بالأغلبية الساحقة.. 143 دولة تصوت بالأمم المتحدة تأييداً لعضوية فلسطين    زيارة غير معلنة لرئيس الجمهورية قيس سعيد إلى المسبح الأولمبي برادس    ترغم التحسّن الملحوظ : تعادل لا يرضي احبّاء النادي الصفاقسي    المهدية: هذا ما قرره القضاء في حق الأمّ التي عنّفت طفليها    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    جندوبة: السيطرة على حريقين متزامنين    وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى العراق    بطولة الرابطة المحترفة الأولى: قوافل قفصة يفوز على مستقبل سليمان    بعد صدور بطاقة جلب ضدها: سنية الدهماني تحتمي بدار المحامي    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    باكالوريا 2024: ترتيب الشعب حسب عدد المترشحين    عاجل/ يستهدفان النساء: القبض على نفرين يستغلان سيارة تاكسي للقيام بعمليات 'براكاج'    جلسة عمل وزارية حول ملف ظاهرة الهجرة الوافدة ببلادنا    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    نحو تنظيم مهرجان عالمي للكسكسي بهذه الولاية    عاجل/ الإحتلال يوسّع عملياته في رفح    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    عاجل/ القسّام تفجّر نفقا بقوة تابعة للاحتلال في رفح.. والأخير يعلن عن قتلاه    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    ماء الصوناد صالح للشرب لكن التونسي تعود على شرب المياه المعلبة... مدير عام الصوناد يوضح    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    عقوبات سجنية و خطايا مالية : أبرز ما جاء في التنقيحات المقترحة في القانون المتعلق بالأجانب بالبلاد التونسية    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    عاجل/ غلاء أسعار الأضاحي: مفتي الجمهورية يحسمها    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    بقيمة 7 ملايين دينار: شركة النقل بصفاقس تتسلم 10 حافلات جديدة    وزير التشغيل والتكوين المهني: الوزارة بصدد إعداد مشروع يهدف إلى التصدي للمكاتب العشوائية للتوظيف بالخارج    الرابطة الأولى: برنامج مواجهات اليوم لمرحلتي التتويج وتفادي النزول    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    مدنين.. مشاريع لانتاج الطاقة    ممثلة الافلام الاباحية ستورمي دانيلز تتحدث عن علاقتها بترامب    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل في الإسلام نظام للدولة أم مرجع للقانون؟
نشر في الحوار نت يوم 14 - 10 - 2009

هل يعني تأكيد وثاقة الصلة بين الدين والسياسة بين الدين والدولة في الإسلام، التي تمثل الركن الركين في إيديولوجية الحركة الإسلامية المعاصرة، أن نصوص الوحي كتابا وسنة وهي المصدر الأعلى للتشريع قد حملت نظاما سياسيا لدولة محدد المعالم لا يسع المسلم غير الإيمان به وموالاته على غرار محكمات الدين العقدية والشعائرية؟ أم أنه ليس في المجال إلزام، وأن المسلم إذا قام بشعائر دينه فليس يضيره أن ينتمي إلى أي نظام يحترم ذلك؟! ما هو بالتحديد نوع العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام إذا كان مسلّما وجود علاقة خصوصية بينهما تختلف عن ديانات أخرى ولا يمكن أن تسعها علاقة الفصل المتعارف عليها كما تبلورت في ثقافة الحداثة أو العلمانية المعاصرة وبخاصة في صيغتها اليعقوبية الفرنسية؟ (د. رفيق عبد السلام: العلمانية والدين والديمقراطية).
أ‌- رفعا لهذا اللبس أورد المحقق الكبير د. محمد عمارة خلاصة لما انتهى إليه القانوني الكبير صاحب كتاب "الخلافة" الدكتور عبد الرزاق السنهوري: من أن الإسلام يمتاز بأنه دين ودولة، وقد أرسل النبي لا لتأسيس دين وحسب بل لبناء قواعد دولة تتناول شؤون الدنيا، فهو بهذا الاعتبار مؤسس الحكومة الإسلامية كما أنه نبي المسلمين, هو بصفته مؤسس حكومة كانت له الولاية على كل من كان خاضعا لها سواء كان مسلما أو غير مسلم.
وبوصف كونه نبيا لم يكن يطلب من غير المسلمين من الذين تركهم على دينهم الاعتراف بنبوته. من هنا وجب التمييز بين الدين والدولة. وإن كان الإسلام يجمع بين الشيئين. وفائدة هذا التمييز أن مسائل الدين تدرس بروح غير التي تدرس بها مسائل الدولة، والفقهاء أدركوا أهمية هذا التمييز فوضعوا أبوابا للعبادات وأبوابا للمعاملات وبذلك فرقوا بين المسائل الدينية وبين القانون بمعناه الحديث.
"
الخليفة لا يملك من سلطة التشريع شيئا ولا يشترك فيها والخليفة ليس حاكما مدنيا وحسب بل هو أيضا الرئيس الديني للمسلمين ولكنه لا يملك سلطة روحية
"

وما دام للمسلمين قانون إسلامي فلديهم حكومة إسلامية. ولما كانت الأحكام الدنيوية تتطور وكان لا بد من انقطاع الوحي بقبض الرسول عليه السلام أصبح محتما أن يكون للمسلمين مصدر ثالث للتشريع هو إجماع الأمة، من طريق وجود طائفة ينوبون عن الأمة تملك قوة التشريع في حدود الكتاب والسنة. والخليفة لا يملك من سلطة التشريع شيئا ولا يشترك فيها والخليفة ليس حاكما مدنيا وحسب بل هو أيضا الرئيس الديني للمسلمين ولكنه لا يملك سلطة روحية (الإسلام والسياسة ص93).
ب‌- مفكر إسلامي آخر من رجال القانون هو الدكتور محمد سليم العوا تصدى هو كذلك لرفع اللبس عما يمكن أن يحيط بشعار "الإسلام دين ودولة" من ظلال ثيوقراطية مخيفة فتساءل: ماذا يعني أن الإسلام دين ودولة؟
"إن إثبات وجود نظام حكم محدد المعالم والتفاصيل في مصادر الإسلام الرئيسية القرآن والسنة أمر دونه خرق القتاد، فالقرآن والسنة لا يتضمنان نصا عن كيفية اختيار الحكام وكيفية محاسبتهم وكيفية عزلهم ولا عمن يعينهم على ولايتهم ولا في المصدرين نص خاص بالسلطة القضائية ومن يتولاها ولا نجد تحديدا لمن يتولى التشريع فيما لا نص فيه، لذلك لجأ المسلمون السابقون إلى سد هذه المناطق الفراغ بالاجتهاد على نحو ما بين الجويني بقوله لا مطمع في وجدان نص من كتاب الله في تفاصيل الإمامة، فحمل عبارة (دين ودولة) عندما يوصف بها الإسلام لا يصح إلا على محمل واحد هو وجوب اجتهاد العلماء المؤهلين لذلك في المسائل السياسية مما يتصل بسلطات الدولة الثلاث، لكن المضمون الصحيح للعبارة المذكورة هو أن الإسلام دين يتعبد به ويتقرب به إلى الله بفعل مأموراته وترك منهياته ويطلب الثواب الإضافي بالحرص على مندوباته ونوافله، وهو شريعة قانونية تحكم تصرفات الناس وأفعالهم من بيع وشراء وزواج وطلاق وميراث ووصية وجرائم وعقوبات.. بحيث لا يكون بالمسلمين حاجة لاستيراد القانون من غيرهم، فالمقصود بكلمة دولة في هذا المقام هو الشريعة التي، أقلها نصوص صريحة قطعية الورود والدلالة، وأكثرها ظني فيهما أو في أحدهما، والفقه المبني على النوعين هو اجتهاد بشري عرفه الغزالي بأنه طلب الوسع بأحكام الشريعة، فيكون المراد من كون الإسلام دينا ودولة هو قبول المرجعية الإسلامية العامة التي تسمح بتعدد الآراء وتنوعها في الشأن السياسي كما في كل شان إسلامي آخر وبذلك يتجنب المسلم الوقوع في القول بالفصل التام بين الدين والسياسة. كما يتجنب الوقوع في وهم أن النظام السياسي المقبول إسلاميا هو نظام بعينه لا يصح الاختلاف حوله ولا الاجتهاد في تفاصيله".
وليس في نظر العوا ملزما للحاكمين والمحكومين في المجال السياسي -والحال أن المسالة السياسية كلها اجتهادية- غير "جملة من القيم نطقت بها نصوص الوحي مثل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيمة الشورى وهي واجبة على الحاكم ابتداء وانتهاء. وقيمة العدل في الحكم وفي القضاء والنهي عن الظلم، وكذا الأمر بحرية الرأي السياسي وسائر الحريات، ولا تقل عن ذلك قيمة المساواة ومساءلة الحاكم باعتباره ليس فوق المساءلة.. إلى هذه القيم الإسلامية الملزمة نحتكم ونحن ندير النظر في كيفية تأسيس النظم السياسية المعاصرة على هدي الإسلام وتعاليمه، ولا باس علينا إن نحن أخذنا بالوسائل التي سبقنا إليها غيرنا من الأمم والشعوب". (النظام السياسي في الإسلام 103).
وهكذا يتلخص من كل ما سبق:
- أن الدولة في الإسلام مطلب اقتضاه الدين بما تضمنه من شرائع وجاء به من قيم، ولا يمكن أن تأخذ طريقها إلى التاريخ دون وجود نظام سياسي يقوم على إنفاذها، وهو ما يوجب على المسلمين بذل الوسع في تأسيس هذا الجهاز إن لم يكن موجودا كما فعل المسلمون بزعامة نبيهم صلى الله عليه وسلم، أو العمل على إصلاحه في حالة وجوده، حتى يتواءم وأداء المهمة: إنفاذ الشرائع وفق مقاصد الإسلام العليا وقيمه في العدل والشورى والمساواة.
"
الدولة في الإسلام مطلب اقتضاه الدين بما تضمنه من شرائع وجاء به من قيم، ولا يمكن أن تأخذ طريقها إلى التاريخ دون وجود نظام سياسي يقوم على إنفاذها، وهو ما يوجب على المسلمين بذل الوسع في تأسيس هذا الجهاز إن لم يكن موجودا، أو العمل على إصلاحه في حالة وجوده
"

- أن هذه الدولة اقتضتها أيضا ضرورات الاجتماع البشري، بما لم تبرأ معه من ممارسة القهر وأن تكون وعاء لصراعات القوة على النفوذ والثروة، فهي منتوج بشري لا يملك قداسة ولا عصمة ولا تأمينا ضد الميل الطبيعي لدى القائمين عليها باعتبارهم بشرا إلى الانفراد والاستئثار، وليس لها من شرعية غير ما تستمده من شعبها، والإسلام في مقصد أساسي من مقاصده مسعى للارتقاء بهذا الجهاز الخطير إلى أفق إنساني أخلاقي يؤنّسه ويهذبه ويسخره لخدمة مقاصده الاستصلاحية.
قال تعالى: "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج/40) داعيا إلى الإفادة من كل حكمة أنضجتها تجربة حضارية في تقييد سلطان الدولة بتوزيع سلطاتها على أوسع نطاق وإطلاق الحريات بمثل ما انتهت إليه التجربة الديمقراطية. وتمثل الشريعة مما تمثله قيدا على إرادة الإطلاق لدى الحكام، العدو الألد لأعظم مقاصد الإسلام: إقامة العدل ودفع الجور.
- أن هناك تمييزا ضروريا بين الإسلام باعتباره دينا يتعبّد به وبين الإسلام باعتباره شريعة وقانونا، بما يجعل الحمل المشروع لتعريف الإسلام بأنه "دين ودولة" أنه دين وقانون أو دين وشريعة، أو دين تعضّده الدولة بحسب تعبير ابن عاشور.
- هذا التمييز بين الشريعة وهي القانون الإسلامي للدولة وللمجتمع وللأفراد وبين الدولة باعتبارها مؤسسة للقوة تتشكل من أجهزة يديرها أشخاص تصدر عنهم أوامر وسياسات هي صناعة بشرية معرضة للوقوع في الأخطاء والمظالم، هذا التمييز يفسح المجال أمام حرية الرأي والاجتهاد والنقد والتعدد بكل أنواعه، بما في ذلك ظهور أنماط من الدول متعددة ومختلفة في مدى قربها أو بعدها من العدالة، يلحقها كلها الوصف الإسلامي ما دامت مستندة إلى مرجعية الإسلام التشريعية، وهو غير كاف ليشكل ضمانا لالتزامها العدل في كل الأحوال ولا هو عاصم لها من الوقوع في الظلم والتجبر، ما لم يتم تفعيل جملة مقاصد الإسلام وقيمه في صياغة نظام سياسي يترجم تلك القيم والمقاصد ويفيد من تجارب الماضي والحاضر في الحد من الميل الطبيعي للملك إلى الانفراد (ابن خلدون).
- لا يكفي مطلب تطبيق القانون الإسلامي (الشريعة) في معاملات الناس بيعا وشراء وزواجا وطلاقا، في تحرير مجتمعاتنا مما ترزح تحته من استبداد ووضعها على طريق النهضة ما دام الهرم مقلوبا أي ما دام السيد وهو الشعب هو المسخر لأهواء الحاكم، خائفا منه، يترقب أبدا ويتوقى بطشه، طامعا في مكرماته عبر التملق والخنوع.
إن عتبة الولوج إلى حياة التحضر وتجاوز البربرية ومجتمعات الحيوان القائمة هي الانتقال من سيادة منطق القوة والغلبة –وهو الحاكم اليوم في كل مجتمعاتنا على أنحاء مختلفة– صوب إعلاء منطق الحق والعدل والقانون (برهان غليون مقالة في الجزيرة نت).
مطلب تطبيق الشريعة بمفاهيمها السائدة التي يغلب عليها الزجر، لا يكفي بل قد لا تكون له علاقة أصلا بل قد يكون صارفا للأنظار عن المشكل الحقيقي الذي تتلظى به أمتنا مند قرون طوال، مشكل الاستبداد وإقصاء الأمة عن شأنها أي عن ممارسة سيادتها وقوامتها على من توظفهم من الحكام لخدمتها، عبر إرساء وتأصيل نظام سياسي يحقق للأمة استعادة سلطانها المسلوب، وإدراج ذلك ضمن أوليات الشريعة.
وليس لذلك من طريق في عصرنا غير تعبئة الحركة الإسلامية وتحشيد كل القوى الشعبية وراء مشروع للتغيير الديمقراطي، فالديمقراطية في عصرنا هي التي استأصلت شأفة الاستبداد وأعادت للشعوب سلطانها.
- خطر استمرار هذا الغموض: هذا الغموض في التمييز بين الشريعة قانونا وبين أنظمة للدولة مختلفة يمكن أن تطبق الشريعة في إطارها وحتى تلك البالغة حدا بعيدا من الظلم، هو بعض ما حمل –فيما نحسب- الشيخ عبد الرازق، وقد ضاق ذرعا بالأنظمة المتجبرة الحاكمة باسم الشريعة، على نزع كل صفة دينية عن تلك الدول المنسوبة للإسلام، حتى يجردها من كل قداسة تلتحف بها ومن مبررات وجودها وييسر ويشرع باب الانتقاض عليها.
"
ليس لنظام الخلافة الذي ساد تاريخنا ما يفرض على المؤمنين تقديسه أو التستر على مظالمه وإقصائه لسلطان الأمة واستبداده به دونها، وليس فيه ما يسوغ التبشير به مجددا على ما كان عليه سلطانا فرديا لا يتورع عن البطش بمعارضيه
"

والحق أنه ليس لنظام الخلافة الذي ساد تاريخنا ما يفرض على المؤمنين تقديسه أو التستر على مظالمه وإقصائه لسلطان الأمة واستبداده به دونها، وليس فيه ما يسوغ التبشير به مجددا على ما كان عليه سلطانا فرديا لا يتورع عن البطش بمعارضيه. وفي ذلك بعض ما يسوغ ثورة الشيخ عبد الرازق عليه، إلا أن الرجل قد تورط من أجل ذلك في أخطاء منهجية شنيعة من مثل نفي الصفة السياسية عن عمل النبي عليه السلام. وإخراجه عليه السلام في صورة الواعظ، في استنقاص لعمله التأسيسي لدولة وأمة وحضارة. والذي أدى به إلى ذلك عدم التمييز المذكور بين الدولة والقانون (الشريعة) حتى أعطى انطباعا بأنه يشمل الجميع باعتراضه.
وهو نفس الخطأ القاتل الذي وقعت وتقع فيه الجماعات الإسلامية التي اتخذت من تطبيق الشريعة على ما هي عليه شعارها المركزي الأثير مثل طالبان والحركة الإسلامية في السودان، فلم يقدم لها ذلك أي ضمان من التورط في مظالم سياسية شنيعة من الانفراد والاستبداد والتنكيل بالمعارضين واجدة العون على ذلك من الجهاز الديني التقليدي الذي يعطي ل"ولي الأمر" حسب مفاهيم الشريعة المتوارثة، صلاحيات تكاد تكون مطلقة، ما دام يعمل تحت لواء الشريعة.
ولعمري إن هذا الخلط ليس من شأنه إلا أن يدعم حجج المعارضين للشريعة، والخوف والتخويف منها، كما سيثمر إنتاج حركات بلا حد ولا عدد من جماعات التطرف والإرهاب وتمزيق الاجتماع الإسلامي شر ممزق، وذلك ما لم يرفع هذا اللبس وينقل الوعي الإسلامي الرشيد الأمة إلى ساحة المعركة الحقيقية في أمتنا ساحة الجهاد الشامل لتحرير ما تبقى من دار الإسلام تحت الاحتلال وبخاصة فلسطين، وقصره على الجهاد المدني السلمي الشامل ضد الاستبداد من أجل قيام دولة الشعب دولة العدل والحرية، دولة المواطنة، دولة الأمة نهاية، حيث يكون لمواطنيها يومئذ الحق في الاختيار بحرية كاملة نوع القانون الذي ستحتكم إليه في إطار مبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي جاءت بها الرسل عليهم السلام وناضلت ولا تزال من أجلها البشرية."إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" رواه الحاكم وصححه الألباني في "الأحاديث الصحيحة"
------------
ولد الشيخ راشد الغنوشي عام 1941 في مدينة الحامة بالجنوب التونسي.

الدراسة
تلقى راشد الغنوشي تعليمه الابتدائي بالقرية، ثم انتقل إلى مدينة قابس ومنها إلى تونس العاصمة, حيث أتم تعليمه الثانوي في جامع الزيتونة. انتقل بعد ذلك إلى مصر لمواصلة دراسته، وكان يومئذ من المعجبين بالناصرية، لكنه لم يستقر بها طويلا بسبب تدخل السفارة التونسية, وانتقل إلى دمشق، حيث حصل على الإجازة في الفلسفة, وهناك بدأت تتبلور المعالم الأولى لفكره الإسلامي.
الانتساب إلى الحركة الإسلامية
انتقل الغنوشي إلى فرنسا لمواصلة الدراسة بجامعة السوربون. وبموازاة ذلك بدأ نشاطه الإسلامي وسط الطلبة العرب، كما تعرف على تجربة جماعة التبليغ وانخرط فيها للدعوة وسط العمال المغاربيين.
وفي نهاية عام 1969 عاد الغنوشي إلى وطنه حاملا مشروعا إسلاميا للإصلاح، والتحق بكلية الشريعة في تونس حيث حصل على شهادة التأهيل للبحث من خلال رسالة حول "القدر عند ابن تيمية"، ثم حال الاضطهاد دون مناقشة أطروحته حول "الحريات العامة في الدولة الإسلامية".
تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة)
حال عودته إلى وطنه بعد غربة طويلة بدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية وعامة الناس في المساجد ونوادي الثقافة. وتشكلت ممن استجابوا له النواة الأولى للجماعة الإسلامية التي عقدت مؤتمرها الأول عام 1979 حيث انتخب الشيخ الغنوشي رئيسا لها، ثم تطورت الجماعة إلى حركة الاتجاه الإسلامي عام 1981 إذ طالبت باعتمادها حزبا سياسيا، لكن الرد كان حملة اعتقالات ومحاكمات.
وفي عام 1988 أعيد تشكيل الحركة في صيغة جديدة "حركة النهضة" في مسعى للتوافق مع قانون يحظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني، إلا أنه رفض اعتمادها مرة أخرى.
وبعد ما ظهرت شعبية الحركة الواسعة كما أبرزتها انتخابات 1989 التي فازت بها النهضة، تم تزييف النتائج على نطاق واسع مع التصميم على استئصال النهضة واعتماد خطة تجفيف ينابيع الإسلام.

المحاكمة والسجن
حوكم الغنوشي بسبب نشاطه الدعوي والسياسي عدة مرات كان أهمها:
• عام 1981 إذ حكم عليه بالسجن 11 عاما قضى منها أربعة.
• عام 1987 إذ حكم عليه بالسجن مدى الحياة، إلا أنه أفرج عنه بعد عام ونصف إثر الانقلاب على بورقيبة، ثم ما لبث أن غادر البلاد بعد تزييف نتائج انتخابات 1989 وتشديد التضييق عليه، وهو منذ العام 1991 يقيم في بريطانيا لاجئا.
• عام 1991 إذ حوكم عليه غيابيا مرة أخرى بالسجن مدى الحياة.
• عام 1998 إذ حوكم عليه غيابيا أيضا بنفس الحكم السابق.
من مؤلفاته
• طريقنا إلى الحضارة
• نحن والغرب
• حق الاختلاف وواجب وحدة الصف
• القضية الفلسطينية في مفترق الطرق
• المرأة بين القرآن وواقع المسلمين
• حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية
• من الفكر الإسلامي بتونس
• الحريات العامة في الدولة الإسلامية (جزآن)
• القدر عند ابن تيمية
• مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني
• الحركة الإسلامية ومسألة التغيير
• من تجربة الحركة الإسلامية في تونس
• تمرد على الصمت
وقد ترجم بعض من كتبه إلى لغات أجنبية كالإنجليزية والفرنسية والتركية والإسبانية والفارسية.
كما كتب في العديد من الصحف والدوريات، وترأس تحرير مجلة المعرفة، وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات.
عضوية المؤسسات الإسلامية
الشيخ راشد الغنوشي من مؤسسي:
- الندوة العالمية للشباب الإسلامي عام 1971.
- المؤتمر القومي الإسلامي الذي يجمع بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي.
- حلقة الأصالة والتقدم التي تعنى بالحوار الإسلامي المسيحي، والتي تضم عددا من كبار المفكرين الإسلاميين والأوروبيين والأميركيين.
- المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.