الجيش السوري يباشر انسحابه من السويداء: تنفيذ الاتفاق مع الزعامات الدرزية رغم القصف الإسرائيلي    رسميا: لامين يامال يرتدي الرقم 10 في برشلونة    مباراة ودية: الملعب التونسي يفوز على مستقبل المرسى 2-1    من التعب إلى التنميل : 11علامة على ارتفاع السكر في الدم... لا تهملها!    الشركة الصينية Shandong Haiwang Chemical CO تعززّ استثماراتها في تونس    سوسة القلعة الصغرى .. إلغاء محطة الاستخلاص    أخبار النجم الساحلي .. ربع مليار للبنزرتي وشروط الأهلي «تعجيزية»    يقنعون ضحاياهم بأنهم قادرون على مساعدتهم: ينتحلون صفة محامين ومسؤولين ويلهفون الملايين !    المركز الوطني للسينما والصورة يعلن فتح باب الترشح للمشاركة في جائزة الأوسكار لأفضل فيلم عالمي    ترف للنّخبة أم احتكار للفرح؟...تذاكر المهرجانات تشعل الجدل    تاريخ الخيانات السياسية (17).. .مروان الحمار وخيانة صهره    من أجل التدليس: 10 سنوات سجنا لكاتب عام اتحاد الشغل بالقصرين    عطر 24 وبوشناق ..وصابر الرباعي للاهتمام ...مداخيل فاقت المليار في الدورة الفارطة    فتح المنصة الخاصة بالتسجيل في خط تمويل بقيمة 5 ملايين دينار لفائدة الاشخاض ذوي/ات الإعاقة    الليلة: خلايا رعدية محلية وأمطار متفرقة بالوسط الغربي    الهوارية: إنقاذ طفلة عمرها 5 سنوات جرفتها التيارات البحرية بشاطئ المنطقة    الإعلان عن انطلاق الاستعدادات العمليّة واللوجستية "لأسطول الصمود المغاربي لكسرِ الحصار على غزَّة" (ندوة صحفية)    الكاف: حجز كميات من المواد الغذائية غير صالحة للاستهلاك    تراجع عائدات صادرات التمور بنسبة 3،8 بالمائة إلى موفى جوان 2025    بنزرت: " رحلة أجيال ، من خميس ترنان إلى فيصل رجيبة " تفتتح الدورة 42 لمهرجان بنزرت الدولي    "رَست" و"السارة و النوباتونز" يصدحان بأوجاع الاغتراب في المهجر على ركح مهرجان الحمامات الدولي    فتح باب الترشح أمام الناشرين للانتفاع بالنسبة الموحدة للدعم على جميع أنواع الورق المستعمل في صناعة الكتاب دورة 2025    كارفور تونس تواكب الدورة 59 من مهرجان قرطاج الدولي    خلال 6 أشهر: المنطقة السياحية نابل-الحمامات تستقبل أكثر من 325 ألف سائح    بطولة قطر - نادي الغرافة يجدد عقد فرجاني ساسي لموسم واحد    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يأمر بتحويل عدد كبير من الطائرات نحو سوريا    عاجل/ 61 نائبا يقدمون مقترح قانون لإحداث هيكل قضائي جديد    تجميع أكثر من مليون و300 الف قنطار من الحبوب بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    وزارة الدفاع تنتدب.. #خبر_عاجل    عاجل/ انقلاب شاحنة تُقل عاملات فلاحة.. وهذه حصيلة الاصابات    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص إضراب أعوان الصيدلية المركزية    وزارة الشؤون الدينية تُصدر مطوية "لا للمخدرات"    نابل:كهل ينتحر شنقا    الفيفا: بداية بيع تذاكر مونديال 2026 اعتبارا من 10 سبتمبر المقبل    تأجيل محاكمة المتهمين في ملف الفساد المالي ب"الكرامة القابضة"    لا تتجاهلها..علامة في يديك قد تدل على هذا المرض    يوم اعلامي حول "المتعامل الاقتصادي المعتمد" بمقر الادارة العامة للديوانة    وزارة التجارة تعلن عن تنفيذ برنامج إستثنائي لتزويد السوق بمادة القهوة الموجّهة للإستهلاك العائلي    تونس: اللحوم الحمراء قد يصل سعرها إلى 80 دينار!    خامنئي: الحرب الإسرائيلية هدفت الى الإطاحة بالحكم في إيران    شركة تونس للطرقات السيارة تعلن عن إلغاء محطة الإستخلاص "سوسة /القلعة الصغرى" إبتداء من الإربعاء    دراسة تحذر وتكشف: المُحليات قد تُسبّب البلوغ المبكر لدى الأطفال ومشاكل في الإنجاب..!#خبر_عاجل    من بينهم تونس: تعرف على تصنيف متوسط دخل الفرد في الدول العربية وأعلى الأجور    عاجل : كينيث سيماكولا يُغادر رسميا النادي الإفريقي    عاجل/ اختراق صيني يستهدف شبكة الحرس الوطني الأميركي..    بطولة العالم لكرة اليد: برنامج مباريات المنتخب الوطني لأقل من 19 سنة    ديار جدودنا كانت تبرد، توا ديارنا تغلي... علاش؟    ترامب: لست في عجلة للتحدث مع إيران.. والأسلحة تُرسل بالفعل لكييف    الليغا: أتليتيكو مدريد يتوصل لاتفاق لضم متوسط ميدان بوتافوغو البرازيلي    محرز الغنوشي: ''رياح قوية اليوم ولا ننصح بالسباحة''    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    إسرائيل تنقل إدارة الحرم الإبراهيمي إلى المستوطنين    تاريخ الخيانات السياسية (16) .. تآمر ابن سُريج مع خاقان    القيصر يطمئن جمهوره: لا تصدقوا الشائعات، أنا بخير    تونس تختتم الدورة الأولى من برنامج "طب القلب لأفريقيا"    تاريخ الخيانات السياسية (15)نهاية ملوك إفريقية    لحظة مذهلة في مكة: تعامد الشمس على الكعبة وتحديد دقيق للقبلة    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوق الاغذية الحلال في فرنسا: كل شيء جائز.. السياسة والتجارة والدين والايديولوجيا
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 04 - 2008

قبل بضعة عقود فقط، كان العثور علي اللحم الحلال في العديد من المناطق الفرنسية أصعب من عبور الصحراء الكبري علي الأقدام، وكانت الجاليات المغاربية، الأقدم والأكبر عدديا في فرنسا، خلال الأربعينيات
والخمسينيات تلبي حاجاتها من اللحم الحلال من محلات مرتجلة في الهواء الطلق داخل الأحياء القصديرية علي غرار ضاحية نانتير بشمال باريس، في ظروف صحية يرثي لها.
اليوم أصبح كل ذلك مجرد ذكريات، لأن سوق الحلال في فرنسا تطور كثيرا بنفس وتيرة التطور الكبير للجاليات العربية والإسلامية، ديمغرافيا واجتماعيا.
ولم يعد هذا السوق يقتصر علي اللحوم بل اتسع الي قائمة طويلة من المواد الغذائية مثل الحليب والأجبان والبيض وحتي العلك والحلويات والمثلجات، بل وحتي الماء، بغض النظر عن المطاعم المتخصصة في الأكل السريع.
وأصبحت عائدات تجارة اللحم الحلال وحدها في السوق الفرنسية تقدر بأكثر من 532 مليون يورو في أدني تقدير، مقابل 240 الي 260 يورو في السوق الداخلي الهولندي مثلا، فيما بلغ رقم أعمال تجارة الأغذية الحلال بشكل عام في بريطانيا نحو 4 مليارات دولار أمريكي. وكل المؤشرات تشير الي أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع عالميا وبشكل ملفت في السنوات المقبلة.
ارقام الحلال
علي سبيل المثال، ارتفعت نسبة صادرات استراليا من اللحوم في السنوات الأخيرة الي دول الخليج لوحدها ب59%. ويُعرف عن الحكومة الأسترالية أنها تتعامل بجدية وصرامة كبيرتين مع تصدير اللحم الحلال حسب شروطه الشرعية، لأنه مصدر عائدات مالية ضخمة لاقتصادها المحلي. من جهتها، تحقق الصادرات الهولندية من المنتجات الحلال نحو 15 مليار يورو سنويا، ترجع نسبة 18% منها الي دول إسلامية.
ولا شك أن هذه الحصص الضخمة من سوق المواد الغذائية الحلال الفرنسي والعالمي قد أثار شهية العديد من المؤسسات الاقتصادية والشبكات العملاقة لتوزيع المواد الغذائية بشكل خاص، بما فيها الفرنسية، ما جعلها تفكر في كيفية حيازة حصة من هذا السوق العالي، والسريع، المردودية بغض النظر عن موقفها من الإسلام والمسلمين، لأن إمبراطورية المال علمانية.
وتقول مجموعة الأبحاث العلمية هايبيم إن حجم التجارة العالمية الخاصة بالأغذية الحلال سيصل عام 2010 الي 500 مليار دولار أمريكي نتيجة التطور الديمغرافي في العالم. وتؤكد سلامة إيفانس، المتحدثة الرسمية لمنتدي الأغذية الحلال العالمي ان سوق الأغذية الحلال سيصبح من الأسواق الأكثر ازدهارا والأكثر تأثيرا في مجال صناعة الأغذية العالمي . أما عبد الرحمن بوزيد، أحد مسؤولي مجمع كازينو لأسواق توزيع المواد الغذائية في فرنسا، والمكلف شخصيا بإطلاق مشروع الحلال ومذاقات المغرب العربي لإدخال المنتجات الحلال في نشاطات كازينو ، فيؤكد أن رقم أعمال سوق الحلال في فرنسا لوحدها يقدر ب12 الي 13 مليار دولار، مضيفا ان دراسة صادرة عن وزارة الزراعة الكندية نشرت في النصف الثاني من العام 2007 تشير الي أن الحلال يمثل 12 بالمئة من التدفق العالمي للمنتوجات الزراعية الغذائية.
يعيش في فرنسا نحو 4 ملايين مسلم علي الأقل، ولو أن بعض المصادر تقدر عددهم بستة ملايين نسمة، نصفهم فرنسيو الجنسية والنصف الآخر أجانب. واذا افترضنا، بعملية حسابية تقريبية، أن كل فرد يستهلك علي الأقل 200 غرام من اللحم يوميا (6 كلغ شهريا و72 كلغ سنويا)، فإن ذلك يعني أن مسلمي فرنسا، إذا كانوا جميعهم لا يأكلون إلا الحلال ، يستهلكون كل عام كمية هائلة من اللحوم تقدر ب288 ألف طن، وهو ما يعادل 10 الي 20 بالمئة من إجمالي الاستهلاك الفرنسي من اللحم.
بل ذهب تقرير المديرية العامة للمنافسة وقمع المخالفات الفرنسي في 2003 الي تقديم نسبة أعلي هي 30 بالمئة من إجمالي الاستهلاك الفرنسي من اللحوم. وتوزع كل هذه الكميات، حسب أرقام تقريبية لخبراء فرنسيين وجامع باريس الكبير، في أكثر من 15 ألف ملحمة إسلامية وأسواق السوبرماركت علي غرار كارفور و كازينو الذي يمتلك نحو 10 آلاف فرع، و أوشان وغيرها. أما معهد سُوفْرِيسْ الفرنسي للاستطلاعات والإحصاء فقد قدّر قبل خمس سنوات ب200 ألف طن حجم اللحم الحلال المستهلك في فرنسا سنويا.
كمائن أولاد غير حلال
بقيت تجارة اللحم الحلال في فرنسا مهملة وشبه مجهولة لفترة طويلة قبل أن يفيق هذا البلد خلال العقود الأخيرة علي ضجيج فضائح اللحم الحلال المزيف، ما دفع، ولأول مرة، الحكومة الفرنسية، الي التحقيق في خبايا هذا القطاع والتجاوزات التي ترتكبها الجمعيات الناشطة تحت غطاء اسلامي والتي تحرر شهادات حلال للحومٍ غير مذبوحة علي الطريقة الإسلامية، وتجمع من هذا النشاط أموالا خيالية دون إثارة الانتباه، و رغم مرسوم 1980 الذي يُخضع عملية النحر الشرعي والقائمين عليها لرقابة الدولة. وساهمت الفضائح المتعددة في إثارة الكثير من التساؤلات حول عالم الحلال.
وتبين حينها أن ليس كل اللحوم التي يتداولها الموردون والمستهلكون، سواء استهلكت محليا أو صُدرت الي البلدان الإسلامية، خاضعة للمعايير المحددة في الشريعة الإسلامية، ولا الي المعايير الدولية الخاصة بالنظافة والحفظ وأساليب إنتاج هذه اللحوم. ما حذا بدولة إسلامية كإيران الي إرسال فريق إيراني الي فرنسا للسهر علي مطابقة اللحوم المستوردة للشروط الدينية والصحية. وتجدر الإشارة الي أن 200 ألف طن من اللحوم الحمراء و200 ألف طن أخري من لحم الدجاج تصدر من فرنسا سنويا نحو بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط حسب تقديرات رسمية لوزارة الزراعة الفرنسية.
وكتبت مجلة ميدل ايست مغازين قبل بضع سنوات أن زعماء الجالية الإسلامية والخبراء الفرنسيين يجمعون علي الأقل علي أن اللحوم الحلال فعليا لا تشكل سوي 5 الي 10 بالمئة مما يباع علي أنه حلال . وأكد أحد خبراء وزارة الزراعة في فرنسا أن ما بين 90 الي 95 بالمئة من اللحم الذي يباع في المجازر الإسلامية ليس حلالا . وهذا ما يؤكده كذلك الباحث الدكتور العربي قشّاط، مدير مسجد الدعوة الشهير في باريس باسم جامع ستالينغراد ، وأيضا أحمد بكجان، أحد مسؤولي المسلمين الأتراك في فرنسا، الذي أكد من جهته صعوبة العثور علي اللحم الحلال رغم العدد الكبير لمحلات بيع اللحم الحلال. وأوضح أنه يعرف شخصيا جزارا تركيا شيوعيا وضع علامة حلال علي متجره فقط لإنعاش تجارته وتحقيق أرباح أكبر لا غير. في المقابل يري آخرون أن ما يباع من اللحوم الحلال في المحلات غير الإسلامية أكثر مما يباع للمسلمين .
وكشفت وزارتا الزراعة والداخلية الفرنسيتان العديد من المخالفات المتعلقة باللحوم الحلال حول نشاط بعض الجمعيات التي تصدر شهادات الحلال علي لحوم غير مذبوحة بطريقة اسلامية، ويتم بيعها للجزارين والمستوردين مقابل 0.2 يورو لكل كلغ من اللحم.
وتتنافس الجمعيات الإسلامية، سواء كانت حقيقية أو وهمية، صادقة أو محتالة، بشراسة أحيانا علي سوق اللحم الحلال لما يدره عليها من أموال، الي حد أن بعضها أعطت لنفسها حق مراقبة اللحوم وتوزيع شهادات الحلال ذاتيا واشتغلت طيلة سنين علي هذا النحو دون أن يزعجها أحد.
وأشهر الجمعيات المكلفة بهذه المهمة في فرنسا علامة A Votre Service (في خدمتكم) التي يشرف عليها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الذي يُعتبر إخواني الاتجاه، و التجمع الإسلامي للناحرين والمراقبين المسلمين و مكتب مراقبة المواد الغذائية والمطابقة الدينية وغيرها.
هذه الحيوية التي تكتسيها تجارة اللحوم الخاضعة لمعايير النحر الإسلامية جعلت مهنة الجزارة تنتشر كالفطريات الي درجة أن بعض الأحياء خلت من اللحامين الفرنسيين من غير المسلمين وأصبحت حكرا تقريبا علي المسلمين واليهود.
وقد تسبّب ذلك في تعالي أصوات غير راضية عن أسلمة و تهويد لحوم هذه الأحياء مثلما وقع في حي سارْسِيل (شمال باريس) الذي يشتهر بكثافة سكانه المسلمين واليهود.
ويقول مسعود، وهو أحد الجزارين المسلمين القدماء في الحي ان هذا التحول الذي طرأ علي الحي سببه كون الجزارين الفرنسيين من غير المسلمين واليهود تركوا هذا المكان تدريجيا وباعوا محلاتهم لنا لأنهم لا يرغبون في ممارسة تجارتهم في الأحياء التي توصف بالصعبة . ويمضي قائلا: غير أن مساحات التوزيع الكبري للمواد الغذائية ساهمت هي الأخري بأسعارها التنافسية في إحباط العزائم وبيع الجزارين الفرنسيين التقليديين لمحلاتهم وترك الحي .
من جهتها تقول فاطمة التي استقرت في سارسيل منذ بداية الثمانينيات بعد أن تركت مدينة قسنطينة في الجزائر لتلتحق بزوجها: عندما جئت لأسكن في سارسيل، لم يكن يوجد أيّ جزار مسلم، ولم يكن مجديا أن تبحث عن قطعة لحم حلال في كامل الحي، عكس الوضع السائد اليوم .
الرفق بالحيوان أم مناهضة الأديان؟
ومن بين إفرازات هذا الوضع، ظهور جمعيات تعارِض النحر علي الطريقة الإسلامية باسم الرفق بالحيوان تارة، وبحجة حماية الحريات تارة أخري، ما أفرز فئة من المستهلكين تطالب بتوخي الشفافية وضرورة وضع إشارات علي اللحوم حتي يعرف المستهلك الذي لا يرغب في أكل اللحوم التي تعرضت للتعذيب أثناء النحر، حسب اعتقاد هذه الفئة، أنها لحوم حلال .
وهو الموقف الذي تبناه وزير الزراعة البريطاني مؤخرا بخصوص اللحوم الخاضعة في بلاده للمعايير الدينية الإسلامية واليهودية علي السواء، والتي تَستهلِكُ سنويا نحو 100 مليون شاة من مواشي هذا البلد.
في المقابل يُقبل الكثير من الفرنسيين غير المسلمين علي محلات اللحم الإسلامية واليهودية دون اكتراث. فيما اضطرت الاعتراضات الجالية الإسلامية الي تنظيم الورشات والملتقيات لفتح النقاش وتبادل الأفكار حول النحر علي الطريقة الإسلامية علي غرار الندوة التي نظمتها جمعية (في خدمتكم) في الاول من الشهر الجاري تحت عنوان من أجل حوار أفضل حول النحر الشعائري الإسلامي في فرنسا: الأوجه الدينية، القانونية، الاقتصادية والعلمية . وإضافة الي البروفيسور في جامعة كورنيل الدكتور جو ريجنشتاين والباحثة في علم الاجتماع الدكتورة فلورانس بيرجو بلاكلير وممثل لجنة الاتحاد الاوروبي الدكتور دوني سيمونان، شاركت فيه جمعية OABA التي يترأسها الدكتور جان بيير كييفر والتي تدافع عن الحيوانات وتناضل من أجل تخفيف قساوة ظروف النحر علي الحيوانات التي ينتهي قدرُها في المذابح الشعائرية.
وتري هذه الجمعية أنه غير مقبول بالنظر الي النصوص الضامنة لحرية المعتقد والأديان أن تكون للممارسات الشعائرية الدينية ل7 بالمئة (6 بالمئة من المسلمين و1 بالمئة من اليهود) من الفرنسيين انعكاسات علي استهلاك مجموع مواطنينا . ويرد المسلمون، كما يري أحد الباحثين الجامعيين، أن أولا، لا يوجد أي دليل علمي حتي الآن علي أن الشاة تتألم أثناء النحر، وثانيا إن تفضيل مصلحة وراحة الحيوان، حتي وإن لم يطلبها منهم أحد، علي مصلحة وراحة الإنسان وفرض هذه الرؤية علي ملايين البشر ليست رؤية بناءة للأشياء، بل هي خطيرة وتعكس انزلاقا باتجاه معاداة الأديان .
الطبخ العلماني والطبخ الشعائري
ومن النقاش حول أساليب النحر الشعائرية واللحم الحلال، انتقل الجدل الي المجال السياسي بسبب المطالب بالحق في الأكل الحلال، وفي الكَاشِيرْ بالنسبة لليهود، في المستشفيات بشكل خاص. لكن أيضا في السجون أين يوفّر الأكل الكاشير لليهود ويُحرم المسلمون من الوجبات الحلال رغم أن عددهم أكبر، كما في مطاعم العمال التي يرفض أغلبها الخروج عن إطار الطبخ العلماني ويُعوّض المسلمون واليهود في أقصي تقدير بالبيض أو ببدائل سمك.
في هذا السياق، ومن منبر جمعية يهودية في جنوب فرنسا، دعت نائبة يمينية قبل عام الي استصدار قانون يفرض احترام الممنوعات الغذائية داخل جميع المؤسسات العمومية متسببة في جدل سياسي واسع. ورد النائب الاشتراكي مارك كونكاس بأنه يساند تقديم وجبات حلال وكَاشيرْ للمرضي المسلمين واليهود في المستشفيات، لكن الأمر، بنظره، لا يستدعي استصدار القوانين. بينما نصح سياسي آخر بالعمل علي تحقيق ذلك دون صخب إعلامي: إذا أردتم النجاح في هذا الأمر، ابتعدوا عن وضع أنفسكم تحت الأضواء ضاربا المثل لما جري مع مطالب المسلمين الخاصة بالخمار في 2003.
السياسة قد تتداخل أيضا مع البيزنس عندما تزاوج الجالية المسلمة في فرنسا بين الاستهلاك الحلال والاعتبارات السياسية كمقاطعة الشركات الموالية لإسرائيل. وقد أعطي هذا التحالف بين السياسي والعقائدي مشروبات مكة كولا ونظيراتها مسلم آب (Muslim Up)، ومطعم بارْغَرْ كِينْغْ مُسلم في ضاحية كْلِيشِي سُوبْوَا المحاذية لباريس التي شهدت اضطرابات بين شبابها وقوات الأمن في 2005، وغيرها من الإبداعات التجارية، كما جري مع شركة تشيكن حلال (دجاج حلال) في بريطانيا التي نالت نجاحا باهرا بفروعها ال 165 الموزعة علي 11 بلدا أوروبيا وبحجم معاملات سنوي يصل الي 7.5 مليون يورو سنويا.
كما لا يجب إغفال أن المعايير الصحيحة للأغذية الحلال، التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) وتقوم بتنفيذها بنجاح، أصبحت إحدي الموضوعات المطروحة علي طاولة المفاوضات الخاصة بانضمام تركيا الي الاتحاد الأوروبي.
شركة بنات الحلال
لكن، بعيدا عن الجدل السياسي والمشاكسات العنصرية والمطالب الدينية المغالية أحيانا، تبقي فرنسا من بين البلدان القليلة التي تنظم للأغذية الحلال معارض علي أراضيها. فقد احتضن قصر المعارض في بورت دو فِيرساي (جنوب باريس) يومي 26 و27 آذار/مارس الماضي صالون FOOD AND GOODS (أغذية وسلع). واكتشف زوار المعرض شركات ومنتجات عديدة ومتنوعة ومن انتماءات دينية وقومية مختلفة كشركة مرحبَا الهولندية، لصاحبها غجالت لاندمان التي بنت كل رأسمالها علي تجارة الأغذية الحلال في هولندا وبريطانيا وتفكر في دخول الأسواق الفرنسية تحت شعار بالتقاسم، نخلق الانسجام . كما تستخدم الشركة إشهارا طريفا في هولندا يبدو فيه صاحبها غجالت لاندمان يتوسط ثلاثا من أشهر المذيعات التلفزيونيات محليا يُقدّمن باعتبارهن Meiden Van Halal أي بنات الحلال .
كذلك تميز من بين العارضين محمد كريم بمشروباته إكس 35 التي أصبحت توزع بعد سنة من ظهورها في الإمارات العربية المتحدة والعديد من البلدان الخليجية في انتظار اقتحامها الأسواق الفرنسية. وتضاف لهذين المؤسستين شركة النور الهولندية، المنتشرة في فرنسا ايضا، المتخصصة في الكباب وال دونِر والبيتزا التركية لَحْمَكُنْ .
وكان من بين العارضين للمنتجات الغذائية الحلال شركات كبري متعددة الجنسيات علي غرار هاريبو صاحبة معجون حلال للأطفال و ماغي التابعة لشركة نيستليه التي اكتشفت أن بعض منتوجاتها الحلال تجد إقبالا أفضل من نفس المنتوجات إذا كانت غير حلال.
وحضرت أيضا شركة بروجيتو 2000 الإيطالية التي تنتج في جزيرة سردينيا وجبات إيطالية حلال علي غرار اللازَاني وال تورتِينِيلّي وحتي العدس بلحم البقر. وتملك الشركة فروعا في فرنسا حيث أصبح الجيش الفرنسي من أهم زبائنها لتلبية الحاجات الغذائية لجنوده المسلمين المنحدرين من الهجرة. ولا داعي للعودة الي شركات الجزائري محمد عزوق والمغربي حسان بوعود اللذين نجحا منذ أكثر من عقد من الزمن في بناء شركات ضخمة من تجارة اللحم الحلال في فرنسا وخارجها.


باريس القدس العربي من فوزي سعد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.