إخترنا في الحوار.نت بمناسبة الكلمة الحرة لهذا الأسبوع أن يكون عنوانها مركبا من عنوانين وردا علينا ونشرا : أحدهما للكاتب علي الجندوبي بعنوان : لماذا تتستر تونس على تسليم المجرمين؟ وثانيهما بيان حقوقي بإسم الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وقعّه الأستاذ المحامي سمير ديلو بعنوان : هل يفهم الجلادون الدرس؟ وذلك في إثر الحكم الصادر يوم الجمعة 24 سبتمبر 2010 من لدن محكمة الإستئناف الفرنسية بمدينة نانسي ضد الجلاد التونسي الشهير : خالد بن سعيد بإثني عشر سجنا نافذة غيابيا بتهمة التورط في التعذيب وكانت النيابة الفرنسية قد إستأنفت الحكم الصادر ضد الجلاد خالد بن سعيد عام 2008 بعشر سنوات سجنا في إثر قضية عدلية تقدمت بها السيدة زليخة الغربي زوجة اللاجئ السياسي التونسي : مولدي الغربي ضد الجلاد : خالد بن سعيد الذي تولى تعذيبها في مخافر الشرطة في منطقة جندوبة بتهمة : إخفاء معلومات عن زوجها “ الهارب من العدالة “ والمحاكم في قضايا سياسية عام 1996. لماذا تتستر تونس على تسليم المجرمين.؟
سؤال وجيه جدا و الإجابة عنه في غاية اليسر والبساطة عند من يدركون طبيعة السلطة في تونس. السلطة في تونس خير من عبّر عن طبيعتها الحقيقية دون مواربة من مواربات النفاق ودون حسابات سياسية كثيرا ما تقود أصحابها إلى تزكية الجريمة على أمل أن يظفر المزكّي لنفسه أو لحزبه على فتات من مائدة السحت السياسية .. خير من عبّر عن طبيعة السلطة في تونس هو الدكتور الحقوقي الدولي المعروف هثيم منّاع وذلك على الهواء مباشرة في بعض برامج فضائية الجزيرة قبل زهاء عشر سنوات في إثر عودته من زيارة إلى البلاد. قال الدكتور مناع ببساطة ويسر كثيرا ما يغيبان عن كثير من الناس .. قال : عدت لتوّي من تونس فتبيّن لي أن خير صفة للسلطة الحاكمة في تونس هو أنها عصابة .. قال : عصابة لا علاقة لها بالسياسة ولا بشؤون الحكم والدولة. لم يزد الدكتور هيثم مناع على توصيف الحقيقة بلسان مبين ثم أثبتت الأيام عاما بعد عام من سنوات الجمر الحامية التي يتلظى بها شعبنا منذ إنقلاب بن علي عام 1987 أن من يحكم تونس بالحديد والنار والقهر والسلب والنهب والإفساد في الأرض ليسوا سوى بعض العائلات المتصاهرة مع رئيس الدولة ( ثم ما لبث ذلك لحماية نفسه من غوائل الدهر المتقلبة أن تحالف مع الثالوث الأخطبوطي المعروف : سلطة المال + سلطة القمع + تنفيذ السياسة الدولية فيما يتعلق بالمسائل الكبرى من مثل : الخيار الإقتصادي القائم أساسا على فتح البلاد لرساميل النهب والسلب المعروفة دوليا بدعوى الإستثمار وهو إستثمار لا يتجاوز القطاع الخدماتي الذي يجعل البلاد عرضة دوما إلى التسوّل الدولي والحاجة إلى القروض الربوية المشينة جدا والمقايضات الخسيسة وبما يدعم حالة اللاإستقرار تهميشا للقطاعات الأولية والثانوية التي توفر للبلاد إستقرارا غذائيا وإستقلالا إقتصاديا ( الصناعات الفلاحية والصناعات التحويلية فضلا عن الصناعات الحديدية) ومن مثل الخيار السياسي القائم على منع الحريات والديمقراطية لئلا تقع البلاد في قبضة الإسلاميين أو المعارضين بصفة عامة ومن مثل الخيار الإجتماعي الثقافي القائم على العبث بمقومات الهوية الوطنية للبلاد ( قضية مسجد المركب الجامعي موضوع كلمتنا الحرة السابقة خير آخر دليل على ذلك) وفضلا عن ذلك بطبيعة الحال : الخيار الإستراتيجي القائم على جعل تونس عينا للصهيونية وأذنابها على جيراننا لتصير بؤرة حماية للإمتداد الصهيوني في شمال إفريقيا والمغرب العربي ..
كيف لا تتستر عصابة النهب في تونس إذن على المجرمين؟
من الطبيعي جدا أن تتستر عليهم لأن تسليمهم إلى القضاء الفرنسي يفضي بالضرورة ومن أول كلمة إلى النتيجة التي تخشاها عصابة النهب في تونس : ورود إسم زين العابدين بن علي وعبد الله القلال والقنزوعي والمنصف بن قبلية ومحمد الناصر وغيرهم كثير وأغلبهم في مسؤوليات حكومية أو دبلوماسية رفيعة..ورود تلك الأسماء ضمن قائمة المطلوبين من لدن الأنتربول ( الشرطة الدولية) التي طالما إستخدمتها تلك العصابة سيفا مسلطا على المعارضين الفارين والمنفيين وستثبت الأيام بإذنه سبحانه صحة القالة العربية ( من حفر جبا لأخيه وقع فيه).. أي : إنهيارالعصابة بتعبير الدكتور هيثم مناع.. قال أحد المحللين الحقوقيين التونسيين بحق ذات مرة : سلطة العصابة في تونس هي بمثابة هرم يشد بعضه بعضا بسبب طبيعته الشمولية فإذا إنهار منه جزء تداعت بقية الأجزاء بالضرورة إلى الإنهيار. ولكننا قوم نستعجل الأشياء قبل نضوج شروطها.
وهل يفهم الجلادون الدرس؟
الجلادون في تونس طبقات وفئات وليسوا صنفا واحدا ولا مستوى واحدا. في رأينا أن هناك جلادا أكبر هو من يأمر بالجلد والتعذيب ويخطط له ويسنه سياسة راتبة في مخافر الشرطة والحرس والداخلية بهدف إذلال النشطاء من جهة ومن جهة أخرى بهدف الحصول على أكبر قدر من المعطيات لإحكام السيطرة على هذا الحزب أو ذاك التيار .. ذلك الجلاد الأكبر ومن في جهازه الأعلى من مستشارين مقربين وأخطبوط عائلي قمعي مالي ( أحسن تعبير بعد تعبير الدكتور مناع هو تعبير بعض السياسيين التونسيين على أساس أن الحكم في تونس هو مافيا).. ذلك الجلاد الأكبر ومن في جهازه الإستخباراتي الأعلى لم يفهم الدرس ولن يفهم أي درس. ولكن لم؟ بيسر وبساطة مرة أخرى : لأن من شروط التوبة السياسية عن جريمة التعذيب الممنهجة وليست الطارئة أن يكون الجلاد حرا مريدا مسؤولا عن نفسه ومصيره على نحو يمكنه تغيير وجهة سياسته ولو بالتدريج. ذاك هو المانع الأكبر والأول الذي يحول في رأينا دون الجلاد الأكبر في تونس وأعضاء جهاز المافيا المحيط به ودون التوبة عن أبشع جريمة عرفتها البشرية : جريمة القتل والتعذيب. جريمة قال فيها محرر البشرية من الرق إلى الكرامة أي القرآن الكريم : „ .. أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا”. بكلمة واحدة : الجلاد الأكبر في تونس ومن معه من أعضاء عصابة المافيا لم يتركوا لأنفسهم فرصة واحدة للتوبة عن أبشع جريمة تشهد عليها الأرض بسبب هرولتهم إلى قوى دولية معروفة تحميهم من ثأر المعذبين والمقهورين. لو لم يستقووا بالصهاينة وأذنابهم في أثناء سياسة القتل البطيء في السجون لكان لهم بين وبين المظلومين والمعذبين حديث ليس من العجب العجاب أن يفضي إلى العفو والصفح المشروطين برد المظالم أو بعضها ردا إعتباريا عل الأقل وبسن سياسة جديدة قوامها الحرية والكرامة والديمقراطية فعلا وعملا وليس كلاما معسولا عتاقه النفاق الأسود الحقود.. لو لم يغالوا في التعذيب والقهر وتكميم الأفواه وإلجام الأقلام وفرض الصمت المطبق الخنوع على كل حر أبي كريم .. لو لم يكونوا إستثناء فوق الأرض كلها في عقد التسعينيات من القرن المنصرم وحتى يومنا هذا .. لو لم يكونوا كذلك لهان أمر ما ينبغي له أن يهون.. لو كانت توبة سياسية قريبة لما إمتلأت صدورنا بما تمور به وصدور قضت دون أن تجد فرصة لإنصاف أو عدل وصدور أخرى لأمهات وزوجات وشيوخ إستحلت بيضتها وسلخ وحيدها بين يديها سلخ الذئب الشره للحمل الأعزل فلجأت في جنح الليل إلى الدعاء الضارع تلهج به باكية لو كان ذلك أو بعض منه لكان في المسألة نظر.. أما وقد إختارت عصابة المافيا الذي إختارت فهي وما إختارت. نحن في إنتظار محكمتين نؤمن بعدلهما ونخضع لحكمهما : محكمة التاريخ ( محكمة التاريخ يخضع لها اليوم مثلا كسب بورقيبة) ومحكمة الله الأخيرة لمن يؤمن بمحكمة الله الأخيرة. أما الكافر بها فلا شأن له بهذا الحديث.
أما الجلادون المأمورون فهم الفئران المذعورة
الصنف الثاني من الجلادين ( خالد بن سعيد وعبد الرحمان القاسمي الملقب ببوكاسا وغيرهما) هم الأشقياء حقا بسبب أنه تصدق فيهم قالة : باع آخرته بدنيا غيره. دعنا نقول : باع سعادته وأمنه لأجل أن يأمن غيره ويسعد غيره. أليس ذلك هو الشقي حقا؟. المطلوب اليوم للعدالة الفرنسية هو خالد بن سعيد الذي سيظل يعيش في تونس سجينا كلما إقترب من الحدود الدولية خشي على نفسه الإعتقال.. أما بن علي وأعضاء عصابة المافيا فهم آمنون مطمئنون نسبيا على الأقل في أثناء تنقلاتهم خارج البلاد حتى يقضي ربك فيهم أمرا نرقبه على أحر من الجمر.
أو أن يكون مصير الجلادين الفئران مصير منصف بن علي
تذكرون دون ريب مصير منصف بن علي شقيق الرئيس الذي صفته عصابة المافيا مباشرة بعد ما تبين أن بقاءه على قيد الحياة بعد أن قبضت عليه الشرطة الفرنسية عام 1991 متلبسا بجريمة قيادة عصابة مخدرات دولية واسعة الإنتشار ولكن حال دون إعتقاله توفير أخيه له جواز سفر دبلوماسي ثم ظل مطلوبا من الأنتربول يشكل خطرا على أسرار خطيرة ودفينة تتعلق بسمعة رئيس دولة متورط في عصابة مخدرات دولية وما لذلك من آثار دبلوماسية وسياسية وخيمة. معنى ذلك أن الجلاد المطلوب اليوم : خالد بن سعيد قد يلقى الحتف ذاته الذي لقيه الهالك غير مأسوف عليه : منصف بن علي.. تلك هي لعبة السياسة عندما ترتبط بالمال بصورة غير شريفة ولا كريمة. تلك هي العاقبة كما تصورها أفلام وثائقية تاريخية.
هذا ملف حقوقي جدير بالعناية
تحية نزفها إلى السيدة : زليخة الغربي التي تسلحت بالشجاعة المعنوية الكافية لمتابعة جلادها. سؤالنا هو : ما الذي يمنع من تقديم شكاوى من لدن المعذبين الفارين إلى المحاكم الأروبية؟ أم أن بعضنا يرتاب في أن ذلك إستقواء بالخارج؟ القضاء العادل ليس له دين ولا وطن ولا جنسية ولا أرض. ليس للقضاء العادل سوى أرض واحدة هي أرض تنصف المظلوم من الظالم. ألم يكن النجاشي مسيحيا ( كافرا من أهل الكتاب) عندما أنصف الأقلية المسلمة في الحبشة بقيادة جعفر الطيار من شرطة قريش ( أو : قريش بول) التي أرسلت يومها الصحابي الذي أسلم بعد ذلك ( عمرو إبن العاص عليه الرضوان) في أثناء جلسة قضاء ساخنة سجلها التاريخ و أدلى فيها كل فريق بمرافعته بكل حرية؟ هل إتهموا يومها بالإستقواء بالخارج؟ لا. إنما تلك فرية من الفريات الكثيرة والخسيسة التي تلجأ إليها عصابة المافيا في تونس للتغطية على إستقوائها هي بالإستخبارات الخارجية التي تدرب عناصرها على التعذيب وإنتزاع الإعترافات الكاذبة تحت الإكراه ( المدرسة الألمانية مثلا في العهد البورقيبي).
من الوفاء لدماء الشهداء وعذابات الأرامل واليتامى أن ننتصف من الجلادين
الإيمان بمحكمة الله الأخيرة فضلا عن محكمة التاريخ لا يلغي حقك في السعي للإنتصاف من المجرم والجلاد والظالم بل إن شدة الإيمان بذلك يؤكد ذلك ويدفع إليه : „ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون”. الإنتصار بالتكفير والتفجير حماقة الحمقى والإنتصار بالإستسلام إلى الذلة والمهانة بمثل ما يفعل المهرولون إلى بن علي يزكونه بعرائض النفاق هو ردة سياسية ولم يبق إلا طريق واحد للإنتصار : مواصلة المقاومة السلمية من جانت والسعي لتقديم الجلادين والمجرمين إلى العدالة في أي أرض كانت سيما أن القضاء التونسي فرضت عصابة المافيا عليه الصمت في مثل هذه القضايا من جانب آخر. وسيكون شعب تونس سعيدا جدا يوم يفضي ذلك إلى وضع إسم الجلاد الأكبر على قائمة الأنتربول. لك أن تسخر منا يا حضرة المهرول الذي يزكي بن علي وهو يستعد لتوديع تركة خائبة سوداء ثقيلة.. لك أن تضحك يا من وأدك اليأس من محكمتي التاريخ ومحكمة الله الأخيرة.. ولكن ليس لنا إلا أن نمتلأ أملا في أن تكون إدانة الجلاد : خالد بن سعيد خيطا رفيعا سيفضي بإذنه سبحانه في الأيام القادمة الحبلى إلى إدانة كل من أمره بالتعذيب أو سانده في التعذيب أو رسم له سياسة التعذيب.. يومها إذا كنا فوق ظهر الأرض سنمتلأ سعادة. فإذا كنا في بطنها فإن أحفاد المقاومين يقولون : اليوم نسخر منكم كما كنتم تسخرون. قالت العرب : إن غدا لناظره قريب.
سؤالان مطروحان بجد على قرائنا
1 سؤال السيد علي الجندوبي : لماذا تتستر تونس على تسليم المجرمين؟ 2 سؤال السيد سمير ديلو : هل يفهم الجلادون الدرس؟