ الذين أحرقوا وعنّفوا قد ولدوا من رحم توجّهات هذا النّظام الفاسد، أي قد أوجدتهم تلكم الحفنة السيّئة التي أجرمت في حقّ أصولنا وعقيدتنا وأخلاقنا الإسلاميّة، حتّى كانت منهم هذه "الحفة" وغيرها ممّن صاروا وقودا لإحراق الفضيلة وأهلها... وحسبنا الله ونعم الوكيل!...