للمرة الأولى في أوروبا أدان القضاء الإيطالي الأربعاء عناصر سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي.اي.ايه" والاستخبارات الإيطالية في قضية خطف الإمام المصري أبو عمر من إيطاليا عام 2003. لكن القضاء الإيطالي أسقط الدعوى عن عناصر أميركيين وإيطاليين بينهم الرئيس السابق للسي.اي.ايه في إيطاليا والرئيس السابق للمخابرات الإيطالية سواء لأنّهم محميون ببند "أسرار الدولة" أو لديهم حصانة دبلوماسية. وأعربت الولاياتالمتحدة إثر ذلك عن "خيبة أملها" لهذه الأحكام التي صدرت في أول قضية تتناول عمليات النقل السرية التي قامت بها السي.اي.ايه في إطار "الحرب على الإرهاب" عقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وقال يان كيلي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحافيين "لقد خاب أملنا للأحكام التي صدرت على الأميركيين والإيطاليين الذين أدينوا في ميلانو". وجرت محاكمة 26 أميركيا غيابيا وسبعة إيطاليين في قضية خطف الإمام المصري من أحد شوارع ميلانو "شمال" في شباط/ فبراير 2003. ولم تشأ وكالة السي آي اي التعليق على الأحكام. وكان بين المدانين ضابط في الجيش الأميركي، ما دفع وزارة الدفاع الأميركية إلى أن تعرب بدورها عن "خيبة أملها". وقال المتحدث باسمها جيف موريل إنّ القضاء الإيطالي "ليست له سلطة على اللفتنانت كولونيل رومانو وكان عليها أن تسقط التهم بحقه "..."علينا الآن أن ندرس ما لدينا من خيارات". وأشار جيف موريل إلى اتفاق بين واشنطنوروما بشأن القوات الأميركية المتمركزة في إيطاليا. والأميركيون الذين أدينوا هم المسؤول السابق عن السي.اي.ايه في ميلانو روبرت سيلدون لادي الذي حكم عليه بالسجن ثماني سنوات و22 عنصرا سابقا حكم عليهم بالسجن خمس سنوات. كما حكم على عنصرين في الاستخبارات العسكرية الإيطالية بالسجن ثلاث سنوات وهما بيو بومبا ولوتشيانو سينو. في المقابل تخلت محكمة ميلانو عن ملاحقة الرئيس السابق للسي.اي.ايه في إيطاليا جيفري كاستللي وعنصرين آخرين في السي.اي.ايه هما بيتني ماديرو ورالف روسوماندو بسبب "حصانتهم الدبلوماسية" كموظفين أميركيين في روما. وفي بيان، اعتبرت المنظمة الأميركية للدفاع عن الحقوق المدنية أنّه "لمن المشين أن تصدر أولى هذه الإدانات في الخارج حيث يمكن للمدانين ألاّ يقضوا الوقت في السجن". وقال محامي المنظمة ستيفن وات أنّ احكام الجمعة "تؤكد حاجة الولاياتالمتحدة إلى تحميل مسؤوليها مسؤولية الجرائم المرتكبة في إطار البرنامج الاستثنائي لنقل مشتبه بهم إلى بلدان أجنبية معروفة بممارستها التعذيب". واعتمدت إدارة بوش البرنامج بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر ثم أوقفه باراك أوباما مع توليه منصبه. وفي ميلانو، قررت المحكمة إسقاط الدعوى عن الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإيطالية نيكولو بولاري ومساعده السابق ماركو مانسيني وثلاثة مسؤولين آخرين في المخابرات. وفي حين بدت السعادة على وجه مانسيني الذي أحاط به محاموه طالبين منه عدم الإدلاء بأيّ تصريحات وصف الكولونيل لوتشيانو سينو، الذي حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، الحكم ب"الجنوني" وقال "كيف يمكن إخلاء سبيلهم وإدانتي أنا؟". وأشاد مساعد المدعي ارماندو سباتارو الذي طالب بالسجن 13 عاما لبولاري والسجن 12 و11 عاما لجميع المتهمين الآخرين بهذا الحكم الذي ينهي قضية "صعبة" بدأت في حزيران/ يونيو 200، معتبرا أنّه نجح في "كشف حقيقة الوقائع". وقد أوضح القاضي أوسكار مادجي أنّ المسؤولين الإيطاليين السابقين الخمسة يحظون بحماية بند "أسرار الدولة" ومن ثم لا يمكن محاكمتهم. وكان محاموهم تذرعوا باستحالة إثبات براءتهم بسبب سرية تفاصيل القضية. ولم يستبعد المدعي استئناف الحكم بالنسبة للمتهمين الإيطاليين منتقدا التذرع ببند "أسرار الدولة الذي دافعت عنه حكومتان" هما حكومة وسط اليسار برئاسة رومانو برودي ثم الحكومة اليمنية بزعامة سيلفيو برلسكني. وتأجلت هذه المحاكمة عدة مرات مع تذرع الحكومتين بضرورة عدم الكشف عن بعض العناصر التي يمكن أن تشكل تهديدا للأمن القومي. وقد أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن ارتياحها للحكم رغم إفلات أكبر المسؤولين من الإدانة وقالت جوان مارينر المسؤولة في المنظمة "لا أحد اعتبر بريئا" وأضافت أنّ "الحكومة الإيطالية اعتبرت مسؤولة عن التعاون مع السي.اي.ايه ما يعد حكما شجاعا لمحكمة إيطالية". من جهته قال جاكوبو فينير المسؤول في الحزب الشيوعي الإيطالي منددا "بفضل أسرار الدولة لن نعرف أبدا ما إذا كان بلدنا متورطا في حوادث خطف غير قانونية وعمليات تعذيب وانتهاكات للقوانين الدولية". وقد خطف الإمام الإسلامي المتشدد، واسمه الحقيقي أسامة حسن نصر، الذي كان يحظى بحق اللجوء السياسي في إيطاليا، في 17 شباط/ فبراير 2003 من أحد شوارع ميلانو. ونقل أبو عمر على الإثر إلى قاعد افيانو الأميركية في إيطاليا ثم إلى المانيا قبل أن يتم ترحيله إلى مصر حيث سجن لمدة أربع سنوات تعرض خلالها كما يؤكد للتعذيب. وطالب أبو عمر بعشرة ملايين يورو على سبيل التعويض المادي والمعنوي عما تعرض له من "تعذيب وإهانات لا يتصورها بشر" كما قال بعد نقله إلى سجن أمن الدولة في القاهرة. ولهذه القضية اهميّة رمزية كبرى لأنّها الأولى في أوروبا التي تتعلق بعمليات النقل السرية التي قامت بها السي.اي.ايه بعد اعتداءات 11 ايلول/ سبتمبر لنقل أشخاص يشتبه في انهم إرهابيون إلى دول من المعروف أنها تمارس التعذيب. وقد قضت المحكمة بأن يدفع جميع المدانين للإمام السابق تعويضا بقيمة مليون يورو ودفع 500 ألف يورو لزوجته.