في وقت سجّلت أجهزة الأمن الجزائرية، خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، تخلّي ما يزيد على 21 عنصراً مسلحاً عن نشاطهم ضمن «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، خصوصاً في ولايتي تيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة) وبومرداس (50 كلم شرق)، كشف أحد «التائبين ويدعى «أبو صابر» (46 عاماً) الذي سلّم نفسه في العام 2006 أن السلطات الأمنية اتصلت به خلال العاميين الماضيين مرات عدة من أجل تقديم معلومات عن بعض الموقوفين من قدامى أعضاء «الجماعة الإسلامية المسلحة» بهدف توسيع التحريات معهم، مؤكداً أن ذلك لم يمنعه من محاولة الاندماج مجدداً في المجتمع بعد ما يزيد على 14 سنة قضاها في الجبال. «أبو صابر» الذي بدأ مطلع التسعينات عمله مدرّساً في مدرسة إكمالية شرق العاصمة، وجد نفسه يلتحق بصفوف الجماعات الإسلامية المسلحة سنة 1992 بسبب ما اعتبره «مصادرة للحقوق السياسية»، بعد فوز جبهة الإنقاذ المحظورة بالانتخابات التشريعية الملغاة. وهو بدأ نشاطه ضمن إحدى سرايا «الجماعة الإسلامية المسلحة» في منطقة برج الكيفان (17 كلم شرق الجزائر) قبل أن يستقر في كتيبة «النور» التابعة ل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» التي أسسها منشقون عن «الجماعة المسلحة» في العام 1998. ووضع «أبو صابر» حداً للعمل المسلح في أيار (مايو) 2006 برفقة عنصرين آخرين من مجموعته بقصد الاستفادة من تدابير ميثاق السّلم والمصالحة الوطنية. ويقول «أبو صابر» إنه أودع ملفاً لدى السلطات بقصد تمكينه من العودة إلى قطاع التربية والتعليم، ولكن وبسبب الرفض المتكرر بسبب وجود تعليمات وزارية تمنع فتح أبواب المدارس أمام «التائبين» قرر اللجوء إلى لجنة التعويض لتمكينه من الحصول على المبالغ المالية التي رصدتها السلطات لكل من يتعذر عليه إعادة الاندماج مجدداً في وظائف العمل. وهو ما زال ينتظر تسلم استدعاء لتسوية ملف طلب التعويض. ورغماً عنه اضطر «أبو صابر»، كما يقول، إلى العمل في «التجارة الحرّة» من خلال تسويق الملابس الداخلية للنساء، بمساعدة أحد معارفه الذي يملك محلاً في سوق للتجارة الحرة في العاصمة. وتحقق له هذه التجارة حالياً بعض الأرباح التي تسدّ حاجته، كما يقول، إلى حين حصوله على تعويض مالي كاف من السلطات يغطي فترة 14 سنة قضاها ناشطاً في الجبال. ويعترف «أبو صابر» بأن الظروف الاجتماعية التي يعيشها حالياً «سيئة ومزرية»، لكنه يستدرك موضحاً: «الحمد لله، كنت في الجحيم وأنا الآن أحمد الله على النّعم التي أسداها لي». ويقول إن مجرد التخلي عن العمل المسلح «نعمة لا تقدّر بثمن». وذكر مصدر أمني ل «الحياة» أن عشرات الناشطين المسلحين تخلوا عن العمل المسلح في الشهور الثلاثة الماضية «من دون وساطة» مسبقة مع أجهزة الأمن، إذ تقدموا طوعاً إلى ثكنات أو مواقع تابعة للجيش الجزائري في بعض المناطق الغابيّة في منطقة القبائل. وأوضح أن هؤلاء المسلحين يأملون من السلطات القضائية والأمنية تمكينهم من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي انتهى العمل بها رسمياً في آب (أغسطس) 2006. الجزائر - محمد مقدم الحياة