هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    دورة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة العاشرة عالميا    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    انتشار ''الإسهال'' في تونس: مديرة اليقظة الصحّية تُوضح    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    الكشف عن توقيت نهائي رابطة الأبطال الإفريقية بين الترجي و الأهلي و برنامج النقل التلفزي    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتماء المرأة للإسلام: معناه وحقيقته؟
نشر في الحوار نت يوم 11 - 11 - 2009


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين

انتماء المرأة للإسلام: معناه وحقيقته؟
مقدمة: إنّ الكثير ممن يتناول قضية المرأة حتى من الإسلاميين يركز على الجانب الحقوقي لها؛ ذلك أننا نجد في العقود الأخيرة هجمة شرسة على الإسلام من بعض الجمعيات النسائية التي نصبت نفسها للدفاع عن المرأة وبيان حقوقها؛ والمتهم الرئيس هو الإسلام الذي غمطها حقها في نظرهم وسلبها حريتها، وتزعم دعاة التغريب هذه الحملة الشعواء وأخذوا يكيلون الإسلام الاتهامات جزافا، وانبرى الدعاة للدفاع عن الإسلام وحُق لهم، فسارعوا إلى كشف الشبهات وبيان حقوق المرأة في الإسلام، وبين هذه الهجمة والرد عليها أُغفل الجوهر وأُهملت القضية الحقيقية للمرأة؛ ولم تُنبه إلى أن الإسلام يدعوها لتكون أحسن من الرجل لا أن تكون مثله فحسب، وأنها والرجل في ميزان الشرع سواء أتقاهم لله أكرمهم عنده؛ وقد قال من تحسس هذه الحقيقة:\" لقد انشغلنا بأمر الدفاع عن المرأة وبيان حقوقها ومكانتها في الإسلام عن بناء شخصيتها، واستيعاب دورها واستشراف المستقبل الذي ينتظرها، والقدرة على استلهام قيم الوحي واستيعاب الواقع لتوليد الفقه المناسب لحركتها وممارستها الشرعية\" .
حقيقة الإنتماء: إن حقيقة انتماء المرأة للإسلام كانتماء الرجل؛ عليها أن تلتزم بشرع الله وتؤدي تكاليف الشريعة الإسلامية التي أمر الله المسلم والمسلمة بأدائها ويتساويان في ذلك سواء بسواء، وهذا مابينه الله في كتابه العزيز؛ فالولاية الجامعة بينهما تقتضي الإسراع إلى الإصلاح في المجتمع وإقامة دولة الإسلام والخلافة في أرض الله لإسعاد عباد الله؛ وأيضا الامتثال لأوامره والتزام طاعته.والمؤمنة التي تسعى بجهدها إلى القيام بشرع الله وتمثله في حياتها موعودة كما المومن برحمة الله ورضوانه لا إخلاف لوعد الله.
إنتماء المرأة للإسلام معناه أن تجتهد المرأة في عبادة الله وطاعته وامتثال أوامره واجتناب معاصيه ذلك أن المرأة مصنع الرجال ومحضنهم؛ فالأمهات التقيات النقيات هن اللائي ربين عظماء الرجال من أمثال مالك بن أنس رضي الله عنه والإمام أبي حنيفة النعمان؛ والإمام عبد القادر الجيلاني والإمام ابن تيمية...رحمهم الله جميعا هؤلاء الصفوة الذين تركوا بصماتهم على صفحات التاريخ وغيروا معالمه وجددوا للناس حياتهم الدينية والدنيوية، لو تأمل الدارس لحياتهم لتبين له جليا أن لأمهاتهم الأثر الكبير في تقويم سلوكهم، ولعرف أن الأم هي المدرسة الأولى التي تخرج منها هؤلاء العظام، فالإمام مالك رحمه الله تُبين لنا سيرته الحافلة أن أمه هي القيَِّمة على تعليمه وتحملت مع شظف العيش وقلة الزاد أعباء التعليم والتربية وتعهدته حتى قال أحد ملوك عصره: \"لا يفتى ومالك في المدينة\".وكذلك الإمام الجيلاني رحمه الله المربي للنفوس المريضة تُطلعنا سيرته العطرة أن أمه طبعت قلبه الصغير بوصية تعهدها منذ نعومة أظفاره إلى مُواراته التراب؛ ذلك أنه في أول رحلته العلمية أوصت إليه أن لا يكذب، فكان أن تعرضت قافلته التي خرج معها للنهب والسلب، فما كان من الولد الصالح إلا أن اعترف لقاطعي الطريق هؤلاء بكل ما يملك من أموال في سرته، ولقوة الصدق الذي يحمله في فؤاده الصغير وبين جوانحه أظهر ما أخفاه من ماله. فلما سأله المعتدون استغرابا للصدق الذي أقدم عليه ولم يعنف أو يرغم على ذلك أجاب الصادق في وثوق من نفسه \"أوصتني أمي أن لا أكذب وما كنت لأخالف أمرها\" فكانت لهجته الصادقة أبلغ عبرة لأولئك في أن يتوبوا مستحيين من الله من سوء فعالهم، وكُتبت هدايتهم على يدي الولد الصالح الذي حمل رسالة أمه يصدح بها في الآفاق معلنا أن الصدق الذي تعلمه من أمه هو شعار حياته، ومازال كذلك يعلم مريديه الصدق مع الله ومع الناس ومخبرا بأن الأم هي أول من تربى فيها قبل شيوخ التربية الدالين على الله.سردت هذه القصة – وما أكثر هذه القصص والنماذج قي تاريخ الأمة- لتعلم المسلمة أن التربية المنوطة بها هي من أعظم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولأن ولدها يُصنع على عينيها وتُشكل قيمه وُتبنى شخصيته على يديها؛ وإذا كان الأبوان هما اللذان يؤثران في الطفل ويطبعان حياته بأخلاقهما وقيمهما وديانتهما؛ فإن الأم هي من يؤثر أكثر وتُرجح كفة تربيتها لكون الولد أكثر التصاقا بها واقتداء وتأثرا، ولذا كان اختيار الزوجة الصالحة من ركائز بناء الأسرة المسلمة.
القدوة الحسنة في الصالحات::إن الناظر في تاريخ البشرية يتبين له بوضوح أن النساء اللاتي غيرن وجه العالم يتصفن بشخصية قوية وعزيمة راسخة كالجبال، وقد أنبأنا القرآن الكريم بنماذج فريدة من أمثال مريم ابنة عمران المحصنة لفرجها المتبتلة، فابتلاها الله- بل شرفها- بأن نفخ فيها من روحه فصبرت على أقاويل الناس وافتراءاتهم. كما يحكي القرآن عن امرأة عظيمة أخرى هي آسية بنت مزاحم – زوجة فرعون- وضربها الله مثلا يُتلى إلى يوم القيامة، ذلك أنها آثرت الدار الآخرة على القصور الفارهة والمُتع الفانية، والنعيم الباقي على الجواهر الزائلة، وقهرت بعزيمتها التي تفل الحديد وصمودها الذي لا يلين غطرسة زوجها المستكبر، فأرغمت أنفه ومسحت بعنجهيته الوحل ولاقت ما لاقت احتسابا وجلدا ويقينا بموعود الله وجزيل مغفرته.
المرأة المسلمة المشرَفَّة بتاج الحجاب رمز العفاف و الحشمة والحياء، تنظر بنور الله إلى من سبقها من الصالحات فتستمد منهن الأخلاق الكريمة، وتعتبر بالمحن التي نزلت بهن وتتسلح بالسلاح الذي تسلحن به وبالعزائم التي تحلين بها، هذه المؤمنة التي تحب الله ورسوله وتحب دينها وتسعى إلى تقديم النفع والخير لأمتها عليها المعول- بعد الله – في أن تحافظ على الفطرة وتحفظ أخلاق المجتمع من الضياع والاندثار، وهي في تربيتها للنشء وتقويمها للأخلاق هي في ذلك كالملح للطعام، لكن ما يصلح الطعام إذا الملح فسد؟!.
كانت المرأة المسلمة هي أول من نصر الدين وضحت بالغالي والنفيس من أجل نصرة النبي الكريم؛ وهي التي آوت ونصرت واحتضنت الدعوة الإسلامية في بدايتها حين كانت ضعيفة، فآزرتها حتى قويت وترعرعت واستوت على سوقها؛ فلم يكن انتماؤها هذرا أو صفرا على الشمال، وليس عن إكراه وإرغام بل كان انتماءا حقيقيا ومؤثرا، وقد تجلى ذلك في التضحيات الجسام التي تكبدتها والمعاناة التي قاستها إبان الدعوة الإسلامية النبوية حين احمرت الحَدَقُ واستشرت حمية الجاهلية، والموت الزؤام يتربص بكل من يعلن إسلامه أو\" يصبأ بلغة قريش\". وفي وسط كل هذا الزخم برزت المومنة في طليعة الجهاد بكل معانيه وفي طليعة الإيمان والطاقة الخلاقة الداعمة للدين ورسوله صلى الله عليه وسلم كما كان حال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد [ 68 3ق هجرية / 556 620م ] رضي الله عنها.. حتى لقد كان عام وفاتها عام حزن المسلمين ورسول الإسلام ودعوة الإسلام..وطليعة شهداء الإسلام.. كما جسدتها شهادة سمية بنت خياط [ 7ق هجرية 615م]، أم عمار بن ياسر [ 57 ق هجرية 37 هجرية /567 657م ].وطليعة المشاركين في العمل العام السياسي منه ، والشوري ، والفقهي ، والدعوي ، والأدبي ، والاجتماعي. بل والقتالي - كما تجسدت في كوكبة النخبة والصفوة النسائية التي تربت في مدرسة النبوة.
مسؤوليات المرأة المتكاثرة::وإن المرأة اليوم عليها تحمل المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها، ولابد أن تخرج عن صمتها وتقوقعها؛ ويجب أن تعبر عن انتمائها الحقيقي للإسلام، فالإسلام كما بدأ غريبا فقد عاد اليوم غريبا، ولا غرو أن نجد المرأة المسلمة المتشبثة بدينها أصبحت غريبة في بيئة انتشر فيها نموذج المرأة المتحررة من كل القيم، والمتعرية من كل خلق، والخارجة على الناس بشكل مغر ومخز، والمتنحِّلة نِحلة الموضة المسخ.وفي منظور الفكر المعوج الدخيل علينا والذي أخذناه بعُجَره وبُجَرِه فاصطبغت به عقولنا وجعل الغشاوة تعلو أبصارنا. وكسفت ظُلمته نوَر بصائرنا فصير -بقدرة غلبته واستفحاله في النفوس- المعروف منكرا والمنكر معروفا.العجب العُجاب أن المسلمة المتحجبة \"المتدينة\" في زماننا ُتنعت بالتخلف والرجعية وهلم جرّاً َ من النعوت الخسيسة، والأوصاف الذميمة التي تُكال لها ظلما وزورا؛ أما التي تعرت وأظهرت ما أمر الله إخفاءه من زينتها واتبعت داعي الغواية والضلالة وسايرت موضات العصر وموجات السفور والفجور فنعما هي المرأة عند الهمج الرعاع أتباع كل ناعق؛ هذه التي يسخِّرون كل وسائل العصر حتى تظهر على صور ممسوخة، تارة في ساحة عرض الأزياء وتارة وراء لائحة إشهارية، ناهيك عن الصور المُهينة في الأفلام والأغاني المصورة وغير ذلك من الغث الكثير.ثم بعد ذلك ينبري الأفاكون المفترون ويفتحون أفواههم النتنة ويرفعون عقيرتهم \" نحن من حرر المرأة\".بئسما سولت لهم أنفسهم أن زعموا أن ما وصلت إليه المرأة اليوم من شقاء وتعاسة تحرر وتقدم ورقي.كذبوا والله في ترهاتهم وأكاذيبهم، قد فضح الواقع المرتكس المنتكس للمرأة زعمهم الكاذب ؛ ما افتراءاتهم على الإسلام وطعنهم في الحقوق التي أقرتها الشريعة الإسلامية للمرأة إلا ذر للرماد في العيون لاستمراء الإباحية وتطبيع العالم بالدياثة والشهوانية البهيمية، وتأليف الناس على الرذيلة والخنا، وتعويدهم على حياة تستباح فيها الأعراض وتغتصب فيها القيم والمثل، وتُستحقر فيها الذمم ويُستخف فيها بالنفوس الأبية الغيورة.لكن هيهات أنى لهم ذلك، والمصلحات من أمتنا أطبق صيتهن الآفاق وأقمن في عروشهن مملكة الحياء والإيمان والأخلاق الفاضلة، وليس كتلك المدينة الفاضلة التي يتغنون بها وما ذاقوا لها طعما ولا شموا لها عرْفاً؛ والمومنات المصلحات بنات الصحابيات المجاهدات يزحفن لتطهير الأرض من الحثالة الفاجرة والوباء البشري الخبيث، ويستأصلنه من شأفته وجذوره برحمة ورفق الإيمان المشعشع في قلوبهن وبعون القوي العزيز الرحيم.
إنتماء المرأة للإسلام معناه أن المرأة لاتملك في الحقيقة نفسها ولا يحق لها أن تتصرف وفق هواها؛ ولكن المرأة المسلمة يتوجب عليها أن تحمل الرسالة الإسلامية بجد وتبلغها إلى الناس، وتتحمل في سبيل ذلك كل المصاعب والمشاق ولا ينبغي لها المرة أن تتزحزح قيد أنملة عن مبتغاها ذاك حتى ولو أدى بها ذلك إلى فصل رأسها عن بدنها. وهذا هو الجهاد الكبير الذي أبانته المرأة المسلمة في تاريخ الإسلام ومازالت تضحي في سبيل الله إلى يوم الأشهاد يوم يقوم الناس لرب العالمين.
المرأة المسلمة الفطنة اليقظة القلب القوية العزم والإرادة.هي التي تحمل هم الإسلام ونصرته، وتذود عن حماه وتعمل ليل نهار على إعلاء راية الإسلام، وتنهج نهج الصالحات المصلحات نهج خديجة الكبرى وعائشة وفاطمة وزينب الغزالي... هذه الجواهر الغوالي اللائي رفعن الإسلام عاليا وأقمن دولته في قلوبهن وبيوتهن ومجتمعهن؛ ودعوتهن ملأت الآفاق وأطبقت مناكب الأرض وعنان السماء، وأنشدن بلسان الحال:
وخل الهوينا للضعيف ولاتكن نؤوما فإن الحزم ليس بنائم
ولم يتوانين عن ترداد:
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود.
ورسمناها خطى للعز والنصر تقود.
فتقدم يا أخت الإسلام قد سار الجنود.
ومضوا للمجد إن المجد بالعزم يعود.
ولهن الشجاعة التي تطوح بالاستكبار وتعيد للدين المجد والفخار؛ قائلات في إقدام وثبات:
مهما عتا الأقزام والأعبد.
ولوحوا بالقيد أو هددوا.
عن نصرة الإسلام هل أقعد؟
لا؛سوف أبقى دائما أنشد.
بفجره لابد يأتي الغد.
المرأة المصلحة المربية::المسلمة التي تسلك سبيل المومنين وتحمل معهم هم الدعوة إلى الله وهم المسلمين وأحوالهم يتوجب عليها أن تتعلم وتتزكى وتتلو آيات الله وتفقه سنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى تصل إلى رضوان الله ومحبته. واتباع أمر الله هو الأمر الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة \" فعلى قدر رسوخ القدم على طريق الإتباع لأمر الله..على نهج الإتباع لرسوله..يرتقي الإنسان في طريقه وسيره إلى الله تعالى؛ لأن ثمرة السير إلى الله نيل المحبوبية عند الله والتحقق بالمحبة لله، وقد منع الله على الناس حصول هذا الأمر بغير طريق واحد..وهو حبيب الواحد..سيدنا ومولانا محمد. أمره الله أن يخاطبنا... يقول لنا: يامن أردتم نيل قرب الله.. يامن اشتقتم المصافاة..يا من رغبتم في المداناة ..كل هذه ممتنعة إلا إذا جئتم من بابي..إلا إذا دخلتم من طريقي إلا إذا ارتبطتم بحضرتي..\" .
وقد ترضى الأخت المومنة القعود عن الجهاد وتأنس برغد العيش ومتاع الدنيا وزخرفها ويذهب بلُبها بريق الجواهر ولمعانها، وتتابع ما جَدَّ واستجد من أخبار الغافلين من الممثلين والممثلات وما برز في السوق من جديد الثياب وغريب الأزياء..ولا يليق بها ذلك ولا ينبغي لمومنة أن تهبط بعقلها؛ وتنحدر بهمتها إلى الدرك والحضيض. إن عزائم الأمور لا تدرك إلا بالحزم والجد والقيام بأمر الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا يضرِك أيتها المومنة أن تعملي لدنياك لكن اجعليها مطية و مزرعة لآخرتك؛ بأخلاقك السامية وسمتك الحسن وتفاؤلك الدائم تنالين السعادة الأبدية؛ يقول العلامة القرني في أحد كتبه:\"أيتها المسلمة الصادقة؛ أيتها المومنة المنيبة، كوني كالنخلة بعيدة عن الشر، رفيعة عن الأذى، تُرمى بالحجارة فتُسقط تمرا، دائمة الخضرة صيفا وشتاء كثيرة المنافع، كوني سامية المقام عن سفاسف الأمور، مصونة الجناب عن كل ما يخدع الحياء، كلامك ذكر، ونظرك عبرة، وصمتك فكر، حينها تجدين السعادة والراحة، فينشر لك القبول في الأرض، وينهمر عليك الثناء الحسن والدعاء الصادق من الخلق؛ ويُذهب الله عنك سحاب الضنك، وشبح الخوف، وأكوام الكدر، نامي على زجل دعاء المومنين لك، واستيقظي على نشيد الثناء عليك، حينها تعلمين أن السعادة ليست في الرصيد، وإنما في طاعة الحميد، وليست في لبس الجديد، ولا في خدمة العبيد، وإنما في طاعة المجيد.\" .
العود الحميد للدين الحنيف : إن ما ينتظرك أيتها المرأة المسلمة من تربية الأجيال و \"صناعة الإنسان\" وبنائه عاطفيا وأخلاقيا وعقليا يستوجب عليك أن تكوني مربية ومؤدبة، وعليك أن تكوني مدرسة كاملة حتى تعطي مجتمعك الرجال الصالحين.إن المجتمع الذي يفتقد المرأة الصالحة الواعية بدورها الفعال منخور معلول؛ وإذا قيل إن المرأة نصف المجتمع فإنما أريد به الجانب الإحيائي أي إن المرأة مع الرجل يسهمان في إنشاء أسرة ومن ثم المحافظة على بقاء الحياة على وجه الأرض، وإلا إذا رُمت الحقيقة فإن المرأة هي كل المجتمع، ألا ترى أن الباري عز وجل سمى أول امرأة في الوجود \"حواء\" نظرا لكونها مصدر الحياة والعطف والرحمة في الوجود على أمنا حواء وأبينا آدم السلام في الأولين والآخرين؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ » .
وقد أتبثت الدراسات العلمية أن التربية التي يتلقاها الولد في نعومة أظفاره تبقى راسخة طول العمر وأن كل ما يتلقاه في السنوات الأولى يؤثر فيه سائر حياته؛ فكيف يمكن أن نجعل المرأة نصف المجتمع وهي التي تشكل لنا المجتمع برمته وتضع لبناته الأولى ونواته الأساسية؛ وقد صدق الشاعر في حديثه عن الأم:
الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
وحري بمجتمع يروم العدل في قيام دولته، وينشد الإحسان في سيره الفردي والجماعي إلى الله، أن يشرك معه المرأة بل أن يجعلها مصب اهتمامه ويكرمها الإكرام اللائق بها. كيف ينتظر أن تقوم دولة تعدل بين الناس والبيت الذي هو أس المجتمع يخيم عليه الظلم ويتعاوره الحيف من كل مكان؟ أم كيف يربي على العدل من لم يتربى عليه ولم يقدُره حق قدره؟ فهل ينتظر من الأرض القفار إلا الشوك والحصى؛ ومن ينتظر منها الورود اليانعة فهو حالم سادر في غفلته؟ إن المرأة هي من يربي الأبناء اتفاقا؛ وعليها أن تكون المثل الأعلى في ذلك لأولادها؛ وإذا انتشر في البيت الحيف والظلم والحرمان من أساس العدل، والولد يرى ويسمع ما يقع من التمييز بينه وبين إخوته، وتفضيل البعض على البعض، أو يعي الظلم الذي قد يكون بين أفراد الأسرة فذلك كله يفتح خرما واسعا في سلة التربية على العدل والقسط. وهذا ما ترشد إليه المدرسة النبوية ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتزام العدل أولا في بيوتنا وخاصة من طرف الأم والأب. وقد عنون الإمام البخاري رحمه الله - الذي تحمل تبويباته الفقه - أحد أبواب الحديث بقوله باب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئاً لَمْ يَجُزْ، حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِىَ الآخَرِينَ مِثْلَهُ، وَلاَ يُشْهَدُ عَلَيْهِ. ثم أورد الحديث الشريف قائلا وَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ في الْعَطِيَّةِ». وفي رواية لأبي داود عَنْ حَاجِبِ بْنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ الْمُهَلَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ». ولم يتهاون الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة ولم يتركها للهوى وللعواطف المنحرفة نظرا لعواقبها الوخيمة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع؛ بل حسم الأمر ورد من لم يسو في عطاياه بين أولاده؛ أخرج البخاري رحمه الله عن عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أعطاني أَبِى عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّى أَعْطَيْتُ ابْنِى مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِى أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَال: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا». قَالَ لاَ. قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ». قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. وفي رواية الإمام مسلم رحمه الله: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا في أَوْلاَدِكُمْ» وعند الإمام الدارقطني: «لَيْسَ مثلي يشهد على مِثْلِ هَذَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ أَنْفُسِكُمْ».
إن هذه الأحاديث وغيرها لا تتحدث عن العدل بين الأولاد، لغرض تزجية الوقت أو لإشباع الفضول الفكري للمسلم والمسلمة، وإنما ليعلم المربي ذكرا كان أو أنثى أنّ من ورائه مسؤولية عظيمة؛ هي حمل الولد على أن يسوس حياته كلها بالعدل، وأن يأخذ كل أفعاله بقدر الاستطاعة على هذا المبدأ العظيم، ولا ينفك لحظة عن تربية النشء على ذلك حتى تنشأ الأجيال المومنة وهي لا تقبل سوى العدل في مجتمعها؛ وحتى يسود المجتمع الرجال القوامون بالقسط الذين يضحون بما يملكون من أجل بقاء راية العدل خفاقة تعلو ربوع الأرض، "حتى يمشي العبد في بقاع الأرض وهو لا يخاف إلاّ الله والذئب على غنمه".
أما التربية الإحسانية فمما يلزم المومنة القيام بها تجاه أولادها، وقبل ذلك عليها أن تتمثلها في حياتها وإلاّ كانت التربية المنتظرة منها اعوجاجا يضاف إلى اعوجاج، ما يٌنتظر من امرأة غافلة عن الله سادرة في غيها، لا تطلب المعاني الإحسانية ولا ترجو الله واليوم الآخر؛ لا ينتظر منها قطعا إلا ذرية جوفاء بلهاء ونسلا كاسدا، ولا تضيف للمجتمع إلاّ كما مهملا وغثائية عددية، لقد وجه المربي الرحيم محمد صلى الله عليه وسلم إلى تنحيل الولد الأخلاق الحسنة وتأديبه الآداب الإسلامية السامقة الرفيعة وتعليمه أمر دينه؛ يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَداً مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ». إنّ المرأة مطالبة بتربية أهلها (أولادها) على حبّ الله وحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، والشوق إلى لقائه وطلب مرضاته، والمطلب الإحساني لا يطلبه إلاّ ذوات الهمم العالية والنفوس المخلصة، ولا يربي عليه إلاّ الحصيفات الذاكرات الله آناء الله وأطراف النهار.
بناء مصنع الرجال: إنّ المجتمع القائم لله بالعدل السالك مسلك الإحسان لن يتحقق ما دام الفاعل والمربي الأول غائبا أو مغيبا من قبل صانعي القرار؛ أو "المجتمع الذكوري" الذي يعتقد أنّ القوامة معناها إقامة الحجْرِ على المرأة وإضعافها وتقزيم دورها في المجتمع. وقد وردت أحاديث كثيرة تبين أنّ الاهتمام بالمرأة صغيرة وكبيرة من أوجب الواجبات بل هو من الأعمال الجليلة المنجية من النار يوم القيامة؛ فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَاباً مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ أَوِ ابْنَتَانِ أو أختان فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ». وروى أَبِو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِه إِيَّاهُنَّ». فَقَالَ رَجُلٌ أَوِ اثْنَتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛قَالَ: «أَوْ ثِنْتَانِ». فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَوْ وَاحِدَةٌ». وعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ أَخَوَاتٍ حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْن وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى». هذه الأحاديث الكثيرة تروي لنا فضل التربية الحسنة للبنات، ونقف مليا عند قوله صلى الله عليه وسلم: "فصبر عليهن" وقوله: "فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنّ". فيظهر للمتأمل فيها أنّ الصبر على تربية المرأة بنتا أو أختا، واتقاء الله فيهنّ مما يوجب الجنة بل مما يجعل المربي يتبوأ مكانة مثل مرافقة العدنان في الجنة؛ إنها لعقبة كؤود تلك التي يقتحمها المومن في التربية، ومما لا ريب فيه أنّ الصبر الذي يُرزَقَه المومنُ في تربية المرأة بغرس الحياء والحشمة فيها، والعفاف والصدع بالحق، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهو الكفيل بإصلاح المجتمع الذي عم فيه الفساد وطم؛ وهو الأمر الذي يلزم القيام به لإخراج الأمة من تخلفها وتضعضع أركانها، وإيقاظها من سباتها القروني الطويل.
لا شك أنّ دعاة التحرير من أبناء جلدتنا المغربين لا يتحرقون لما يصيب الأمة في مصابها الجلل من انحلال أخلاقي وتفسخ قيمي وذوبان المرأة المسلمة في عادات غريبة على الدين وعلى المجتمع المسلم والتي أهلكت الحرث والنسل، وألقت بظلالها على الأسر ففكت أواصرها وقطعت دابر التآزر والتراحم فيها. والغريب العجيب يقع في حل هذه المعادلة المعقدة؛ ذلك أنه لما يأتي الرجل الغيور على دينه يريد أن يطبق شرع الله في بيته يجد أنه ينطح الجبل برأسه، حيث يبدأ أول ما يبدأ في وضع قوانين صارمة فيضغط في الاتجاه الآخر للتيار التحرري المزعوم؛ فيقفل على المرأة الأبواب بأقفال من حديد ويجبرها على مقاطعة العالم الخارجي خشية أن تطالها رياح التغيير الهوجاء أي تغيير الفطرة؛ فيعمد إلى إرغامها على عقد خرقة على رأسها ولبس ما يغطي من الثياب عورتها، وتبقى هي ناقمة على وضعها تنافقه بمظهرها حتى يغيب عن ناظريها ثم تفعل ما بدا لها، وهو ما يزال يزين مظهر الدار الخربة ويعتني بالقشور ويترك اللباب حتى تقع المصيبة على أم رأسه؛ وكل من يعتني بالمظاهر التي لا تمس الجوهر يبقى كطائر يغرد خارج السرب، لم يتربّ من المدرسة النبوية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم أنّ الرفق والرحمة هي الدروس الأولى ثم التدرج والقدوة الحسنة ويليها من ذلك غرس بذور الإيمان في القلب وملؤه بحب الله وحب رسوله، وإقناع العقل أنّ الدنيا إلى زوال وأنّ ما دون الله إلى فناء وهلاك، وإشباع فؤاد المومنة بالمعاني الإحسانية الإيمانية.
خلاصة: إن التربية الروحية الإيمانية إذا أُفرغت منها المرأة وانصب الاهتمام على الشكل والقشور يُخشى أن يُكشف الزيف في أول صدمة مع الواقع المليء بالمغريات والمهلكات، ففي هبة الريح الفتنوية تطير الخرقة المعقودة على الرأس وتتبعها المظاهر التي تبدي أنّ فلانة كانت "ملتزمة" ويذهب الزبد جفاء؛ إذا لم تعقّم المرأة بالتربية على أساس المنهاج النبوي ضدّ الانحراف الأخلاقي الذي يموج به العالم ويمور به المجتمع والإعلام والاحتكاك ومخالطة مثيلاتها، فإنها بدل أن تقاوم وتتغلب على الداء العضال ستكون صريعته الأولى معدية حاملة له إلى من وراءها. لا بد من الإقرار بأنّ المرأة المومنة هي الأمل الوحيد لهذه الأمة في استعادة حياتها وقوتها ومجدها الغابر التليد؛ فعلى المربين أن يولوا المرأة عناية كبيرة ويربوها التربية الإيمانية الإحسانية المبنية على العدل والحرية والكرامة، ويُؤدون لها كامل الحقوق التي كفلها لها الإسلام؛ وأنت أختي الملاذ بعد الله في نصر الأمة المغلوبة على أمرها بعد أن تستعيدي عافيتك، وتقومي من رقاد غفلتك وسهادك، وتنفضي عنك الغبار المكدس عليك قبل قرون، وترفعي لواء الحق والعدل والإحسان؛ وتعيدي لنا المجد التليد ويكون لنا العود الحميد لديننا المجيد. إنّ الخلافة الموعودة لا تتحقق إلاّ إذا كانت المسلمة الولود الودود تربي البنين والبنات على ما يرضي الله؛ وترضعهم حبّ الله ورسوله قبل الحليب، وتطعمهم طَعم الإيمان وتذيقهم حلاوته قبل الخبز والثريد ولذيذ الطعوم؛ والدعوة الإسلامية لن تتقوى إلاّ إذا أحاطت بها نساء أمينات قويات مثل خديجة وسمية وعائشة وأسماء رضي الله عنهنّ.. وذلك وعد من الله غير مكذوب..
جعلني وإياك يا أختي لبنة في بناء صرح هذا الوعد النبوي الذي بشرنا به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.
د: محمد صديقي
******************************************************************
المراجع:
— المصحف الشريف
— كتب الحديث الشريف.
— معالم السلوك للمرأة المسلمة للحبيب علي الجفري - بيروت؛ ط2، دار المعرفة.
— أسعد امرأة في العالم – لعائض القرني، ط7، مؤسسة الريان بيروت
— دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى؛ لقرداش ط1- من سلسلة كتاب الأمة / قطر 1999م.
— القاموس المحيط والقابوس الوسيط لما ذهب من كلام العرب للإمام مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.