بسم الله الرحمن الرحيم الأقصى في خطر فماذا ننتظر حدثان عظيمان قد تزامنا هذا الأسبوع هزا ضمائر الأمة وصعّدا غضبها لاتصالهما المباشر بمقدساتها وبقبلة الصراع في المنطقة، فلسطين، الأول هو إقدام محمود عباس وفريقه من حوله على مدّ طوق النجاة للعدو الصهيوني بعد أن ضيقت عليه الخناق لجنة حقوق الإنسان بجنيف التي وضع بين يديها تقرير القاضي الدولي غولدستون بخصوص جرائم الحرب التي سجلها على العدو الصهيوني في حق أهل غزة، موصيا بإحالة مقترفيها على الهيآت الدولية كمحكمة الجنايات الدولية ومجلس الأمن والجمعية العمومية، لمقاضاتهم وتعقّبهم باعتبارهم مجرمي حرب، فما كان من محمود عباس وفريقه إلاّ أن طلبوا تأجيل البت في القضية ستة أشهر أخرى، بما يمنح الفرصة أمام الماكينة الصهيونية للالتفاف على هذا التقرير ويفسح الوقت للمجرمين سبيل النجاة والإفلات من العقاب بينما دماء أهل غزة لم تجف وبيوتهم لا تزال خرائب ينامون عليها ملتحفين بالسماء. أما الحدث الثاني فلا يقل عن الأول كارثية وهو يتعلق بالمسجد الأقصى الذي بارك الله حوله وشرّفه بالصلاة فيه من قبل خاتم الرسل إماما بكل أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وقد ظل هذا الرمز المقدس يتعرض منذ أن نكب بالاحتلال الصهيوني سنة 1967 لمخطط حثيث ودؤوب للاستيلاء عليه وتشويه معالمه من طرف عصابات الصهاينة، وذلك من خلال التخريب الممنهج عبر الحفريات تحته، وفتح أنفاق في كل الاتجاهات، وعزله عن محيطه العربي والإسلامي بهدم الأحياء العربية من حوله وبناء سلسلة من المستوطنات تحاصره وتهود محيطه تمهيدا لهدمه وإحلال أسطورة هيكلهم المزعوم محله. ولقد خطوا سنة 1969 خطوة اختبار للضمير الإسلامي فباشروا بحرق المسجد لولا رحمة الله، ثم جهود أهالي القدس المرابطين في وقف الحريق والحد من انتشاره، فلم يطل غير جزء من محراب صلاح الدين، وقد انتفض العالم الإسلامي آنئذ في مختلف أقطاره بما حمل دوله على الاجتماع لأول مرة وتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة القدس للدفاع عن القدس وأقصاها المبارك. وفي سنة 2000خطوا خطوة أخرى إذ أقدم مجرم الحرب شارون، على تدنيس الحرم الشريف مدعوما بفيلق من جيشه، فتفجر الغضب الشعبي واندلعت الانتفاضة الثانية التي لم يخمد فورانها غير مسار أوسلو الذي هدف تحويل الثورة الفلسطينية إلى سلطة تابعة للاحتلال تمنحه الوقت والحماية لابتلاع ما تبقى من فلسطين والاستيلاء على القدس كلها وتهويدها وطرد من تبقى من سكانها وهدم منازلهم وتركهم في العراء دون أن تحرك هذه السلطة المعروفة بالفساد المالي والسياسي ساكنا، حتى حينما كان العدو الصهيوني يدك غزة دكا ويلقي عليها بحمم صواريخه وقاذفاته، ولا هي حركت ساكنا والمخطط الصهيوني يكاد يبلغ أوجه ويصل إلى منتهاه وهو يستكمل محاصرة الأقصى ويحول بين أهله والوصول إليه تمهيدا لاقتحامه والإجهاز عليه، وهو ما حمل المئات من المصلين على دوام المرابطة والاعتكاف فيه لحمايته بأجسادهم من لحظة زلزلته وهدمه أو مرحليا تقسيمه، كما فعل مع المسجد الإبراهيمي، وإزاء هذه الخطوب الجليلة فإنّ حركة النهضة: - تحيّي أهلنا المرابطين في فلسطين، وبالخصوص الأبطال الذين اعتكفوا في بيت المقدس، على صمودهم وثباتهم وتهيب بجماهير الشعب الفلسطيني المناضل وكافة فصائله التوحد حول مشروع المقاومة والتحرير والثبات عليه والتصدي للاحتلال بكل الأساليب وبالخصوص الانطلاق إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة لاسيما في الضفة والقطاع. - تدين بكل شدة تواطؤ فريق أوسلو، مع الكيان الصهيوني من أجل مصالح خاصة واستخفافه بالقضية الفلسطينية وهدره لحقوق كل الضحايا وتبديده لكل الجهود والتضحيات التي قدمتها الهيئات والجمعيات والشخصيات السياسية والحقوقية في كل أنحاء العالم من أجل كشف جرائم العدو ومحاسبته وفضحه والقوى التي تدعمه أو تتآمر معه. - تتجه إلى جماهير أمة الإسلام وفعالياتها على اختلاف اتجاهاتها ومواقعها أن تجعل من هذه القضية قضيتها وأن تضاعف النضال وممارسة كل وسائل الضغط المتاحة وأن تتصدى لكل محاولات تصفيتها والمتاجرة بها من أي جهة كانت. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون". لندن في 11 أكتوبر 2009 الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة