حكاية الثورة في سوريا قصة أبطالها أطفال بعمر الورود، ابتدأت بأطفال من درعا شُنّت عليهم حملات اعتقال عشوائية من النظام السوري الرسمي الظالم، نالت من براءتهم لقاء ما دفعتهم به فطرتهم السليمة بكتابة كلمة "حرية" على جدران كانت تمتلئ بعبارات سابقة من الذل والهوان والاستسلام للطغاة، ليتفاجأ هؤلاء الأبرياء بممارسة شتى أنواع التعذيب بحقهم في سجون الظلم، حتى إن نعومة أظافرهم لم تسلم من التقليع، وأجسادهم النحيلة لم تسلم من البطش والتنكيل. ويا ليت هذا النظام المتوحش اكتفى بذلك؛ فقد أصبحت كلمة حرية تؤرق مضاجعهم، فاستنفروا عدتهم وعتادهم وجنودهم وشبيحتهم، وهبوا هبة رجل واحد يمتشقون أسلحتهم الخفيفة والثقيلة ضد الشعب السوري الأعزل، لا يرقبون فيه إلاًّ ولا ذمّة. ولكن ورغم هذا التجييش تستمر الثورة، وتُسطّر حكايتها بدماء زكية من أطفال اختطفوا من أحضان أمهاتهم في درعا وحمص وطرطوس والرستن وتلبيسة و... فقد كان الموعد مع قصة الطفل حمزة الخطيب التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في الإجرام والتنكيل والبشاعة، هذا الطفل الذي عرفناه من وسائل الإعلام من خلال صورة إثبات الشخصية التي استضاءت بملامح طفولته المعبرة وابتسامته البريئة التي أطفأتها الذئاب البشرية، وغيّرت من معالمه، "ولعل لهذا الشهيد من اسمه نصيب"، كيف لا؛ فحمزة اسم لُقّب به هذا الطفل الشجاع تيمُّنًا بسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- الذي لم يسلم جسده الطاهر من التنكيل والتمثيل، كما لم يسلم أيضًا طفلنا الشهيد من ذلك، وفي هذا المقام غدا حمزة الخطيب سيّدًا لشهداء ثورة سوريا المباركة، نحسبه ولا نزكي على الله أحدًا، ولعل الله -عز وجل- سيجعل من دمائه حجة على الظالمين والمتخاذلين، ووقودًا لثورة لن تنطفئ إلاّ بزوال الظلم والبغي عن أرض سوريا المباركة. هكذا كانت حكاية الثورة بالأمس، وأما اليوم فحكاية الثورة تسطرها دم طفلة أخرى، هي الطفلة هاجر الخطيب التي فتكت بها أنياب زمرة النظام المتوحش قاتل الأطفال، وهي عائدة من مدرستها في ضواحي حمص لتختلط دماؤها الزكية بكتبها المدرسية، وألعابها التي لا تفارق براءتها، ولسان حالها يردّد قوله جل في علاه: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ). إنها حكاية ثورة امتزجت سطورها بدماء أطفال سوريا؛ فبالأمس ودعنا أطفالاً بعمر الورود، واليوم نودّع آخرين، وغدًا تستمر الحكاية، وهي أشبه بالأمس، واليوم نودع فيها أطفالاً وشبابًا وشيوخًا ونساءً يروون بدمائهم قصة شعب يبحث عن حرية وكرامة افتقدها عقودًا من الزمن في ظل نظام دكتاتوري ضرب بعرض الحائط كل القيم والأخلاق ومعاني الرحمة. لك الله ياشعب سوريا المسلم، يا أحفاد خالد بن الوليد ويوسف العظمة وعز الدين القسام، فوالله لن يتخلى المولى عنكم؛ فالنصر صبر ساعة، ولا بد لليل أن ينقشع ويبزغ الفجر، ويكفيك يا شعب سوريا المجاهد بشرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دمشق وما حولها، فكما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم: "فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى على أرضٍ يُقَالُ لها الغوطة إلى جانبها مدينة اسمها دمشق هي خير منازل المسلمين". وقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بَابَ دِمَشْقَ الشَّرْقِيَّ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ لِسِتِّ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ فِي ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ، كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ رَأْسِهِ الْجُمَانُ".