بسم الله الرحمن الرحيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله، ورسوله، وصفيه، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد: فموضوع هذا الوقفة حقوق الأخوّة؛ ونعني بحقوق الأخوّة؛ ما يشمل الحق المستحب, والحق الواجب، وليس المراد تفصيل ما هو واجب من تلك الحقوق، وما هو مستحب، وإنما ذِكر الحقوق بعامّة، ومنها ما هو واجب، وما هو مستحب، وهناك حقوق أخرى تُركت أيضا لضيق المقام عنها، وهذا المقام وهو حق الأخوّة؛ حق الصحبة؛ حق الأخ على أخيه، من المقامات العظيمة التي أُكّدت بالنصوص؛ وأُكّدت في الكتاب والسنة، فرعايتها رعاية للعبودية، وإهمالها إهمال لنوع من أنواع العبودية؛ لأن حقيقة العبادة: أنها اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. ومن الأقوال والأعمال التي يرضاها الله جل وعلا ويحبها، ما أمر به من أداء حق الأخ على أخيه، وخاصة إذا كان ذلك الأخ قد قامت بينه وبين أخيه مودّة خاصة، ومحبة خاصة، واقتران خاص، فاق أن يكون لمجرد أنه من إخوانه المسلمين، فثَم حق للمسلم على المسلم, للأخ على أخيه من جهة أنه مسلم، ويتأكد ذلك الحق ويزداد إذا كان بين هذا المسلم وبين أخيه المسلم أخوّة خاصة، ومحبة خاصة، ترافقا وتحابا وتشاركا في المحبة في الله وفي طاعة الله، وبعضهم دلّ بعضا إلى الخير، وهداه إلى الهدى وقربه إلى ربه جل وعلا، فثَم حقوق بين هذا وهذا، وهذه الحقوق ينبغي أن يرعاها الأخ المسلم، أن يرعاها المسلم كبيرا كان أو صغيرا، وأن ترعاها أيضا المسلمة، فإذا قلنا حقوق المسلم على المسلم وحقوق الأخوّة فهو شامل للحق، بين الكبار، وبين الصغار، وبين الرجال، وبين النساء أيضا، والله جل جلاله في كتابه العظيم امتن على عباده المؤمنين أن جعلهم بنعمته؛ أن جعلهم بالإسلام إخوانا، قال جل وعلا ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾[آل عمران:103]، والله جل جلاله لما امتن على عباده المؤمنين بأنه ألّف بين قلوبهم وجعلهم بنعمته إخوانا، دلّنا ذلك، على أن هذه المحبة في الله، وعلى أن هذه الأخوة في الله؛ من النعم العظيمة التي جعلها الله جل وعلا في قلوب المؤمنين بعضِهم لبعض، ورعاية هذه النعمة والمحافظة عليها، اعتراف بأنها نعمة، وبأنها منَّة من الله جل وعلا، إذ النعم يحافَظ عليها، وإذ النقم يُبتعد عنها ويحذر منها، لهذا قال جل وعلا ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[آل عمران:103]، قال بعض أهل العلم في قوله (بِنِعْمَتِهِ) التنبيه على أن حصول الأخوّة، وحصول المحبة بين المؤمنين، إنما هو بفضل الله جل جلاله، وهذا دلّت عليه الآية الأخرى، قال جل وعلا ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾[الأنفال:63]، فالذي جعل هذا يحب ذاك، جعل هذه القلوب على اختلاف أقطارها، واختلاف جنسياتها، واختلاف قبائلها، واختلاف طبقاتها، جعلهم متحابين في الله، يشتركون في أمر واحد، وهو إقامة العبودية لله جل جلاله، هو أنهم صاروا إخوة في الله جل جلاله بفضل الله سبحانه وبنعمته، وقد قال سبحانه ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58]، وإن أعظم النعمة، وأعظم الرحمة التي يُفرح بها هذا القرآن العظيم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[يونس:58]، روى أن الصّدقة جاءت إلى المدينة فخرج عمر رضي الله عنه وخرج معه مولاه لأرض الصّدقة, أو للمكان الذي تجتمع فيه إبل الصدقة، فلما رأى الغلام هذه الكثرة الكاثرة من إبل الصدقة، ومن الصدقات التي جاءت، وستوزع بين المسلمين، قال له: هذا فضل الله ورحمته يا أمير المؤمنين. فقال عمر رضي الله عنه: كذبت ولكن فضل الله ورحمته القرآن، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. فأعظم ما يُفرح به أن يكون المرء ممتثلا لما جاء في هذا القرآن، وما أمرنا الله جل وعلا به، وما نهانا عنه في هذا القرآن؛ لأنه خير لنا في هذه الحياة الدنيا وفي العاقبة. والأحاديث التي تحث على أن يكون المرء المسلم يألف ويؤلف كثيرة جدا، فقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وبين فضيلة الأخوّة، وفضيلة التحاب في الله، وفضيلة أن يكون المؤمن يألف ويؤلف، وأن يكون قريبا من إخوانه في عدد من الأحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام «إن أقربَكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقا، الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» وفي حديث آخر رواه أحمد وغيره مروي من طرق، وهو حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «المؤمن يألف ويؤلف» وفي لفظ «المؤمن مَألفة» يعني يألفه من يراه؛ لأنه لا يرى لإخوانه، لا يرى للناس إلا الخير، وقد أمر الله جل وعلا الناس بذلك بعامة في قوله جل وعلا ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾[البقرة:83]، قال عليه الصلاة والسلام «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف» وقد ثبت أيضا في صحيح مسلم رحمه الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله جل جلاله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» أين المتحابون بجلالي يعني الذين تآخوا محبة في الله، ورغبة في الله، لم تُقرب بينهم أموال، لم تقرب بينهم أنساب، وإنما أحب هذا لهذا لا لغرض من الدنيا وإنما لله جل جلاله، وهذا هو الذي دلّ عليه الحديث الآخر المتفق على صحته المشهور؛ «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، فهذه النصوص تدل على عظم شأن المحبة في الله، وعلى عظم شأن أن تقام الأخوّة في الله على أساس من المحبة التي جاءت في النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة، وإذا كان كذلك، وإذا كانت المحبة على الفضل العظيم، فهناك حقوق بين المتحابين هناك حقوق للأخوّة، حقوق لهذا الأخ الذي أحب أخاه لهذا المسلم الذي بينه وبين أخيه المسلم عقد أخوّة، عقد أخوّة إيمانية قال الله جل وعلا في شأنها ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾[التوبة:71]، قال العلماء معنى قولِه (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) يعني بعضهم ينصر بعضا، بعضهم يُوادّ بعضا، بعضهم يحب بعضا إلى سائر تلك الحقوق، فالموالاة عقد بين المؤمن والمؤمن، بين المسلم والمسلم،
لقد اوجب الإسلام واجبات عديدة لإدامة صلة الأخوة الإيمانية بين الموحدين أما ما يسيء إلى الأخوة في الله فهي أيضا عديدة وتؤدي إلى تمزيق الأخوة الإيمانية وإضعافها والعياذ بالله و نذكر منها خصوصا:
الغضب والحسد يحرقان الأخوة: فالغضب شعلة محرقة من النار ومن نتائج الغضب الحقد والحسد لذلك فان الدين نهى عن الغضب اشد النهي ومدح الله سبحانه وتعالى الذين يكظمون غيظهم لقوله :« والكاظمين الغيض والعافين عن الناس » آل عمران 134 أما الحسد فهو من شر معاصي القلوب ومعاصي القلوب اشد إثما.. وعلة داء الحسد ترجع إلى الإفراط في الأنانية وحب الذات مع ضعف في الإيمان الأمر الذي يفضي إلى الاعتراض على الله في حكمته التي وزع على مقتضاها عطاءه بين خلقه ليبلوهم فيما آتاهم وقد نهى النبي عن الحسد فقال عليه السلام في الحديث الصحيح ( ولا تحاسدوا) والحسد يقطع وشائج المودات وصلات القرابات ويفسد الصداقات فيحين أن التربية الأخلاقية الإسلامية تبني المجتمع الإسلامي على أساس الأخوة ذات الأربطة المتينة التي تجعل المجتمع بمثابة جسد واحد . - العداوة والحقد : والحقد هو العداوة الدينية في القلب والعداوة هي كراهية يصاحبها رغبة بالانتقام من الشخص المكروه إلى حد إفنائه وإلغائه من الوجود ومن مرادفات الحقد كلمة الغل فالغل هو العداوة المتغلغلة في القلب ومن مرادفاتها الضغن والشحناء وقد نهى الشرع الحنيف من البغضاء والحقد في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تتباغضوا ولا تتحاسدوا ولا تتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) وهذا نص صريح في النهي عن الحقد والضغينة - الكبر ورؤية الذات والغرور: الكبر هو إظهار الأخ إعجابه بنفسه بصورة تجعله يحتقر الآخرين في أنفسهم وينال من ذواتهم ويترفع عن قبول الحق وقد جاء الوعيد الشديد في الكتاب والسنة المطهرة على هذا الخلق الذميم لما له من آثار سلبية على نفس المتكبر فالكبر ينشر البغض بين الأخوة وفي ذلك يقول تعالى : « كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار » غافر 35 ويقول الرسول الكريم ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ) رواه مسلم . والغرور بالنفس ينفخ في صدور المستكبرين حتى يروا أنفسهم عظماء كبراء وهم في الواقع حالهم صغار جدا وان شعورهم حول أنفسهم شعور هوائي صنعته الأوهام لا يصاحبه نماء حقيقي فيما تملكه ذات المستكبر من خصائص وقوى معنوية أو مادية وربما يغشى الكبر على البصائر فيعميها على رؤية الحق حقا والباطل باطلا ومن اجل ذلك تتهادى في طغيانها . ومن الآفات التي تؤدي إلى التقصير في واجبات الأخوة أمثلة كثيرة ومتعددة منها الهجر ، والجفاء ، والغلظة ، والفضول ، والغيرة، والغدر ، والطمع ، وسوء الظن، والشماتة ، والبيع على البيع ، والخطبة على الخطبة ...وغيرها كثير من الأمور التي نبه عليها الشرع في نصوص عديدة ومفادها هو تمزيق الأخوة الإيمانية وإضعافها . نسال الله أن يجنب الأخوة هذه الآفات ويحققهم بتحقيق أوامر الله تعالى وواجبات الشرع الحنيف اتجاه الأخوة في الله... فالأخوة الإسلامية هي اشراقة الاهية سامية وهي الحبل الذي يجمع القلوب ويعقدها ببعضها وهي النور الذي يسري بين أرواح المؤمنين.