عقوبة ب20 مليار لشركة المشروبات ''SFBT''    27 ألف متفرج لنهائي الأبطال بين الترجي و الأهلي    تصفيات مونديال 2026: حكم جنوب افريقي لمبارة تونس وغينيا الاستوائية    عاجل : الفيفا تعلن عن الدولة التي ستستضيف كأس العرب    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل 3 مقاتلين ليبيين في اشتباكات مع مهربين قرب الحدود مع الجزائر..    ما الجديد في قضيتي بسيس و الزغيدي ؟    تنبيه/ بداية من منتصف نهار اليوم: هذه المناطق دون ماء..    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    غوارديولا يحذر من أن المهمة لم تنته بعد مع اقتراب فريقه من حصد لقب البطولة    حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم بالقيروان..    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    أغلبهم متطفّلون وموجّهون .. «الكرونيكور» قنبلة موقوتة تهدّد إعلامنا    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    غوغل تكشف عن محرك بحث معزز بالذكاء الاصطناعي    الترجي يستعدّ للأهلي ..دخلة «عالمية» ومنحة «ملكية»    رالي تانيت للدراجات .. نجاح تنظيمي باهر    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ الداخلية: لسنا السبب في التهشيم بدار المحامي    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    العجز التجاري لتونس يتقلص بنسبة 5ر23 بالمائة خلال الأشهر الأربعة الاولى من سنة 2024    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد عبد الرؤوف العريبي: قصة إحدى المظالم التي لم ترفع
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 05 - 2008

ليس من الهين الحديث عن احد رجالات الحركة الإسلامية في تونس وتعداد مناقبه في هذا المقال الذي يطمح لتقديم صورة إجمالية لأحد شهداء الحرية في تونس ... فسيرة الشهيد عبد الرؤوف العريبي يمكن أن تكون موضوعا لكتاب ... لم يكن الرجل صاحب سيرة عادية التحق بالصف الإسلامي عندما نما عوده وإنما كان من الذين ساهموا مع الكثيرين في تأسيس الصحوة الإسلامية بعدما قطع التغريب في بلادنا بقيادة النخبة العلمانية شوطا كبيرا.
في سنة 1954 ولد الشهيد في عائلة ميسورة في ضاحية باردو بتونس العاصمة... وفي هذه الضاحية ذات الماضي العريق في تاريخ تونس ترعرع ونما والتحق بالمدرسة الابتدائية فالثانوية بمعهد خزندار ثم بكلية الشريعة في منتصف السبعينات (75-76)... وفي حين كانت الجامعة التونسية قبل الاستقلال قلعة للنضال ضد المستعمر والتحرر ...حولتها البورقيبية إلى مركز لتخريج العلمانيين والماركسيين لتدريس الدين، ولم يكن محمد بن جنات احد رموز اليسار الماركسي في أواخر الستينات سوى خريج هذه الكلية... فبعد انقلاب قربة 1971 وسيطرة الدستوريين على الاتحاد العام لطلبة تونس ...اتجه اغلب طلاب كلية الشريعة للانخراط في الحزب الاشتراكي الدستوري وكانت قيادة الحزب المتمثلة في محمد الصياح تقوم بزيارات سنوية لهذه الكلية ...
في هذا المناخ بدا عبد الرؤوف مع ثلة من إخوانه الطلبة في الدعوة إلى الإسلام وتأسيس نواتات العمل الإسلامي والتصدي للدستوريين والماركسيين معا ( ونذكر هنا الاخوة: ضو مسكين، احمد جاء بالله، الهاشمي غربال ،الشهيد سحنون الجوهري، منير قطب البودالى، محمد الطرابلسي، خميس الماجري، مصطفى الونيسي، الأخت فاطمة الدعداع وغيرهم)... واستطاعت هذه المجموعة الناشطة التصدي للشعب الدستورية ومشاريعها من مثل التصدي لمشروع وزير التربية آنذاك الذي كان يرمي إلى منع الطلبة غير المتفرغين من مواصلة تعليمهم بالكلية والذي تبنته الشعبة الدستورية والتصدي لزيارة الصياح وكذالك المساهمة في تناقص عدد المشتركين في الحزب، واستطاعوا أيضا فرض الآذان والصلاة وقت الدروس...
اختار عبد الرءوف بعد الجذع المشرك التوجه نحو الدراسات الإسلامية... و في أواخر 1979 بعد تخرجه توجه نحو التدريس في احد المعاهد القريبة من العاصمة ، ولم يتوقف عطاؤه ولا علاقته بالصحوة الإسلامية فقد حضر المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في صيف 1979 وانتخب عضوا في مجلس الشورى...
في سنة 1981 حينما قرر بورقيبة شن حملة ضد الإسلاميين الذين قدموا مطلبا للعمل القانوني تحت إطار حزب حركة الاتجاه الإسلامي ، كان عبد الرؤوف من جملة العناصر القيادية التي نشطت أجهزة الأمن في البحث عنها مما اضطره للتخفي ومغادرة البلاد مع أهله بعد محاكمته غيابيا أمام المحكمة الابتدائية في سبتمبر 1981 بثماني سنوات سجنا ... استقر عبد الرؤوف طيلة هجرته ببلجيكا مع عائلته وبمجرد تطور الأوضاع التي أدت إلى الإفراج عن القيادة في أوت 1984 كان عبد الرؤوف من جملة العائدين والمشاركين بحماس في العمل الإسلامي حيث كان عضوا في المؤسسات القيادية ( مجلس الشورى ، مكتب العلاقات الخارجية، مكتب التربية والتكوين...) ووجد عبد الرؤوف نفسه من جديد مطاردا اثر الحملة التي شنها النظام البورقيبي في ربيع 1987 على كل المنتمين للتيار الإسلامي ، مما اضطره للتخفي وساهم في المسك التنظيمي والمحافظة على المكاسب في تلك اللحظات الرهيبة التي مرت بها البلاد ، وبعد مؤتمر 1988 كان عبد الرؤوف عضو في مجلس الشورى للحركة ، وبقي في موقعه ذالك مساهما بالرأي والعمل في دوائر متعددة إلى أن وقع إيقافه في بداية ماى 1991 عندما قرر نظام بن علي حملته الاستئصالية لحركة النهضة ولكل مكونات الصحوة الإسلامية كان عبد الرؤوف من جملة أعضاء مجلس الشورى العام الذين وقع الإعلان عنهم في بداية شهر جانفي 1991... لم يكن يدري انه مبحوث عنه فقد وقع إيقافه من معهد الغزالي الخاص بالعاصمة حيث كان يشتغل وسيق إلى دهاليز وزارة الداخلية وهناك انصب عليه التعذيب للاعتراف بتفاصيل مؤامرة موهومة قررتها حركة النهضة وخاصة انه العنصر القيادي الأخير في سلسلة الإيقافات التي تمت في شهر ماي ... فقد ركز عليه التعذيب بشكل رهيب وهو صاحب العود الرقيق حتى سقط شهيدا رحمه الله...
لقد تعرضت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في أواخر سنة 1991 إلى ظروف وفاة عبد الرؤوف العريبي فقالت : " وقع إيقافه يوم 3 ماي 1991 ووضع في السر حتى تاريخ وفاته يوم 26 او 27 من نفس الشهر فقد أعلمت السلطات أقاربه بان مات اثر سقطة قلبية ولم تستطع عائلته تسلم جثته إلا فجر 28 ماي 1991 ووقع جبرها على دفنه مباشرة ، لم يتصل أقاربه بأي تقرير تشريح ولا اى شهادة طبية تحدد أسباب الوفاة ، كانت آثار الجروح بارزة في رجله..."
ويذكر شاهد عيان لاستشهاد عبد الرؤوف في زنزانات وزارة الداخلية فيقول : " لقد كنت شاهد عيان في وفاة الشهيد عبد الرؤوف العريبي في زنزانات امن الدولة فقد وقع إدخاله علينا وكنت اعرفه ولكنى لم استطع وقتها التعرف عليه لأنه كان في حالة يرثى لها ... اعتقل الأخ يوم 2 ماي 1991 في منتصف النهار حيث كان يدرس مادة العربية بمعهد الغزالي الخاص وأخذوه إلى محلات امن الدولة بوزارة الداخلية حيث تعرض إلى الضرب المبرح والعذاب الشديد حتى شلت يداه من التعليق وضرب على رجليه حتى انفلقت اكفها وكان محمولا من طرف جلادين لما ادخل علينا ذات يوم في زنزانتنا لايقوى على الوقوف وقد انتفخت عينه ووجهه ورأسه وشفتيه وأذنيه ويشتكى من آلام حادة بظهره ... ولما كشفنا عنه وجدنا جسمه اسود وازرق من الكتفين حتى أسفل الفخذين من الخلف ونفس اللون في صدره حتى ركبتيه من الأمام... كان يفقد وعيه باستمرار ... كان يشكو كذالك من الم في بطنه يؤخذ كل مرة ويقع إرجاعه بدون اى عناية طبية إلى المراقبة من طرف طبيب جلب له يدعي ( امسلم)... كان يلتمس حالته حتى يري هل بإمكانهم إرجاعه إلى العذاب ... استمرت حالته تسوء إلى يوم 26 ماي فيما اذكر وبعد صلاة الفجر اشتدت به الآلام ولم ينم منذ ثلاث ليال ورفضوا دعوة الطبيب ولم يفتحوا الزنزانة ... فاعتدنا له متكئا طلبه لآلام ظهره وبعد أن طلب ماءا لغسل وجهه وشرب ثم بنا كأنه يغمض عينيه للنوم ثم فارق الحياة رحمه الله... جاءوا بعد ذالك كالكلاب المسعورة ... جاءوا بطبيبين محاولين إسعافه بالتنفس الاصطناعي ... لكن بعد فوات الأوان ... أخذوه بعد أن رفض الإسعاف الخارجي حمله والقوا به في بيت الدوش حتى الليلة القادمة حيث أخرجوه مع الساعة العاشرة تقريبا "
شكاية في القتل
هذا نص الشكاية (1) التي تقدم بها "ورثة المرحوم عبد الرؤوف بن خميس بن الصادق العريبي" ضد "السيد عبد الله القلال وزير الداخلية ومن سيكشف عنه البحث" يوم 9 أوت 1991.
سيدي وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس حرسه الله و رعاه
المعروض على جانبكم ما يأتي:
حيث وقع إيقاف مورث المنوبين المرحوم عبد الرؤوف بن خميس بن الصادق العريبي المولود بباردو بتاريخ 8/2/1958 حرفته أستاذ تعليم ثانوي منذ يوم الثالث من شهر ماي 1991 حوالي الساعة منتصف النهار وذلك على إثر خروجه من المعهد الذي يدرس به ( معهد الغزالي الخاص بجهة الحلفاوين ) من طرف أعوان أمن بزيهم المدني و في نفس ذلك اليوم و حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال تقريبا توجه ثلاثة أعوان أمن بزيهم المدني من مصلحة أمن الدولة لمعاينة و تفتيش منزله الكائن بنهج تونس عدد15 بباردو و قد صرح أحد الأعوان لزوجة المرحوم وقتها "أن الغاية من إيقاف عبد الرؤوف هو نريده أن يلتزم فقط".

و حيث أنه بعد الإيقاف اتصلت عائلة المرحوم بالسلط الأمنية المعنية بالأمر فلم تجد جوابا مقنعا كما أنه وقع إعلام والده أنه لا يمكن إرشاده على أي موقوف من "المصلين" و بناء على ذلك و بعد مضي الأربعة أيام الأولى للإيقاف التحفظي تقدمت زوجته للجناب بشكاية و مطلب للعرض على الفحص الطبي رسمت لدى مكتب الضبط تحت عدد 5/54204 بتاريخ 8 ماي 1991 و بنفس التاريخ تمت إحالة تلك الشكاية على مدير أمن إقليم تونس للإرشاد و إجراء اللازم في الموضوع و بقيت حالة الشكاية على ما هي عليه إلى حد الآن.
و حيث أنه بتاريخ السابع و العشرين من شهر ماي 1991 و حوالي الساعة الخامسة بعد الزوال اتصل عوني أمن بزيهم المدني بمنزل والد الهالك و قاما بجلب والده معهم إلى منطقة الأمن ببوشوشة أين وقع إشعاره من طرف رئيس الدائرة بوفاة أبنه لدى مصالح الأمن بوزارة الداخلية كما قام ذلك الشخص بإعلام والد الهالك أن موعد الجنازة سيكون صبيحة الثامن و العشرين من شهر ماي 1991 على الساعة السابعة و النصف صباحا بمقبرة "الجلاز".
و قد وقعت محاولة من الورثة في الاتصال ببعض السلط الأمنية عن طريق أحد المحامين لمحاولة تأخير موكب الدفن إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك مما اضطرهم إلى التوجه صباح يوم 28-5-1991 إلى المقبرة المذكورة في ساعة مبكرة. و حوالي الساعة السابعة و 45 دقيقة وقع وصول سيارة إسعاف عسكرية على متنها "التابوت" الذي يوجد به الهالك و عدد سيارة شرطة كبيرة الحجم بها عدة أعوان أمن "بوب" مع مجموعة من السيارات المدنية لأعوان أمن بزيهم المدني و سيارة نوع "ألفا" به رئيس فرقة الأمن ببوشوشة الذي قام بإعلام والد الهالك بالوفاة.
و إثناء عملية إنزال الجثة بالقبر التي كانت ملفوفة بزاورة جيش وقع التكشف عليها من قبل أفراد عائلته و بعض الحاضرين و من بينهم الأستاذ عبد الفتاح مورو الذي قام بإنزال الجثة بالمقبرة فلحظ على وجهه و رقبته و كتفيه و صدره "زرقة" و بعض آثار عنف كما لوحظ في رجليه آثار عنف و "زلعة" في قصبتيه. كما أن كم قميص الأستاذ مورو قد لطخ بالدم من جراء جرح في رقبة الهالك من الخلف و حسب ما لحظ من بعض الحاضرين أن الهالك يبدو أنه أصيب بنزيف دموي داخلي من جراء الاعتداء الذي تعرض له أثناء استنطاقه في خلف رقبته.

و حيث لم يتمكن العارفين من التحصيل على أية وثيقة من وثائق الهالك الشخصية و ملابسه و ساعته اليدوية و محفظته التي كانت بحوزته عند عملية القبض عليه. كما أنه لم يقع تمكينهم من السلط المعنية من التحصيل على أية وثيقة لإتمام إجراءات استخراج حجة وفاته . هذا مع الإشارة أنه صباح اليوم التاسع و العشرين من ماي 1991 لما توجه أفراد عائلته الهالك إلى المقبرة وجدوا عوني أمن بالزي المدني و ثلاثة أعوان أمن بزيهم بصدد حراسة القبر الذي وقع بناءه من قبل أعوان الأمن فتوجه إليهم أحد الورثة طالبا منه تمكينه من الوثائق اللازمة المثبتة للدفن فأشار عليه بالتوجه إلى مستشفى شارل نيكول قصد التحصيل على شهادة طبية و استخراج نسخة من مضمون وفاته. فلما توجه إلى المستشفى المذكور لم يجد اسم الهالك مسجل فوقع الاتصال بواسطة الأستاذين مورو و البحيري و الزمزمي بوكالة الجمهورية للتحصيل على نسخة من الإذن بالدفن فلم يتمكنوا من ذلك و اتضح أن عملية الدفن تمت بدون الحصول على إذن في ذلك.
و حيث يتجه الإذن بفتح بحث في الموضوع و إحالة المشتكى به و من سيكشف عنه البحث على العدالة لمقاضاتهم من أجل ارتكاب جريمة القتل عمدا طبق أحكام الفصل 204 من القانون الجنائي.
لذا فالرجاء من الجناب الإذن بإجراء الأبحاث اللازمة في الموضوع ثم إحالة المشتكى به و من سيكشف عنه البحث على العدالة لمقاضاتهم من أجل ارتكاب جريمة القتل عمدا طبق أحكام الفصل 204 من المجلة الجنائية.
و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل و لكم جزيل الشكر مسبقا عن الاعتناء بالموضوع. و السلام
أين هذا التذكير من مطالب اللحظة
قد يعتبر من يدعون دون جدوى إلى طي صفحة الماضي وفك الاشتباك والمصالحة الوطنية والابتعاد عن الخطاب المتشنج وغيرهم... أن مثل هذا التذكير لايخدم مطالب اللحظة بل وأكثر من ذالك قد يكون المطلوب عند البعض الآخر هو تجاوز الماضي والتوجه نحو المستقبل ...فاى معركة لابد أن تخلف أضرار وان الكلمة الطيبة التي تبتعد عن التشخيص وتركز على نصف الكأس الملآن ...هي في النهاية التي سوف تفتح القلوب وتغير الأوضاع...لقد نسى هؤلاء – رغم أن الكلمة الطيبة مطلوبة في كل الأحوال -
إن أول شرط من شروط المصالحة هو رد المظالم... ولايمكن لعاقل أو مراقب موضوعي أن يقول أن الذي تضرر من المواجهة التي خاضتها السلطة مع الاسلامين منذ بداية التسعينات وغيرهم فيما بعد هي الدولة ... بل أن الذي تضرر ودفع الضريبة غالية بما يشبه المحرقة هم أبناء الشعب من الإسلاميين... الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم رفعوا مطلب الحريات وحاولوا فرضه نيابة عن المجتمع بالطرق السلمية.
أن البداية تبدأ بإفراغ السجون ممن تبقي ممن يقبعون منذ قرابة العشريتين في مصانع الموت...وإعلان العفو التشريعي العام والتحقيق في التجاوزات التي مارستها الأجهزة الأمنية وغيرها – والتي لايخفى أن العديد من عناصرها كان ومازال يقودها الحقد الإيديولوجي ومبدأ التصفية الجسدية للإسلاميين أكثر من حرصها على تطبيق القانون – وهذا التحقيق ليس هدفه الانتقام وإنما تجلية الحقيقة وبعد ذالك من حق القائمين على الحق الشخصي في مناخ من الأمن والعدل أن يعفو ويتركوا الأمر بمنطق الإيمان للعادل الذي لاتخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
أما أن نجعل الشرط الأول للمصالحة هو مزيد من تنازل الضحية على الحقوق إلى حد الولاء الكامل للسلطة بإعلان التوبة والتخلي عن الاهتمام بالشأن العام فذالك منطق لايقبله عاقل...
نعم إن الإسلاميين مطالبون بتقييم مسيرتهم... تماما مثل كل التنظيمات الجادة - تقييم يلامس الأفعال والأفكار والرجال...
يقول الفاضل البلدي (2) : "كما تتطلب - المصالحة - جهدا عظيما من الإسلاميين يبدأ بتحميل أنفسهم جزءا من المسؤولية فيما جرى من تشابك وما ترتب عليه من عقوبة أو محنة لأنّ ذلك من حسن التقويم من ناحية، وفيه بعض عزاء من ناحية أخرى من شأنه أن يقلل من الآثار النفسية ويدفع منطق الثأر والانتقام لو توفرت القدرة، ويشيع مفهوم الاحتساب إلى الله لأنّ صاحب الرسالة أو القضية يعتبر أنّ المحن ضرورية وطبيعية في المسيرة.
وبقدر ما يكون جريئا وصادقا وموضوعيا في تحديد كسبه وكسب يده فيها (أي مسؤوليته) بقدر ما يكون قادرا على استيعابها وتجاوز آثارها والانطلاق لحسن استثمارها في المستقبل نهوضا بالرسالة ومواصلة للمسيرة وتقييما للتجربة وتأكيدا للدور وإصرارا على الحق في التعبير والمشاركة يوجّهه في المرحلة الجديدة الموضوعية والاعتدال في توصيف الواقع الخاص والعام".
ويضيف : " ويجدر بالإسلاميين أن يقوموا بمراجعات جريئة يكون فيها تقييم للماضي بحلوه ومرّه ويكون ذلك بأقدار من العلنية توفّر للدارسين وللأجيال خلاصات تعين على التجاوز والتطوير والترشيد إذ أنّ الحركة الإسلامية ليست مملوكة لفئة أو حزب أو تنظيم أو أشخاص بل هي مرحلة وتجربة في تاريخ البلاد والشعب كما غيرها من الأحزاب والتنظيمات والجمعيات والزعامات. وكلّ تجربة أو مرحلة يعتريها النقص والخطأ. وقد يحرمها انغلاقها وتكتمها من الاهتداء للعورات والتفاعل مع الواقع تأثرا وتأثيرا. وما أحوج الإسلاميين لأن يكونوا مثالا في المسؤولية والصراحة والصدق والجرأة إذا كان القصد "إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت" "وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء".
والسؤال المطروح هل أن شروط التقييم الحقيقي متوفرة ... لقد أنجزت حركة النهضة تقييما داخليا في بداية التسعينات .. ونشرت الجزء الرسمي منه وقد كان تقييما لامس بعضا من الأفكار والأفعال ولكنه توقف عند تقييم الأشخاص بفعل المحنة التي كانت تحيط بالكثير من رجالات الحركة ...ومن حين لآخر تصدر كتابات لإسلاميين يتناولون فيه هذا الموضوع يحاولون فيه تقييم أداء القيادة السياسي ... وآخر من يعمل على فتح هذا الباب هو النائب السابق للدكتور الصادق شورو- الذي مازال يدفع ضريبة الحرية إلى اليوم- الأستاذ محمد شمام ، يقول في سلسلة من المقالات بعنوان " حتى لايشوش على واجبي الشرعي " (4) : " لقد غدا ضرورة النظر إلى الأمور من خارج الصندوق – وهو ما أحاوله - حتى نقدر أن نرى الأمور على حقيقتها ، وبالتالي نتعرف على طريقنا "
جميل أن يترك الأخ محمد شمام قلم الرصاص جانبا محاولا نزع الصورة التي صنعها له الخصوم في الخارج والصورة التي صنعها لنفسه في الداخل من خلال الدعوة لتقييم من الخارج ولكن السؤال هل يمكن لتقييم من هذا النوع يتم في الفضاء الافتراضي وفي ضل الضر وف الحالية أن يكون موضوعيا فضلا على أن يحقق أهداف تساهم في تغيير واقع الحركة الإسلامية في الداخل ومن ثمة واقع البلاد...
إن التقييم الحقيقي والشامل هو الذي تنخرط فيه كل فعاليات الحركة الإسلامية والقوى الوطنية في مناخ من الحرية والشفافية... أما ما دونه فيبقى تقييما يتضمن أقدارا من الذاتية ويعبر عن وجهة نظر فئة أو مجموعة أو شخص... ولذالك فالكثير من الأحداث التاريخية لا تبرز حقيقتها إلا بعد جيل أو جيلين...
من يرد المظالم
حينما تختلط الأوراق ولم يعد للمنطق أي معنى تبدأ الرهانات لرفع المظالم ... فمن مراهن على القوى الدولية، إلى مراهن على النخبة وآخر على الشعب ومن مراهن على السلطة ذاتها ممثلة في رئيسها...
يقول الأستاذ مصطفى الونيسى (5)
: أنّنا كإسلاميين تونسيين نراهن على رئيس الدولة المسئول الأول في البلاد و الذّي أكدّ في مناسبات عديدة بأنّ تونس لكل التونسيين ، أن يضع حدّا لهؤلاء الذين يتلاعبون بمعاناة عائلات تونسية و بدموع أمهّات وآلام ضحايا لا يعلم مداها إلاّ الله، و ما نريده لبلادنا تونس و نتمنّاه هو دولة عادلة تقف إلى جانب الضعيف حتى تأخذ له حقه، و إدارة قوية تكون في خدمة كل المواطنين على قدم المساواة."
إن هذا الإعلان ليس الأول من نوعه فقد حبر العديد البيانات والمقالات الطويلة التي تدعو في ضل الانسداد القائم لرفع المظالم وتتوجه إلى رئيس الدولة...
ولكن ها قد مرت قرابة سبعة عشر سنة على قتل رجل لم يكن له من طموح سوى أن تعيش بلاده في تناغم مع تاريخها
وهويتها التي عبر عنها الفصل الأول من دستور البلاد... والقضية التي رفعها أفراد عائلته لم تعرف طريقها الى العدالة... لم يعرف عن هذا الرجل انه حمل سلاحا ... ولا اعتدى على احد...
يقول الأستاذ بن عيسى الدمنى (6)

أما الحدث الأقسى على نفسي، فقد كان بلا شك وفاة أخي و صديقي منذ عهد التتلمذ: الأستاذ عبد
الرؤوف العريبي أثناء اعتقاله في مطلع التسعينات. فقد كان حبل التواصل الأخوي بيننا متينا على امتداد عقدين من الزمن تقريبا. فعرفت فيه، رحمه الله، فوق كونه أستاذا للشريعة و أصول الدين، مثال المناضل الصادق، الجامع بين مبدئية المواقف و سعة الثقافة و رهافة الحس و التفتح الفكري و التوق الدائم إلى التجديد. عرف المنافي الأوروبية و هو في العشرينات من عمره، و بعد عودته إلى أرض الوطن عانى من التضييق و حُرم من الشغل و من حقوقه المدنية، دون أن يفت ذلك في عضده أو يدفعه إلى التخلي عن اتزان أفكاره و اعتدال سلوكه... لقد فُجعت بوفاته في تلك الظروف القاسية؛ و لا أزال أشعر أنني فقدت بغيابه صاحبا
عزيزا، و أن البلاد قد خسرت بفقدانه و صحبه الذين توفوا في ظروف مشابهة نخبة من أخلص الكفاءات الوطنية. رحمهم الله جميعا
لقد كان الحدث قاسيا على جميع الذين عرفوا هذا الرجل وعاشروه...فلعل هذه التذكرة:
تساهم في إنصافه والتعريف بالمظلمة التي عاشتها عائلته وكل أبناء التيار الإسلامي
وتذكرنا أيضا بواجب الدعاء لكل الذين قضوا نحبهم من اجل قضية الإسلام والحرية في بلادنا.
عبد الجليل الخضراوي
______________________________________
من تقرير حول وضع الحرّيات في تونس تحت عنوان: سنة 2000، سنة استرداد الحقوق و إطلاق الحريات (1)
أصدره المجلس الوطني من أجل الحريات في تونس بتاريخ 15 مارس 2000
فاضل البلدي :دعوة إلى فك الاشتباك (2)
حتى لا يشوش على واجبي الشرعي – محمد شمام (3)
مصطفى الونيسي : خطابنا هو رسولنا أينما توجهنّا(4)
الاستاذ: بن عيسى الدمنى في حوار نشره موقع الحوار نت(6)
المصدر: بريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.