مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    جربة: حجز أكثر من 500 كغ من الفضّة والبلاكيور المهرّب    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    بطاقة إيداع بالسجن ضد عون بمجمع الصحة الأساسية ببنزرت في قضية مخدرات..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    بوتين يحذر الغرب: قواتنا النووية في تأهب دائم    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    وزيرة التجهيز تدعم البلديات في ملف البنايات الآيلة للسقوط    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    عاجل/ حشانة يفجرها ويكشف عن اتفاق أوروبي خطير يتعلّق بالمهاجرين غير النظاميين..    السعودية: عقوبة ضد كل من يضبط دون تصريح للحج    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    نبيل الهواشي يؤكد عودة المفاوضات مع وزارة التربية    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    رئيس كوريا الجنوبية يدعو لإنشاء وزارة لتشجيع زيادة المواليد    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    أول تعليق من عميد المحامين على "أزمة المهاجرين"    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير حول انتخابات 25اكتوبر2009
نشر في الحوار نت يوم 03 - 11 - 2009

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
فرع قليبية قربة
تقرير حول انتخابات 25اكتوبر2009
ملحوظة:

هذا التقرير كان نتيجة بحث وتجميع من قبل بعض أعضاء الفرع ومنخرطيه، خاصة المنتمين لحركة التجديد، الذين مكنتهم مشاركة الحركة في هذه الانتخابات من صفة ملاحظ، وهم الذين مكنونا من ملاحظاتهم، بينما نحن، أعضاء فرع الرابطة، مُنعنا حتى من الاقتراب من المراكز الانتخابية، وتمت مراقبانا المراقبة اللصيقة من قبل الشرطة في غير سياراتها بل استعملت سيارات بعض المواطنين لملاحقتنا وكأننا مجرمون، بينما السرقات الخطيرة وعمليات السطو كثيرة جدا وصارت حديث الناس في المدينة ، ونخاف أن يصير هذا الوضع الشاذ قاعدة.
ونحن نقدم هذا التقرير باعتبارنا مواطنين في جمعية تونسية إنسانية قانونية، هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ونرى من واجبنا ألاّ نسكت عما رأينا، ونراه، من تجاوزات، لأن السكوت تشجيع على المزيد من تلك التجاوزات


1) قبل الانتخابات:
أ: قبل الحملة الانتخابية
ب: الحملة
2) يوم الاقتراع .
*************
(1)

بادئ ذي بدء ينبغي علينا الاعتراف، لكن بشيء من المرارة المشوبة بالحزن، بأنه لايوجد في انتخاباتنا" قبل" ولا "بعد" الحملة الانتخابية، فالزمن متواصل بكل موروثه " التجاوزي" من قبل أهل التجمع الدستوري ( بعد السابع من نوفمبر)ومن قبله الحزب الدستوري( قبل السابع)، فكل الأيام في عرف القائمة الحمراء، هي أيام حملات انتخابية، لكن الأيام التي يطلق عليها، قانونيا،" حملة انتخابية" ومحددة بوقت معين، فهي التي تتكاثف فيها الدعايات الانتخابية، الخطابية والتعليقية والحركية، كما تتسع فيها رقعة التجاوزات، خاصة في التعليق، الذي لا تكتفي، فيه القائمة الحمراء، بالأماكن المخصصة للتعليق بل تتجاوزها إلى غيرها، اعتقادا منها بأن كل شيء في البلاد هو من "إنجازات" حزبها، الذي حرر البلاد ورقى بها إلى مصاف الدول المتقدمة، ويسعى إلى بناء الديمقراطية فيها، بينما غيره وجد كل شيء" لقمة باردة".
و مما تجدر ملاحظته، دون بحث ولا نفكير، أن الحزب الحاكم، حزب السلطة، سواء أيام كان اسمه الحزب الحر الدستوري أو التجمع، فإن الإذاعة التونسية، وبعدها التلفزة، لم تسكت لحظة واحدة، عن الدعاية له ولقائماته الانتخابية،الحمراء، طيلة أيام السنة ولياليها، بمناسبة وبدونها، فتنسب كل الإيجابيات له ولرجاله ، وكأن الشعب غير موجود، ولا تتعرض إلى السلبيات والنكسات ( أما من جاء بالتجربة التعاضدية الفاشلة وما صاحبها من قمع وتعسّف وافتكاك لأراضي الفلاحين بالغصب والإكراه، باسم الاشتراكية البورقيبية الدستورية، فذلك من صنع أحمد بن صالح، بينما بن صالح لم يكن إلا وزيرا في نظام رئاسي، والمسئولية فيه يتحملها الرئيس باعتباره المخطط لنظام الدولة والآمر الوحيد فيها ( وقس على ذلك حوادث 26 جانفي 1978 وانتفاضة الخبز)، وفي كل مرة يُقدّم للشعب " كبش فداء" ينشغل به الشعب، وتخرج صورة الرئيس المفدّى، ناصعة الصفاء، و" يا ناسْ ما كان باسْ"، وربي ينصر سيدنا . وكل هذه التحرّكات" البهلوانية"، الديماغوجية جعلت "الاستثناء" يتكدّس ويتراكم، فيصير" قاعدة"، بينما القاعدة يغطيها ركام الاستثناء حتى تراءت هذه القاعدة( نتيجة الوعي المقلوب) استثناء غريبا، مَن يتحدث عنها أو يناقش فيها يكون مشكوكا في فكره، وسلوكه، وانتمائه الوطني( الذي يكون في هذه المعادلة الديماغوجية غير مختلف ولا منفصل عن الانتماء إلى الحزب والرئيس)
والغريب أن كل ذلك يجري دون خجل ولا مراعاة لمشاعر الناس ولا احترام للقانون الانتخابي في كل تنقيحاته المتعددة وطبعاته الكثيرة. ومن هنا يكون مصطلح " المدة القانونية" للحملة الانتخابية لا معنى له، لأنه، في حقيقته وظروفه، لا يمثل إلاّ مجموعة من الضوابط القانونية تخص المعارضة، دون غيرها، فهي المطالَبة باحترام الوقت المنصوص عليه بالقانون الانتخابي، واحترام الأماكن المخصصة للتعليق، بينما القائمات الحمراء، كما ذكرنا ويعرفه الجميع، تعلق في أي مكان وأي زمان، قبل الحملة وبعدها( دون أن تتوقف، حتى، يوم التصويت) وكذلك الإذاعات والتلفازات التونسية وشبه التونسية . ونتيجة لهذا فإن الملاحظات التي سجلناها في انتخابات 2009،هي نفسها في كل انتخابات سابقة( نقول هذا عبر مشاهداتنا في مدينة قليبية وأحوازها وما جاورها): قائمة حمراء، تتحرك وترتع كما يحلو لها، دون رادع، بل تسخَّرُ لها كل طاقات الدولة وإمكانياتها البشرية والمادية، فهل نستغرب من وجود معلقات قماشية وورقية وخشبية في كل الأماكن والفضاءات الخاصة والعامة، كدُور الثقافة ( في جدرانها الخارجية وواجهاتها البلورية) والمعاهد والمدارس ورياض الأطفال، والمقاهي، والمستشفيات،والشوارع والساحات، والحافلات والشاحنات، وسيارات الأجرة بجميع أنواعها، وأحجامها، سواء كانت محلية، داخل المدينة، أو بين المدن و الجهات أو كامل أنحاء الجمهورية ؟
وهناك تقليد موروث ، في قليبية( ولا ندري هل هو موجود خارجها أم هو صناعة قليبية خاصة؟) يتمثل في تجميع كل سيارات الأجرة، تاكسيات،عشية انطلاق الحملة الانتخابية، أمام المعتمدية وتزيينها بصور القائمة الحمراء وبياناتها وشعاراتها، ثم الانطلاق بها في استعراض فرجوي تلقّحه مزاميرها وإيقاعات الفرق النحاسية بالمدينة،( وهي مسَخّرة أيضا) لتجوب شوارع المدينة، حتى يراها الجميع في تحرّكها الوئيد المطمئن. هل يقدر أحدٌ، من مالكي التاكسيات ، على عدم المشاركة في هذا الاستعراض بداعي أنه مطلوب لحمل مريض أو غيره لقضاء شأن متأكد له، إلاّ إذا وضع رخصة ملكيته للتاكسي تحت الخطر المحقق، وهل نقل المواطن لقضاء حاجته المتأكدة أهمّ من المشاركة في هذا الاستعراض الانتخابي ؟وكذلك الشأن بالنسبة لأصحاب الفرق النحاسية، المطالبين بدق الطبول والنفخ في آلاتهم، وقد تنافسوا في التطبيل والجلبة والتزمير تنافسا شديدا، حقق مراده في تنبيه سكان المدينة وتجميع أطفالها، وكل شيء يهون في سبيل إرضاء التجمع وخدمة مناسباته.
(2)
أما يوم الإ قتراع، فهو يوم مشهود، تتكاثف فيه التجاوزات بشكل كبير، حيث تُجَنّد التاكسيات لجلب البعض مما تأخر عن التصويت، وتُبث عيون نشطاء التجمع ( المسخَّرين لهذه المناسبة) والمبثوثين داخل المراكز والمكاتب الانتخابية وأمامها، في حركة لا تهدأ خاصة إذا لوحظ وجود أطراف أخرى ، تلاحظ أو تراقب، فيكون على تلك العيون الإسراع بإلإخبار عن حلول تلك الأطراف (أصحاب القائمات "الأخرى") بالمركز ، وذلك للاستعداد ،اللازم، وتهيئة الجو المناسب لهم ، وإذا صادف وجود أطفال لنيابة آبائهم أو أمهاتهم أو أخواتهم في التصويت( لحظة حضور القائمات الأخرى بالمكتب) فإن رئيس المكتب يقوم بدور مسرحي مفهوم ومفضوح إذ يرفع صوته للأطفال قائلا، يُسمع " الآخرين": التصويت بالنيابة ممنوع. قل لأمك أن تأتي لتنتخب بنفسها" فإذا ما خرج هؤلاء الآخرون، أسرع أحدُ العيون لهؤلاء الأطفال وأرجعهم لمكتب الإقتراع ليقوموا بالواجب الانتخابي، نيابة عن عيرهم، وبهذه الصورة لا تضيع بعض الأصوات، كما تحافظ نسبة الإقبال على مستوياتها المعهودة. أما هل يعرف هؤلاء الأطفال مَن سينتخبون، ولا كيف ينتخبون ، فلا يهم هذا، نظرا لأن الورقة المختارة لهم هي الأهم، ولا تحدث قلقا ولا إشكالا، لا بالنسبة إلى أعضاء مكتب الاقتراع ولا من أصدر لهم التعليمات، وسطّر ما يجب لهم وما لا يجب. أضف إلى ذلك أن أفراد الشعب التجمعية التزموا، عند التصويت وأمام الجميع، بما في ذلك أعضاء مكتب الاقتراع أن يأخذوا من الطاولة ورقة حمراء واحدة للإنتخابات الرئاسية، ويضعونها في الظرف الأبيض المعد لها، ويأخذون ورقة حمرا أخرى للتشريعية فيظرفها الخاص بها ثم يضعون الظرفين كلٍّ في الصندوق الخاص به، رغم أن الانتخاب شخصي وسري وحر ومباشر .
إن كل ما سبق ذكره، يجرنا إلى الحديث عن مكتب الاقتراع:
يكون مكتب الاقتراع ، في العادة، فصلا من الفصول الدراسية بمعهد ثانوي أو إعدادية أو مدرسة ابتدائية، أو روضة أطفال، أو دار ثقافة. ويوجد به خلوة ليختلي فيها الناخب ويختار القائمة التي يريدها، بعد أن يتم التثبت من اسمه وختم بطاقته الانتخابية، حيث يأخذ من الطاولة المنتصبة أمام أعضاء المكتب ، مجموع القائمات المعروضة على الطاولة، وظرفين أحدهما أبيض لانتخاب الرئيس ، وثانيهما مشمشي(ما بين الوردي والأصفر) لاختيار أعضاء مجلس النواب. ثم يتجه إلى الخلوة ليمارس اختياره الشخصي بكل سرية وحرية، ومباشرة، ولا يسمح لأحد أن ينوب آخر في هذه العملية مهما كانت صلته وعلاقته بصاحب البطاقة الانتخابية، كما ينص القانون، وعلى أعضاء المكتب أن يسهروا على تطبيق القانون، أما لماذا لا يقومون بدورهم القانوني فهذا شأن آخر قد يعود إلى رغبتهم في إرضاء مَن عينهم ورضي عنهم، وقد يكون بدافع الخوف( من أشياء كثيرة ومعروفة).
يتكون مكتب اٌلاقتراع من أعضاء ورئيس، تعيّنهم الإدارة من معلمين( وبعض الموظفين) معروفين بالمدينة، عند الشُّعَب التجمعية ويحوزون على رضا الكاتب العام للدائرة الحزبية( وطبعا الكاتب العام للجنة تنسيق التجمع بالولاية، وبالتالي السيد الوالي ومعتمد المدينة)، وهؤلاء الأعضاء لا يُغَيّرون، من انتخابات لأخرى إلاّ بالموت أو المرض المُقعِد، أو ممن يلاحَظ عليهم، في مرة سابقة بأنه" بدأ يسأل" وما إلى ذلك مما يُظَن به الحديث عما يجري أثناء العملية الانتخابية، وما يحف بها، أو أثناءالفرز الأوّلي بالمكتب، وعندها يُستَبدل بغيره يكون أكثر ولاء للجهة المعنية بالرضي والتعيين. ألم يكن من المنطقي والديمقراطي أن يكون أعضاء مكتب الاقتراع ممثلين للأحزاب المعترف بها ويرأسهم قاض؟ كما يكون من الضروري والعملي التقليل من هذه المراكز وجعلها في مجمعات كبرى كالإعداديات أو المعاهد أو دور الثقافة، وما إليها، وذلك لتوفير العدد الكافي من القضاة تحقيقا للشفافية والمناخ الديمقراطي السليم. أما أن تكون القائمة الحمراء خصما وحكما في نفس الوقت، فهذا بعيد كل البعد عن الديمقراطية ومُنافٍ لها، خاصة في ظل احتواء الحزب الحاكم للإدارة وسيطرته المطلقة عليها. وكان على المعارضة( سواء كانت معارضة، منصَّبة، أو معارضة مبدئية)قبل المشاركة في الانتخابات أن تشترط تكوين مكتب الاقتراع على الصورة التي اقترحناها أي أن تلك الأحزاب تطالب بالمشاركة العادلة في تركيبة أعضاء المكتب الانتخابي قبل أن تهرول إلى الدخول في الانتخابات وضمان الدعم المالي لها من السلطة، وهو دعم يتأثر بدرجة القرب والولاء للسلطة وما يتصل به من تنازلات، لاتليق بمعارضة حقيقية . وهذه المسألة بقدر ما دعّمت السلطة وقوّتها، بقدر ما بعثرت المعارضة وقسمتها ، حتى صارت هذه الانتخابات لا تكون بين السلطة والمعارضة بل بين معارضة موالية( وهي معارضة منصّبة) وبين معارضة مبدئية، لاقتسام "صدقة" تصدّق بها النظام ، وبالتالي فإن النتيجة معروفة سلفا بواسطة القائمات التي أسقطت وأكثرها كان للمعارضة المبدئية، وكذلك الشأن بالنسبة للدعم المالي ، وهكذا من كانت درجة ولائه أقوى فالدعم له أكبر، ومن لا ولاء له لا دعم له ، ومَن أعجبه فيا حبذا ومن لا يعجبه فليكسّر رأسه على الحيطان.فهل لهذا الهدف المادي التافه تناضل" المعارضة" ؟ أين النضال في سبيل العدالة والحقوق؟ أم أن قيَم العولمة جعلت كل شيء، حتى المبادئ والقيم، يباع بالمال ؟ الله خِيرْ على الدنيا صرنا نتعارك على بضعة كراسي في مجلس النواب وبضعة ملايين ننكّس لها رؤوسنا ونغمض عيوننا ونلجم أفواهنا وأقلامنا؟ الله يرحمك يا العربي زرّوق ، ويسأل عليك الخير يا من قلت:" تموت الحرة ولا تأكل بثدييها" و" تِكلِبْ الكلبة وما تاكلش صغارها" أما والأمور على غير ما نحب، ونسكت فلتنتشر" البلطجة" والفتوة وتعمل بشرعتها ولا عزاء للمفكرين والديمقراطيين والصحفيين "المنحرفين" وهم يُضرَبون ويُضطَهَدون ويُقمعون ويُختطفون( أليست عصا المؤدّب من الجنة؟) في" دولة القانون والمؤسسات"
وفي هذا المناخ الانتخابي المحتقن( والقوى المتنافسة فيه غير متكافئة) أذكر حادثتين، أرى أنهما يلخصان الكثير من الشؤون الديمقراطية والتربوية، في بلادنا، نعرضهما، بأمانة:
(1) الحادثة الأولى:في صبيحة يوم 25 أكتوبر 2009ذهبت إلى بلدية قليبية للمطالبة ببطاقتي الانتخابية التي لم تصلني، وهناك احتفى بي، مشكورا، السيد رئيس البلدية ومن معه من أعضاء المجلس، وتحركوا، لإنجاز البطاقة والاعتذار عن ذلك العمل غير المقصود، فشكرتهم عن تصرفهم معي، لكن قبل ذلك، وأثناء انتظاري للبطاقة الانتخابية، سألت شخصا يجلس جنبي في قاعة البلدية،المملوءة بالطالبين، مثلي، وقلت للشخص:" هل جئت تطلب بطاقتك الانتخابية؟" وكنت أريد شكره بعد جوابه، لكنه قال لي:" نعم. عندي صغري يقراو، وانخاف عليهم" فسكت ولم أقل له شيئا، فهل عرفتم قصده؟ إنه لا يرى في الانتخاب أنه واجب وحق في نفس الوقت،وبه يمارس الشعب سيادته، بل يرى أنه مجبور على الذهاب إلى مكتب الاقتراع، ليدفع بطاقته ويعرف المشرفون على المكتب أنه شارك في الانتخاب وام يتخلف فينجو من العقاب الذي ربما يلاحق أطفاله في مستقبلهم ودراستهم . وهذا فهم خاطئ دون شك، لكن على من تعود المسئولية في فهمه الخاطئ ، والشخص ليس عجوزا بل يبدو أنه من جيل الاستقلال وهو ، إن لم يتعلم كثيرا فقد تعلم وسمع المذياع وتفرج على التلفاز، وربما انتفع ببعض الوسائل الثقافية ذات العمل المباشر، ومع ذلك كان وعيه مهزوزا ومبتورا، وربما معدوما، فكان يحكمه الخوف ويحركه، ويشكل تصوراته، فكيف نفسر وجود شريحة من المواطنين على هذه الشاكلة، بعد ما يزيد عن نصف قرن من الاستقلال ، بطوريه البورقيبي والتحوّلي ، وما فيهما من تربية وتعليم وتثقيف وإرشاد إذاعي وتلفزي ونهضة مسرحية وسينمائية وانفتاح اقتصادي ، و"تعددية" سياسية وفكرية وصحافية(؟ !)، ومع الأسف الشديد فإننا مضطرون لأن نضع كل هذا ونتائجه موضع التساؤل المرّ، قصد البحث الموضوعي عن الأسباب الحقيقية التي أدت إليه خدمة لبلادنا وقضايانا، بعيدا عن التشنج والصراخ:
(2) أما الحادثة الثانية فلم تكن بعيدة عن الأولى إن لم نقل هي نتيجة من نتائج واقع ضبابي، محكوم بالتناقض والتفرّد بالرأي واستهانة بالمواطن، وببعض مكونات المجتمع المدني، ببلادنا، والتصرف مع المواطن بأساليب غير حضارية، مبنية على أساس من التخويف والترهيب، في تجاهل كامل لحقوق الإنسان وكرامته وحريته وسيادته، التي بسببها يمارس هذا المواطن حقه(وواجبه) الانتخابي. وبطل هذه الحادثة هو رئيس دائرة الشرطة بمنزل تميم ، وزمانها يوم 25 أكتوبر2009 أي يوم الانتخابات، وضحيتها رئيس فرع قليبية قربة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، هذا يشعر بأنه متمترس بالقانون، وذاك مدفوع باجتهادات وتعليمات بوليسية، ترى أن من حقها أن تكون كلمتها فوق كلمة من سواها من المحكومين، الذين لا عليهم إلاّ الطاعة والإمتثال.
وصورة الحادثة كما يلي:
بعدما تسلمت بطاقتي الانتخابية من البلدية اتجهت إلى روضة الزهور( بحي الزهور) وهناك مارست حقي، وواجبي، الانتخابي، حيث وجدت أمام أعضاء مكتب الاقتراع طاولة كبيرة توضع عليها كل القائمات الانتخابية(رئاسية، متساوية الأحجام مختلفة الأ لوان) : حمراء للسيد زين العابدين بن علي، عن التجمع الدستوري الديمقراطي. وزرقاء للسيد أحمد ابراهيم عن حركة التجديد,وأخرى للسيد محمد بوشيحة عن الوحدة الشعبية، وثالثة. وقائمات التشريعية الراجعة إلى التجمع الدستوري الديمقراطي، وحركة التجديد، والوحدة الشعبية، وحزب الخضر، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، والمستقلون، والحزب الديمقراطي التقدمي، والإتحاد الديمقراطي الوحدوي، والحزب الاجتماعي التحرري. كما ينتصب في جانبيْ طاولة المكتب صندوقان أحدهما للرئاسية وثانيهما للتشريعية. أخذت جميع القائمات وتوجهت بها إلى الخلوة( وكانت عبارة عن قطعة قماش سوداء مشدودة بسلك حديدي إلى الحائط، فأدخلت فيها رأسي ويدي بما تحملاته، ثم قمت يالانتخاب السري، ووضعت اختياري الرئاسي في ظرفه الأبيض، والتشريعي في ظرفه المشمشي المصفر، ثم وقعت عند إسمي في الدفتر المعد لذك، وتسلمت بطاقة تعريفي وبطاقتي الانتخابية ثم أسقطت الظرفين في صندوقيهما،وخرجت، ثم رافقت صديقا لي وقمنا بجولة أمام المراكز الانتخابية،دون أن ندخلها بل اكتفينا بالنظر إليها من بعيد. وبعد أن أكملت جولتي وهممت بالدخول إلى منزلي عند منتصف النهار تقريبا،وجدت سيارة فاخرة تربض بالقرب من باب منزلي، فاستوقفني أحد رجال الشرطة من داخل السيارة وبزيه المدني، أعرفه ويعرفني، إنسانيا، لا غير، وجعل يسألني عن أحوالي، مثلما يفعل معي في كل مرة يراني فيها وأراه،فجاملته ردا على مجاملته، ثم قدم لي يجلس جنبه، على أنه رئيس منطقة الشرطة بمنزل تكيم فأعلنت ترحيبي به، ثم واصل الشرطي حديثه العادي معي حتى قال لي:" لعلك تعبت اليوم بالمشي؟" فأجبته:"انقضى الكثير وبقي القليل" واستدركت، مازحا،:" بقي أن أتحول إلى منزل تميم" فقاطعني السيد رئيس منطقة الشرطة بحدة:"إسمع أنت راجل كبير، وما يلزمكش تمشي لمنزل تميم" فسألته:" وما المانع، وأنا لن أدخل إلى مكاتب الاقتراع؟" فرفع من صوته:" لو أنك تذهب إلى منزل تميم سأقوم بحجز السيارة التي تقلك" فقاطعته منصرفا:" بهذا المنطق لا يمكنني الحديث معك" ودخلت إلى منزلي دون أن ألتفت إلى السيارة"
ماذا يعني هذا التصرف ضدي؟ إنه تحديد، لا مبرر له، لتحركي وانتقالي من مكان إلى آخر، وليس هناك حالة طوارئ ولا حكم قضائي صادر ضدي بالإقامة الجبرية أو المراقبة الإدارية، لكن السيد القوي يتعسّف ويعتدي علي ويريد أن يسلبني حقا من حقوقي الإنسانية التي مكنني القانون منها،فينتحل صفة القاضي ويصدر حكمه القاطع ضدي حاسبا نفسه أنه بهذا الأسلوب اللاقانوني سأمتثل له وأسكت عن اعتدائه الصارخ علي،وكان عليه أن يعرف أنني مواطن تونسي حر، ولن أسكت على شيء أراه من حقي، وفعلا لم أسكت ، بل فكرت كثيرا، ثم انتقلت إلى منزل تميم كمحاولة مني لعدم التنازل عن حق من حقوقي، وأن القانون ل يعطيه حق منعي من التنقل إلى أي مكان داخل بلادي. ولم أقتصر على رد الفعل الطبيعي معه، بل كتبت له مكتوبا في هذه الحادثة أبين له فيه غلطه وتجاوزاته للقانون، ورفضي لتلك التجاوزات، وتمسكي بحقوقي، وأرى لو أن كل مواطن ، عندما تُمس حقوقه، يقوم بالدفاع عنها، بالقانون لما تجرأ أحد عليه مستقبة. وهذا نص المكتوب:
بسم الله
قليبية في 27/10/2009
إلى السيد
رئيس منطقة الشرطة بمنزل تميم
من المواطن التونسي:
عبد القادر الدر دوري- قليبية
الموضوع:
محاولة استفسار وتوضيح
تحية وطنية، وبعد
فإن كلمة " المُواطن"، ومنها المواطنة تعني، في جوهرها، أن يعيش الإنسان في رقعة أرضية لها حدودها المعترف بها دوليا، ولها سيادتها وشخصيتها ونظامها الذي يمكّن مواطنيه من حقوقهم وهم بدورهم يقومون بواجباتهم، ومن خلال تمتّعهم بحقوقهم وقيامهم بواجباتهم يمارسون حريتهم( وما الحرية في عمقها الوجودي إلا تحقيق التوازن بين الحق والواجب)، وعلى هذه الدولة حماية مواطنيها، بحماية حقوقهم وواجباتهم في الآن نفسه، ومن هنا وُجِدت الدساتير ووجدت القوانين لتفسير تلك الدساتير.
أقول لك هذا وأنا المواطن، الذي لم يُسلب مني، قانونيا، أيّ حق من الحقوق، ولم أمنع من ممارسة أي واجب من الواجبات، ولهذا فقد استغربت من موقفكم مني صبيحة الخامس والعشرين من شهر أكتوبر2009( عند رجوعي من القيام بواجبي الانتخابي) وأنتم أمام منزلي وفي سيارة مدنية فاخرة وفي ملابسكم المدنية وتخفون نظراتكم تحت نظّارة سوداء، يرافقكم عددٌ من رجال شرطة قليبية الذين أعرفهم ويعرفونني( إنسانيا)، حيث استوقفني أحدهم، يسألني، مجاملا، عن حالي والأحوال عامة فأجبته منشرحا باللفظة العامة" لا باسْ" فاسترسل حديثه معي،قائلا، :" لعلك تعبتَ، اليوم من المشي والتحرك؟" فقلت له: " إنقضى الكثير وبقي القليل" وفهمت قصده فاستدركت قائلا:" بقي لي أن أنحول إلى مدينة منزل تميم" وعندها قال لي الشرطي:" أقدّم لك السيد رئيس المنطقة" فما كان منكم ( يا سيادة رئيس منطقة الشرطة) إلاّ أن عاجلتني بالقول،حازما، متوترا:" إسمعْ. أنت راجِلْ كبيرْ. وعليك ألاّ تذهبْ إلى منزل تميم، اليوم" وتساءلت، مستغربا:" لماذا؟ هل تحسبني أقوم بالدعاية الإنتخابية لأحد، أو سأدخل المكاتب الانتخابية؟ أنا أعرف حدودي القانونية وأعلم بالتراتيب والإجراءات الانتخابية" وعندها أجبتني، بتشنج وعصبية:" إن تعنّت وذهبتَ إلى منزل تميم فسأقوم بحجز السيارة التي ستذهب فيها"وعندئذ صار الأمر غير قابل لمواصلة الحديث مع هذا المسؤول الأمني، الذي يريد أن يتجاهل القانون، ويريد أن يتعسّف على مواطن لم يصدر عنه ما من شأنه أن يضعه تحت المساءلة البوليسية، سواء كانت رسمية أو غير رسمية. فقلت له وأنا أهم بالانصراف:" بهذا المنطق أضطر لقطع الكلام معكم" وواصلت مشيي لأدخل منزلي. ثم قررت التحول إلى منزل تميم صحبة العديد من الرفاق، لا للتّنطّع أو التحدي ، ولكن لأثبت له أنني أتقوّي بالقانون ، وأنه لا مانع عندي ولا عند السلطة من ممارسة حقي في التجول ببلدي، وأنني لا أخاف من أي تهديد أو وعيد، مهما كان مصدره، يتعسّف به عليَّ كائنٌ مَن كان
وانتقلت إلى منزل تميم( وأنا على يقين من أن هذه المدينة تونسية، وأنها غير موبوءة ولامحاصَرَة ولا ممنوعة) تجولت فيها وفي بعض شوارعها ومغازاتها بمدينة، وكانت السيارة نفسها، بمن فيها، تتجول معي وتراقبني وتتبع خطواتي وعندما رجعنا رجعت السيارة وراءنا إلى قليبية. حتى دخلت ثانية إلى منزلي.
فلماذا، يا سيدي الحازم، لم تقوموا بحجز السيارة، كما هدّدتم ظلما وعدوانا؟ لأنكم عدتم إلى الصواب، أو الصواب عاد إليكم، وعرفتم أن تهديدكم لي لم يكن منطقيا ولا قانونيا، وأنكم تعرفون، حق المعرفة، أنه من حقي أن أتجول في بلادي، وليس من حقكم، حتى ولو كنت رئيس منطقة للشرطة أن تمنعوني من ذلك، وكم وددتُ لو أنكم وفّرتم على أنفسكم ذلك التشنج ، وهو لامبرر له، والتزمتم حدودكم القانونية وتكلمتم معي بالمنطق والقانون، وسوف لن تجدوا مني إلاّ الحس الوطني، المسؤول، والوطنية الواعية، الصادقة، الصادرة عن إيمان واقتناع وليس عن طمع أو انتهازية أو وصولية أو خوف. لكن مع الأسف الشديد خالفتم، معي، القانون وأنتم الذين من واجبهم حماية القانون ومنع الظلم . أليس تصرفكم اللاقانوني هذ،ا تجاوزا منكم لوظيفتكم وصلاحياتكم، فاستغللتم وظيفتكم هذه لتخويفي والإعتداء على حقوقي؟ فماذا يكون لو أنني( لا قدّر اللهُ، والعقلُ) قمت برد الفعل المناسب لفعلكم، أمام أعوانكم؟.
أنا احترمت فيكم هيبة الدولة والقانون، وكان عليكم أن تحترموا فيَّ الشيخوخة، والمواطنة، والإنسانية، والفكر، والتعقّل. ألا تستمعون لخُطب رئيس الدولة، وهو رئيس لكل التونسيين. وأنتم؟ ألستم حُفّاظَ أمن كل التونسيين؟ أنا تونسي ولي الحق في العيش الكريم،الآمن، فبأيّ حق تعملون على سلبي مواطنتي، بالإعتداء على حقوقي، بالتخويف والترهيب؟
هداكم الله والقانون والإنسانية، ووفقكم في خدمة الشعب.
والسلام
المواطن :عبد القادر الدر دوري
ديمقراطي تقدمي مستقل ورئيس فرع قليبية قربة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان


الخلاصة:
1) إن كل التجاوزات التي حدثت في هذه الانتخابات ، وفي سابقاتها كانت في جوهرها، وبكيفيات متنوعة، متأتية من عدم استقلال الإدارة عن الحزب( سواء أيام كان يطلق عليه الحزب الحر الدستوري، أو الإشتراكي، أو عندما صار يحمل إسم التجمع الدستوري )حيث يتكلم العمدة والمعتمد واوالي والوزير بلسان الحزب، فيخاف المواطن المسكين على نفسه من الحرمان من بطاقة المعالجة، أو يخاف على دراسة أبنائه ومستقبلهم ، أو على ما يستحقه من إعانات الدولة، والإعلام يغرس في نفسه أن كل ما تحقق من إنجازات في البلاد كان بفضل الحزب الذي قاد البلاد للخروج من الاستعمار وقادها في معركة التنمية ويقودها في إرساء الديمقراطية، وأن سواه يتكلمون ولا يعملون.
2) إن وجود معارضة سياسية في تونس، واقعا وحقيقة، مازال في طوره الجنيني، الهش،( والدليل على ذلك أن هذه المعارضة عجزت عن إيجاد تحالفات انتخابية بينها( طويلة أو متوسطة، أو قصيرة) خدمة لأهدافها وإثباتا لوجودها، جماهيريا، ورفعا لها من قيمتها عند الجماهير الشعبية، بل واجهت حزب السلطة القوي(بالدولة) مشتتة، وانشغلت بالصدقة التي مَنّ بها السلطان عليها، ولم تستطع توفير العدد اللازم من المراقين والملاحظين ، وحتى المترشحين في بعض الجهات، كما أنها قبلت تلك الصدقة لتدخل بها إلى المجالس النيابية والبلدية وكان عليها أن ترفضها وتناضل لإثبات ذاتها داخل الجماهير، وتقدم التضحيات لتحقيق أهدافها)، وقد ساهمت، بقبولها هذا، بغباء سياسي لا مثيل له، في جعل الانتخابات لا تكون بين النظام وبينها بل بينها وبين المعارضات الأخرى التي تسعى إلى التقرّب إلى مائدة النظام وتعمل لنيل رضاه بينما الحزب الحاكم، وهو حزب الدولة ، الذي مر بأطوار عديدة أنضجته وأكسبته الكثير من الخبرات، وإذا ما أضفنا إلى هذا أن الدولة هي التي تحتضنه وتنفق عليه وتسخر له جميع أجهزتها( بداية من الشرطة والحرس وما يتصل بهما، من قريب أو بعيد، فإن "التشكيك" في فوزه الانتخابي، وبنسَب عالية، وفي الظروف التي تعرضنا إليها وتعيشها بكل سلبياتها، لا يصدر إلاّ عن جاهلٍ بالسياسة ومحشوٍّ بالأوهام والخرافات . مع العلم أن تمويل الدولة للأحزاب التي تعترف بها ينبغي أن يُنظَر إليه من باب الواجب والحق وليس من باب الفضل والإحسان، أي أن تلك الأحزاب من حقها الحصول على التمويل من المال العمومي، ومن واجب الدولة تقديمه لها، قانونيا، بعيدا عن عقلية الترغيب والترهيب
3) وتبعا لِما سبق فإن مشاركة هذه المعارضة في الانتخابات( في المرحلة الراهنة على الأقل)، وتماشيا مع قواها الذاتية، الحقيقية، لا الوهمية، ينبغي أن تكون مشاركة رمزية، وضمن قائمات موحدة، وبهدف محدد وهو التعريف بنفسها لدى الجماهير الشعبية، كل ذلك تمهيدا لخلق الظروف الموضوعية لإيجاد مناخ ديمقراطي سليم من الأوهام، لا يتحقق بالتمني والتسول بل بالنضال والتضحيات، حسبما علمتنا التجارب المتعددة التي مر بها شعبنا وحركته الوطنية التحريرية، أو التجارب الأخرى التي عاشتها شعوب العالم، والتي عملت على التفاعل الإيجابي مع كل الظروف المحيطة بها، ولم تنتظر الهدايا من أحد، كما لم تكتفي بالجلوس في النوادي والصالونات، حتى يأتيها" الفرَجُ" وتوضَع في يدها العصا السحرية، لتضرب بها بحار الجمود والقهر، فتنشق لها سبل النجاة والتحرر. إذن: لِمَ تخاف المعارضة وممّ تخاف وهي متمترسة بالقانون، وتعمل بالقانون؟
إن مشاركة المعارضة في أي انتخابات، كما نرى، ماهو إلاّسعيٌ نضالي دءوب، وتربية على الديمقراطية ودعوة متجددة لانتخابات حقيقية، يمارس فيها الشعب سيادته بحق وواقعية.وكلامنا هذا لا يعني تلك المعارضة الصورية " المنصَّبة" والتي تميل مع رياح المصالح الضيقة لأصحابها، حيث تميل، ولكننا نقصد المعارضة المبدئية المرتبطة بنضال الشعب في سعيه نحو الدفاع عن كرامته وحقوقه ومناعته
4) وفي مرحلة المشاركة الرمزية يتكثف النضال السياسي على: أ : المطالبة بحياد الإدارة، وتحريرها من سلطة الحزب الحاكم. ب: التأكيد على أن الدولة يجب أن تكون لجميع التونسيين، وأن تمويلها للحزب المعارضة يكون في درجة واحدة مع تمويلها للحزب الحاكم ، وليس من العدل في شيء أن تمكّن هذا الحزب( ومن احتويه من الأحزاب والجمعيات) من السيارات والأموال والمباني والتجهيزات وتحرم البقية من أبسط الأشياء، لأنها،دستوريا، ليست لحزب واحد،أو فئة واحدة، أو مذهب ديني واحد، بل هي ترعى كل الأحزاب والفئات والمذاهب ( وينبغي لها أن تكون كذلك،دون انحياز لشق ضد آخر، وإلاّ فقدت شرعيتها وصفتها كدولة)
والتحرر الحقيقي للإدارة من هيمنة الحزب سيحقق الكثير من المكاسب، ومن أهميها حياد مكاتب الاقتراع مع مشاركة الأحزاب فيها، وحياد الأمن مما يجعله يقوم بمهامه الأصلية السامية وهي المحافظة على الأمن العام، البعيدة عن تلك" التعليمات" التي تضرب الدستور والقانون وحقوق الإنسان.
والآن؟
ها أن الانتخابات انتهت، بحملتها، بتجاوزاتها، فماذا على المعارضة؟ والجواب، ببساطة، على المعرضة( وأقصد المعارضة المبدئية، لا المنصبة) أن تفتح ملف الانتخابات بكل جدية ومسئولية وطنية، وتراجع أداءها وتصرفاتها، كما عليها أن تتجنب التحرك المناسباتي حيث ترقد طويلا، ثم تتحرك عند الانتخابات، لأن مثل هذا التصرف يجعل مشاركاتها الانتخابية مشاركة رعوانية، إلهائية، مضلِّلة، خادعة.
قليبية في 03/11/2009
رئيس الفرع
عبد القادر الدردوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.