جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أساليب التربية في القرآن الكريم التمايز والمفاصلة
نشر في الحوار نت يوم 25 - 09 - 2010


من اساليب التربية في القرآن الكريم
الجزاء (31)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هو أن ينال الإنسان حقّه لفعلٍ فَعَله ، أو قولٍ قاله إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراً فشرّ ، وأن تقضيَه المِثْلَ المناسب .
وكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِنْ خلفه أكّدَ على الجزاء :
1 لأنَّ فيه العدل ، ينصف المظلوم ، ويردع الظالم .
2 لأنّ الإنسانَ خُلِقَ يتنازعه الخير والشرُّ، فكان الجزاء مساعداً على كبح الشر،وإطلاق الخير .
3 لأنّه عنوان القوّة ، والحقّ بغير قوة يضيع فلا بدّ من الجزاء لنصرة الحق .
قال الله سبحانه وتعالى مؤكداً على الحساب المؤدي إلى الجزاء بشقيه الثواب والعقاب (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ))(1) .
ونبّه إلى أن العمل يعود على صاحبه بالنفع والضرر ، فقال سبحانه : (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا . . . ))(2) .وقال جلّ جلاله : ((وجزاءسَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ))(3) ، وقال أيضاً : ((هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) ))(4) .
والذي أقصده من الجزاء في هذا الباب الثواب والعقاب في الحياة الدنيا ، أما الآخرة وحسابها ثواباً وعقاباً ، فقد تناولته ضمن أبواب أخرى ، وسوف أتناول هنا :
1 جزاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم أو آمنوا بهم .
2 جزاء الأقوام الذين كفروا نعمة الله .
3 الجزاء الذي نال بعضَ الأفراد نعمةً ونقمةً ، من الله تعالى أو من البشر .
1 قصَّ علينا القرآن الكريم جزاء عديد من الأمم الذين كذبوا أنبياءهم .
فهذا سيدنا نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلى الله وحده ، فيأبون ذلك ، ويتواصون بتكذيبه ، فماذا كانت العقوبة ؟ قال تعالى يحددها :
أ (( فَكَذَّبُوهُ
ب فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ
ج وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ
د وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا
ه فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ))(5) .
وهذا سيدنا هود أرسل إلى قوم عاد ، يأمرهم بعبادة الله وحده ، واستغفاره والاتكال عليه وحده ، فردوا عليه رداً قبيحاً ، واتهموه بالسَّفه ، فتبرأ منهم ، ولجأ إلى الله سبحانه وتعالى ، فعاقبهم الله تعالى عقاباً شديداً (( كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) ؟ ))(6) .
أما ثمود قوم صالح عليه السلام فلم يكونوا خيراً من أسلافهم ، فإنهم لما كذّبوه وقتلوا الناقة هددهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام ، ثم بدأ عذاب الخزي العظيم . . قال تعالى :
((فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)
فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)
وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)))(7) .
وقوم لوط كانوا يعملون الفواحش ، وحين جاءته الملائكة أسرع إليه هؤلاء المجرمون ليفعلوا فيهم ما اعتادوا من الفاحشة ، فكانت قاصمةَ الظهر إذ نجّى الله تعالى لوطاً وأهله إلا امرأته ، وكان موعد العذاب الصبح (( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) ))(8) .
وهذا سيدنا شعيب يدعو قومه إلى دعوة الأنبياء كلهم التوحيد وإيفاء المكيال والميزان حقهما ، وعدم أكل حقوق الناس والبغي والفساد ، فاستهزؤوا به ، وسفّهوا رأيه وهدّدوه بالرجم ، فكيف نزل عليهم العذاب ؟ قال تعالى : (( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)))(9) .
وفرعون ذلك المتألّه الجبار المتكبّر سام بني إسرائيل سوء العذاب ، ذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، وكفر بالله عزّ وجلّ ، ونادى متحدياً : (( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ))(10) فكيف أباده الله تعالى ؟! أمر الله تعالى موسى أن ينطلق ليلاً إلى جهة الشرق ، حيث سيناء ، ثم بلاد الشام لينجو بقومه من شرّ فرعون ، فتبعهم هذا الشيطان ليستأصلهم
(( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64)
وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) ))(11) .
إن الجزاء قد يكون ماحقاً للمدن وأهلها ، وقد تبقى هذه المدن شاهدة على استئصال أهلها ، فتبقى خالية منهم ليعتبر المارّون عليها ((ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)))(12) .
أما الذين آمنوا برسالات أنبيائهم ، وعرفوا الله فأسلموا له سبحانه قيادهم فقد عاشوا في الدنيا حياة رغيدة مثالهم قوم يونس عليه السلام إذ قال الله تعالى يحدثنا عنه : (( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)))(13) .
2 إن قوم سبأ لما كفروا نعمة الله خرّب الله ملكهم ، وشتت شملهم ، ومزّقهم شرَّ ممزّق ، وجعلهم عبرةً لمن يعتبر .
فقد كانت قراهم متقاربة ، والأمان بينها وافراً والبساتين تظلل الطرقات ، فيسافر الإنسان من اليمن إلى بلاد الشام لا يحتاج للزاد ، فكفروا بأنعم الله ، فماذا كانت النتيجة ؟ (( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)))(14) .
إن الذي يُعْرِض عن ذكر الله يعاقبه ، فهؤلاء كما رأينا أرسل الله عليهم الطوفان فغرقت دورهم ، وخربت بساتينهم ، وانقلبت ثمارهم أشواكاً مرّةً وسدراً ، ولم يكتفوا بذلك بل سألوا الله أن تكون الأرض مفاوز وصحارى في سفرهم ، حتى يشعروا بمشاق السفر . . وهذا تفكير سفيه عجيب . . . فعاقبهم الله على كفرهم النعمة بأن :
1 باعد بين مدنهم .
2 جعلهم أخباراً تروى دالة عى جحودهم .
3 فرّقهم في البلاد شذر مذر ، ليكونوا عبرة لمن يعتبر .
قال تعالى : ((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)))(15) .
ألم يقل الله سبحانه وتعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)))(16) هكذا كان ذو القرنين ، يمشي على هدى من الله ونور ، جعله هادياً للناس في مشارق الأرض ومغاربها ، ومكّن له فيها ، وسهّل له ما يساعده على نشر الدين في المعمورة ، فكان إذا مرَّ على قوم دعاهم إلى الله ، فإن كفروا عذّبهم بالقتل ، وبعد القتل نار الله الحامية ، وإن آمنوا أحسن إليهم ، فعاشوا في خير الدنيا وبركتها ، ثم يلقون عند الله سبحانه الجنّة ، ونعيمها . . ثوابان . . وعقابان ((قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)))(17) .
3 كان لرجل مسلم من أهل صنعاء بستان فيه أنواع النخيل والزروع والثمار ، فإذا حان وقت جني الثمر أو الحصاد ، دعا الفقراء ، فأعطاهم نصيباً وافراً منه ، وأكرمهم غاية الإكرام ، فلما مات ورثه أبناؤه الثلاثة ، فلم يكونوا مثله ، فعزموا على منع الفقراء ، وجني الثمر خفية في الصباح ، وحلفوا على ذلك فماذا كانت العقوبة ؟ أرسل الله عليها ناراً في الليل أحرقت الأشجار ، وأتلفت الثمار فذهبوا إلى حديقتهم صباحاً فلم يروا فيها شجراً ولا ثمراً ، فظنوا أوّل الأمر أنهم ضلوا الطريق ، ثم تبيّن لهم أن الله سبحانه عاقبهم بنيّتهم السيئة ، فندموا وتابوا على فعلتهم بعد فوات الأوان .
وكان الله تعالى اختبر أهل مكة ، بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلفهم أن يشكروا ربهم فكفروا بنعمته فكان مثلهم كمثل أصحاب البستان
((إ ِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) ))(18) .
إن عقوبتهم رادعة ، تعلموا منها أن يكونوا كراماً وأن يساعدوا الفقراء ليكون الله في عونهم ، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
- وما جزاء من يتهم الشريفات العفيفات بما لا يليق ، فيمتهنهنّ ويقذف أعراضهنّ ؟ إنه الجلد وإسقاط حقهم المدني ، ثم الجزاء الأخرويّ الشديد ، فهم في عداد الفاسقين :
(( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
1 فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً
2 وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
3 وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)))(19) .
حين دعت امرأة العزيز سيدنا يوسف إلى الزنا وارتكاب الفاحشة عصمه الله تعالى ، وبدل أن يكافئه المجتمع لطهره وعفافه فتكون هذه المكافئة دفعاً لشباب الأمة إلى سلوك مسلكه عوقب بالسجن !!! ليضيع في متاهات أقبيته ، ويضيع الشباب في حمأة الرذيلة !! (( قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) ))(20) . وفعلاً سجنوه!!
((ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) ))(21) .
والدلائل كلها تشير إلى براءته ، ولكنْ سهلٌ على كبار القوم أن يلفّقوا التهم إلى الشرفاء ، لينجوا بأنفسهم بصرف الأنظار إلى غيرهم . . . !! .
هذا عن العقوبة ، أما أمثلة الجزاء ثواباً .
فإن يوسف عليه السلام حين أوّل منام الملك ، ورفض الخروج من السجن ، إلا أن تظهر براءته ، فاعترفت امرأة العزيز بالحقيقة ، سُرَّ الحاضرون لنزاهته ((وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)))(22) فانتقل من السجن إلى الصدارة والوزارة .
وهذا موسى عليه السلام يصل إلى مدين ويسقي للفتاتين ويأوي إلى ظل شجرة ، فيدعو الله التيسير ، فتأتيه إحداهمة قائلة : ((إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ))(23) . فيزوجه أبوها إياها ، ويعيش آمناً .
والثواب على عمل الخير يدفع إلى الاستمرار فيه .
وليتنا نقف ملياً عند هذه الآيات التي تكررت في سورة الصافات في حقِّ الأنبياء الكرام : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وهارون ، وآل ياسين (( سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ))(24) .
((سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) ))(25) .
((سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)))(26) .
(( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132) ))(27) .
فَذِكْرُهُمْ إلى آخر الزمان تقدير ، وتبجيل ، وتعظيم . . . أهناك أحسن من هذا الثواب العظيم المستمر إلى أبد الآبدين ؟ ولهم في الآخرة المكان العالي والمكانة الرفيعة .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الزلزلة ، الآيتان : 7 ، 8 .
(2) سورة فصلت ، الآية : 46 .
(3) سورة الشورى ، الآية : 40 .
(4) سورة الرحمن ، الآية : 60 .
(5) سورة يونس ، الآية : 73 .
(6) سورة القمر ، الآيات : 18 21 .
(7) سورة هود ، الآيات : 65 68 .
(8) سورة هود ، الآيتان : 82 ، 83 .
(9) سورة هود ، الآيتان : 94 ، 95 .
(10) سورة النازعات ، الآية : 24 .
(11) سورة الشعراء ، الآيات : 61 ، 66 .
(12) سورة هود ، الآية : 100 .
(13) سورة الصافات ، الآيتان : 147 ، 148 .
(14) سورة سبأ ، الآيتان : 16 ، 17 .
(15) سورة سبأ ، الآيتان : 18 ، 19 .
(16) سورة الحديد ، الآية : 28 .
(17) سورة الكهف ، الآيتان : 87 ، 88 .
(18) سورة القلم ، الآيات : 17 32 .
(19) سورة النور ، الآية : 4 ، والعقوبة في هذه الآية ثلاثة أنواع :
الأولى : عقوبة جسدية (( الجلد )) .
الثانية : عقوبة معنوية لا تقبل لهم شهادة فحقوقهم المدنية ساقطة .
الثالثة : عقوبة في الآخرة . . النار لأنهم فاسقون .
(20) سورة يوسف ، الآية : 32 .
(21) سورة يوسف ، الآية : 35 .
(22) سورة يوسف ، الآية : 54 .
(23) سورة القصص ، الآية : 25 .
(24) سورة الصافات ، الآيات : 79 81 .
(25) سورة الصافات ، الآيات : 109 111 .
(26) سورة الصافات ، الآيات : 120 122 .
(27) سورة الصافات ، الآيات : 130 132 .
------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من اساليب التربية في القرآن الكريم
الحذر والحَيطة (32)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
تعلمنا من آبائنا وأجدادنا أنّ درهم وقاية خير من قنطار علاج ، وسدّ الثغرات أسهل بكثير من إعادة بناءٍ أهملناه ، فانهدم .
كما أن الحذر مطلوب في أيام السلم والحرب ، ومن الصديق والعدو ، ومن الأقارب والأباعد . والحذر كذلك مطلوب من عذاب الله ، وفتنة الشيطان ، والتصرف مع الآخرين بما لا يليق . وبشكل عام يجب الحذر وأخذ الحيطة دائماً ومن كل شيء ، دون الوصول إلى التوهّم والتوجس الذي يزيد عن حده ، ولله درّ القائل :
احذر عدوّك مرّةً واحذر صديقك ألف مره
فلربما انقلب الصدي ق فكان أعلم بالمضرَّه
1 فهناك الحذر من العدو المتربص في كل زمان ومكان ، ينتظر حالة الغفلة والاسترخاء في الصف الإسلامي ، وهي حالة تتعارض مع حالة اليقظة . . إن العدو بارع بانتهاز الفرص التي تصنعها له حالة ُ الغفلة ، فماذا يفعل العدو ، إنه يميل علينا ميلة لا تبقي ولا تذر ، تهلك الحرث والنسل ، وتهتك العرض ، وتغتصب الأرض ، وتستولي على الديار ، وتتحكم بعباد الله بطغيان لا مثيل له .
قال تعالى : (( وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ))(1) .
ويقول الله تعالى آمراً بالاحتراز من العدو والاستعداد له : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)))(2) .
وقد أمر الله تعالى أن لا نتخذ الكافرين أولياء ، وأن لا نجالسهم إذا استهزؤوا بديننا ، ومَنْ استمرأ الجلوس معهم ، ومؤانستهم كان منهم ، وانتهى إلى مصيرهم ، فقال : (( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)))(3) .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144) ))(4) .
ويؤكد الله سبحانه وتعالى المعنى حين يقول ناهياً عن مجالسة اليهود والنصارى وموالاتهم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)))(5) .
وسورة " المنافقون " كلها تحذير منهم . وإليك مثالاً واحداً ، فهم :
1 يدّعون أنهم آمنوا بمحمد نبياً ويشهدون بذلك .
2 الله سبحانه يؤكد نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام ويشهد أن المنافقين يكذبون في شهادتهم .
3 والمنافقون يتخذون الأيمان سبيلاً إلى الإيهام بصدقهم .
4 يجب الحذر منهم لأنّهم لا يقرّون على قرار ، يؤمنون مرة ويكفرون أخرى .
5 لا يغرَّنّ منظرُهم وفخامةُ مظهرهم ، فهم خشب مسنّدة ظاهرها متين ، وجوفها فارغ .
6 يجب الحذرُ منهم ، فهم أشدَّ كرهاً للمسلمين ، وهم كذّابون .
قال تعالى : (( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ
هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) ))(6) .
2 وهناك الحذر من الشيطان ، قال تعالى : (( . . . . وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ))(7) .
فالشيطان يأمر بالمفاسد ، والحذرُ من اتباعه واجب ، والاحتراس مطلوب : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ))(8) .
وبما أن الشيطان عدو لنا ، فمن الواجب أن تتخذه عدواً ، فهو يورد من اتبعه النار ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)))(9) .
وعلى هذا الأساس كانت الاستعاذة بالله من الشيطان ، ومكره ، ووسواسه ، وتشكيكه بالحق! قال تعالى : ((وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)))(10) .
3 وهناك الحذر من عذاب الله ، والفتنة ، وعدم الاستجابة للرسول الكريم .
فالرسول الكريم يدعو إلى الله ودينه القويم ، فمن نأى وصدَّ صرف الله قلبه عن الإيمان ، وأصابته فتنة تودي به إلى قعر جهنّم ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) ))(11) .
كما أنه لا يجوز خطبة امرأة في عدتها ، فمن فعل فقد أثم ، قال تعالى : ((. . . وَاعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ . . .))(12) .
وينهانا الله تعالى عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين يأمر بأمر ، فينسَلُّ بعضهم إلى الوراء خارجاً دون استئذان ، وهو الآن في لقاء مع القائد والتزام الوجود من أدب اللقاء ، والاستئذان مشروع لمغادرة مكان الاجتماع ، ويحذرنا الله تعالى أن تعلو أصواتنا في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأمام حجرته الشريفة ، فهذا من الأدب معه صلى الله عليه وسلم (( لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) ))(13) .
أما خيانة الله ، فبترك فرائضه ، وخيانة الرسول بترك سنته ، وخيانة الأمانة عدمُ تحمل مسؤولية العمل بكتاب الله وسنّة رسوله ، وترك الدعوة إلى الله سبحانه ، قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)))(14) .
4 وهناك الحذر من الفتنة بأنواعها .
فتنة الأموال ، والأولاد والزوج ، قال تعالى : (( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)))(15) .
وقال أيضاً : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)))(16) .
والله سبحانه وتعالى ، حذّر الرسول الكريم من الركون إلى الذين كفروا . . هؤلاء الذين يريدون منه عليه الصلاة والسلام أن ينصرف عن وحي الله تعالى ، أو أن يزيد على هذا الوحي ما يخالف الدين ، وحاشا رسولَ الله أن يفعل هذا ، فهو الأمين المؤتمن ، ولكنّه درس لنا معشر المسلمين في الثبات على دين الله ، والدفاع عنه دون أن نهتمَّ بوعيد الكفار وتهديدهم ، أو إغرائهم للدعاة ، فالمؤمن وقاف على حدود الله (( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) ))(17) .
وانظر إلى حذر الوالد يعقوب ، ففي أكثر من مكان في سورة يوسف يظهر الحذر في حديثه مع أولاده ، فلما سألوه أن يرسل أخا يوسف (( بنيامين )) معهم لأن يوسف منع عنهم الكيل إلا بحضوره ، قال يعقوب : (( قَالَ هَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ))(18) .
ثم طلب منهم موثقاً على إعادته إن استطاعوا (( قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ . . . ))(19) .
ثم أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة خوف العين الحاسدة ، وهو موقن أن الله يفعل ما يشاء . .
وهذا موسى يستصرخه رجل من بني قومه على رجل من آل فرعون فيجيبه ، ويضرب ذلك الرجل فيقتله ، وهو لا يريد قتله ، فاستغفر ربه ، ووعده ألا يكون عوناً للمجرمين . . . وبعد أن قتله ((فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ))(20) والترقب : انتظار الطلب أن يدركه
حتى إن الفتاتين اللتين كانتا مع الأنعام ابتعدتا عن الرجال لا تختلطان بهم ، وتنتظران حتى يفرغوا فتتقدّمان لسقي ماشيتهما (( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) . . ))(21).
وحين أُمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون قال حاذراً طالباً مساعدة أخيه (( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) ))(22) .
فالحذر في كل الأمور مطلوبٌ ، حتى ولو كان كل شيء معك . . فقد قيل : ( من مأمنه يؤتى الحذر ) .
ويجب الحذر من تناقل الإشاعات أياً كانت ، فهي مغرضة مؤذية إذا تناقلها الناس دون تمحيصها (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) ))(23) .
والحذر يأمرنا كذلك أن نردَّ كل ما نسمعه إلى المختصين كي لا نقع في المحذور الذي يحفره لنا الأعداء (( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ . . . ))(24) .
وتأمل معي حَذّرّ النملة التي رأت جيش سليمان عليه السلام قادماً إلى الوادي ، فحذَّرت النمل أن تبتعد عن الطريق كي لا ينالها الأذى ((وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) ))(25) .
أفلا يكون المسلم العاقل أشدَّ حذراً منها كي لا يقع في المحذور ؟!! .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة النساء ، الآية : 102 .
(2) سورة النساء ، الآية : 71 .
(3) سورة النساء ، الآية : 140 .
(4) سورة النساء ، الآية : 144 .
(5) سورة المائدة ، الآية : 51 .
(6) سورة المنافقون ، الآيات : 1 4 .
(7) سورة الأنعام ، الآية : 142 .
(8) سورة النور ، الآية : 21 .
(9) سورة فاطر ، الآيتان : 5 ، 6 .
(10) سورة الأعراف ، الآيتان : 200 ، 201 .
(11) سورة الأنفال ، الآيتان : 24 ، 25 .
(12) سورة البقرة ، الآية : 235 .
(13) سورة النور ، الآية : 63 .
(14) سورة الأنفال ، الآية : 27 .
(15) سورة الأنفال ، الآية : 28 .
(16) سورة التغابن ، الآيتان : 14 ، 15 .
(17) سورة الإسراء ، الآيات : 73 75 .
(18) سورة يوسف ، الآية : 64 .
(19) سورة يوسف ، الآية : 66 .
(20) سورة القصص ، الآية : 18 .
(21) سورة القصص ، الآيتان : 23 ، 24 .
(22) سورة القصص ، الآيتان : 33 ، 34 .
(23) سورة الحجرات ، الآية : 6 .
(24) سورة النساء ، الآية : 83 .
(25) سورة النمل ، الآيتان : 17 ، 18 .
------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم
أساليب القتال (33)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى معركة أحد بجيش قوامه ألف مقاتل . ولما تراءى الجمعان عاد عبد الله بن أبي سلول بثلاث مئة من المنافقين إلى المدينة غير راغبين في القتال . أما حجتهم فلأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُصغِ إلى قولهم أن يتحصنوا في المدينة ،إنما استمع لقول الشباب ، فخرج بهم إلى ظاهرها ، أما الحقيقة فهي أن المنافقين جبناء كما ذكرنا ذلك في أسلوب " تطهير الصف " . ولماذا يقاتلون ، وهم يرون أن المشركين أقرب إليهم من المسلمين ، ويتمنون من كل قلوبهم أن ينتصر المشركون على المسلمين ! .
1 انتظام الصفوف :
إذاً عاد ثلاث مئة ، وبقي المسلمون سبع مئة ، والمشركون ثلاثة آلاف مقاتل ، فهم إذن أكثر من المسلمين بما ينوف على أربعة أضعاف .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد مكان المقاتلين ، ويصفُّهم لقتال عدوهم . وحين ساور الخوف قبيلتين مسلمتين هما : بنو سلمة وبنو الحارث فقد أهموا أن يعودوا لاعتقادهم أن العدد غير المكافىء لا يبشر بنصر جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يشجعهم ويثبتهم ، ويرفع من عزائمهم ، وهكذا كان .
قال تعالى : (( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) ))(1) . فالقتال إذاً كان صفوفاً تثبتت في مكانها تصدُّ الهجوم ، ثم تنتقل إلى الهجوم .
وهناك أيضاً ترتيب الأصناف ، كل مع جنسه ((وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) ))(2) .
فلم تكن هناك فرجات بين الأنواع ، وإن كانت منفصلة يتبع بعضها بعضاً ، وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنه يجب أن يكون المقاتلون لُحمة واحدة ، وصفاً منضبطاً ، وحركة متتابعة ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)))(3) .
والانتظام صفوفاً يورث الهيبة والجلال في نفس الناظر ، ففي يوم القيامة تنزل الملائكة من السماء صفوفاً متتابعة ، تبعث على الخوف ، والإجلال ، والرهبة (( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)))(4) .
(( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)))(5) .
والصفُّ المتراص دلالة على الوحدة والقوة ، فهذا فرعون يأمر السحرة أن يأتوا صفاً واحداً ليرهبوا بمنظرهم وحركتهم موسى عليه السلام ، وليزرعوا الإعجاب والإكبار في نفوس عامة الشعب ، بل إن السحرة أنفسهم كانوا أصحاب هذا الأسلوب ((فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)))(6) .
2 القتال من وراء الحصون :
ويكشف الله سبحانه وتعالى جبن اليهود ، وهلعهم من لقاء المسلمين ، فهم لا يقاتلون وجهاً لوجه ، إنما يتتّرسون بالحصون العالية القوية ، والجُدُرِ السميكة المتينة ، يقول الله سبحانه وتعالى : ((لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)))(7) .
وهم الآن على قوتهم ، وكثرة سلاحهم لا يقاتلون مشاة هاجمة ، أو محمولة ، وإنما يقاتلون وهم داخل الدبابات ، ومن وراء الخنادق ، وداخل الملاجىء السميكة ، والصواريخ العابرة والطائرات . . . صحيح أن هذا النوع من القتال الآن هو الأكثر فائدة ونجاة إلا أنهم لا يستطيعون مواجهة الجيش المعادي سفاحاً ، وأفضل سلاح لديهم وأفضل طريقة في القتال بث الفرقة بين المسلمين ، وجعلهم أعداءً بعضهم لبعض .
وحين يعرف المسلمون أنفسهم حق المعرفة ، ويتوحدون ، ويحكِّمون شرع الله فيما بينهم تسقط أسطورة اليهود ، ويذوبون كما يذوب الجليد في الظهيرة الحارة . . .
3 الحرب الصاعقة السريعة تشل الحركة :
وقد أكدت الآيات في القرآن الكريم على :
قطع الرقاب وأصابع الأيدي كي لا تستطيع حمل السلاح .
((إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
1 فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
2 فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ))(8) .
وهي ، الحرب النفسية الإيجابية للمسلمين ، والسلبية للأعداء ، وتكون الضربة القاضية بقطع الأعناق ، وشلّ الحركة بقطع الأصابع (( فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ))(9) .
4 الإثخان في القتل والاستئصال :
وهنا ينبهنا الله تعالى أن نشتد في قتل الأعداء ، حتى يعلموا أننا لا نرحمهم إن فكروا في الاعتداء علينا ، فإذا كثر فيهم القتل ، وبلغت قلوبهم الحناجر ، واستسلموا جاز لنا أن نأخذ منهم أسرى ، أما في بداية المعركة ووسطها فليس لنا إلا القتل والاستئصال لأعداء الله كي تخنس نفوسهم وتذل ، فلا يفكّروا مستقبلاً في إيذاء المسلمين والتصدي لهم ((فإما تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)))(10) .
ونجد الأمر بالإثخان ، وكثرة الإصابة في قوله تعالى : (( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) ))(11) .
وذكر الله سبحانه وتعالى قُوّة موسى حين دخل المدينة على حين غفلة من أهلها (( فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ))(12) . والوكز : ضربة في الصدر بجمع الكف .
وفي السنَّة النبوية طرقٌ عديدة في القتال ، وليس في القرآن الكريم الكثير منها ، لأنه كما نعلم كتاب تشريع وكتاب حياة التفصيل فيه في الحياة المعيشية غير وارد .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة آل عمران ، الآيتان : 121 ، 122 .
(2) سورة النمل ، الآية : 17 .
يوزعون : يوقف أوائلهم لتلحقهم أواخرهم .
(3) سورة الصف ، الآية : 4 .
(4) سورة النبأ ، الآية : 38 .
(5) سورة الفجر ، الآيتان : 21 ، 22 .
(6) سورة طه ، الآية : 64 .
(7) سورة الحشر ، الآية : 14 .
(8) سورة الأنفال ، الآية : 12 .
(9) سورة محمد ( القتال ) ، الآية : 4 .
(10) سورة الأنفال ، الآية : 57 .
(11) سورة الأنفال ، الآية : 67 .
(12) سورة القصص ، الآية : 15 .

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم
تطهير الصف (34)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
المجتمع الإسلامي لا يمنع أن يعيش غير المسلمين فيه ، وليس فيه ما يسمى التطهير العرقي الذي تمارسه كثير من الدول ضد المسلمين في أصقاع العالم كله ، والتاريح الإسلامي شاهد على ذلك ، لكنّه يمنع أن يمارسوا ما يخالف الإسلام ، ويفسد المسلمين .
للآخرين أن يمارسوا طقوسهم وعاداتهم دون أن ينتج أثر سلبي على المسلمين فإذا حدث هذا منعوا من إقامتها ، لأن درهم وقاية خير من قنطار علاج ، وقد لا ينفع قناطير في تطهير هذا الأثر السلبي .
كما أن المجتمع الإسلامي في مناسك العبادة ، والأجهزة المهمة التابعة له لا يقبل وجود عنصر غريب عنه ليبقى نقياً صافياً من الشوائب التي قد تعطل مسيرته وتقلل من إيجابيّاته .
وقد علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن عامله على العراق أبا موسى الأشعري استعمل يهودياً على ديوان المحاسبة ، فأرسل إليه أن يصرفه عن العمل ، لكن أبا موسى أرسل إليه : إننا لا نجد من يقوم مقامه ، فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن أرسل إليه يقول : (( مات اليهودي )) إنهما كلمتان واضحتان لا لبس فيهما . . فاضطر أبو موسى أن يصرفه .
وفي القرآن الكريم ما يعضّدُ فعل عمر رضي الله عنه ، فالصف المسلم ينفي عنه ما يعوق تقدّمه ويثقل كاهله .
فهذا طالوت ملك اليهود ينطلق بجيشه لقتال العماليق ، وقد علم أن في جيشه كثيراً من الجبناء ، وضعفاء الإيمان ، وغير الملتزمين بالطاعة والولاء ، وجيشٌ فيه أمثال هؤلاء يهرب من أوّل لقاء ، فأراد أن يتخلّص منهم ، فمرَّ بهم على نهر (( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ
فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ )) فتخلص من الكثير منهم وبقي بعضهم في جيشه ، وظل الباقون شوكة في القلب ، فانظر ما فعلوا حين التقى الجيشان
((فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ))
فالخوف من الجهاد يورث الذل والهوان أما الإيمان بالله والاعتماد عليه فكان في جواب الربانيين حين قالوا :
((قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ))(1) .
تخلص طالوت من القسم الأكبر من جيشه ، فلا حاجة للعدد الكثير الضعيف ، ولا للمختلفين في آرائهم ومشاربهم ، هؤلاء عبء متعب ، وضغث على إبّالة ، والعدد القليل المؤمن المتجانس في الطاعة ، والولاء ، والإيمان خير وأقوى ، وهكذا كان . . فقد انتصرت القلة المؤمنة بإذن الله على العدد الكبير الكافر .
وهذا سيدنا موسى يعود من لقاء ربه في جبل الطور ، فيرى قومه قد ضلوا على الرغم من وجود هارون عليه السلام بينهم ، وكان السامري قد رأى جبريل جاء على فرس الحياة ، فألقى الشيطان في نفسه أن يقبض قبضة من أثر فرس جبريل ، فطرحها على طينٍ صنعه فكان له خوار ، فعبدوه لأن أصول الوثنية فيهم كانت راسخة فماذا فعل موسى :
1 عاقب السامريَّ بأن طرده من المجتمع المسلم ، فلا مكان فيه لفاسد .
2 حرَّق إله الذي صنعه بنفسه وذرّ رماده في البحر .
3 بيّن لليهود أن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة لا غيره .
(( قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) ))(2) .وكانت عقوبة السامري المفسد رائعة حين طرده موسى عليه السلام من المجتمع المؤمن .
وفي حج العام التاسع للهجرة كان أميرَ الحج سيدُنا أبو بكر الصديق ، ونزلت سورة براءة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأمر علياً رضي الله عنه أن يلتحق بالصديق ليقرأ هذه السورة على المسلمين ، ومنها هذه الآية الكريمة : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) ))(3) .
فمُنِعَ المشركين أن يحجوا اعتباراً من العام القادم ، فالإسلام دين الطهر ، والمسلمون طاهرون ، والشرك رجس نجس ، والمشركون كذلك ، فلا يسمح لهم أن يختلطوا بالمسلمين حين يؤدون المناسك ، وهكذا طهر البيت الحرام .
ولئن كان المشركون يجلبون الأطعمة والتجارات في مواسم الحج ، لقد أبدل الله مكة رزقاً خيراً من ذلك ، لقد رزقها الغنائم والجزية ، وأموال المسلمين الطاهرة .
لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن عن وجهته إذا غزا إلا ما كان في غزوة تبوك ، لأن المسافة بعيدة ، والمشاق كثيرة ، ولا بدَّ أن يعرف المسلمين وجهتهم ليجهزوا أنفسهم ، فأعلمهم بها ، فجاء المنافقون يستأذنونه في البقاء في المدينة بأعذار واهية ، فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم فهو لا يريد في المقاتلين ذوي أهواء ، مفسدين . لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ، بخلاء . وعلم الله فيهم هذه المفاسد فثبطهم وحبب إليهم القعود لأثرهم السلبي ، وحبهم للفتنة ، بينما يجب أن يكون الصف الإسلامي طاهراً من كل هذه الخبائث ليكون لحمة واحدة وصفاً متماسكاً قوياً ، فالسفر طويل ، والعدو كثير العدد والعدّة ، ولا يستطيع تحمل الأمرين إلا المؤمن التقيُّ النقيُّ ذو النيّة الخالصة لله سبحانه وتعالى المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله .
(( لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) ))(4) .
ويؤكد القرآن الكريم على طهارة الصف المسلم ، فهذا الصف نظيف لا يعمل أفراده الفاحشة ((الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) ))(5) .
أما الذي يرمي المحصنات ، فله عقوبات ثلاث : الأولى عقوبة بَدَنية ، والثانية سحب الحق المدني ، فليس له ما للمسلمين ، والثالثة النار في الآخرة لفسقه ((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
1 فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً
2 وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
3 وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) ))(6) .
والملاحظ إذاً في الآية الآخيرة ، أن الذي أساء للمسلمات لا يعود إلى صف المسلمين إلا إذا تطهَّر بالتوبة ، وأصلح ما أفسده .
وحادثة الإفك تبدأ بآية توضح بأن الذين خططوا لها كانوا يحسبون على المسلمين ، فلما تولّوا إفكها ، وتحملوا وزرها ، انكشفوا ، فبان الصالح من الطالح ، وتطَّهر الصف المسلم منهم حين عرفوا ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))(7) .
فأما الذين أذاعوه دون تفكير ، فقد عوقبوا وتابوا إلى الله .
أما المنافق الكبير ابن سلول ، فهذا مع الكفار في جهنم ، والعياذ بالله . وأمثاله في هذا الزمن الذي تكالب فيه المارقون على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها معه في الدرك الأسفل من النار.
وتعال معي نقرأ الآيتين اللتين تفضح المنافقين وتخرجهم من بوتقة المسلمين : ((قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)))(8) .
1 أمْرُ المنافقون المثبطين للعزائم معروف .
2 هؤلاء يعوّقون الناس عن الجهاد ، ويصدونهم عن القتال .
3 يقولون لإخوانهم في الكفر والنفاق تعالوا إلينا ، واتركوا محمداً ، وأصحابه يهلكوا ، ولا
تقاتلوا معهم .
4 يحضرون القتال قليلاً سمعة ورياء ، وهذا غَرَضٌ خبيث يريدون به إيهام المسلمين أنهم
معهم .
5 بخلاء بالمودّة ، والشفقة ، والنصح ، فهم لا يريدون للمسلمين النصح .
6 إذا حضر القتال رأيتهم في رعب شديد لا مثيل له ، فهم شديدو الجبن .
7 وإذا جاء وقت قسمة الغنائم ، فهم سليطو اللسان لا يرحمون المسلمين من ألسنتهم .
8 عملهم باطل لنفاقهم ، فهم حقيقةً لم يؤمنوا .
وهذا سيدنا نوح حين غرق ابنه فيمن غرق ، وكان الله تعالى وعده أن ينجي أهله اتجه بقلبه إلى ربه ((وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)))(9) . ولا ننسَ رحمة الأب ببنيه ...
فبم أجابه الله عزّ وجل ؟ : ((يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ))(10) .
وهنا البراءة من الكافر ، ولو كان أقرب الناس إليك ، فما يجمعك معه إلا العمل الصالح والإيمان بالله تعالى .
ونجد امرأة لوط كانت ممن أصابهم الموت ، والدمار مع أنها زوجة نبي الله ولكنْ لا بدَّ من تطهير الصف ليبقى نقياً صافياً ليس فيه معوقات ((وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) ))(11) .
وهكذا لا يكون الصف سليماً ، ولا يستطيع أن ينهض بدعوته ، إلا إذا كان طاهراً من الأمراض سليماً من المعوّقات ، قوياً ليس فيه طفيليات تمتص نشاطه ، وسوس ينحر فيه .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة ، الآيات : 249 251 .
(2) سورة طه ، الآيات : 95 98 .
(3) سورة التوبة ، الآية : 28 .
(4) سورة التوبة ، الآيات : 44 47 .
(5) سورة النور ، الآية : 3 .
(6) سورة النور ، الآيتان : 4 ، 5 .
(7) سورة النور ، الآية : 11 .
(8) سورة الأحزاب ، الآيتان : 18 ، 19 .
(9) سورة هود ، الآية : 45 .
(10) سورة هود ، الآية : 46 .
(11) سورة العنكبوت ، الآيات : 31 33 .

------------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------------

من أساليب التربية في القرآن الكريم
التمايز والمفاصلة (35)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
عرفنا من تطهير الصف أنه لا يجوز أن يكون في الجسم الإسلامي طفيليات تعوق مسيرته ، وتضعف قوّته ، بل يجب أن يتخلّص منها ليبقى نظيفاً سليماً معافى .
لكنْ لا بدَّ من معايشة بعض المجتمعات غير الإسلامية ، قد يكونون معنا ، وقد يكون جيراناً لنا ، نبايعهم ، ونشتري منهم ، ونتبادل معهم المنافع الدنيوية . . . هذا أمر لا مفر منه ، أما الذي لا ينبغي أن يكون ، فهو الودّ لهم والولاء ، فهنا التمايز والمفاصلة والبراء . . . وهذ الذي نريده في هذا الباب .
قال الله تعالى : (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) ))(1) . إننا والكفار على طرفي نقيض
ولقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمداً عليه الصلاة والسلام أن يتبع إبراهيم عليه السلام في عقيدته السليمة ، فماذا فعل إبراهيم ؟
(( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)
وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) ))(2) .
وسيدنا إبراهيم هو الذي (( . . . قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) ))(3) . فكان موقفه غاية في الصراحة والبراءة من المشركين ، والتمايز عنهم .
وهو الذي قال لقومه : (( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) ))(4) . فانفصل عنهم نفسياً وإن ظل بينهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى الدين الحق.
وهو الذي صرح بعداوة الآلهة المزعومة التي يعبدها قومه (( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) ))(5) .
وهو عليه السلام الذي توجّه إلى الله سبحانه وتعالى : (( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) ))(6) فالهداية من الله فقط .
وهو عليه السلام الذي أعلن براءته من عبادة غير الله وأمر أبناءه بذلك ، (( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) ))(7) . وهذا ما ينبغي أن نزرعه في قلوب أبنائنا منذ نعومة أظفارهم .
ولذلك أعلنها النبي عليه الصلاة والسلام (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) ))(8) .
وحين شهد الكافرون أنّ مع الله آلهة أخرى زوراً وبهتاناً كان القول الفصل من النبي صلى الله عليه وسلم البراءة منهم ((. . . أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ))(9) .
(( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) ))(10) . فكان التمايز بيننا وبينهم .
ويعلن الله سبحانه وتعالى أن رسوله الكريم محمداً عليه الصلاة والسلام بريء من اليهود والنصارى ، الذين بَدّلوا دينهم ، وانقسموا شيعاً ، وأحزاباً ((
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ))(11) .
إنها براءة من المشركين ، ومفاصلة تامة لمعتقداتهم ، وتمايزٌ عنهم ، فهم في وادِ الكفر السحيق ، ونحن معشر المسلمين في ذرا النور والضياء .
وكما أننا نمايزهم في الدنيا فالله سبحانه يأمرهم بالابتعاد عنا يوم القيامة (( وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) ))(12) .
والأنبياء الكرام كلهم أعلنوا براءتهم من المشركين ، فالدين واحد .
هذا هود عليه السلام يعلن براءته من المشركين (( . . . قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ))(13) .
وهؤلاء أصحاب الكهف يعلنون توحيدهم لله سبحانه ، ويستنكرون شرك قومهم (( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) ))(14) .
والله سبحانه وتعالى يأمرنا أن لا نعاشر من يتخذ ديننا لهواً ولعباً ، ويستهزىء بآيات الله خشية أن نأنس إليهم فنكون والعياذ بالله مثلهم منافقين ، أو كفاراً وأن لا نتخذهم أولياء ، فأولياؤنا يجب أن يكونوا منا معشر المسلمين
(( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) ))(15) .
ومن سمات المسلمين أنهم ينأون بأنفسهم عن اللغو واللهو (( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) ))(16) فليسوا منا ، ولسنا منهم .
وعلينا معشر الدعاة أن نتمايز عنهم ، فلا يكون الودُّ إلا للمؤمنين ، والحبُّ ، والأمان إلا لهم (( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ
أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) ))(17) .
ويحذرنا الله سبحانه وتعالى من موالاة اليهود والنصارى :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) ))(18) .
ويحذرنا مرة أخرى من الأهل إن كانوا كفاراً ، فلا نواليهم :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ))(19) .
لكنَّ الله سبحانه لا يمنعنا أن نحسن إلى الكفار الذين لم يقاتلونا ، ولم يؤذونا ، فالبر من سمات المسلمين ، والعدل من صفاتهم ، أما الذين قاتلونا وآذونا فهؤلاء لا ينبغي الإحسان إليهم ولا موالاتهم وإلا كنا ظالمين لأنفسنا والعياذ بالله (( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) ))(20) .
ويؤكد ذلك في السورة نفسها " الممتحنة " ناهياً عن موالاة الكافرين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) ))(21) .
فلا تلاقيَ مع الكفار أبداً فطريقنا غير طريقهم ، ومآلنا غير مآلهم ، ولا يجوز الركون إليهم ، واتخاذهم أولياء ، فليعِ المسلمون حقيقة أمرهم ، وليحذروا منهم . .
------------------------------------------------------------------------
(1) سورة الكافرون .
(2) سورة النحل ، الآيات : 120 123 .
(3) سورة الأنعام ، الآيتان : 78 ، 79 .
(4) سورة مريم ، الآية : 48 .
(5) سورة الشعراء ، الآيات : 75 82 .
(6) سورة الصافات ، الآية : 99 .
(7) سورة الزخرف ، الآيات : 26 28 .
(8) سورة يوسف ، الآية : 108 .
(9) سورة الأنعام ، الآية : 19 .
(10) سورة غافر ، الآيتان : 65 ، 66 .
(11) سورة الأنعام ، الآيات : 159 163 .
(12) سورة يس ، الآيتان : 59 ، 60 .
(13) سورة هود ، الآيات : 54 56 .
(14) سورة الكهف ، الآيتان : 14 ، 15 .
(15) سورة النساء ، الآيات : 138 140 .
(16) سورة القصص ، الآية : 55 .
(17) سورة المجادلة ، الآية : 22 .
(18) سورة المائدة ، الآية : 51 .
(19) سورة التوبة ، الآيتان : 23 ، 24 .
(20) سورة الممتحنة ، الآيتان : 8 ، 9 .
(21) سورة الممتحنة ، الآية : 13 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.