بثّت قناة نسمة المغاربيّة خلال هذا الأسبوع الذي نقف على نهايته ضمن برنامج "جاك المرسول"، قصّة زين العابدين شهر ولد القابسية... فكانت قصّة غريبة أعادت – وما بالعهد من قدم – التذكير بساديّة النّظام التونسي الذي قلبته الثورة وساديّة صاحب التغيير زين العابدين بن علي الذي لم يملّ المنافقون من تلميع سيرته والتحديث بنعمه... فقد دخل زين العابدن ولد القابسيّة السجن أيّام كان زين العابدين الآخر أو "الكلب" كما سمّاه ولد القابسية مدير أمن بحكومة بورقيبة، وقد كان عمره يومئذ ثمانية عشر عاما أو يزيد قليلا. ثمّ إنّه لم يخرج منه إلاّ قبيل أشهر أي بعد ثورة الكرامة، وعمره سبع وأربعون سنة... لا يرى ما يرغّبه في دنيا النّاس ولا يعرف من النّاس إلاّ قلّة على رأسهم أخته الكريمة الطيّبة الحنون المخلصة بسمة...
البرنامج أو قصّة المحتفى به في البرنامج كانت مؤثّرة عند البعض إلى درجة الإبكاء – وقد بكيتُ من فضل الله طويلا –، وأمّا تصرّفات مقدّم البرنامج فقد كان ينقصها بعض الإحساس بالضيف وأخته، إذ ما كان ينبغي مثلا – وزين العابدين قد فقد أمّه وأباه أيضا لمّا كان بالسجن – أن يأتي بمن يغنّي عن الأمّ ليحيي فيه الألم الغائر... وما كان يجب – وهذا أخطر – التشويق إلى هذه الأغنية المتواضعة جدّا بالحديث عن مفاجأة خلناها ذاهبة بكلّ المرارة!... فقد ظننّا كلّنا – أسرتنا - أنّ مقدّم البرنامج قد انهالت عليه العروض الإنسانيّة المغرية لإنقاذ زين العابدين بعد أن رأوا من شأنه ما رأوا خلال أكثر من ساعة، وأحسب أنّ بسمة وأخاها قد انتظرا ما انتظرنا، ولكن كلّ إناء بما فيه يرشح!...
ما يهمّني بعد هذه المقدّمة الطويلة أنّ زين العابدين قد تعرّض خلال سجنه إلى امتحانات عسيرة ومغريّة – وهو الذي حُكم بثمانين سنة نافذة – تمحورت أساسا حول اللعب بمروءته... تريد الخروج من السجن أو على الأقلّ التخفيض من عدد سنواته الثمانين التي أسندت بأحد عشر شهرا، تعامل معنا إذن بإيجابيّة!... والإيجابيّة عند الساقطين معلومة ومعروفة وهي أن يتخلّى الرّجل عن رجولته فيبيت عندهم قوّادا مسجّلا لحركات هذا وسكنات ذاك!... وقد ذكر زين العابدين صنفا بعينه وهم "الخوانجيّة"!... فقد كان ملأ صاحب التغيير يريدون منه أن يكون عينا على الإسلاميين الذين مرّوا بداره أعني بعنبر السجن الذي هو فيه، ولكنّ زين العابدين رفض ذلك ورضي لنفسه سجنا مطوّلا قاسيا، وقد رأى أن لا قيمة لمرء بلا رجولة أو مروءة!... وقد تمنّيت – وأنا حبيس عدم قدرتي على فعل الخير – أن يهبّ الإسلاميون أو النهضاويون منهم على وجه الخصوص إلى مساعدة زين العابدين وأخته بسمة، وذلك بإشعارهما بقربهم منهما وبفتح مجالات الفعل لزين العابدين كي يقلع عن التفكير في السفر خارج البلاد إلى مجهول قال عنه أنّه سيكمل به الفصل المتبقّي من حياة لم ينعم بفصولها جميعا... فلو كنت أقدر لاقتحمت على زين العابدين عزلته ولأقحمته في دورة تأهيليّة تفضي به إلى دورة الحياة العاديّة التي فيها يعمل وفيها يتزوّج وفيها يلد إن شاء الله وفيها يبتسم لا سيّما بعد هروب زين العابدين المجرم الذي أخذ على عاتقه ذات يوم ألاّ يكون في البلاد إلاّ أحدهما؛ فقد قال له: تونس لا تحتمل نسختين من زين العابدين؛ فإمّا أنا وإمّا أنت!... فهلاّ سارعنا إلى إنهاء الظلام من حياة زين العابدين ولد القابسية في فترة ما بعد زين العابدين ولد الحمّاميّة!...