أبواق.. أبواق .. ابواق كل نظام له أبواق تتحدث باسمه، وتعبر عنه، والأبواق أنواع: منها الجيد، وأكثرها من النوع الرديء، والقارئ المتمرس يعرفهم بسيماهم، تجمعهم عصا السلطان، ويفرقهم ذهبه، ويظهر من غبائهم ما يسعى النظام لأن يخفيه، وهم بغشوميتهم المعتادة يتحولون رويداً إلى أبواق صماء، تتكلم بما لا تعي، ويعلو صوتها كالخوار حتى يتوهم السامع أن تحت الصوت كلام، وما هو بالكلام، ولكن شُبِّه لهم، ويعرف القارئ العادي بدون أدنى جهد أن ما يكتبونه يدخل في باب الردح، أو هو أقرب إلى حديث الشوارع منه إلى حديث الجرائد.!! وكما أن لكل نظامٍ أبواقه، فإن أبواق أي نظام تأتي دائماً على مقاسه، أو هي في الحقيقة تكون على شاكلته، تشابهت قلوبهم، يتهمونك بما هو فيهم، مَثَلٌهم كمثل التي تتهمك بما فيها من عهر، وما تعودته من وضاعة، حتى تواري سوءتها التي اعتادت أن تعريها على رؤوس الأشهاد.!! بعض تلك الأبواق يتصور أن الجرائد لا مهمة لها غير أن تطبل للنظام عشرة بلدي، ولا شرف لها غير أن ترقص على التت، كل أمانيهم تنحصر في أن يطرب الحكام من أقلامهم التي اعتادت هز الوسط لأصحاب المعروف، يزمرون على زمر النظام الصاخب، ويرقصون على إيقاعاته النشاز، ويطالبون الجميع بأن يفعلوا فعلهم حتى تتساوى كل الرؤوس: هذه التي لا تنحني لغير ربها، وتلك التي اعتادت السكنى تحت الأقدام.!! وبعض تلك الأبواق يفهم أن تزييف الوقائع هو الرسالة التي تقوم عليها الصحف السيارة، والصحف الواقفة مثل صحفهم البايرة، لا يعرفون غير الكذب تجارة رابحة تتداول عملات زائفة لا قيمة لها، ومثل هؤلاء لا يتوقعون أن ترصد الجرائد أحداث العام كما جرت وقائعه، فالجريدة ليست مهمتها في عرفهم رصد الوقائع، ولا ذكر الحقيقة، كل ما يهمهم ويشغل بالهم هو تمرير الكذب الحكومي، ولا يخطر ببال أحدهم أن تكون مهمة الصحفي قول الحقيقة كما هي، بل يرى أكثرهم مهمة الصحفي في أن يتغنى بانجازات للحاكم لا وجود لها على أرض الواقع، والصحفي الشاطر في عرف هؤلاء هو الصحفي الذي يخترع للحكومة انجازاً لم تسمع هي عنه، ولا هي فكرت فيه، ولا خطر على قلب وزير فيها، ولا مسئول عنها، وشعارهم: اكتب واشكر، واكذب اكذب ربما يصدقك الناس، وأغلى أمانيهم: رضا الحكومة ونظرة عطف ممن بيده السلطان.! بعض تلك الأبواق تُنَصِّب نفسها حارسة على الصحافة، وتوجه نقابة الصحفيين إلى ما يجب فعله تجاه جرائد ليست على مزاجهم، وأدمنت تقديم البلاغات في الصحفيين الذين يخرجون على ميثاق العمل الصحفي على طريقتهم، طريقة اربط القلم حيث يريد صاحبه، أي الحاكم: الحالي أو القادم.!! هم أبواق للحاكم الحالي وللحاكم المحتمل، ضماناً للسير في الركب الحكومي أينما سار، ويحلون معه حيث يحل، يرون في التوريث ديمقراطية تفوق ديمقراطية بريطانيا العظمى، ويقدمون الغلاء الحكومي باعتباره مكتوباً على الجبين فلابد أن تراه العين، خاصة عين الفقراء من أبناء الشعب المحرومين، لأن عينهم تندب فيها رصاصة، لا ترى محاسن الحكومة، ولا تنظر لغير مساوئها.!! يعيبون على وسائل الإعلام أن تودع العام المنصرم بالعناوين السوداء وصور الجوعى والمشردين والغاضبين والمحتجين والفتوات والبلطجية، كأنها جميعا من اختراع الصحف، وليست من انجازات الحكومة التي هم أبواق لها.!! يؤاخذون بعض الصحف لأنها لا تعرف إلا الأحزان ولا تسعي إلا إلى المآتم والجنازات ولا تذهب أبدا لمواكب الزفاف والبهجة، ويقولون إنها تموت إذا فعلت ذلك، لأنها تنتشي بتسيير المواكب الجنائزية الحزينة، ويتناسون أن الحكومة التي هم أبواق لها هي التي سيرت الجنازات، وهي التي قتلت القتيل، وتنكبت المشي في جنازته.!! تزعجهم المانشيتات التي تهاجم النظام، أو تلك التي تبشر بصحوة الشارع، فالنظام عندهم كائن مقدس كعجل بني إسرائيل لا يجوز المساس به، وصحوة الشارع ترعبهم، لأنها تبشرهم بأن زمنهم يمكن أن يولي، وتنذرهم بأن أيامهم قاربت على الأفول.!! ثورة الموظفين، غضبة الشارع، الإضراب هو الحل، النظام فقد السيطرة، متى ينزل العاطلون إلي الشارع، الإضرابات ستتكرر، الشارع فقد صبره والنظام يعيش حالة هلع، كلها عناوين تبعث علي الاكتئاب في عرفهم، رغم أنها في عرف الشعب عناوين تبعث على الأمل في غدٍ لا يكونوا فيه، ولا يكون فيه الذين هم أبواق لهم.!! قولوا: قريباً إن شاء الله.