كان ديغول يؤمن بأن ماضي الجزائر أحسن من ماضي فرنسا الهمجي في العصور الوسطى غير أن نفسه الجشعة أبت عليه أن يعترف بالحقيقة الساطعة و هي أن الجزائر شخصية بارزة تميزها عن فرنسا ، و قد دفع هذا الحقد الفرنسي إلى قتل 09 مليون جزائري في قرن و ثلث قرن.. كان الشعب الجزائري و ما يزال من أكثر شعوب العالم التحاما بفضل وحدة العنصر و الدين و الوطن و اللغة، و هي العناصر التي جعلت من الجزائر دولة قوية تلعب أدوارا تاريخية في تاريخ الإنسانية الكفاحي و الحضاري، و استطاعت تكوين دولة قوية ابتداءً من الدولة الرستمية التي كانت عاصمتها قلعة بني حماد أولا ثم بجاية ، ثم الدولة الموحدية التي أسسها السياسي الجزائري عبد المؤمن بن علي، التي وحدت المغرب العربي و جعلته دولة واحدة، ثم الدولة العبداوية الزيانية التي كانت عاصمتها تلمسان.. يستعرض الأستاذ سليمان الصيد المحامي في كتابه الشخصية الجزائرية عبر التاريخ علاقات الجزائر مع الدول أخرى و بالأخص دول البحر المتوسط ، و قد صبغت هذه العلاقات بصبغة دينية تجارية و دبلوماسية ، في وقت كانت فيه الجزائر لها ملوكا يمثلون شخصيتها القوية و كانت دول أخرى لم تتكامل شخصيتها بعد إلا بعد القرون الوسطى كفرنسا و اسبانيا التي كانت تعيش في شكل مقاطعات تحت سيطرة الرومان..، و هي الأسباب التي جعلت أوروبا تتكالب ضد الجزائر، و قد حاولت أوروبا احتلال سواحل المغرب العربي، غير أن وجود الدولة الموحدية بشمال افريقيا قد حال دون ذلك، و استمرت الجزائر على بناء شخصيتها إلى أن سقطت في يد الاستعمار الفرنسي في 1830 ، إلا أن هذا السقوط كان له تأثير سيئ في العالم العربي و الإسلامي الذي تكسرت شوكته بسبب سقوط الجزائر، لكن الشعب الجزائري لم يقف مكتوف الأيدي بل وقف في وجه المستعمر وقفة أبطال.. و يؤكد مؤلف الكتاب أن الثورة الجزائرية بدأت بالأمير عبد القادر و ليس بأول نوفمبر، لكنها تسلسلت حتى بلغت قمتها بثورة نوفمبر 54 ، انتهت بالاستقلال الذي أحيا شخصيتها الدولية العربية الإسلامية بعدما دفعت في ذلك ثمنا باهظا.. يقول حمدان عثمان خوجة صحاب كتاب "مرآة الجزائر" الذي فضح فيه جرائم فرنسا أن هذه الأخيرة قتلت 09 مليون جزائري في قرن و ثلث قرن، دون حساب المليون و النصف مليون شهيد، و لإخفاء جرائمها عدمت فرنسا إلى حرق كل الكتب التي تتحدث عن جرائمها و بطولات الشعب الجزائري.. و يتأسف الكتاب على جيل اليوم الذي أصبح يتشدق بحضارة فرنسا الاستعمارية معتبرا أن هذا التشدق إجرام و نكران لأرواح الشهداء و خيانة عظمى نحو جهادهم المقدس.. إن انتصار الجزائر على الاستعمار الفرنسي يضيف الكاتب يعود إلى الأعمال الجليلة التي قامت بها الحكومة الثورية و الحزب العتيد "جبهة التحرير الوطني" التي أعطت للجزائر مقوماتها الوطنية من خلال إرجاع مكانة اللغة العربية و جعلها في دستورها اللغة الرسمية للدولة و الشعب بوصفها المُعَبِّرُ الوحيد عن الثقافة القومية الثورية الحضارية، كما يبين الكاتب المواقف المشرفة التي قام بها الرئيس هواري بومدين في جميع الميادين و يخص بالذكر ميدان " التعريب" الذي قال عنه أنه ليس مطلبا فقط، بل هو "هدف وطني" يجب تحقيقه، و أصدر من أجله مرسوما يقضي بإجبارية التعريب و تطبيقه في الإدارة..