ستظل الثورة التونسية المباركة - ان شاء الله - هى الحدث الرئيسى لسنوات لا يعلمها الا الله ... حتى ولو توالت الثورات فى المتطقة وأزيلت كل الأتظمة المفسدة الحاكمة فى عالمنا الاسلامى ... فهذه الثورة كان لها السبق فى العالم العربى بالاضافة الى أنها كانت ثورة مفاجئة للجميع ... للعدو والحبيب ... للقيادات والشعوب ... للنخب وللعوام ... للقوى الاستعمارية وللحركات التحررية ... وقد انطلقت شرارتها بحدث مأساوى بكل ما تعنى الكلمة جسد حالة الظلام الدامس المخيم على واقع الأمة حتى جاء التغيير من خلال شعلة بشرية كشفت حالة الظلام وفتحت أعين الجميع على ملامح واقع جديد ومستقبل مختلف تلوح بشائره فى الأفق ... فما هى تلك الملامح التى يمكن قراءتها فى ضوء ذلك الحدث غير مسبوق فى تاريخنا القديم والحديث أدى الى تحول فى شعور الانسان العربى من ذلة وانكسار الى عزة وانتصار ؟ 1. بين صدى السوط والصوت هناك مسافة زمنية بين صرخة بلال رضى الله عنه تحت سياط التعذيب : ( أحد .. أحد ) وبين ارتفاع صوته الندى بالأذان بعد تحطيم الأصنام أو بين صدى السوط والصوت ... انها المسافة بين الابتلاء والتمكين ... ونحن نقف الان بعد أحداث الثورة التونسية فى منزلة بين المنزلتين نحاول استيعاب الدروس وقراءة المستقبل ... وأهم هذه الدروس على الاطلاق هو درس التحرر من الخوف ( فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين ) ... أداة الشرط فى الاية تعلق الايمان على الخوف من الله وعدم الخوف من الأغيار بكل حسم ووضوح ... وهذه من البديهيات الايمانية التى ينبغى أن يكون التركيز عليها فى دروس العقيدة قبل الاستواء والفوقية وغير ذلك من المسائل التى لا يعلمها كثير من الناس وربما يصعب عليهم فهمها لكن فريقا المشتغلين بالعلم وبالدعوة الى الله يصرون على جعلها محورا أساسيا من محاور علم العقيدة ... ونعود لبلال رضى الله عنه لنقف أمام لحظة فارقة فى حياته وهى لحظة ( لا نجوت ان نجى ) لنجد اصرارا على الاجهاز على رأس الكفر أمية ... وهى اللحظة التى يقف الان الشعب التونسى مصرا عليها ... ليس فقط فى لالقاء القبض ومحاكمة بن على وزوجته وأسرتيهما وانما للاجهاز على الحزب الذى ظل على امتداد نصف قرن من الزمان يجلد الشعب وتتلقف أيدى رموزه السوط من يد الى أخرى وهم يتلذذون بالام الشعب ... أنا لا أتحدث عن دعوة للانتقام وانما عن دعوة للاجهاز على كيانات تفريخ الديكتاتورية الحزبية التى تتألف من صنم ووصوليين متسلقين ... وقد رأينا كيف تغيرت اللهجة بين عشية وضحاها ... وكيف أجبرت الثورة الشعبية أجهزة الاعلام على قطع النشرة لرفع الأذان لأنها فهمت الشعب الان كما فهمه بن على ... انها لحظة تاريخية بلالية ... من ملاحقة للمحجبات والمصلين الى رفع الأذان فى القناة الحكومية ... لكنها أيضا لحظة تأمل وقراءة للمستقبل فعودة الأذان الى التلفزة تؤذن بعودة الدين الى واقع الناس ... ما الفرق اذن بين رفع الأذان فى التلفزة التونسية وغيرها من القنوات العربية ؟ انه الفرق بين كتم صوت الدين وتمييعه فى واقع الناس ... وهما وجهان لعملة واحدة لكنهما مدرستان مختلفتان للديكتاتورية ... احداهما تجاهر بعداوة الدين والأخرى تتاجر بمظاهر التدين ... يتبع ان شاء الله