قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة إن الحركة متمسكة بالفصل الأول من الدستور، ويخطئ من يعتقد أن تغيير هذا الفصل ممكن، لأن الشعب التونسي بما هو شعب عربي مسلم أمر واقع ومفروغ منه، وبالتالي لا يمكن لنخبة معزولة أن تتسلط على هذا الشعب وتفرض إرادتها عليه وهو في أوج سيادته بتغيير هذا الفصل.. وينص الفصل الأول من دستور 1959 الذي تم تجميده في انتظار سن دستور جديد على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". وبين الغنوشي في شهادة قدمها أمس على منبر الذاكرة الوطنية بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات دامت أكثر من خمس ساعات أن حركة النهضة ليست لها علاقة بأحداث العنف التي طالت مؤخرا المسيرة اللائكية في سوسة.. وقال إن ذلك التصادم حدث بين مجموعة تريد فرض اللائكية وعدد من المواطنين العاديين الرافضين لذلك حتى أنهم كانوا في حانة.. لكنهم خرجوا ليعبروا عن معارضتهم للائكية.. وذكر أن الذين يريدون فصل الدين عن السياسة لا يدركون ما يفعلون فالدين والسياسة مرتبطان ببعضهما البعض وكان النبي صلى الله علية وسلم كان قائدا للجيش.. وردا على استفهام يتعلق بالفوبيا التي يشعر بها الناس من النهضة قال إنه لا يرى أي داع لكل هذا الخوف من الحركة فهي تحترم مبادئ حقوق الإنسان وهي حركة تونسية ولدت في هذا البلد وليست مسقطة عليه.. وبين أن بن علي المخلوع مارس طيلة حكمه سياسة تخويف الناس من النهضة فبقيت النهضة طيلة ثلاثين سنة مقصاة وظل الناس يسمعون عنها بأذن واحدة وهي أنها حركة أصولية وحان الوقت ليسمعوا بالأذن الأخرى ما تقوله النهضة عن نفسها.. وحذر الغنوشي من الأخطار التي تتربص بالثورة من قبل من قامت الثورة ضدهم لأنه ليس منتظرا منهم إلا العمل على التخريب وإشاعة الفوضى والإفراط في المطلبية وبث الرعب في النفوس حتى يعتقد الناس أنهم حينما كانوا في نظام بوليسي كان وضعهم أفضل من الآن. دور النهضة في الثورة ذكر راشد الغنوشي متحدثا عن دور النهضة في الثورة إن الثورة لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة تراكمات إذ أن أكثر من 30 ألف نهضوي سجنوا وشردوا ونكبوا ولم تسلم عائلة من الوجع وهو أسهم في تراكم الحزن والغضب.. ثم جاءت الثورة وانتصرت لمن ماتوا مقهورين.. وقال "إن العلاقة بين الدين والدولة فيها نوع من الصراع لم نحدد عناصره بدقة ونخشى أن يوقعنا الضباب في سوء تفاهم وعدم فهمنا لبعضنا البعض ولكنني أشير إلى أن المجتمع التونسي أراد منذ القرن التاسع عشر تصالحا بين الإسلام والحداثة كما أن الحركة الإسلامية هي ابنة هذا البلد وليست مسقطة عليه وهو ما يفسر استمرارها طيلة العقود الماضية رغم القمع الذي سلط عليها أي أنها "طبيعية" في هذا المجتمع "خليقة مش صنيعة".. وينبغي أن نتعلم فن التعايش معا لأن البلد ملك للجميع وأرى أن الغرب تفوق علينا في هذا الجانب بإدارة المعارك بشكل سلمي لكننا فشلنا نحن في الشرق في ذلك ومنذ الخلافة ونحن نحسم خلافاتنا بالسيف".. وتحدث الغنوشي عن اقتناعه بحرية الاعتقاد فلا إكراه في الدين ولا يحق للدولة أن تفرض دينا أو فكرة أو نمطا من العيش على الناس لكن الدولة في عهد المخلوع وقد وصفه بسنوات الجمر تسلطت على الدين واعتبرت المسجد ملكا لها وعذبت المتدينين حتى أن جماعة النهضة أصبحوا يضعون في ثلاجاتهم قوارير خمر وذلك خوفا من البوليس الذي يقتحم منازلهم فجأة بين الحين والآخر لتفتيشها. وردا على الشاب ماهر الخشناوي الناطق الرسمي باسم جمعية الدفاع عن الثورة الذي قال إنه لا يمكن اعتبار راشد الغنوشي علما من أعلام النهضة لأنه لم يناضل داخل البلاد وإنما على فراش ناعم في أحضان بريطانيا، أجاب الغنوشي أن الهجرة السياسية هي نوع من التمرد.. وهي ليست غريبة على المسلمين فالرسول صلى الله عليه وسلم هاجر أيضا. وعن سؤال حول ما إذا كانت النهضة خططت للانقلاب على بورقيبة يوم 8 نوفبر 1987 لكن المخلوع سارع للوصول إلى سدة الحكم قبيل ذلك بيوم واحد أجاب بالنفي وقال إنه كان وقتها في السجن كما نفى وجود جناح عسكري للحركة فكر في الانقلاب.. وذكر أن المجموعة فكرت في تغيير النظام هي مجموعة من الأمنيين الشبان وفعلت ذلك بدافع الرغبة في إنقاذ الوطن ليس غير وليس عن طريق الانقلاب أيضا.. حتى أن بن علي لما أصبح رئيسا أطلق سراحهم لأنه اقتنع أنه لم يكن مستهدفا.. لكن هذا لم يمنعه وهو الدكتاتور من التنكيل بهم بعد إطلاق سراحهم وملاحقتهم باستمرار. وبين الغنوشي مجيبا عن سؤال حول تفسيره لمساندة حركة النهضة لبن علي بعد تحول 1987 :"عندما جاء بن علي للسلطة رأينا انه تبنى برامج المعارضة ولاحظنا أنه أطلق سراح عشرة آلاف سجين فوافقناه لكن عندما حصل تزييف انتخابات 1989 عارضناه وأصبحنا ضده ثم تأكدنا بعد ذلك أنه مستبد". وعن رأيه في الثورة الليبية بين أن الإخوان في ليبيا يعيشون مأزقا وعبر عن رفضه لأي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا لأن ذلك سيكون كارثة.. الجانب الاقتصادي عن رأيه في المسألة الاقتصادية بين راشد الغنوشي أنه لا بد من تحرير الاقتصاد من التبعية وهو يرى أن ذلك يتم بوسائل كثيرة منها رأس مال تونس وهو الموارد البشرية.. كما يجب الاهتمام بالزراعة والصناعات الغذائية وعدم اعتبار السياحة العمود الفقري للاقتصاد مثلما هو الشأن قبل الثورة. وقال متحدثا عن العلاقة مع الاتحاد الأوروبي :" إننا لسنا ضد الشراكة مع الاتحاد الأوربي، لكننا نعارض إمضاء الاتفاقيات معه دون توفر مبدأ الندية في المعاملات" وخلص راشد الغنوشي إلى التأكيد على أن الثورة ستعمل على إنتاج مجتمع ديمقراطي تتصالح فيه الدولة مع امتدادها العربي الإسلامي.. وتوقع تعرضها لصعوبات ومحاولات للردة والعودة للوراء لكنها لن تتراجع لأنها عميقة ولأن المجتمع التونسي منسجم جدا.. حتى أن العلمانيين والإسلاميين لهم أرضية مشتركة للعمل.. ولم تعد طبيعة الصراع اليوم عقائدية بل سياسية واجتماعية. وعن سؤال يتعلق ماذا سيفعل بعد أن أعلن عدم ترشحه لمنصب سياسي وللمؤتمر القادم للحركة أجاب أن هذا لا يعني أنه سيعتزل الحياة السياسية فهو سيكرس جهده للعمل الاجتماعي والنشاط الفكري. وكان راشد الغنوشي قد أطنب في هذا اللقاء الذي شهد حضورا مكثفا في الحديث عن مسيرته الحياتية والنضالية منذ مرحلة الطفولة وإلى غاية عودته بعد سقوط بن علي من المهجر حيث كان لاجئا سياسيا في بريطانيا.