أكدت دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد" التابع لجامعة الدول العربية، بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة "ايكادرا"، أن ظاهرة تدهور الأراضي الزراعية تعد من أهم المشاكل البيئية التي يعاني منها العالم العربي بشكل أثَّر بشدة على الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ويهدد بقوة الأمن الغذائي لدول المنطقة. وتشير الدراسة في سطورها الأولى إلى أن المنطقة العربية تُعد من أكبر مناطق العالم معاناة من هذه المشكلة، وذلك لظروفها المناخية غير الملائمة، ومحدودية مواردها الطبيعية، ولفتت الدراسة الأنظار إلى أن مستويات شُح المياه في معظم بلدان المنطقة من بين المستويات العليا في العالم، فضلاً عن أن معدلات هطول الأمطار منخفضة وغير منتظمة، ولذلك فليس غريبًا أن تشهد المنطقة حالات جفاف متكررة، مما يساهم في تدهور التربة الزراعية وانخفاض إنتاجية الأراضي، وهو ما يهدد حياة الإنسان في المنطقة العربية كمحصلة نهائية لهذا الوضع. ولعل ما أشارت إليه الدراسة من أن 89 % من أراضي الوطن العربي تتصف بمعدل هطول مطري سنوي تقل عند 400مم ومعظمها مهدد بالتصحر، أو متصحرة بسبب عوامل مختلفة -أهمها الرعي الجائر وزيادة الحمولة الرعوية- مما يؤدي للإخلال بالتوازن الطبيعي لنمو وتكاثر النباتات الطبيعية، وهو ما يؤثر بالسلب على حالة 26% من أراضي الوطن العربي بالإضافة إلى تصحر نسبة 21% من الأراضي بسبب قطع الأشجار والشجيرات الرعوية. وأناحت الدراسة باللائمة على الإدارة السيئة للري والصرف، والتي تقف وراء تملّح التربة المنتجة، كما أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية يعتبر أحد أسباب تسرب المياه المالحة من البحار للتكوينات الحاملة للمياه العذبة في كثير من السواحل العربية، مما يتسبب في تهديد نوعية الموارد المحددة من هذه المياه، وهو الأمر الذي يفرض اتخاذ تدابير مناسبة لمنع تدهور الأراضي بجميع مسبباته، يأتي في مقدمتها: الإدارة السليمة للأراضي الزراعية، والمحافظة على الموارد النباتية المختلفة، وهم ما يعد أمرًا حيويًا للمحافظة على التنوع الحيوي، ومنع تعرية التربة بسبب الرياح والمياه وتملح التربة والمياه الجوفية. وانتقدت الدراسة بشكل حاد، قصور الجهود العربية لوقف التدهور في مجال الأراضي الزراعية ومكافحة التصحر، وهو الأمر الذي زاد من مخاطر هذه الظاهرة، ويشكل تهديدات خطيرة على النواحي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، مما قد يكون لها آثار سلبية على الاستقرار الاجتماعي السياسي في المنطقة. وألقت الدراسة الضوء على حالة المراعي في العالم العربي بالتأكيد على أن المراعي الممتازة لا تتجاوز 10 % من المساحة الإجمالية، فيما تصل نسبة المراعي الجيدة لنسبة 20 %، في الوقت الذي تتجاوز فيه المراعي المتدهورة الفقيرة نسبة 50 %، واقتربت نسبة المراعي المخربة من 20 % . وربطت الدراسة بين تدهور أوضاع الأراضي الزراعية وبين انتشار الفقر في العالم العربي، إذ يضطر فقراء الريف، طوعًا أو كَرهًا، لاتخاذ خيارات صعبة؛ من أجل البقاء على قيد الحياة، كقطع الأشجار والرعي الجائر، وهو ما يضاعف من تدهور الأراضي، لذا فإن العلاقة بين التصحر والفقر تعتبر علاقة معقدة، مما يجعل من الصعب الفصل بين السبب والنتيجة، لاسيما أن الدول العربية خسرت الكثير من وراء انهيار البنية الأساسية، بالإضافة إلى تكاليف تأهيل المناطق المتدهورة، التي تشكل عبئًا على الموازنات العامة والسكان المحليين. وأضافت الدراسة أن الخسائر المتمثلة في تدهور الأراضي في العالم العربي، كان أبرزها في عقدي السبعينيات والثمانينيات؛ حيث عم الجفاف مناطق الساحل الإفريقي، وامتدت آثاره لغرب السودان، مما أسفر عن أضرار كارثيّة على السكان الذين فقدوا مواردهم وسبل عيشهم، الأمر الذي دفعهم للهجرة إلى المدن. وربطت الدراسة بشكل وثيق، بين التصحر والهجرة من الريف، التي ظهرت نتائجه بقوة في العالم العربي بمشرقه ومغربه، حيث تسببت الظاهرة في حركة نزوح قسري من الريف إلى المدن؛ مما أدى إلى معاناة النازحين التي تجلت في عدم القدرة على التأقلم مع ضروريات السكن في المدن، وظهور الأحياء الفقيرة والعشوائيات. وتتعدد آثار التصحر الاقتصادية -بحسب الدراسة- متمثلة في تراجع الإنتاج الزراعي، والداخل العام للمزارعين وللدول بشكل عام، وتحمل الموازنة العامة أعباء إعادة تأهيل الموارد والبنى الأساسية، والتأثير على نشاطات اقتصادية عديدة بصورة مباشرة وغير مباشرة، فضلاً عن تسبب التصحر في إزالة الغطاء الشجري والنباتي في الأراضي الجبلية والمنحدرة في دول المغرب العربي، مما جعل احتمالات وقوع الفيضانات أكثر حدوثًا وتسبب في إهدار كميات كبيرة من المياه والتربة. وواصلت الدراسة تقدير الكلفة الاقتصادية للتدهور في نوعية وتلوث المياه والهواء والمناطق الساحلية في بعض الدول بحوالي 6.4 من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تراوحت هذه الكلفة في تونس والجزائر ولبنان والأردن وسوريا ومصر ما بين 2.7 ، 7.4 % من الناتج المحلي لهذه الدول؛ نتيجة ظاهرة التصحر في العالم العربي. وطالبت الدراسة بضرورة تفعيل التعاون بين الدول العربية لمواجهة هذه المشكلة وتفعيل مشروع حماية النظم البيئية الموقع بين العديد من الدول العربية، وتوحيد جهود مكافحة التصحر والحد من إثارة السلبية على المواد الطبيعية والمجتمعات البشرية؛ بهدف استكمال وزيادة كفاءة برامج العمل الوظيفية، وتدعيم البرنامج الإقليمي لمكافحة التصحر؛ من خلال شبكتين لحماية أراضي المنطقة. وطالبت الدراسة بالاستفادة من بعض قصص النجاح التي حدثت في بعض الدول العربية، مما ساعد على ترشيد استخدام المواد الطبيعية في الواحات، وحمايتها من الأخطاء التي تتعرض لها.