عطلة العيد: وزارة الدّاخلية ومرصد سلامة المرور يقدّمان توصيات لمستعملي الطّريق    حوادث/ 6 وفايات خلال 24 ساعة..    هام/ برنامج استثنائي لأكثر من مليون شخص يستخدمون وسائل النقل العمومي خلال فترة العيد    اعتمادات ب 6 مليار دينار لتأهيل جديد لقطاع النسيج    مترشحة للبكالوريا تبلغ 92 عاماً...و هذه قصتها    عيد الاضحى : هؤلاء ممنوعون من أكل اللحوم    كانوا يعتبرون أنها استشهدت : عائلة فلسطينية في تونس تحتضن ابنتها    استثمارات ب 1.6 مليار دينار.. الطريق تفتح أمام مشروع طاقي تاريخي    وكالة النهوض بالصناعة : تطور ب31،8 بالمئة في الإستثمارات الأجنبية المباشرة    مسؤول بشركة النقل بين المدن يدعو إلى الحجز المسبق على خطوط محطة باب سعدون تفاديا للاكتظاظ    البريد التونسي: فتح 76 مكتب بريد استثنائيا غدا السبت    منتدى الاستثمار : الوكالة الفرنسية للتنمية تخصص 80 مليون أورو لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة    الكويت: اعتقالات إثر مقتل 50 عاملاً أجنبياً في حريق    عاجل/ وفاة 6 اشخاص جراء أمطار غزيرة وانهيارات أرضية بهذه المنطقة..    إقالة مدرب المنتخب المالي من منصبه    دورة نوتنغهام للتنس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 139 عالميا    الكشف عن الموعد الجديد لمباراة أنس جابر و ليندا فروهفريتوفا و برنامج النقل التلفزي    الشركة الجهوية للنقل بنابل تتسلم 4 حافلات رفاهة جديدة    وزير الشؤون الاجتماعية يشدّد من جنيف على ضرورة تكيّف النظام متعدد الأطراف مع المتغيرات    4 تلميذات يتغيّبن عن امتحان البكالوريا بسبب النقل: هذا ما صرّحت به وزيرة التربية    يوم التروية.. حجاج بيت الله يتوافدون على مشعر منى    الحشّاني يتّجه الى ايطاليا للمشاركة في قمّة مجموعة السّبع    عاجل : التحذير من زلزال قوي سيضرب 3 دول متوسطية    السعودية تتخذ إجراءات إضافية لحماية الحجاج من الحر الشديد    طقس اليوم الجمعة    السعودية: لا حج بدون تصريح و'درون' تلاحق المخالفين في رحاب المملكة    قيس سعيد يدعو إلى تكثيف العمل الدبلوماسي مع عديد الدول والتجمعات الإقليمية    عاجل/ رئيس الدولة يكلّف رئيس الحكومة بتمثيل تونس في قمة مجموعة السبع    التوقعات الجوية اليوم الجمعة    قضية ختان الإناث تدفع بلينكن للاتصال برئيس غامبيا    تأجيل مباراة أنس جابر في ثمن نهائي دورة نوتنغهام للتنس    منها الطاعة والتضحية والتكافل ..أحكام وآداب عيد الأضحى المبارك    لا يدخل الجنة قاطع رحم    تصل إلى 72 درجة.. الصحة السعودية تحذر الحجاج من خطر ارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    كرة اليد.. لؤي مخلوف يطلق النار على مسؤولي النجم ويوجه لهم اتهامات خطيرة    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    معبر رأس جدير.. عطب في المنظومة الاعلامية من الجانب الليبي يعطل حركة الدخول الى تونس    فظيع في منوبة.. الاحتفاظ بصاحب " كُتّاب " عشوائي لشبهة الاعتداء الجنسي على طفلة    الرابطة 1 - الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب والاتحاد المنستيري من اجل تاجيل الحسم للجولة الختامية    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    كتاب.. لاهوت التعدّدية الدّينية ل عزالدّين عناية    تونس تسجل ارتفاعا في عجز ميزان الطاقة الى 6ر1 مليون طن مكافئ نفط مع موفي افريل 2024..    وزارة التربية تتثبّت من معطيات الأساتذة النواب خلال الفترة من 2008 الى 2023    المرسى: بسبب خلاف في العمل...يترصد نزوله من الحافلة ليقتله طعنا    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    رابطة المحترفين تقاضي الفيفا بسبب قرار استحداث كاس العالم للاندية 2025    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    محمد بن سلمان يعتذر عن عدم حضور قمة مجموعة السبع    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    البرازيل تتعادل مع أمريكا قبل كوبا أمريكا    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن والسّلاحف
نشر في الحوار نت يوم 26 - 10 - 2009


نحن والسّلاحف

كتبه: عبدالحميد العدّاسي

قولٌ تناقله التونسيون ولا يزالون يتناقلونه: "فَكْرْنِي واللَّى لاَ فَكْرَنْتِي" – على اختلاف في اللهجات – مفاده أنّ السلحفاة (الفَكْرُونْ باللغة التونسية الدارجة) تضع بيضها ثمّ تتركه لشأنه تفقّص أم لم يتفقّص (فرّخ أم لم يفرّخ). والقول يُستعمل للتدليل على عدم اعتناء الرّجل بأهله أو شأنه جميعا والتقصير في القيام بالواجب الملقى على كاهله. وقد نبّهني خبر ورد على صفحات تونس نيوز نقلا عن موقع أخبار تونس الرسمي بتاريخ 15 – 6 – 2004 إلى حقيقة أخرى يخفيها هذا القول، وهي تتحدّث عن عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه وحفظه له رغم تقصير المخلوق مع أترابه أو انصرافه إلى جنس آخر من غير جنسه. فهذه السلاحف الثلاث المذكورة في الخبر المشار إليه وجدت مِن التونسيين الرسميين مَن ينقذها يوم 27 مايو الماضي مِن الهلاك حيث تلقّت - بالمركز التخصّصي بالمنستير، الرّاجع بالنّظر إلى المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار - العناية اللاّزمة لعلاج الجروح والكسور التّي لحقت بها. وقد نزلت السّلاحف الثلاث ضيفات علينا هناك في أرض "الرحمة والرّفق" حتّى يوم 15 (جوان) يونيو الحالي حيث وقع تسريحها انطلاقا من ميناء جرزونة ببنزرت عاصمة الجلاء بعد أن وقع ترقيمها لتسهيل عمليّة مراقبتها شأنها في ذلك شأن كلّ التونسيين المتساوين لدى النّظام التونسي في حسن ودقّة المراقبة الواقعة عليهم، وبعد أن زوّدوها برسالة إلى أهل الدنيا من ساكني اليابسة والبحار مفادها أنّ تلك العناية التّي تلقّتها وذلك الاهتمام البالغ ينبعان من حرص تونس التغيير على التمسك باحترام تعهداتها الدولية في المحافظة على التوازن البيئي في الوسط البحري (راجع الخبر الرسمي المشار إليه بالتاريخ المذكور).

عادت السلاحف إذن إلى محيطها الطبيعي ولسانها يلهج بالحمد والثّناء على أهل تونس ويحدّث عن الكرم والعطف والحبّ الذي شملهم. والتفّ من حولهم البحريون منصتين بين مصدّق ومستغرب ومكذّب. فمن هؤلاء البحريين من همّ في المدّة الأخيرة بالتهام آدمي غريق ثمّ تراجع عن عزمه لمّا علم منه ما يلاقيه من زبانيّة النّظام التونسي من تضييق في كلّ المجالات المعيشيّة، ما اضطرّه إلى مفارقة أهله المنكوبين المحتاجين إليه وإلى خدماته واللجوء إلى "الحرقان" باتّجاه ساحل النّجاة، ما أدّى إلى غرقه ووقوعه بين يديه. ومنهم من يتذكّر تلك الأعين التي رمقته ذات يوم وقد كانت لمرابطين على السواحل، نذروا أنفسهم لمحاصرة الإرهاب في عقر داره ولمنع الفارّين من النعيم النوفمبري وقد امتلأت حقدا على كلّ ذي كبد رطبة. ومنهم من نجا بأعجوبة من الصائدين في الماء العكر ممّن خبر المتاجرة بالعهود والمواثيق. فكيف لهم تصديق ما يسمعون!..

كانت صغيرة السلاحف الثلاث قد اختطفت – في غفلة من النّاس - ساعة من وقتها يوم السابع والعشرين من مايو أي ذات اليوم الذي تمّ فيه إنقاذهم وتصفّحت بعض الصحف والمواقع فراعها ما تقرأ وما تسمع: يدخل اليوم 27ماي 2004 المساجين السياسيّون المضربون عن الطعام في سجن برج العامري يومهم الثامن والعشرين في ظروف قاسيّة وهم لطفي السنوسي وخالد الكوّاش ورضا السعيدي وعلي الحرابي ومقداد العرباوي وذلك للمطالبة بأبسط حقوقهم السجنيّة بعد أن سلّطت ضدّهم نقلة تعسفية وتمت معاقبتهم بالسجن المضيّق مدّة تتجاوز السبعة أشهر، وذلك مخالفة للقانون السجني الذي يحدّد المدّة القصوى لهذا النوع من العقاب بعشرة أيّام - اعتداء بالعنف على محامي - مضايقة أمنيّة للأستاذ نجيب حسني - إضراب جوع واعتصام داخل مقر الاتّحاد بسوسة - أحسّتيومها أنّ أمرهم قد آل إلى شرّ لا يعلم نتائجه إلاّ خالق السلاحف والنّاس أجمعين، إذ كيف ستُعامَلُ هي وصاحبتاها مِن طرف أناس لم يُؤثّر فيهم ولا عليهم جوع الجائعين ولا أنّات المنكوبين ولا دموع المظلومين ولا استغاثات المستغيثين. فهِمَت أنّها بأيد لا تحترم كبيرها ولا توقّر عالمها أو مثقّفها ولا تلتزم بتعهّداتها ولا بمواثيقها ولا تراعي رحما ولا تسعى لصلتها. أدركت أنّ باطن الأرض خير من ظهرها وأنّ ظلمة البحر خير من شمسها.
غير أنّ حسن المعاملة تلك قد أفقدها توازن تفكيرها وسلبها القدرة على الحكم على الإنسان وعلى تصرّفاته: أتعدّه من الرحماء وهو يعامل أخاه الإنسان بهذه الوحشيّة؟! .. أم تعدّه من قساة القلوب وهو يحنو عليها وعلى السلاحف حنوّ الأمّ على ابنها العائد مِن طول غياب؟!..

غير أنّ صغيرتنا أدركت اليوم - وهي تلاحظ استغراب البحريين عند سماع ما يَقْصُصْن عليهم – أنّ بلدا تاجَرَ أهلُه برقاب أهلهم لا يمكن أن يصدر الخيرُ منهم. ولأمّ ردّدت عند وضعها البيض "فَكْرْنِي واللَّى لاَ فَكْرَنْتِي" لهي أحقّ بالاحترام منهم. ثمّ عمدت إلى رقمها فأزالته خشية أن تنسب بطريقة أو بأخرى إلى هذا النّظام العار وتعبيرا عن رفضها لمراقبة لم يتقن الانصياع إليها والخنوع لها أناس كما يفعله أهل بلدي اليوم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.