تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهاية الطغاة..تحية لتونس الخضراء وأهلها- طه جابر العلواني
نشر في الحوار نت يوم 19 - 01 - 2011

نهاية الطغاة..تحية لتونس الخضراء وأهلها

طه جابر العلواني
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص:4-6).
يقال: «استبد بالأمر يستبد به استبدادًا» إذا تفرد به دون غيره ويقال: «استبد بأمر فلان» إذا غلبه على أمره فلم يقدر المغلوب على ضبط من استبد به أو إيقافه عند حده، و«التبديد» هو التفريق فكأنَّ المستبد يفرّق أولا بينه وبين الآخرين فيجعل من نفسه أعلى منهم ويفرَّقهم ليتمكّن من البقاء في موقع علوه واستعلائه وليظلوا في مواقع الخضوع له مفرَّقين مبدَّدين.
وملاحظة من قص الله –تبارك وتعالى- علينا أخبارهم من المستبدين توضح لنا «طبائع الاستبداد» فحين استبد فرعون بقومه استعلى عليهم وجعل أعزة القوم أذلتهم وجعلهم شيعًا وفرقًا لكنّهم جميعًا يدورون حوله وقد بلغ به استبداده واستعلاؤه أن رفض مبدأ وجود إله بكل قوة وبكل ما أوتي من قوة وبكل ما أوتي من طاقة فأعلن في قومه {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:38) وحين تجرّأ منهم من تجرّأ وقال له: بأن هناك آلهة أو أرباب آخرين قال في منتهى الاستهتار: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24) وذلك يعني في زعمه ودعواه أنّ الأصل أنّه لا رب للناس غيره. ولو فرض أنّ لهم ربًا سواه فهو يدعي أنّه ربهم الأعلى فكل أولئك الذين لو فرض وجودهم فهم دونه. وحين نراجع نموذجًا آخر من نماذج المستبدين نجد ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه مغرورا مخدوعا بما أوتيه من ملك قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (البقرة:258) إنّ الاستبداد يجعل المستبد مليئًا بالغرور والإحساس بالفوقيَّة والاستعلاء والشعور بالقدرة والاستنكاف من احترام آراء الآخرين أو نصائحهم فيستقل برأيه ويستبد بأمته ويستعلي عليها ويورثها الشقاء ويلغي حقوقها وينال من قيمها والمستبد حين يعايش الاستبداد فترة من الزمن يتحوّل إلى إنسان مصادر لكل حقوق الآخرين لا يفكر بعاقبة ولا يخشى تبعة وقد شعر في قرارة نفسه بأنَّه فوق البشر يقول أحدهم:
وإنّي لمن قوم كأن نفوسهم *** بها أنف أن تسكن اللحم والعظم
ويقول آخر:
إذا بلغ الفطام لنا صبيٌّ *** تخر له الجبابر ساجدينا
ونشرب إن وردنا الماء رنقا *** ويشرب غيرنا كدرا وطينا
هذا الإحساس بالنسبة للمستبد ولمن حوله يعد إحساسا عاديا يستعلي به ويستكبر عن النصيحة؛ حتى بلغ بأحد المستبدين أن أعلن في الناس قولة فاجرة: «من قال لي: اتق الله قطعت عنقه» ويقول مستبد آخر في خطابه العام: «إنّي لأرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وإنّي لصاحبها» ويقول مستبد آخر في نهاية خطبته لعيد الأضحى: «قوموا إلى أضاحيكم أمّا أنا فإنّي مضحٍّ بالجعد بن درهم» ويقول آخر من منافقي المستبدين للمستبد الحاكم بأمر الله الفاطمي:
ما شِئْتَ لا ما شاءت الأقدار *** فاحكم فأنت الواحد القهار
ويقول شاعر آخر لمستبد معاصر سقط قبل سنوات قلائل:
تبارك وجهك القدسيّ فينا *** كوجه الله ينضح بالجلال
هنا يصبح المستبد متألّهًا يمكن أن يدعي الألوهيّة ويمكن أن يدعي علم الغيب ويمكن أن يدعي بأنّه من يرزق شعبه. وقد تسوّل له نفسه أنّ حياة شعبه لا قيمة لها إذ لم يكن المستبدّ على رأسه. وأنّ الفراغ الذي يتركه الزعيم الضرورة لن يملأ وأنّه وأنّه.
ولقد حكى لي وزير أحد المستبدين أنّ رئيسه المستبد سأله ذات يوم: في لفحة تدُّين أصابته أتجب علي الزكاة فقال له: «نعم يا سيادة الرئيس إذا بلغ مالك النصاب، فهز الرئيس رأسه وقال: ألا يكفي أو يغني عن الزكاة أنّي أطعم جميع الملايين من أبناء الشعب؟» فهذا الدكتاتور المستبد والذي كان معدمًا قبل التسلّط والاستبداد بالسلطة لا يكاد يملك قوت يومه صار ينظر إلى شعبه أنّهم مجموعة من الأفواه الآكلة التي يطعمها هو دون أي إحساس أو شعور بأنّه إنّما يسرق ثروات هؤلاء ويستبد بهم ويلقي إليه الفتات.
والاستبداد استعباد؛ يقول سيدنا موسى لفرعون وهو يعدد ما اعتبره مكارم له عليه في قوله: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشعراء:18) أجابه موسى بقوله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} (الشعراء:22) أي: استعبدت قومي وتبنَّيتني.
والمستبد لا يرضيه أن تخرج أيّة سلطة من السلطات عن قبضته فهو الحاكم الفرد وهو القائد الأعلى وهو المسئول عن المؤسسات –كافّة- ينشؤها ويلغيها.
والمستبد إنسان ضعيف يحمل مجموعة من الأمراض النفسية تكمن وراء طغيانه واستبداده وتكون تصرفاته الطاغية المستبدة ستارا لأمراضه ومكونات ضعفه التي يحاول تغطيتها بذلك الاستبداد وما فيه من تظاهر بالقدرة المطلقة والاستعلاء التام والانفصال عن طبقة المستضعفين الذين يحكمهم. ومن الصعب على هؤلاء حتى حين تفاجؤهم أعراض بشريّة كالمرض ونحوه أن يشعروا بأنّهم بشر ممن خلق الله يعتيريهم ما يعتري البشر من ضعف فلا يسلمون بحقيقة بشريّتهم ولا يرون أنّ أمتهم يمكن أن تعيش بدونهم. ولقد ابتكر سدنة الاستبداد المعاصرون خاصة مصطلحات تعزز نزعة الاستبداد وتدعمها من هذه المصطلحات «الفراغ السياسي» «خوف الفوضى» «اختفى زعيم اللحظة» «التاريخيّة» أو «زعيم الضرورة» وغير ذلك، ولقد عشت في العراق زمنا كان الناس يتصورون فيه أنه بمجرد موت نوري السعيد أو سقوطه فإن العراق سوف يعيش في فراغ يؤدي به إلى التحطم والتفكك. ومات نوري السعيد وجاء مستبدون آخرون وملأوا الفراغ بشكل استبدادي وجاوزوا استبداد السعيد وقيل عن عبد الكريم قاسم: لو حدث له شيء فسينتهي العراق لضخامة الفراغ الذي سيتركه وقتل عبد الكريم وربط جسده في قضيب من قضبان السكة الحديد وألقي بليل في نهر دجلة طعاما لسمكها ولم يحدث فراغ، وجاء مستبدون آخرون وملأوا الفراغ بشكل أو بآخر!! وهكذا دوليك.
وأسطورة الفراغ الذي يتركه المستبد كانت حاضرة في ذهن فرعون حين نادى في قومه {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:38) وحواشي المستبدين أشد خطورة على ضحايا الاستبداد من المستبدين أنفسهم فهم يتلونون تلون الحرباء ويخذّلون الناس عن مقاومة الاستبداد مرة بنسبة المستبد إلى العبقريّة والتفوق الذي يجعله فوق البشر، ومرة بالحط من أقدار الشعوب وإشعارها بأنّها ضعيفة ذليلة عاجزة لن تكون قادرة لو زال المستبد على تدبير أمورها أو تنظيم شئونها. ولقد عاصرت بعض المستبدين ومنهم عبد الكريم قاسم الذي حكم العراق بمفرده على سبيل الحقيقة أربع سنوات ونصف وصفه الانتهازيُّون والنفعيُّون من حاشيته بكل أوصاف التعظيم التي عرفتها البشريَّة ولم يتركوا مناسبة من المناسبات إلا وظفوها لإبراز عبقريَّته وتفوقه فحين يحتفل المعلمون بيوم المعلم ينبري من أولئك المطبّلين من يهتف: «بعاش المعلم الأول عبد الكريم قاسم» غافلا أو متغافلا عن أنَّ فلاسفة اليونان قد منحوا لقب المعلم الأول قبل العديد من القرون لأرسطو. فإذا احتفل الأطباء فسيادة الزعيم ينبغي أن يكون الطبيب الأول. أمّا إذا احتفل العسكريّون فذلك أمر لا نزاع فيه أنّه العسكريّ الأول الذي لو تتلمذ عليه «مونت جومر أو رومل» لعجز عن مجاراته في علومه العسكريّة ولانحنى أمام عبقريّته!! ولقد سمعت مرة قادة قوميّين سياسيّين مدنيّين من قيادات العمل السياسيّ والأحزاب –آنذاك- في العراق وقد استوزرهما عبد الكيرم قاسم يقولان له وقد وجه إليهما سؤالا: حول مدى دستورية قرار كان يريد أن يتخذه فأجاباه معا يا سيادة الزعيم: إنّ كلامك دستور فامض إلى ما تريد ولا تلتفت إلى شيء أبدا. وقد صدّق المسكين هذه الحاشية الخبيثة الانتهازيّة فقال في خطبة من خطبه الشهيرة: «إنني قوة منطلقة في التاريخ يستمد الشعب العراقيّ القوة مني في حياتي وبعد مماتي يستمدها من خطبي وكلماتي وبيان الثورة الأول!!» وكيف لا يقول الحاكم المطلق هذا وحاشيته تطلق عليه من الألقاب ما لا يكفي لكتابته ثلاثة أسطر فهو الزعيم الأوحد والأوحد والأوحد والملهم والديمقراطيّ والمسلم الذي يقطر تديّنًا، بل ابتكر بعضهم له صفة يعرفها إخواننا المتصوفة وهي صفة «الكشف وقطع المسافات الطويلة بخطوة واحدة» وأشاعوها بين الناس؟! لم يكن الرجل يصلي –فيما نعلم- لكن الإعلام والحاشية المتملقة أقنعت السنّة منهم بأن الزعيم لا نراه يصلي لأنه لا يريد أن يراه أحد وهو يفعل فيحسبه على السنة إذا وضع يديه على بعضهما أو من الشيعة إذا أرسلهما فيذهب إلى الصلاة في الكعبة بخطوة واحدة ويعود ويتوضأ من زمزم!! أما إخواننا الشيعة فقد يسيطر الحماس على بعضهم فيقول: شاهدناه في حضرة الحسين في كربلاء يصلي العصر أو الظهر أو يجمع بينهما وبعضهم يذهب به إلى النجف ليصلي المغرب وهكذا والرجل كان يرى الصلاة مجرد نظافة قلب ونقاء وجدان فقط لا غير!!
إن المستبد تخدعه قوته وسطوته وحاشيته وتغشّي على بصره وقلبه فلا يستطيع أن يرى أنَّه مجرد بشر ممن خلق الله أوله نطفة مذرة وآخرة جيفة قذرة تنتهي إلى حفرة تضم رفاته إلى أن يأذن الله ببعثه. لقد خدع الاستبداد الفراعنة وأوجد في نفوسهم رفضا للدفن في باطن الأرض فجعلوا قبورهم عليها وفوقها لا في باطنها فهل أغنى ذلك عنهم شيئا؟! كما ابتكروا التحنيط وبنوا الأهرام واخترعوا مراكب الشمس فما أغنى ذلك عنهم شيئا حين أخذ الله بعضهم وجنودهم ونبذهم في اليم {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} (القصص:41-42)، وتلك هي عاقبة الاستبداد فهل أغنى عن فرعون قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:38) أو قوله: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24) لم تغن هذه الدعاوى عنهم شيئا ولم يستطيعوا أن يغنوا عن جماهيرهم الغافلة المذعنة المنقادة الخانعة المستسلمة التي تحمل جزءً كبيرا من مسئولية انخداع الطغاة واستبدادهم فما يخدع الطغاة شيء مثل ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها ومديحها وهتافها وثناؤها. فما الطاغية في الحقيقة إلا فرد لا يملك قوة ولا سلطانًا إنّما هي الجماهير الغافلة الذلول التي أحنت له ظهورها فركب ومدت بين يديه أعناقها فجر وسحب وأحنت له رؤوسها فاستعلى وتنازلت عن حقوقها في العزة والكرامة والحرية والعدالة والمساواة فطغى. والجماهير حين تفعل ذلك مع أيّ مستبد على وجه الأرض إنّما تفعله بدوافع الأوهام التي يصنعها في عقولهم إعلام الطاغية وتدبيرات الحاشية، مرة بالخوف على الشعب وثانية بالخوف من المجهول، وثالثة بالخوف من الفراغ!! وذلك كله على منافاة التوحيد ومناقضة الإيمان وعدم الإحساس بوجود الخالق ووحدانيّته وتفرده بالألوهيّة والربوبيّة والتدبير والتقدير فالأوهام التي يصنعها الإعلام والحواشي تصور الطاغية وهو فرد بأنّه أقوى من الملايين من أبناء شعبه وتحول بينها وبين أيّ وعي يمكن أن يحررها من الخوف لأنها لو زايلها الخوف لشعرت بإنسانيَّتها وكرامتها وعزتها وحريّتها ولشعر كل فرد منها أنه كفء للطاغية من حيث القوة ومساو له من حيث البشريّة وأنّه أي الطاغية المستبد لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا إلا ما شاء الله وإن حاول إعلامه وحاشيته خداعها وإيهامها بأنّ المستبد يملك لها شيئا وما يقلق الطغاة شيء مثل ما تقلقهم وحدة أمتهم وتكاتف شعوبهمن ولذلك جعل الفراعنة أهل مصر شيعا وطبقات مستعلية ومستضعفة إذ لا يمكن للاستبداد والطغيان أن يستقر في أمة كريمة أبدا أو يستمر في أمة موحدة ذات وعي ورشد، إذ يستحيل أن يطغى فرد في أمة راشدة تعرف ربها وتؤمن به وتوحده وتأبى أن تستعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا وقد يستمر المستبد في استبداده وتستمر الأمم في خضوعها وخنوعها وذلتها وانسحاقها فلا تتقبل الوعي إلا في حياة أخرى حين لا ينفع الوعي ولا يجدي الندم فيقف المستبد إلى جانب الشيطان ليقول لقومه مثل ما قال الشيطان: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم:22) ولا ينجو –آنذاك- إلا المقاومون الموحدون الذين آمنوا بالله ورضوا به إلهًا وربًا وخالقًا متفردًا في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله هؤلاء الذين يقال فيهم يوم القيامة: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:45-51). لقد أعماهم الطغاة وحواشيهم عن أن الله –تبارك وتعالى- سينصر رسله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، فاستهتروا بوعد الله وتقبلوا أوهام الإعلام وحواشي الطغاة والمستبدين فلم يثقوا بنصر الله فانهزموا أمام الطغاة واندحروا أمام المستبدين فخسروا دنياهم التي أوهموا بأنّهم سوف يحافظون عليها بانحيازهم للمستبدين واستزلامهم للطغاة وخسروا الآخرة فلا نفعهم الاستبداد في الحياة الدنيا ولا أغنى عنهم شيئا في الدار الآخرة التي هي الحيوان لو كانوا يعلمون.
ولا علاج للاستبداد إلا وعي الأمة «بالتوحيد» وعيا كاملا شاملا ودقيقا فذلك الوعي هو الضمانة الحقيقية لرفض الاستبداد ومقاومته ولذلك جعل الله –تبارك وتعالى- التوحيد أهم ما اشتملت عليه رسالات الأنبياء وأهم ما قامت عليه دعواتهم {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (النحل:36) والاستبداد قد يقع بقوة الحكم والسلطان وقد يقع بقوة المال والعلم إذا خلا من مراقبة الله تعالى.
ولقد ضرب الله -تبارك وتعالى- لنا في القرآن أمثلة عديدة منها مَثَل فرعون الذي أوتي القوة والسلطان فعَلا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:4) وضرب لنا مثل العلو والاستعلاء والطغيان بالمال والعلم بقارون الذي كان من قوم موسى فاستبد على بني إسرائيل وبغى عليهم بما أوتيه من مال وعلم جعلاه يتوهم أنه قد انفصل عن البشر وصار فريدًا لا يجمع بينه وبينهم جامع فقال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} (القصص:78) ونسي الله في حين قال فرعون {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص:38) كلمة شديدة الفجور تكاد السموات يتفطرن منها وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا ومع ذلك تلقاها الملأ بالإقرار والتسليم ولم يصدر عن أيّ منهم أيّ اعتراض. ثم تظاهرا بالجد وقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} (غافر:36-37) ليوهم أولئك الأغبياء المستضعفين بأنّه إنسان موضوعيّ ومتألّه متواضع يبحث عن الحقيقة بوسائلها ولا يقول إلا عن علم وبحث.
أحداث تونس:
لقد أثبتت أحداث تونس الأخيرة ضعف الطغاة وذلتهم وكذب نفختهم وانتفاشهم الخادع، فطاغية تونس وقف في آخر خطاب ألقاه يتوسل الجماهير التي ضللها وأذلها وركب على أعناقها ثلاثا وعشرين عاما أن يغفروا له جهله وغباءه وانعدام ذكائه، فقد اعترف بأنّه غبيٌّ جاهل لا يعرف الذكاء سبيلا إلى عقله، فلم يفهم إلا وهو يرى شباب البلد يفضلون الموت حرقا بأيديهم على أن يستمر حكمه وحكم جنوده وحاشيته وأهل بيته، هذا الموقف المخزي في خطبته الثانية تنصّل من حاشيته واتهمها بأنّها كانت تضلله ولا تريه حقيقة الأمر، ويفترض بالطغاة أنّهم هم الذين يضلّلون شعوبهم ولا يُرونهم إلا ما يَرون، ولكن الرجل كان يريد أن يأخذ فرصة أخرى ولو إلى عام (2014) لكن استمرار الزخم الثوريّ في الشارع التونسيّ لم يعطه هذه الفرصة، فاضطرت حاشيته أن تزين له الانسحاب، واضطر أن يتقبل الهزيمة وينسحب بشروط تافهة هي الإبقاء على حياته التي يفترض أنه لم يعد لها طعم لها بعد ذلك العز، فبعد أن كان السيد المطاع يصبح مجرد لاجئ طريد يبحث عن ملجأ آمن!! في خطبته الأخيرة كان يناشد الجماهير ويقول لهم «الأن فهمتكم وفهمت ما تريدون» وهو اعتراف صريح بأنه حكم (23) عاما جماهير لم يكن يعرف عنها شيئا فلم يعرف ماذا تريد ولم يشعر بآلامها ولا بما هي في حاجة إليه، وذلك شأن الطغاة، يشعرون بالاستغناء عن جماهيرهم والاستعلاء على شعوبهم فيطغون وهم طائرون بجناحي «الاستغناء الاستعلاء».
إن جوهر ثورة الشارع التونسي وانتفاضته أنّها حملت للطاغية رسالة تقول له: إذا حسبت أنَّك قد استغنيت عنّا فقد أخطأت، فأنت في حاجة إلى كل فرد منّا، ها أنت تزور الشاب الذي أقدم على إحراق نفسه بعد أن صادرت الولاية العربة التي اضطر إلى العمل عليها لكسب لقمة عيش، فحينما حيل بينه وبين لقمة العيش حتى في هذا العمل المجهد ورفض الطغاة الصغار أن يعرفوا لهذا وأمثاله حقوقهم أحرق نفسه فشعرت أنَّك بحاجة إلى أن تزوره بنفسك وتقف أمامه ذليلا، لقد كان في سرير موته ولفافات حروقه أعز منك وانت تقف وقد تكتفت ووضعت يدا على أخرى أمام ذلك السرير الذي ينام عليه جسد محترق، لماذا ينتظر الطغاة لكي يتنازلوا عن طغيانهم أن تحرق شعوبهم نفسها بعد أن أحرقوها في أفران الذل والحرمان وتسليط الأشرار والاستبداد بأمورها والاستعلاء عليها؟! لكنّني لا أرى الطغاة يتعظون، فكم من طاغية اليوم ينظر إلى «ابن علي» على أنّه غيره وأنّ ما وقع له لا يمكن أن يقع للطاغية الآخر، فالطاغية الآخر يمكن أن يتلافى ذلك أو يحتويه أو يفعل أو يقدم أو يؤخر، كم كنت أتمنى أن يقف «ابن علي» كما وقف في المرات الثلاث قبل مغادرة تونس ليقول لشعبه: لقد اقتنعت بأنكم الأغنياء عنّي وأنّني الفقير إلى رضاكم وقد اقتنعت بأنّي لم أكن أهلا ولو ليوم واحد لأن أحكمكم لكنّني كنت غبيًّا واستغللت الظروف وركبت على أعناقكم وتحكمت فيكم فسامحوني، وليته فعل ذلك ثم أتبع ذلك بقوله: وأما الآن فإنّي قد قررت الانسحاب من حياتكم وإيكال أموركم إليكم تنظمونها كما تشاؤون سامحوني وأستودعكم الله. لكنه لم يفعل وخرج منها خائفا يترقب، خائفا مِن مَن؟ من أولئك الذين اخافهم سنين واستذلهم أعوامًا، فهل من مدكر؟! لا أظن، فنحن نشيّع الأموات يوميًّا ونضعهم في قبورهم ونوقن بأنّ يومًا لا بد أن يأتي سنكون نحن من يُشيَّع ونحن من يُوضع في القبر ولكن ترى الناس يعودون إلى حياتهم وكأنّهم لم يشيّعوا ميتًا أو يدفنوا عزيزًا، وكذلك الطغاة لا أظنّهم يأخذون درسًا أو يتعلمون من بعضهم البعض لتبلَّد المشاعر وتبلُّد الأحاسيس وانعدام الفهم والذكاء فضلا عن انعدام الخوف من الله تعالى.
إنّ عمر بن الخطاب كان يقول «لو أنَّ جملا على شط الفرات زلق فهلك ضياعا لخشيت أن يُسأل عنه عمر لِمَ لم يمهد له الطريق» ويموت من الجوع عشرات يوميا من أبناء الأمّة المسلمة في شرق الأرض وغربها ولا يهز ذلك من الطغاة شعرة وتنتهك الأعراض وتمتلئ الشوارع بالمشردين والفقراء والذين يحيون حياة دونها حياة الحيوانات لا أقول الحيوانات الأليفة لأنّها مدللة أكثر من الإنسان وقد قال شاعر
يا مدلّعين الكلاب والآدمي منسي ** نفسي أدخل في جنس الكلاب والعن أبو جنسي
هؤلاء الذين جعلوا شعوبهم تتمنى أن تكون كلابًا مدلّلة أو غير مدللة على أن تحيا الحياة الإنسانيّة التي لم تعد حياة إنسانيّة في ظل الاستبداد والطغيان.
إنّ الاستبداد لا يعيش مع «التوحيد» في قلب واحد، والمستبد أيًّا كان لا يمكن أن ينسب إلى إيمان أو إسلام وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم، إنّ المستبد إنسان يعلن أنّه شريك لله –جلّ شأنه- فلا ينبغي للجماهير أن تقبل الاستبداد أو ترضى به أو تنخدع بوعوده فضلا أن تكون من عبيده أو جنوده.
وقف شرطيّ للحسن البصري وهو يلقي درسه فقال له: يا شيخ وكان الحجاج يحكم العراق وعبد الملك بن مروان خليفة على المسلمين، فقال: يا شيخ أتراني من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا بكوني شرطيًّا من شرطة الحجاج؟ قال: يا بني أنت منهم ولكن من يخيط لك ثيابك أو يطبخ لك طعامك أو يرعى لك دابتك يكون من الذين ركنوا إلى الذين ظلموا. فتأمل!! يرحم الله شهداء تونس ويحفظ جماهيرها ويحميها من أي طغيان جديد أو استبداد يدّمر شخصيتها ويذهب بريحها.
وفق الله إخواننا في تونس للتي هي أحسن وللتي هي أقوم لعلّهم كما قدموا نموذجا في مقاومة الجماهير العزلاء للطغيان المسلح حتى النهاية أن يقدموا نموذجا لدولة ونظام تعلوا فيه كلمة الله ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ويسود فيه العدل وتنتصر فيه الحريّة. إنّه سميع مجيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.