ذكر ابن خلدون في مقدمته،في الفصل الثالث والأربعين والذي عنونه " قي أن الظلم مؤذن بخراب العمران" قصة رمزية على لسان الطيور،نقلها عن المسعودي في كتابه أخبار الفرس، يعود زمانها إلى عهد الملك بهرام بن بهرام، حيث سمع هذا الأخير مرة صوت البوم، فاستدعى رجل الدين عندهم وكان يلقب بالمويذان فسأله إن كان يعرف لغة الطيور فأجابه المويذان: نعم أيها الملك. قال الملك: ماذا يقول هذا البوم؟ قال المويذان: إن بوما ذكرا يروم زواج بوم أنثى، وإنها شرطت عليه عشرين قرية من الخراب في أيام الملك بهرام، فقبل شرطها، وقال لها: إن دامت أيام الملك بهرام أقطعتك ألف قرية وهذا أسهل مرام. سأل الملك عن مغزى هذه القصة، فقال المويذان: مولاي إن بقي الوضع على ما هو عليه خرب الوطن بكامله. لو كتب لهذه البومة أن تعيش في زمان الوهن العربي،حيث الخراب عم كل البلاد الذي استولى عليها ملوك بنو الأحمر الجدد،لحظيت بمهر أغلى من خطيبها البوم، وكان نصيبها دولا من الخراب وليس فقط قرى . ألم تؤكد الانتخابات البرلمانية المصرية المزيفة الخراب التام للمشهد السياسي للبلاد؟ في ملعب للمضحكات شديد .... مثلت فيه المبكيات فصولاً (1) أبشع عملية اغتصاب لإرادة واختيار المواطنين يرتكبها نظام سلطوي شمولي في واضحة النهار باسم الديمقراطية، إنه السقوط الرهيب الجامع بين العبث والمأساة. على الرغم من علمنا المسبق أن نتائج الانتخابات ستكون مزورة، والكلمة الفصل للحزب الحاكم الذي من دونه لن تقوم للبلاد قائمة، وليس له من دونه كاشفة، لكنه لم يدر بخلدنا إطلاقا أننا عدنا إلى زمان 99.99%. هذا هو الموديل الديمقراطي المصري الجديد والقابل للتصدير،المهم الاستمرارية في الحكم مع ضمانات دول غربية تنكرت لمبادئ الديمقراطية، على عدم الاعتراض مادام الفراعنة الجدد حريصين على رعاية مصالح الدول الاستكبارية وزيادة. أرى مصر يلهو بحد السلاح ويلعب بالنار ولدانها وراح بغير مجال العقول يجيل السياسة غلمانها (2) هل بقي في العالم حزب يعمل ضمن نظام تعددي يحقق نجاحا بنسبة 95% ؟ ماذا قدم هذا النظام للشعب حتى يغرم به إلى درجة الجنون، فيرى حالة الطوارئ استقرارا، وإزهاق أرواح الأبرياء في مخافر الشرطة وفي الطرقات أمنا وسلاما. دولة فاشلة بكل المعايير، احتلت المركز 43 بتقييم عام"حرج" ضمن 60 دولة من دول العالم الثالث، والواقع يقدم لنا كل يوم شاهدا جديدا على أن مصر هوت إلى الحضيض سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وهذا ما جنت به براقيش على أهلها. تحرك أبالهول هذا زما ن تحرك فيه حتى الحجر (3) لا أدري إن كان انسحاب الإخوان المسلمين من الانتخابات في الدورة الثانية،قد أسقط الحجج من أيدي المنافحين بقوة على المشاركة، وفهموا أن الانتخابات في أوطاننا لا تهدف إلا لإعادة إنتاج نفس النخب والسياسات، وأنها آلية من آليات بقاء الأنظمة بدل أن تكون وسيلة للتنافس.وأنها وسيلة كبرى لشر عنة الاستبداد . إن وضع الانتخابات في عالمنا العربي- التي تعاني فيه مجتمعاتنا من تسلط الأنظمة الاستبدادية –على رأس الأولويات يعتبر صرفا للجهود في غير محلها،وهذرا للطاقات لا غير، أو وضع العربة أمام الحصان. كيف لشعب لا يأمن على نفسه من الاختطاف والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الصورية، أن ينتظر انتخابات نزيهة تحترم إرادته واختياراته؟ لا أمل في وجود حياة سياسية سليمة دون تفكيك بنية التسلط السياسي وتحطيم القيود المكبلة لكافة القوى السياسية والاجتماعية. مهما طغى الظالمون وتجبروا فالنصر حليف المستضعفين إن صحت منهم العزيمة وقويت الإرادة قي سبيل حياة حرة كريمة، والله ينصر من نصره، والانحياز للحرية ما هو في حقيقته إلا انتصار لحق من حقوق الله. (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ). (4)
1-2-3 : أمير الشعراء أحمد شوقي 4- سورة القصص، آية 5 - 6. محمد أوراغ