قرأت في نصّ مأخوذ من موقع الصحفي التونسي كمال بن يونس، بتاريخ 3 أفريل 2008 أو حواليه، بعضالأسئلة التي وصفها الكاتب بالمحرجة، وقد تمحورت حول الدّين (لماذا لا يفتح نقد علني وواضح للمفاهيم السائدةعن الدين والمرجعيات الاسلامية؟) والسياسة بمفهومها القطاعي (التشغيل، الاستفادة من الكفاءات ولو كانت لاتحظى برضى الحاكم، الإدارة ومحاربة الفساد الإداري، توزيع الثروة بتوخّي العدالة، الإعلام والاستفادة من تجربة إذاعة الزيتونة....) كما اهتمّت ثلاثُ أسئلة منها بحريّة التعبير وحرّية التفكير وحرّية وأحقّية السؤال الصريح: "- span lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 18pt; COLOR: black; FONT-FAMILY: "Arabic Transparent"; mso-ascii-font-family: Arial; mso-hansi-font-family: Arial"لماذا لا يتمكن الشباب دائما (بدل سنة حوار يتيمة!) من التعبيرعن رأيه بحرية حول كل القضايا دون "روتوش"؟؟ - لماذا لا يكون للشباب ميثاق وطني جديد يساهم في صياغته يكرس مشاغله ويتفاعل مع طموحاته.. بعيدا عن وصايةالكبار؟ - لماذا لا يتمكن الشباب أحيانا أن يسأل بصراحة: لماذا؟!"... والحقيقة أنّ هذه الأسئلة المستعرضة مهمّة كلّها وتعكس مستوى لا بأس به لدى شباب تونس الذي كثيرا ما ضرب الأمثلة النّاصعة المعبّرة عن خيريّته وإيجابيته، سيّما في الفضاءات التي يقلّ فيها تواجد التنويريين... وقد خلّفتُ ثلاث أسئلة أخرى لمخالفتها السمت العام الذي عليه بقيّة الأسئلة، فهي معبّرة كلّها عن ثمرة أو بوادر ثمرة سياسة التغيير والمغيّرين في البلاد منذ ما يزيد عن عشرين سنة، وهي على التوالي: span lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 18pt; COLOR: #3366ff; FONT-FAMILY: "Arabic Transparent"; mso-ascii-font-family: Arial; mso-hansi-font-family: Arial"- لماذا لا يقنّن المجتمع العلاقات الجنسية "غير الشرعية" رغم انتشارها بسرعة في صفوف المراهقين والكهول في الأوساط "الراقية" والشعبية.. في الجامعات وخارجها؟ - لماذا يسمح باستهلاك أنواع من "المخدرات الخفيفة" Drogue doucespan lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 18pt; COLOR: #3366ff; FONT-FAMILY: "Arabic Transparent"; mso-ascii-font-family: Arial; mso-hansi-font-family: Arial" في بعض البلدان الاوربية دون بلده رغم انتشار الظاهرة في بعض شوارع بلاده ليلا ونهارا؟؟ - لماذا لا توجد مراكز علاج عمومية مجانية كثيرة لضحايا استهلاك المخدرات ("الخفيفة") عوض اختزال ردّ الفعل في الحكم بسجنهم في صورة الكشف عنهم؟ (*)
لعلّ المرء يُجرح أو يتفاجأ بمثل هذه الأسئلة الصادرة عن شباب بلد ارتفعت مآذنه، وتألّقت حضارته، وانطلقت منه الفتوحات الإسلاميّة، وتخرّج من جامعاته ابن خلدون وابن عاشور ومحمد الخضر حسين وخليف وغيرهم من الأفذاذ الأماجد رحمهم الله أجمعين... غير أنّ التاريخ قد عرّفنا، بل السيرة النبويّة قد عرّفتنا على قصّة شاب قد سأل أفضل خلق الله محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم (في لحظة حوار صريح!) أكثر من ذلك!… سأله أن يأذن له بالزّنا! وقد رأى ذلك مخرجا له ممّا هو فيه من العنت والفتنة التي قد تكون أحدثتها نظرة صائدة أو مشية مائلة أو كلمة خاضعة، رغم بعده يومئذ عن أجواء تونس اليوم المزدحمة بالرّذائل والمحرّمات التّي زوّد بها المغيّرون كلّ الفضاءات (الشارع، مقرّات العمل، مؤسّسات التعليم والتكوين، القنوات التلفزيّة، النوادي النهارية والليلية،...)، وقد تفهّمه نبيّه الكريم صلّى الله عليه وسلّم وحاوره بصراحة محاورة وصلتنا كلماتُها دون "روتوش: "أتُحبّه لأمّك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يحبّونه لأمّهاتهم، قال: أتُحبّه لابنتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ولا الناس يُحبّونه لبناتهم، قال أفتحبّه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم، قال: أفتحبّه لعمّتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم، قال: أفتحبّه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم"، ثمّ وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه وحصِّن فرجه"، فكانت النّتيجة كما جاء في الحديث "فلم يكن بعد ذلك الفتى يتلفت إلى شيء"...
وإذن، فليست القضيّة في أسئلة الشباب وخروج بعضها عن "المألوف" أو عن "الأدب"، بل العبرة في المجيب: كيف يفهم السؤال وكيف يحلّل نفسية السائل وإلى أيّ سبب يرجع أصل السؤال وكيف يجيب عنه وكيف يقنع السائلُ، وقبل ذلك وبعده: كيف هو (أي المجيب): خلقه، دينه، محبّته للشباب، محبّته للمسلمين، محبّته لبلده، حكمه؟!... وههنا يؤرّقني أمر جلل، وهو كيف يستطيع مَن أشاع المفاسد في البلاد مناقشة مثل هذه الأمور: فشبابنا في تونس – حسب هذه الأسئلة – لا يسترخصون أو يسألون الزّنا فحسب ولكنّهم يسألون تقنينه، تماما كما سأل الديمقراطيات والثمانطاشيون نقض أحكام الفروض المقرّرة من ربّ العزّة جلّ جلاله… ويسألونه لأنّهم يرون ويعرفون أنّ الكثير في تونس يزني ويُزنى به كما لو كانوا يحبّونه لأمّهاتهم وبناتهم وأخواتهم وأهلهم أجمعين، فيتوالدون عزّابا وعازبات تحت رعاية الخيّرين البارّين باللقطاء؟!… يقول أحد الشبّان التونسيين: "span lang="AR-SA" style="FONT-SIZE: 18pt; COLOR: black; FONT-FAMILY: "Arabic Transparent"; mso-ascii-font-family: Arial; mso-hansi-font-family: Arial; mso-ansi-language: FR"إذا كنت أستطيع العيش مع صديقتي في شقة واحدة وأعاشرها معاشرة الأزواج وتقوم بكل واجباتها على أكمل وجه فلما أسُقِطُ نفسي في مأزق الزواج ومسؤولياته التي لا تنتهي (لاحظوا كيف صار الزواج سقوطا يغني عنه شيوع الزّنا). ثم إنّ فتيات اليوم لا يصلحن للزواج ولسن بالقدر الكافي لتحمل مسؤولية الزوج والأطفال، ويقول: همّ الفتاة الآن هو الدراسة ونيل أكبر عدد ممكن من الشهادات الجامعية لا تكوين أسرة، وإذا ما قررتُ الارتباط في يوم ما فسأكلف أمي بهذه المهمة وشرطي الوحيد في الزوجة أن تكون "بنت دار" ولم تدس قدماها الحرم الجامعي"(**)، (قلت: علما بأنّ هذا الشاب ليس ابن عائلة ولا ابن دار، فقد تكلّم هكذا دون حياء ودون حرج في إظهار اسمه "نديم"، جاهرا بتعاطي الزنى دون مسؤلية)"... كيف يمكن لحاكم تخصّص البعض من أقاربه ومن أتباعه في ترويخ المخدّرات بالبلاد وتعاطيها على قارعة طرقاتها منع هؤلاء الشباب استهلاكها؟!… بل كيف يجرُؤُ على حبسهم أو معاقبتهم إذا عاقروها؟! فقد كان الأجدر به – كما علّق الشباب أعلاه - معالجتهم مجانا لإعادة تأهيلهم وإقحامهم في دورة المجتمع النّشيط المعافى، بدل معاقبتهم بذنب استدرجوا لارتكابه بتزيينه!...
لعلّ صاحب التغيير أو "حملة القفّة" (بتعبير الأخ عبدالباقي خليفة نقلا عن أحد القفّافين)، قد أرادوا بفكرة الحوار - وإن كان في نسخته الكاذبة - ربح وقت من أجل تأخير خسارة شخصيّة على حساب بلد يجني الخسائر والمصائب العامّة منذ أكثر من عشرين سنة، دون تصوّر منهم لمآلات هذا الحوار!... ألا فليعلموا أنّهم لن يجنوا منه إلاّ الإحراج، ولكنّه إحراج – لو فهموه وقبلوا به – أيجابي، خاصّة إذا دعاهم إلى البدء بمحاورة كبارٍ تبنّوا جميعا الشعار المرفوع لتدويخ الشباب "تونس أوّلا"... أم أنّ سنّ صانع التغيير لا تؤهّله للجلوس مع الكبار الشِيب؟!...
(*): هذه الأسئلة الثلاث والتي سبقتها ملخّصة هي كما وردت في نصّ الصحافي كمال بن يونس، وليست من صناعتي (وبهذا أردّ الحقوق إلى أهلها) (**): مقتطف من نصّ نقلته تونس نيوز عن "إيلاف" بتاريخ 19 أفريل 2008، وهو بعنوان: "الشباب التونسي والزواج: عازفون أم عاجزون؟"