ان لمن المفارقات العجيبة الغريبة التي يعايشها مجتمعنا التونسي المغلوب على أمره،المفقر ماديا،المؤجل الأحلام والآمال،المهمش والمغيب سياسيا من السلطة القائمة ومن المعارضة الديكورية والمحاصصة التي احترفت النفاق والجمود السياسي،والسمسرة مع الهياكل والسلطات المحتكرة للساحة حصولا على حصتها من الريع الجبائي ومن الامتيازات أي من قالب الحلوى على حساب وعلى كاهل عذابات ومعاناة المواطنين الذين أصبحوا غرباء في وطنهم. وبرغم انقطاع الغالبية العظمى من شرائح المجتمع التونسي عن العمل السياسي الذي أصبح حكرا على دكاكين العمل السياسي التجمعية والمعارضة في تغييب كامل ومتعمد لدافعي الضرائب المطالبين بالدفع وطنيا ومحليا دون أن يكون لهم أي دور لا في الترشح والانتخاب ولا المحاسبة بعد اغتصاب كل الهياكل التنفيذية والرقابية من التجمع الدستوري الديمقراطي،ولعب دكاكين المعارضة بامتياز دور شاهد الزور على نكبة حقوق وآمال المواطنين المضحوك على ذقنهم بامتياز من الموالاة والمعارضة على حد سواء باتفاق مسبق غير مكتوب وبعد تقاسم الغنائم. ولعل التقليعة الجديدة التي أصبحت ممارسة رائجة هذه الأيام خاصة لدى بعض رجال الأعمال من ميسوري الحال أصحاب المشاريع المتوسطة والصغرى على اعتبار عدم اهتمام وتفرغ الموظفين والعمال للعمل السياسي والجمعياتي هي التقليعة المتمثلة في الترويج لمقولة غريبة وثورية في الآن نفسه"ان لصوصنا وطنيون،طيبون وخلوقون". أما عن الوطنية فهي وطنية اضطرارية وليست اختيارية على اعتبار أن القوانين الدولية المضيّقة والمتعقبة لمهربي رؤوس الأموال من البلاد جعلت المهربين رغما عنهم يلتزمون بابقاء الأموال المهربة أو النهوبة من الصفقات العمومية ،أو من المشاريع أو النيابات المستولى عليهابغير وجه حق،ابقائها داخل البلاد لذلك فهي لن تكون ملكا للصوص فقط بل سوف تصبح ملكا للمجموعة الوطنية بأكملها،وخاصة للأجيال القائمة فتشبه هذه الوضعية وضعية النويج المقتطعة نسبة من مداخيل المحروقات المستغلة حاليا للأجيال القادمة حفاظا على حظوظهم في التنمية والرفاه وهذا ما يجعلهم بامتياز"لصوص وطنيون"؟؟؟ أما عن السمة الثانية فهي أنهم "لصوص خلوقون" ذلك أن ذات النوعية من اللصوص المتدينين وغير المتدينين على السواء تقدم بكل رباطة جأش وشفافية ومسؤولية على الاستيلاء على الصفقات وأموال السمسرات والوكالات الحصرية ،وتعامل عمالها ومستخدميها بكامل اللطف والحميميةفتسأل عن أحوالهم وأوضاعهم مما جعلها تستحق صفة متميزة لم نتعود أن تتوفر في مثل هذه الشريحة.وان من علامات قيام الساعة أن أصبحنا طبقا لتوفر هذه الصفات الفاضلة نشرّع اللصوصية ونستميح لها المبررات ونظفي عليها كل الصفات الانسانية الحميدة مما جعلنا نشعر بذنب أكيد في مواجهة هذه الأفضال المتراكمة؟؟؟ ولعل ما زاد الطين بلّة أنه عندما تعرضنا في النقاش الى اتخاذ قرار الاستيلاء على المنتزه الأثري بقرطاج المصنف من قبل اليونسكو تراثا عالميا بتوقيع أربعة وزراء تونسيين وصدور قرار الانتزاع في الرائد الرسمي أو الجريدة الرسمية،هذا الانتزاع الذي هو لفائدة باعث عقاري خاص وقع مقارنة الأمر بقدوم المسلمين مع الفتح الى افريقية وتفكيكهم للمعالم البيزنطية بناء للمساجد،فلماذا يمكّن المسلمون من التفكيك عند الفتح ونمنعهم اليوم من تدمير التراث الأثري الروماني؟؟؟ولعل ذلك كله يدخل في اطار صراع الحضارات؟؟؟ من الأكيد أننا محظوظون بمثل هذه التعاليق التي تستعصي على العقول الراجحة لكنها تنتشر هذه الأيام انتشار النار في الهشيم مما يبشر بأن قادم الأيام سوف يحقق لنا مستويات قياسية ارتكابا للتجاوزات بأنواعها خصوصا وأننا أصبحنا مدينين بالكثير من الفضل للصوصنا الوطنيين ،الطيبين والخلوقين،فلماذا العرائض والاحتجاجات والمناشدات ،ولماذا دكاكين المعارضة الديكورية والمحاصصة المتنكرة بامتياز لأصحاب الفضل والمروءة،مكرسي مكارم الأخلاق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ المصدر: بريد الفجرنيوز