أكد أنه يعيش غربة في الثقافة والمنهج واللغة حمل الشاعر الإسلامي عيسي لحيلح بشدة علي المفكر الفرنسي من أصل جزائري محمد أركون، معتبرا انه لا يملك عشر الحنين إلي الجزائر الذي يوجد بداخل مئات الآلاف من الفرنسيين الذين ولدوا فوق ارض الجزائر، متسائلا عن سبب حرمانهم من الانتساب إلي الجزائرية واكتسابها بالميلاد؟ وفي حوار مع الشروق أعتبر العضو السابق في الجيش الإسلامي للإنقاذ محمد أركون مثقفا فرنسيا كبيرا من أصول جزائرية وذلك لأسباب موضوعية، مؤكدا أنه يعيش غربة جغرافية بكل تأثيرات الجغرافيا ويعيش غربة اللغة وغربة المنهج وغربة الثقافة، فكيف يستطيع أن يكون جزائريا؟ ورأي لحيلح (46 عاما) أن أركون أذكي بكثير من أن يدعي بأنه "سمسار بين ضفتين" أو "وسيط ثقافي" كما قال عن نفسه، وبالتالي حذّر الناس مما أسماه النخب القومية والإسلامية والعلمانية التي تترعرع في نعيم التيه الأوروبي "الذين يقرأون واقعنا في غير واقعنا ولغير واقعنا والذين يقرأون شعرنا علي غير موسيقانا والذين أعتبرهم طرازا جديدا من المستشرقين"، مضيفا بأنهم مستعدون أن يعطوا الغرب كل ما يريد من التصريح السياسي وحتي الفتوي في سبيل الحصول علي وثائق الإقامة والجنسية، لافتا انه لا ينبغي علي الناس أن يصدقوا ما وصفهم ب"المتمرغين كالحمرة الجرباء في نعيم التيه الأوروبي". أما بالنسبة للأدب المكتوب بالفرنسية في الجزائر، فرأي أنّ الاستقلال قد فصل في هذه المسألة، متصورا بأن ما كتب قبل الاستقلال بالفرنسية فهو جزائري وما كتب بعد الاستقلال بالفرنسية فليس جزائريا. وفي هذا الإطار، أكد أن لا شيء يكسب الأدب هويته وانتماءه إلا اللغة، مشيرا أنّ كبار الكتاب يكتبون رواية واحدة ويعبّرون عن فكرة واحدة ولكن بلغات شتي، ورأي أنهم في هذا الجانب يشبهون الأنبياء الذين يعبرون عن حقيقة واحدة بلغات شتي وهذا ما جعل، برأيه، التوراة عبرية والقرآن عربيا. ويعتقد لحيلح، من جهة أخري، أنّ كل كاتب يكتب ليتخلص و ليتطهر ويطهر، مؤكدا أنّ أصعب الحالات علي الكتّاب هي تلك التي يصيرون فيها فارغين مما يجب أن يتفرغوا منه ولن يحصل لهم ذلك إلا عندما تضمر "الفردية" فيهم وتطغي "الشخصية" فيهم حينها لن يكتبوا وإذا كتبوا فشيء ردي. أما بالنسبة لتقاطع البطل مع الكاتب فهذا يحدث كثيرا ولكن لا يكتشفه إلا النقاد، لأن النقاد - وما الناقد عندي سوي القارئ الذكي الصادق - بالنسبة للمبدع كالمرآة بالنسبة للعيْن، فالعين التي نري بها كل شيء لا تري نفسها إلا بمرآة. واعتبر لحيلح أنّ العبارة التي وردت في روايته حالات خدعوك برفع القرآن فابك وحدك الآن ، تشير في ما تشير إليه أن بعض الندم انتابه وفرض عليه مراجعة خياراته السابقة، أكثر من مرة، فما وجدها قد دفعته إلي سفك دم حرام ولا أغرته بسرقة المال العام ولا بررت له ارتكاب مجزرة جماعية أو مصادرة حرية الأفراد لا باسم منطق الدولة ولا باسم مصلحة الدعوة أو مصلحة الحركة أو مصلحة الجماعة ، وبالتالي فهو ليس نادماً ولا شامتاً بأحد. من جهة أخري، رأي الشاعر عيسي لحيلح إننا نعيش في جاهلية بكل معاييرها، موضحا بأنها ليست فترة زمنية سابقة عن الإسلام، بل هي وضع اجتماعي تكون خلاله الجماعة البشرية تعيش بغير معالم، أو هي تلك الوضعية الاجتماعية المتشكلة من خليط من الاديولوجيات والآراء والأفكار والتصورات، متسائلا: إذا سلمنا بهذين التعريفين للجاهلية فأي مجتمع غير جاهلي؟ وقال إنه يكفر بالعولمة باعتبارها خديعة استكبارية وإيديولوجية استعمارية وفكرة مصادرة للسنَنِ الكونية القائمة علي أساس الاختلاف والتمايز. وأضاف بأنّ العولمة تستهدف استحمار الشعوب من خلال نشر نمط ثقافي استهلاكي والعمل علي استخفاف الإنسان وتشييئه وتفريغه من خصائصه وخصوصياته التي تصنعها الثقافة التي لا تعني سوي ما لا يتغير فيك عندما يتغير فيك كل شيء، ثم انظري ألا تريْن أنه لا يطبل للعولمة إلا الواهمون الفارغون الذين لا يملكون ما يفقدون ولا يرحب ب"الشراكة" مع الأقوياء إلا الذين لا رصيد لهم ولا حساب كان شعارهم في ذلك قول المتنبي: والهجر اقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البلل وجزم لحيلح أنّ العولمة لن تكون لانّ العالم، حسبه، مقبل علي تشكل محاور ثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية نابذة خطر حتي علي الغرب، لأنه يفقد مبررات الهيمنة والسيطرة والاستعمار عندما يصير العالم كله يشبهه والغرب ليس غبيّا فإنه لن يتركنا نتشبّه به بالكلية، إنه يحافظ دائما علي الفوارق ويتخذ منها ذرائع ومبررات وأعذارا للتدخل هنا وهناك ويبرهن علي هذه الانتقائية في دفاعه عن الديمقراطيات وحقوق الإنسان والتعامل مع جرائم الحروب. أما بالنسبة للحداثة، فقال إنهمن دعاتها إذا كانت تعني حاجة المجتمع إلي تفعيل نسقه الثقافي بصفة عامة من أجل مسايرة حركية الحياة. أما إذا كانت تعني الانسلاخ عن الجذور و"التشبه" بالغرب من خلال اعتباره أنموذجا ومثالا فإنه من معارضيها. وأردف أنّ الحداثة تعيش أزمة خانقة في الغرب وهذا ما يفسر برأيه ظهور فكرة ما بعد الحداثة ، لافتا أنّ الغرب قام علي حداثتين: حداثة عقلانية تنويرية بناءة وإن كانت قد قادت الغرب إلي حربين مدمرتين ولا أقول عالميتين وموجة استعمارية جديدة مرعبة. وحداثة ثانية تستمد فلسفتها من الفوضي والعدمية والاغتراب والخواء الروحي، حيث جاءت كنتيجة لتوقف الحداثة الأولي عن الخلق والإبداع، متسائلا أي الحداثتين نتبع؟ أم نقفز معهم إلي ما بعد الحداثة الذي لا يعني سوي الكلاسيكية بكل شروطها وصرامتها الأخلاقية؟ أم نوغل أكثر في الاغتراب وتكريس الفراغ و تشييّيء الإنسان و فردانية الشخص؟ في موضوع آخر، كشف عيسي لحيلح أنّ رسالته للدكتوراه حول "جدلية التاريخ في القرآن الكريم"، كانت محاولة لتنظيم السّنَن الفاعلة في الساحة التاريخية في "نسق فاعل متفاعل"، حيث جعلها في شكل دائري تنفتح نهايتها علي بدايتها تدشيناً لدورة تاريخية جديدة انطلاقا من قوله تعالي: (كما بدأنا أوّل خلق نعيده) وقد اعتبرها المناقشون نظرية ثالثة تفسر التاريخ إسلاميا، والمهم فيها هو أنه تعين علي تبيّن المستقبل إذا أحسن تحديد الحاضر أي أنها توقع للمستقبل قبل حدوثه. كما نفي أن يكون صاحب مقولة أنّ الخيار الإسلامي فشل لأنه يفتقر إلي التأسيس الفكري والفلسفي الواضح، مستبعدا أية علاقة بين الأمرين، موضحا أنّ ما أراد أن يقوله هو نفسه ما قاله فرانز فانون في أخر رسائله للدكتور علي شريعتي: "إنني لا أحمل للإسلام نفس المشاعر التي تحملها أنت ولكنني اتفق معك وأؤكد علي كلامك بقوة وربما أكثر منك أيضا بأن الإسلام في العالم الثالث هو أكثر العناصر والقوي "الاجتماعية والاديولوجية" التي تستطيع مواجهة الغرب والتي لها بالأساس طبيعة مناهضة للغرب". وأضاف فانون " إنني آمل من كل قلبي بأن يستطيع المثقفون الأصوليون في بلدانكم التمسك بذلك السلاح الجبار بذلك الاحتياطي الضخم من الثروة المعنوية والثقافية الكامن في أعماق المجتمعات الإسلامية لأن ذلك ضرورة حيوية من أجل توعية واستنهاض الجماهير للكفاح ولمقاومة حملات أوروبا ولمقاومة الأفكار والحلول والوساوس التي تتسلل إلي بلداننا من أوروبا". وبعيدا عن الأدب والشعر، أكد الشاعر لحيلح أنّ تجربة العمل المسلح التي خاضها في صفوف الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا قد تركت بصماتها علي أدبه، بحيث انه صار يحسب للكلمة موقعها وتأثيرها قبل أن أضغط علي زناد اللسان. وقال لحيلح في تصريح للشروق إنّ الحروب والأزمات منعطفات حاسمة في تاريخ الناس لتسجيل التغيرات فكيف إذا كان هؤلاء الناس شعراء، نافيا في ذات السياق أن يكون التحق في يوم من الأيام ب"الجماعة الإسلامية المسلحة" أو "الجييا"، أو أن يكون قد انتقل من هذه الجماعة إلي صفوف جيش الإنقاذ، مؤكدا أنّ "الجييا" لا تبرر وجودها بالأسماء الكبيرة وإنما بالقضاء بطريقة أو بأخري علي الأسماء الكبيرة. ونفس الشيء، حسبه، في الجيش الإسلامي، ولكن بدرجة أخف وألطف، فقد كان الولاء لأمير هنا وهناك هو المعيار الوحيد الذي يقاس به إخلاص الشخص وجهاديته وعلي نوعية الولاء توزع المناصب والوظائف وهذا الذي جعل القاعدة تصاب بوباء "التزلف" والقيادة تصاب بالغرور والنرجسية وهذه كلها أمراض قاتلة وقد كانت كذلك. كما نفي الأديب الإسلامي أن يكون شغل منصب مفتي في صفوف الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا، مثلما جري الترويج له من قبل، مشيرا أن هذا التنظيم لم يكن به منصب الإفتاء ولا شخص المفتي ولم تكن توجد كذلك مناصب أخري وهيئات أخري كان أولي بها أن تكون... إن مصيبة بعض التنظيمات الإسلامية أنها لا تستطيع أن تمارس عملا مؤسساتيا لأن حجم "الشيخ" وصلاحياته تغطي علي كل الأجهزة وتعطل الوظائف. وأردف أنّها تنظيمات تفر من الديمقراطية بالتكفير وتحتال علي الشوري بالتأويل وبين التكفير والاحتيال ينمو ما أسماه ب "الاستبداد الشرقي" الذي لا يهنأ له بال حتي يحدد عناوين معارضيه ومناوئيه من أطباق الجحيم وأي تقصير دنيوي منه فإنه يعوّضه بالآخرة. وأضاف أنّ الأولي بهم أن يعلموا أن الآخرة دار جزاء وليست دار تعويض، وأنّ المعارضة التي تشبه النظام الذي تعارضه لن تنتصر عليه لا بالديمقراطية ولا بالسلاح كالمعارضة الجزائرية مثلا.