صفحة جديدة 2 كان يكفي نقلُ ما كُتِبَ على صفحة الغلاف الخلفي كي يتّضح للقارئ الكريم الغرض الذي من أجله كتب شيخنا الفاضل الإمام العلاّمة يوسف القرضاوي كتابه الرّسالة "القدس قضيّة كلّ مسلم"، ولكنّي آثرت السياحة بين دفّتيه وتلخيص ما قدرت على تلخيصه بتصرّف (في بعض الأحايين) طامعا في أجر النقل ناشدا حصول الفائدة للجميع!... فقد كُتب الكتاب – كما بيّن الشيخ في مقدّمته – في إطار رسائل ترشيد الصحوة ليتناول أهمّ قضيّة من قضايا العرب والمسلمين، قضيّة القدس التي أمست في مهبّ الرّيح، في مواجهة الخطر الصهيوني المتفرعن، العامل على ابتلاعها وتهويدها، دون أن يجد من أمّة الإسلام الممتدّة ومن العرب المتاخمين من يصدّه أو يردّه أو يردعه!...
وسعيا من الشيخ إلى تحريك سواكن المسلمين وتنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين وتذكير النّاسين، فقد بدأ الحديث عن القدس من حيث مكانها في اعتقاد المسلمين، فذكّر بأنّها القبلة الأولى التّي ظلّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكرام يتوجّهون إليها منذ فرضت الصلاة في حادثة الإسراء والمعراج وحتّى نزول الأمر من الله سبحانه وتعالى بالتوجّه إلى المسجد الحرام. وهي أرض الإسراء والمعراج، تلك الحادثة الجليلة التي كانت إعلانا عن انتقال القيادة الدّينية للعالم من بني إسرائيل إلى أمّة جديدة ورسول جديد وكتاب جديد. وهي ثالث المدن المعظّمة في الإسلام بعد مكّة المكرّمة التي شرّفها الله بالمسجد الحرام وبعد المدينة المنوّرة (طيبة) التي ضمّت قبر سيّد ولد آدم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. وهي أرض النبوّات والبركات، وسبحان القائل: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنّه هو السميع البصير". وهي أرض الرّباط والجهاد، فقد روى أبو أمامة الباهلي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: "لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين، لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم من جابههم، إلاّ ما أصابهم من لأواء، حتّى يأتي أمرُ الله وهم على ذلك"، قالوا: وأين هم يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"... القدس تهوّد جهارا: بعد هذه التذكرة يستعين الشيخ الفاضل بالأحداث التاريخية فينبّه بحرقة إلى أنّ القدس تهوّد جهارا! جاء ذلك خلال محاضرة ألقاها بلندن سنة 1997 م حكى لنا فيها عن مرور قرن كامل، (أي قرن وأحد عشر عاما باعتبار يومنا هذا) على عقد المؤتمر الصهيوني الأوّل بمدينة بازل بسويسرا (الحدود الألمانيّة السويسرية) عام 1897 م برئاسة "هرتزل"، وبروز المؤسّسة الصهيونية العالميّة، كما أخبرنا بمرور ذكرى ثمانين عاما (97 عاما اليوم) على وعد بلفور الظالم المشؤوم بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين التي كانت تحت الاستعمار البريطاني (نوفمبر 1917)، وكذلك نصف قرن (61 عاما اليوم) على قرار تقسيم فلسطين سنة 1947 م الممهّد لقيام الكيان الصهيوني الغاشم سنة 1948 م، الذي لم يتردّد – أمام فشل وذهاب ريح العرب والمسلمين – من التهام القدس والضفّة الغربيّة وغزّة فيما يُعرف بحرب الأيّام الستّة سنة 1967 م، ما جعله يقوم بكلّ الأعمال التي يرغب في القيام بها لتهويد البقاع دون خوف من أحد ودون اعتبار لأحد بل دون اعتبار لإيّ شرعيّة إقليمية أو عالميّة... يقول الشيخ: "إنّ إسرائيل تستكبر وتبغي في الأرض بغير الحقّ، لأنّها لم تجد من يردّها ويوقفها عند حدّها"... فقد ساعد الوهن الذي تسرّب إلى النّفوس بسبب تخاذل الكثيرين من العرب إلى استسلام الفلسطينيين وقبول قادتهم بالسلام الأعرج الذي ساعد على بروزه بروزُ القطب الواحد المؤازِر دوما للجسم الصهيوني الدّخيل، ذاك السلام الذي أسقط من اهتماماته مشكلة القدس ومشكلة الاستيطان ومشكلة اللاّجئين ومشكلة الحدود ليجعلها كلّها آخر البنود في المفاوضات التي لا يُجلس حول طاولتها إلاّ بعد الرّضى الصهيوني الشره...
لا يستمرّ الشيخ كثيرا في التوصيف ولكنّه يسارع إلى زرع الأمل فينا، فيعرب عن ظنّه بأنّ الاستسلام لن يستمرّ طويلا، فيرى انتفاضة في الأفق شاملة تجبر السلطة على الانضمام إلى الشعب ليقف الجميع بها في صفّ واحد كالبنيان المرصوص، كما يعتبر العجز العربي الذي سبّبه بالخصوص شرخ (كامب ديفيد) ونمّته الأحداث المتسارعة وعلى رأسها حرب الخليج الثانية أمرا طارئا لا بدّ أن يزول. كما يؤكّد أنّ الوهن الإسلامي عارض وزائل ويبرهن على ذلك باستعراض مختلف الآفات والأمراض التي أصابت الجسم الإسلامي عبر التاريخ والتي ظنّ الأعداء أنّها قاتلة قاضية، غير أنّ المسلمين قد برِئوا منها جميعا حين هيّأ الله لهم رجالا (لم يكونوا من جنس العرب) كعمادالدين وابنه نورالدين محمود وصلاح الدّين وقطز والظاهر بيبرس فعاد الصليبيون يجرّون أذيال الخيبة بعد أن أسروا المسجد الأقصى في حين غفلة من حفّاظه دامت تسعين عاما، ودخل التتار الشرقيين في دين الله أفواجا. كما اضطرّ "المستعمرون" الجدد إلى ترك بلاد المسلمين وذلك بعد انتباه أهلها إلى أنفسهم والمبادرة بالدّفاع عن أرضهم وأعراضهم!... حقيقة المعركة بيننا وبين إسرائيل: بعد هذا يتساءل الشيخ - استنكارا - عن سبب العداوة بيننا (نحن المسلمين) وبين الكيان الصهيوني: أهي عداوة لدولة ساميّة كما تسوّق الدعاية الصيونيّة! وإذن فكيف يعادي سامٍ ساميتَه، فنحن العرب ساميون، فإذا كانوا هم أبناء إسرائيل (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام) فنحن أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وربّنا جلّ وعلا يعلّمنا في كتابه أنّ البشريّة كلّها أسرة واحدة: "يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير"، ورسولنا صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا باستمرار: "يا أيّها النّاس إنّ ربّكم واحد وإنّ أباكم واحد، كلّكم لآدم وآدم من تراب" (رواه أحمد)؟!. أم هي عداوة دينيّة، فنعاديهم لأنّهم يهود وإذن فكيف نجمع بين هذا الزّعم (المعاداة) وبين علمنا بأنّ اليهوديّة ديانة سماوية وبين إيماننا بأنّ كليم الله موسى عليه وعلى نبيّنا الصلاة والسلام رسولا قد اصطفاه الله برسالته وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور... ثمّ بعد مناقشة يبيّن من خلالها الشيخ كيف أنّ اليهود هم أقرب إلى ملّة إبراهيم من النّصارى ويشير فيها إلى سوء موقف اليهود من دعوة الإسلام ومن رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، يخلص إلى الحديث عن السبب الحقيقي والوحيد لمعركتنا مع اليهود وهو المتمثّل في أنّهم اغتصبوا أرضنا، أرض الإسلام أرض فلسطين حيث شرّدوا أهلها الأصليين ليفرضوا وجودهم الدّخيل بالحديد والنّار والعنف والدّم والدّمار. على أنّ الشيخ لا يتردّد في إضفاء الطابع الدّيني على هذه المعركة، فهي (المعركة) – وإن كانت من أجل استرجاع الأرض المغتصبة – تندرج في إطار شرعي، إذ الإسلام يوجب على المسلمين الدّفاع عن أرض الإسلام ويعتبر ذلك من أقدس أنواع الجهاد، وإذا كانت أرض الإسلام هي أولى القبلتين وثالث المسجدين المقدّسين كان الجهاد في سبيل تحريرها أوجب وأعظم وأشرف. وإذا كان مغتصبوها يحاربوننا بدوافع دينية كان أوجب علينا أن نحاربهم بمثل ما يحاربوننا به، فمن حاربنا بالتوراة حاربناه بالقرآن ومن قال أعظّم السبت قلنا نعظّم الجمعة وإذا قالو الهيكل قلنا الأقصى! هذا ويُعدّ مَن قتل في ذلك شهيدا من أعظم الشهداء.!... لا حقّ لليهود في القدس ولا في فلسطين: يتطرّق الشيخ بعد بيان سبب المعركة إلى مناقشة القول الشائع بحق اليهود، فيبيّن أنّه لا حقّ لليهود في القدس ولا في فلسطين، إذ لا سند لذلك من الدّين ولا من التاريخ، فالقدس عربيّة إسلاميّة وفلسطين كلّها عربيّة إسلاميّة وليس لليهود فيها أيّ حقّ... والمناقشة في الفصل طويلة ولكنّها مقنعة وقد تستدعي الجميع إلى اقتناء الكتاب للاطّلاع عليه، ففيها الحديث عن نسل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعن نقض المواثيق من بني إسرائيل وعن معتقدات الصهيونيّة حول الإشارات التي تسبق عودة المسيح (أهمّها قيام إسرائيل واحتلال القدس وإعادة بناء الهيكل) كما فيها الإشارة إلى المنطق القرآني القاضي بأنّ الأرض يرثها الصالحون. غير أنّي أذكر أنّ البطريرك صفرنيوس بطريرك القدس – كما جاء في الكتاب - شرط على أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب الفاتح رضي الله عنه وهو يسلّمه مفاتيح القدس ألاّ يسمح لليهود بدخول إيلياء أو الإقامة فيها. فعمر رضي الله عنه لم يتسلّم القدس من اليهود، بل لم يكن فيها يهوديّ واحد فقد حرّمها الرّومان عليهم بعد أن أنهوا وجودهم منذ أكثر من أربعة قرون. وكان من الشروط التي أقرّها عمر لبطريرك القدس: ألاّ يساكنهم فيها يهود (قلت: حتّى جئنا نحن فنقضنا عهد عمر عياذا بالله تعالى)... يتبع بإذن الله تعالى... المصدر بريد الفجرنيوز