دق أطباء ومختصون اجتماعيون ناقوس الخطر من انتشار تعاطي المخدرات في أوساط المجتمع الموريتاني، بعد اكتشاف شحنة من الكوكايين في مطار مدينة نواذيبو بلغت حمولتها 600 كلغ من الكوكايين.وقال مهتمون أن اتساع رقعة تجارة واستهلاك المخدرات يهدد مستقبل جيل بأكمله بعد أن أكدت دراسة حديثة قامت بها جمعية الطفل الموريتاني وجمعية أوقفوا التدخين، أن %60 من طلبة المدارس الإعدادية والثانوية وحتى الأقسام الأخيرة من التعليم الابتدائي مدخنون. وكانت الخيوط الأولى لهذه العملية التي هزت الرأي العام الموريتاني قد تكشفت مع إفراغ طائرة 600 كلغ من الكوكايين قبل أن يعثر عليها رابضة على الطريق بين نواذيبو ونواكشوط. ومكنت التحقيقات من حجز طائرة ثانية ومصادرة سيارات ومعدات الكترونية ومبالغ مالية تجاوزت مليوني دولار. وتطورت ملابسات هذه القضية بحيث شمل استجوابات موريتانيين وأجانب، واعتقل سبعة متهمين بينهم فرنسيين ومغربي، ومازال الملف بيد القضاء في انتظار استلام المتهم الرئيسي الذي تعتقد السلطات أنه زعيم شبكة تهريب المخدرات على مستوى موريتانيا وهو سيدي محمد ولد هيداله نجل رئيس الجمهورية السابق محمد خونه ولد هيداله، الذي اعتقلته السلطات المغربية بمدينة أكادير. ويرى محمد الأمين ولد محمد محمود (أخصائي اجتماعي ومعالج بقسم الإدمان في مركز نواكشوط) أن عملية تهريب المخدرات التي اكتشفت تؤكد أن هذه العصابة قامت بعمليات سابقة لاقت النجاح مما ساعد على انتشار المخدرات في موريتانيا وسهولة وصولها إلى المتعاطين، وأضاف "أن الطريقة التي نفذت بها هذه العملية الكبيرة والتي ضبطت خلالها 600 كلغ من الكوكايين ومبالغ مالية قدرت بمليوني دولار وطائرتين وعدة أجهزة اتصال عالية التقنية، تؤكد أن هذه العملية ليست الأولى من نوعها، وهو ما يعني أن سموم المخدرات باتت منتشرة في البلاد وأصبحت في متناول الجميع". وأوضح أن "انتشار ظاهرة التدخين يزيد الأمر صعوبة, فقد أكدت دراسة حديثة أجرها مجموعة من الباحثين الفرنسيين والموريتانيين أن %60 من تلاميذ موريتانيا يدخنون، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مروجي المخدرات يركزون أنشطتهم على فئة المراهقين والطلبة، وأن جلسات تدخين المراهقين والتلاميذ يجري فيها تبادل السجائر المصنوعة يدويا مما يعني إمكانية وقوعهم في فخ الإدمان من دون قصد، فان النتيجة حتما سيكون كارثية على المجتمع بأكمله". ويفسر الباحث انتشار التدخين في المجتمع الموريتاني بغياب محاذير اجتماعية تمنع التدخين ويقول أن "جميع الفئات مسموح لها اجتماعيا بالتدخين، ولا أحد يستغرب أو يستهجن تدخين النساء والمراهقات والصبية والشباب علنا، إضافة إلى أن العامل المادي لا يقف في وجه تدخين الفقراء والعاطلين عن العمل فأسعار السجائر متدنية وأنواعها الرديئة في متناول الجميع، ويعكس حجم واردات السجائر في موريتانيا الإقبال الكبير على التدخين، حيث يبلغ حجمها 175 مليون علبة سنويا وهو حجم واردات إحدى دول المنطقة الذي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة بينما عدد سكان موريتانيا لا يتجاوز 3 ملايين نسمة". وحذر الباحث من تمادي المجتمع في تشجيع التدخين خصوصا بعد أن أصبحت البلاد معبرا رئيسيا للمخدرات وقع اكتشاف أنواع جديدة منها داخل السوق الموريتاني كالكوكايين والهيروين والأقراص المهيجة, حيث كان مخدر الشيرا الوحيد المتداول بين فئة قليلة من الموريتانيين. وربط بين ارتفاع نسبة الجريمة في موريتانيا مؤخرا وانتشار تعاطي المخدرات بين الشباب، واعتبر أن ظهور جرائم الاغتصاب والخطف والاعتداء المسلح والقتل بشكل كبير في المدن الموريتانية الرئيسية يرجع أساسا لانتشار استهلاك المخدرات، وأضاف "عند حلول موعد استهلاك المخدر وأمام عجز المدمن عن مقاومته أو تأمين مال لشرائه يقوم بسرقة أي شيء لتلبية حاجته، مما قد يوقعه في ورطة أو جريمة، حيث تشير سجلات الشرطة أن النسبة العظمى من سارقي حقائب النساء في الأسواق والهواتف النقالة ومعترضي سبيل المارة من المتعاطين للمخدرات وغالبا ما يكون سبب السرقة هو توفير مصاريف الإدمان، وحين يلبي المدمن حاجته من المخدر يفقد إدراكه ويقوم بارتكاب جرائم خطيرة". وأوضح أن "أعمار أغلب المدمنين تتراوح ما بين 12 و25 سنة وفي هذا العمر الذي يوافق مرحلة الدراسة أو البحث عن عمل غالبا ما يجد المدمن صعوبة في تأمين مصروفه اليومي لتزويد الجسم بالمخدر، ما يدفعه إلى البحث عن طريقة للحصول على الجرعة بسهولة كالاشتراك في عصابة للسرقة أو الترويج للمخدرات، وهذا خطير جدا لأن الشاب من السهل عليه الإيقاع بشاب مثله في براثن الإدمان فيزداد عدد المتعاطين من خلال تشجيع العديد من الشباب على تعاطي المخدرات من باب الفضول أو التجربة خلال جلسات السهر والسمر".