رسميا: الشروع في صرف قروض السكن في صيغتها الجديدة ابتداء من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    إضراب حضوري للمحامين بمحاكم تونس الكبرى    بنزرت: تنفيذ قرارات هدم وازالة 3 أكشاك بشارع الهادي شاكر    إرتفاع أسعار اللحوم البيضاء: غرفة تجّار لحوم الدواجن تعلق وتكشف..    صناعة النفط و النقل واللوجستك : تونس تنظم معرضين من 25 الى 28 جوان المقبل    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعمة بمخزن عشوائي    بنزيما يغادر إلى مدريد    تتصدرها قمة الإفريقي والصفاقسي.. تعيينات مباريات الجولة الأولى إياب من مرحلة التتويج للبطولة الوطنية و النقل التلفزي    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    فظيع/ حادث مروع ينهي حياة كهل ويتسبب في بتر ساق آخر..    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    وزيرة التربية: ''المقاطعة تساوي الإقتطاع...تسالني فلوس نخلّصك تتغيّب نقصّلك''    بطولة الكرة الطائرة: النادي الصفاقسي يفوز على مولدية بوسالم    النادي الإفريقي: هيكل دخيل ينطلق في المشاورات .. إستعدادا للإنتخابات    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    3 حلول لمكافحة داء الكلب ..التفاصيل    الحماية المدنية: 9 قتلى و341 مصابا خلال ال 24 ساعة الماضية    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    هواة الصيد يُطالبون باسترجاع رخصة الصيد البحري الترفيهي    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    شاب افريقي يقتحم محل حلاقة للنساء..وهذه التفاصيل..    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    تونس:تفاصيل التمديد في سن التقاعد بالقطاع الخاص    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ودّعتهم بالدموع والصبر... واستقبلت تسريح رفاتهم بالفرح والفخر
نشر في الفجر نيوز يوم 19 - 07 - 2008

عائلات شهداء تونسيين تروي : قصص الأبطال مع المقاومة والنضال - تونس :هم أبطال بمقياس البطولة.. والدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة وهم أحرار بمقياس صدق اليقين وعمق الاخلاص لتحرير الوطن العربي وهم أحياء عند ربّهم يرزقون
- بمقياس الاستشهاد في سبيل الدفاع عن شرف الأمة ولطالما برّح الشوق الظامئ بهم عملا وسلوكا، إيمانا وثباتا، بذلا وتضحية، ثقة وإخلاصا وتصميما على الاستجابة لنداء فلسطين حين كانت تهيب بمن يضع عن أكتافها وأكنافها وأعطافها، وعرضها وأرضها أغلال الاستعمار الصهيوني الغاشم ويحرّر وجودها ومصيرها.. من هذه الأغلال!
ولقد جاء هؤلاء الأبطال وهبّوا ثوارا ومحرّرين.. ففازوا بالشهادة والخلود بعدما بذلوا في سبيل الدفاع عن القدس من جهد خارق مبرور.
وحسبنا هنا أن نومئ الى سماتهم، ونتطلع الى سمائهم بالتحدث الى أفراد عائلاتهم.. عن لحظات الوداع والفراق.. وعن لحظات نذر الحياة وعقد العزم والنية على غاية تناهت في العدالة والسمو، وعلى نسق تناهى في الجسارة والتضحية والبذل، وقبل هذا وبعده. عن لحظات سماع أنباء عودة رفات هؤلاء الأبطال الى لبنان في انتظار عودتها الى تونس راجين وآملين.
ولقد كان الحديث مع أفراد عائلات الشهداء مفعما بالدموع والفرح، ومشفوعا بالرجاء والأمل، ومعطّرا بالصبر والثبات والفخر.. ومن أين نبدأ يا ترى؟!
ولسوف تكون البداية مع السيد نصر بن نومة (متقاعد من فرنسا) شقيق الشهيد ميلود بن ناجح بن نومة الذي قال متدفقا في الكلام: «لقد كنّا ندرك أن صمت ميلود المفعم بقوة العزم والأمل يخفي وراءه أمرا جللا، ولقد كانت صلابة إيمانه لا يوهنها حتى رهبة الموت وزلزاله، ولقد مضى يواجه تبعات تلك الصلابة في إقدام جسور، حين انصرف ولعه وشغفه عن المغانم الى المغارم، وعن شهوة الحياة الى عشق الخطر وحبّ الموت من أجل الدفاع عن فلسطين».
ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل لفلسطين بيوم هجرته الى ليبيا سنة 1978، ففي ذلك اليوم من تلك السنة غادر الى ليبيا، فأعيد الى تونس، ثم أعاد الكرّة ولم يعد! ولقد كانت والدته مبروكة تتحرّق شوقا الى سماع صوته واحتضانه وشمّ رائحته! ولقد كان يفري كبدها ويقلّب عليها مواجعها ذهاب ابنها عنها ولم تكن تدري إلى أين!
وبعد 16 يوما من التغيير المبارك الذي جدّ في تونس يوم 7 نوفمبر في سنة 1987 وردتنا مكالمة هاتفية علمنا من خلالها أن ابننا البارّ ميلود قد استشهد في عملية بواسطة الطائرات الشراعية في قرية «شمونا» نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة ضد معسكر قوات الكومندوس الاسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة انطلاقا من جنوب لبنان!
لقد تقبلنا النبأ عبر الهاتف بصبر وثبات وفخر أيضا! وأذكر في ما أذكر أن والدتي مبروكة يوم سماعها النبأ كانت قد بسطت يمينها كأنها تصافح الموت وراحت تقول مرحبا باستشهاد ابني! ولقد تمنّت ولكم تمنّت أن يُعاد رفاته الى أرض الوطن لتحضنه، وتشمّ رائحته! ولكن! ولكن هذا ما نتمناه الآن راجين وآملين ومفتخرين! ولسوف يظل هذا الشهيد في قلوبنا لوحة رائعة لا ينصل بهاؤها، وموقفا شامخا يتمنى كل من رآه أو سمع عنه لو أنه كان صاحب هذا الموقف العظيم..!
* * *
.. والآن تعالوا نقترب من الشهيد رياض بن الهاشمي بن جماعة من مواليد 1968 بصفاقس وتعالوا نقترب في خشوع من والديه نكاشف مشاعرهما، ونشمّ العبير الفوّاح القادم من ناحيتهما!
ولقد قال لنا الأب الهاشمي بن جماعة يعمل خياطا وعمره 63 سنة في ثبات وصبر ويقين «الحمد للّه أن ابني استشهد في ساحات الوغى في فلسطين، ولم يمت حتف أنفه، وهذا مبعث فخره، وسعادتي والصبر الذي ألهمه لي ربّي، وما هبّت ريح على دارنا إلا وجدت منها ريح ابني رياض، ولقد كان رياض طالبا جامعيا يدرس التاريخ، والجغرافيا في كلية منوبة، ولقد سمعنا أنه غادر أرض الوطن في 14 سبتمبر 1994، وانقطعت عنّا أخباره، ولقد كنا نعتقد أنه عاد الى الجامعة لمواصلة دراسته، ولكن في يوم 25 جانفي 1995، اتصلنا بمكالمة هاتفية وأخبرنا بأنه استشهد في عملية الطيبة في «مكساس» شمال فلسطين، وكان عمره 27 عاما وكان أوسط أخويه وهيبة ونزار، فبورك فيه يوم ناضل واستشهد وبورك فيه يوم يبعث، وإني راض عنه دنيا وآخرة، فلقد ناضلت أنا ضدّ الاستعمار الفرنسي، وناضل هو ضد الاستعمار الصهيوني، لقد كان يتألم كثيرا كلما شاهد المجازر في حق الأبرياء الفلسطينيين، وكان شعوره بالحقد والغيظ يتفاقم يوما بعد يوم على هذا الكيان الغاصب، ولقد أراد أن يمتزج دمه بدم إخوانه الشباب من أبناء فلسطين، وهذا ما سعى إليه.. وهذا ما عمل من أجله، وهذا ما جعله يستشهد في سبيله.. وإن الغبطة الآن بعودة رفاته الى لبنان في اطار مبادلة الأسرى مع «حزب اللّه» تكاد تخلعني من مكاني، وكأني من الفرحة الغامرة أطير، وسأطير حقا من الفرحة عندما يعود جثمانه الطاهر الى تونس ليوارى الثرى هنا مع الشهداء والأبرار.. أقول هذا راجيا وآملا! وكم تمنيت لو استشهدت الى جانبه ومعه! وهنا صمت هذا الأب صمت التأثر والخشوع ليترك المجال لزوجته بيّة المجدوب أم الشهيد رياض بن جماعة كي تعبّر عن مشاعرها في هذه اللحظة التاريخية وقالت «أتمنّى أولا من كل قلبي أن تستقلّ فلسطين، وإنها بهذا الشرف لجديرة، وإني باستشهاد ابني لسعيدة ولمفتخرة ولمعتزة، وإني لا أختلف في شيء عن الأمهات الفلسطينيات اللاتي ثكلن وفجعن في أبنائهن، إني أشاركهن نفس المشاعر ونفس الإحساس، لقد قام ابني بالواجب المقدس فأوجب، ولقد أحسست بلحظة استشهاده وصبرت! وإن الخير في ما اختاره اللّه واللّه مع الصّابرين.
وإني لأسمع صوته كل لحظة حاملا إلي في رفيفه معاني كريمة ومثلا رفيعة، وإني لأحسن الاصغاء فأشعر بالراحة والطمأنينة وأشعر بكياني يزخر بالسعادة وينبض بالحيوية، وأحسّ بفطرتي البسيطة الساذجة أني قدمت لفلسطين زهرة حياتي ابني.. وهذا أقل شيء يمكن أن تقدمه أمّ دفاعا عن شرف الأمّة.
ومع ذلك تصعد أجنحة الشوق في نفسي الى رؤية جثمانه في وطنه، أقول هذا بقلب الأم وإحساسها ومشاعرها الفيّاضة، وواللّه ما بكيت جزعا على استشهاده، ولكن يحقّ لي الآن أن أبكي فرحا على عودة رفاته، أو ليس فلذة كبدي وقطعة مني! وهنا صمتت هذه الأم المناضلة ثم استدركت وقالت «لن تغرب الشمس باستشهاد ابني ولكنها ستغرب يوما بغطرسة الصهاينة وجبروتهم وظلمهم وقتلهم للأطفال وتشرق شمس فلسطين من جديد وهذا ما أتمناه وأرجوه».
* * *
وفي الختام ننهي هذه الرحلة الفيحاء مع قصص الشهداء التونسيين الذين خاضوا معارك الكرامة في سبيل تحرير فلسطين مع قصة الشهيد فيصل الحشايشي (من ولاية قابس) الذي استشهد في عملية فدائية عند الحدود اللبنانية الفلسطينية، وفي هذا الاطار يقول شقيقه توفيق الحشايشي «مهما تحدثت وبالغت في الوصف، فإني قد لا أستطيع وصف شعوري مفتخرا ومعتزّا، بهذا البطل الذي شرّف وعرّف، فلقد غادرنا منذ سنة 1989، ولم نره من لحظتها.. لقد كنا نعتقد أنه يدرس في كلية العلوم، حتى قرأنا عن خبر استشهاده في صحيفة تونسية يوم 8 جويلية 1993، وقد استشهد إثر مشاركته في عملية فدائية جريئة ضد دورية صهيونية بمنطقة «العيشية» بجنوب لبنان، ولقد شعرنا بالفخر والاعتزاز باستشهاد إبننا البار ولم تصدق الوالدة عائشة الخبر في البداية، ثم استوعبته وعاشت على ذكرى هذا الإبن الذي بقي مدة 4 سنوات كاملة يطلبها بالهاتف كل يوم ليسمع صوتها ولا يتكلم الى أن انقطعت مكالماته وأخباره نهائيا.
ولقد احتفل اتحاد الشغل في حينه بأربعينية الفقيد الغالي أي منذ 15 سنة.. وها هي الوالدة تنظر كل صباح الى صورته المعلقة على الجدران.. وتنتظر عودة الغائب.. ولعلّها تقول لابنها «سوف تعود.. ولكن متى تعود.. لقد اشتقت إليك كثيرا.. كثيرا» ومازالت تنتظر.. ومازلنا نأمل في عودة رفاته الى تونس! ولكن متى..؟! نعم متى؟
* تونس (الشروق)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.