تونس - دخل رئيس ومدير تحرير صحيفة "الموقف" التونسية المعارضة إضرابا مفتوحا عن الطعام بسبب التضييقات على صحيفتهم، والتي تعتبر الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي توجه انتقادات لنظام الحكم في تونس. وفي ندوة صحفية عقدت بالعاصمة تونس اليوم السبت، أعلن رشيد خشانة (55 عاما) رئيس تحرير صحيفة الموقف الأسبوعية المعارضة، التي تصدر عن الحزب الديمقراطي التقدمي (يسار وسط) ومنجي اللوز (59 عاما) مدير التحرير عن دخولهما في إضراب مفتوح عن الطعام. وقال خشانة في الندوة: "إنّ الدخول في الإضراب يأتي ردّا على الحصار المضروب على الصحيفة (الموقف)".. وعدّد التضييقات التي تعرّضت لها صحيفته من حجز ومصادرة لأكثر من مرّة وبأكثر من طريقة. واعتبر خشانة أنّ آخر فصول هذه الممارسات التضييقية على صحيفته من قبل السلطات التونسية "تمثل في قيامها بدفع 5 شركات لتعليب وترويج زيت المائدة لرفع قضايا عدلية ضدّ الصحيفة ضمن ما بات يعرف ب(قضية الزيت الفاسد)". وطالبت شركات الزيوت بتعويضات أولية بنحو 500 ألف دينار( 416 ألف دولار) في انتظار تحديد الأضرار التي لحقت بها جراء مقال افتتاحي لخشانة تحدّث فيه عن "اكتشاف مخابر جزائرية لكميات من الزيوت الفاسدة المهربة من تونس، والتي تحتوي على نسبة عالية من الرصاص، مما قد يشكل خطرا على صحة المواطنين". كما دعا رئيس تحرير (الموقف) في مقاله إلى فتح تحقيق في الموضوع و"محاسبة المسئولين عن ترويج الزيوت الفاسدة". وتمت مصادرة أعداد "الموقف" من الأسواق ثلاثة مرات خلال عام، آخرها في 6 أبريل الجاري ، بسبب خبر عن اعتزام الحكومة رفع سعر الخبز. "تقنيات شيطانية" أمّا منجي اللوز فهاجم من جهته ما سماها "التقنيات الشيطانية التي تنتهجها الحكومة ضدّ الصحيفة الحرة (الموقف)"، معتبرا أنّ هذه التضييقات تأتي على خلفية الدعوات المتكررة التي يطلقها الحزب "الديمقراطي التقدمي" (صاحب إصدار الموقف) تجاه السلطة في تونس للحوار والمساءلة في سياق الاستعداد للاستحقاق الانتخابي 2009، وردّا على "دعوة الحزب السلطة إلى مناظرة تلفزيونية حول قضايا الحرية وحقوق الإنسان والتشغيل والتداول السلمي". من جهته، قال أحمد نجيب الشابي المدير المسئول عن الجريدة في نفس الندوة الصحفية: "إن تصرفات الحكومة هي التي تدفعنا إلى التضحية بأعز ما نملك، وهي أرواح وصحة زملائنا المضربين، وهم مستعدون للتراجع عن الإضراب في أية لحظة شريطة أن ترفع الحكومة يدها عن صحيفتنا وتسقط الدعاوى المرفوعة ضدنا". الشابي الذي شغل سابقا منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي، سبق أن أعلن عن ترشحه للمنافسة على رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة (2009)، ودعا مؤخرا الرئيس التونسي زين العابدين بن عليّ إلى مناظرة تلفزيونية في حادثة هي الأولى منذ توليه السلطة في نوفمبر 1987. وترد السلطات التونسية على إضراب صحفيي (الموقف) بالقول إن "ما يروّجه مسئولي الصحيفة هو كذب وتضليل، وإنها لا تمارس أي نوع من التضييق علي الصحيفة". حسب ما ردده أكثر من مسئول حكومي. ويأتي الإضراب في وقت حرج بالنّظر إلى أنّه يتصادف مع زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى تونس الإثنين المقبل، والتي سيرافقه فيها وفد إعلامي كبير، وهو ما من شأنه التسبب في حرج بالغ للنظام التونسي أمام الإعلام الفرنسي والغربي. ويرى مراقبون إلى أنّ هذا الحدث سيلقي بظلاله على هذه الزيارة، فيما تأمل عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية التونسية أن يكون موضوع حقوق الإنسان في أولويات هذه الزيارة. دعم "مراسلون بلا حدود" من جهة أخرى عبّرت كلّ من منظمة "مراسلون بلا حدود"، ولجنة حماية الصحفيين في بيانين منفصلين عن مساندتهما لصحيفة الموقف وأدانتا ما تتعرّض له من "تضييقات من قبل السلطات". وبحسب تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود نشر عام 2007 عن أوضاع الصحافة في تونس فإن صحيفة (الموقف) "توزع نحو 10 آلاف نسخة أي ضعف معدل التوزيع الذي كان سائدا منذ عامين (2005).. وقد تم هذا التقدّم بالرغم من العوائق التي تعترض الصحيفة المحرومة من التمويل الرسمي، والخاضعة لمقاطعة الشركات الإعلانية الخاصة بأوامر من السلطات". ولا تمنح صحيفة "الموقف" أية موارد مالية حكومية، إذ يقصر القانون التمويل على صحف الأحزاب التي لها ممثلون في البرلمان، وهو ما لا ينطبق على الحزب الديمقراطي التقدمي. كما تفتقر هذه الصحيفة إلى مورد الإعلانات، الذي يحتكر عادة من قبل الصحف الحكومية. ويعتبر مراقبون لأوضاع حرية التعبير في تونس أنّ نصيب الإشهار في الصحف يتم مقايضته بالموالاة. وتعاني وسائل الإعلام المختلفة في تونس (مطبوع - مرئي - مسموع - إلكتروني) من ممارسة التضييق عليها، وإمكانية مصادرتها أو حجبها، بموجب الصلاحيات الكبيرة التي منحها قانون الصحافة التونسي لوزير الداخلية في الإشراف على القطاع الإعلامي.