قبل أيام نقلت وسائل الإعلام أن رجلاً في تونس الخضراء استفرد بحصانه وانهال عليه ضرباً إلى أن كاد يقضي عليه، بدون سبب كما أوردت الأخبار، فما كان من الحصان إلا أن انتقم لنفسه وبطح سيده أرضاً ورفسه وبرك عليه الى أن فارق الحياة. ولم تشر المصادر إلى مصير الحصان. وقبل أيام أيضاَ، وبينما أحد المواطنين في المملكة يذبح أضحيته انقض عليه خروف آخر بنطحة أفقدته الوعي وتوفي بعدها بيومين. ليست العبرة في موت الرجلين ابداً، فعدد ضحايا الطرق والعنف والقصف والحروب والثارات (والموت في السجون أو الخروج منها الي المقابر كما يحدث في تونس بالاخص) في عالمنا العربي ما يحدث في العوالم كلها. العبرة هي في انتفاضة الحيوانات هذه، وخاصة الحصان التونسي الذي يعطينا جميعا درساً في الثأر للذات،( فمتى يثأر التونسي لذاته وحقوقه) . بينما يعطينا الخروف السعودي درساً في الدفاع عن الآخرين والثأر لهم. كان العربي قديما يتعلم من الحيوانات كثيرا من سلوكياته، من الجمال من الحمير من القطط، ولنا في تاريخنا الثقافي من المصادر ما يؤكد ان الإنسان العربي تعلم من الحيوانات أكثر مما يتعلمه العربي اليوم من مدارسه وجامعاته وحكوماته. العربي اليوم لا يعرف الا "الخبز والصمت" والنوم والخنوع. يكفيه من يومه أن يعود "سالماً" الى بيته بعد نهار من الصفعات والركلات والإهانات المتبادلة. يعود سيداً مطاعاً. يضرب بيد من حديد أهل بيته وحاشيته.. بعد أن عاد كل منهم مهاناً ذليلاً من مدرسته او عمله، الى أن أصبح الذل والإذلال درسنا اليومي، وفوق كل ذي عنف عنيف، وتحت كل ذي ذل ذليل. أصبحنا سلسلة طويلة من الهوان.. والعجيب اننا نردد معا: "من يهن يسهل الهوان عليه"، أو: "مالجرح بميت إيلام". ويخجل القلم والله من هذا المستوى الذي وصلت إليه حكايات هذا الإنسان الذليل العنيف، ما نقرأه وما لا نقرأ.. ما نرى وما لا نرى.. إذاً يبدو ان كل بيت في عالمنا العربي قد تحول الى معتقل، الى مذلة، ولم يبق من كرامة إلا ما يمكن ان نتعلمه من انتفاضة الحيوانات.