تصريحات روبرت كاغان، أحد مستشاري حملة جون مكين، المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية التي تحدثت عن حل ودولة فلسطينية في الأردن، رغم نفيها من قبل الأردن الرسمي، تقف وراء الإهتمام الملكي اللافت بزيارة المرشح الديمقراطي باراك اوباما الأخيرة لعمان. لقد حظي المرشح الديمقراطي بما لم يحظ به ماكين حين زار عمان قبل اربعة أشهر، إذ حرص الملك عبد الله الثاني شخصيا على قيادة السيارة التي أقلت اوباما إلى مطار الملكة علياء الدولي، ليغادر الأردن متجها إلى اسرائيل، حيث المحطة التي ربما تكون أكثر أهمية بالنسبة للأردن من زيارة عمان ذاتها، نظرا لأهمية ما سيقوله المرشح الديمقراطي هناك. الرسميون الأردنيون برروا هذه الحميمية التي خص بها الملك اوباما، وقد تضر علاقات الأردن بالولايات المتحدة في حال فوز ماكين، "تفاعل الكيمياء بين القائدين الشابين".."لقد تعاملا كما لو أنهما يعرفان بعضهما البعض منذ فترة طويلة جدا". أكثر من ذلك هناك من تحدث من بين الرسميين الأردنيين عن "نجاح الرهان على أن الشابين سيندمجان، وسينجحان في التأسيس لعلاقات شخصية قوية، بسبب تداخل عوامل كثيرة صقلت شخصيتهما وطريقة تفكيرهما وتجربتهما في الحياة وأسلوب العمل. فهما تأثرا في طفولتهما بأجواء الحرب الباردة، وعاصرا انهيار الإتحاد السوفياتي، وما رافق ذلك من تداعيات على مستوى القارات الخمس، انتهت بقيام نظام عالمي أحادي القطب، ثم بدء تراجع نجم اميركا السياسي خلال ولايتي الرئيس جورج بوش الإبن. ولكن ما الذي يريده الأردن الرسمي من المرشح الديمقراطي، وما الذي أراده اوباما من زيارة عمان..؟ لنبدأ بالمرشح الديمقراطي..لقد أراد أن يثبت للرأي العام الأميركي من خلال جولته التي شملت عددا من عواصم دول الإقليم الساخن، من بينها العاصمة الأردنية لسويعات محدودة، أنه يمتلك خبرة في السياسة الخارجية، خلافا للتشكيك الذي يواجهه على هذا الصعيد من قبل حملة منافسه ماكين. ولذا، فقد كان بالغ السعادة وهو يستقبل من قبل قادة الدول التي زارها، وتنشر صوره وهو يجري مباحثات سياسية معهم. وهذا هو كل ما أراده خلال هذه المرحلة. وللدلالة على ذلك، وكي لا يحسب عليه موقف ما، يجعله يخسر معركته الإنتخابية عبر اغضاب قطاعات من الناخبين الأميركيين، حرص اوباما على توازن تشكيلة الوفد الذي رافقه في جولته..فهو اصطحب معه دينيس روس، المتعاطف مع اسرائيل، ومهندس عملية السلام التي انطلقت في تشرين أول/اكتوبر 1991، والمبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط لسنوات..كما اصطحب أيضا تشك هيغل السيناتور، الجمهوري عن ولاية نبراسكا، واحد أهم معارضي الحرب على العراق ومؤيدي حل الدولتين فلسطين. أراد اوباما أن يحافظ على توازنه من خلال موازنة وفده المرافق. أما ما يريده الأردن من هذا الإستقبال الحميم فهو كير.. هو يريد أولا، وقبل كل شيئ، موقفا من المرشح الديمقراطي، في حال فوزه، الذي بات في الأردن الرسمي من يبشر بأنه أصبح مضمونا، سياسة اميركية تحافظ على بقاء الكيان الأردني، الذي تتهدده، ليس فقط البؤر الملتهبة غربا وشرقا، ولكن كذلك رؤى مرعبة مؤهلة لأن تنمو في صفوف غلاة المحافظين في الحزب الجمهوري. لقد قامر الرئيس بوش بأمن واستقرار الأردن حين قرر غزو واحتلال العراق، مزاوجا ذلك بالإمتناع عن تحريك عملية التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي في شقه ومساره الفلسطيني.. كما أنه يمارس ضغوطا اقتصادية غير مسبوقة على الأردن تتمثل في عدم إنارة الضوء الأخضر لمساعدات نفطية من دول عربية للأردن، الذي تعاني موازنته العامة من خلل مضاعف جراء الإرتفاعات المتتالية في أسعار المحروقات، وباتت فاتورته النفطية تستهلك أكثر من ثلث الموازنة العامة للدولة، وتقفز عن حاجز المليار دينار. بوش، وفقا لقناعات اردنيين كثر، يعمل على تغليظ الضغوط الإقتصادية والمعيشية على الأردن والأردنيين، بهدف تهيئة الأجواء لإكراهه على احتواء ما تبقى من مخرجات القضية والحل الفلسطيني. وبذا، فإ ن حديث كاغان عن استراتيجية ماكين اهادفة لإقامة دولة فلسطينية في الأردن، تأتي استكمالا للسياسات التي نفذت في عهد بوش. وللمفارقة، فإن عهد بوش الجمهوري قدم كما غير مسبوق من المساعدات الأميركية للأردن، وذلك لثلاثة أسباب: الأول: بهدف تعويضه عن الخسائر المالية الكبيرة التي لحقت به جراء الإحتلال الأميركي للعراق. لقد كان الأردن يحصل على نصف فاتورته النفطية مجانا من عراق صدام حسين، وعلى النصف الآخر بأسعار تفضيلية. الثاني: الحفاظ على قدرة الأردن على البقاء بما يكفي ويؤهله للإستجابة للإستحقاقات الأميركية المقبلة، كما أشرنا سابقا. الثالث: التمكن من ممارسة ضغط فعّال على الأردن عند الضرورة، وفي ساعة الصفر المرتبطة بالحل الفلسطيني الدائم. لذا، فإن هناك رسميون في الأردن يفضلون فوز المرشح الجمهوري ماكين، باعتبار أن الجمهوريين أكثر سخاء من الديمقراطيين في تقديم المساعدات المالية للأردن. غير أن وجهة لنظر هذه يغيب عنها عاملان: الأول: أن سبب هذا السخاء يكمن في حقيقة السياسات الجمهورية الخرقاء في المنطقة، وفي محاولة للتعويض عن خسائر اردنية هي من تسبب بها. الثاني: أن هذا السخاءمؤقت، ويهدف فقط إلى تأهيل القيادة الأردنية لتلبية الإستحقاقات الجمهورية المقبلة. هذه الرؤيا يلخصها مسؤول اردني بالقول "قد تلتقي مصلحة الأردن متوسطة وبعيدة المدى مع الديمقراطيين وليس مع الجمهوريين، الذين يظهرون سخاء في المساعدات الخارجية، لكنهم يتبنون سياسات قصيرة المدى وعدوانية تفضل مصلحة اسرائيل على مصلحة اميركا وتهدد الأردن". ويستطرد المسؤول الأردني مضيفا "الأردن بشبكة علاقاته وتحالفه الإستراتيجي مع اميركا، ومعاهدة السلام مع اسرائيل التي تظل خطوطا حمراء في استراتيجية الدولة العليا، قادر على التعامل مع أي رئيس اميركي قادم، سواء كان ماكين أو اوباما، على قاعدة "من يتزوج أمي فهو عمي"..! ولكن هل هنالك فعلا تحالف استراتيجي اردني اميركي..؟ يجيبك معارضون اردنيون مؤكدين وجود هذا التحالف، لكنه قائم فقط من جانب واحد، ما دامت اميركا تقامر بأمن واستقرار الأردن في عهد بوش، وبوجوده في عهد ماكين، إن أصبح هو الرئيس المقبل..! هل يشذ اوباما عن سابقيه من الرؤساء الأميركيين في حال فوزه بالبيت الأبيض..؟ سؤال يطرح نفسه في ضوء افراط اردني رغائبي بالتفاؤل. وهو افراط لا يرى، ولا يريد أن يفهم حقيقة تحكم المصالح الذاتية للمرشحين، والمسؤولين الأميركيين في مواقفهم، بدلا حتى عن قناعاتهم. وها هو اوباما يعلن التزامه بوجود وأمن اسرائيل، حليف اميركا الإستراتيجي، وإن بذات الصراحة التي أكد فيها أن قضية الشرق الأوسط ستكون على رأس سلم اولوياته في حال فوزه بالرئاسة، وصولا إلى حل على أساس دولتين. لا جديد يضاف في هذا المجال إلى ما قاله الرئيس بوش، وظل لا يعمل بموجبه طوال ولايتين..! ولا جديد أيضا يضاف إلى ما قاله ولم يفعله من قبل الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون طوال ولايتين هو الآخر، الذي كان دينس روس من بين كبار مستشاريه، ومبعوثه الأثير للشرق الأوسط..! بل إن هناك في عمان من يرى في اصطحاب اوباما لدينس روس رسالة تطمينات ضمنية لإسرائيل، واللوبي اليهودي في اميركا، من بين ما تتضمنه تنصلا من الجذور المسلمة للمرشح الديمقراطي، ومن صداقته السابقة مع المرحوم الدكتور ادوارد سعيد..! لكنه بمقابل ذلك، هناك في عمان من أطربه معرفة اوباما بتفاصيل التحديات الداخلية الأردنية، كالمعادلو الديموغرافية التي يريد ماكين حلها على حساب الكيان الأردني، والطاقة والمياه التي تتفاقم مع غياب أفق السلام في فلسطين، حيث يقر هؤلاء بازدياد مخاطر حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن..! وهو طرب ليس في محله، ذلك أن معرفة هذه التفاصيل، خاصة في ظل انتهازية السياسة والسياسيين الأميركيين، لا يجب أن يعني بالضرورة الإستعداد للعمل على تخليص الأردن مما هو فيه، بل قد تكون مقدمة لتوظيف هذه الحقائق والمعلومات من أجل الإمعان في ابتزاز الأردن، وتعميق الأزمات التي تواجهه..! حين تكون هذه الرؤية هي الأقرب للواقعية، تتراجع أهمية كل ما قله اوباما للملك عبد الله الثاني بشأن اعتماده مقاربة اقليمية واسعة النطاق تشمل معالجة الإرهاب والمتطرفين وانتشار سلاح الدمار الشامل وسائر القضايا المتعلقة بإيران وأفغانستان والعراق وباكستان وحزب الله و"حماس" وسوريا والعلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين..ذلك أنه لم يشغل اهتمامات الإدارات الأميركية المتعاقبة شيئ اكثر أهمية من ذلك طوال عقود متعاقبة، غير أن كيفية إدارة هذه القضايا كان يحقق دوما نتائج كارثية على مصالح الأردن قبل غيره من دول الإقليم. ومع ذلك، يؤكدون في عمان أن الأردن سمع كل ما كان يريد سماعه من المرشح الديمقراطي، ولكن يظل الأهم هو إقران الأقوال بالأفعال، وهو ما تعلمناه، وطالما سمعناه من الغرب حين كان يتعلق الأمر بالتنازلات التي يريدها منا لمصلحة اسرائيل..! وهذا ما يمسه مسؤول اردني بالقول "المقاربة الأميركية ستتواصل ضمن محددات واقعية لن يستطيع أي رئيس مقبل المساس بها، وعلى رأسها عدم إدارة الظهر لإسرائيل تحاشيا لإغضاب اللوبي الصهيوني المتنفذ داخل وخارج اميركا"..! بقي القول إن اختيار عمان من بين عواصم الإعتدال العربي لتشملها جولته، إلى جانب البؤر الساخنة في العراق وفلسطين وافغانستان لم يكن بهدف تعزيز اوباما للأهمية الجيوسياسية للأردن، الذي تجاهل زيارته خلال جولات متتالية الرئيس بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، على نحو تسبب بقلق غير مسبوق في عمان، ومثل مقدمة طبيعية من وجهة نظر محللين لتصريحات كاغان. وهذا ما ينسجم مع رؤية سياسي اردني من أنه "في حالة فاز اوباما بالبيت الأبيض، فإن وعود الحملات الإنتخابية تمحوها متطلبات العمل على أرض الواقع."، إلا حين تكون تطلق الوعود على قاعدة التحالف الإستراتيجي مع اسرائيل، لا مع أي عربي..؟ 29/7/2008 المصدر: بريد الفجرنيوز