وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية لدعم التلاميذ وتعزيز الخدمات الرقمية..    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    ملف "التسفير": أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة والمراقبة الإدارية لخمسة أعوام    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مع الشروق : ترامب.. مائة يوم من الفوضى !    أخبار الملعب التونسي : غيابات بالجملة والبدائل مُتوفرة    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    عاجل/ من بيهم علي العريض: أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة في حق المتهمين في قضية التسفير..    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    في افتتاح مهرجان الربيع لمسرح الهواة بحمام سوسة... تثمين للمبدعين في غياب المسؤولين    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى روح والدة الشهيد الزعيم الطلابي عثمان بن محمود
نشر في الحوار نت يوم 13 - 11 - 2009


بسم الله حبيب الشهداء
إلى روح والدة الشهيد الزعيم الطلابي المهندس عثمان بن محمود
صبرا آل عثمان فإنّ موعدكم الجنة بإذن الله .

ملف من إعداد رافع القارصي:
حقوقي

أخي عثمان اليوم انتقلت الوالدة الفاضلة إلى جوارك الكريم في ظل عدالة قدسية الميزان والأحكام، انتقلت إلى جوارك بعدما احترقت ألما وحزنا على فراقك فجفت منها الدموع ووهن منها العظم واشتعل منها الرأس شيبا فحنت إلى لقياك لتجديد العهد مع حظنك الدافئ وجبينك الطاهر.

اليوم يا عثمان يا أنت يا عريس الجامعة يا أنت يا شهيد الشهداء ستلتحق أمك الفاضلة بك حيث أنت، حيث لا ظلم لا حزن لا ألم ولا دموع بعد اليوم.

اليوم يا عثمان يا أنت يا أول شهيد يا أنت يا أول شاهد على دموية الجنرال سيجتمع شملك بالوالدة الحنون لتقص عليك آلامها وأحزانها الماضية منذ استقرت رصاصات الجبناء في صدرك الضعيف يومها قال عنك زبانية السلطة بأنك لص كنت بصدد تسوّر أحد المنازل حيث تصادف ذلك مرور دورية للأمن تشابكت أنت معها فانطلقت رصاصة طائشة أصابتك ولم تفلح محاولاتهم في إسعافك حتى أدركك الموت الذي كان أسرع من الجميع... هكذا إذا تجرّأ القتلة على دمك الطاهر وعلى عرضك الشريف بما يؤشر على طبيعة الجريمة النوفمبرية في بداية تشكلها ومن خلال إرهاصاتها الأولى في أواسط ثمانينات القرن الماضي.

اليوم يا عثمان يا أنت يا سيد الشهداء يا أنت يا سيد شباب الجامعة والبلاد ستعلمك الوالدة الحنون بأنّ مهندس جريمة اغتيالك ارتقى في سلم الوظيفة حتى تسلق أعلى درجاته فطل برأسه الاصطناعي على مملكة قرطاج فدخلها بعدما ألحق بجمجمتك جماجم العديد من الشرفاء من إخوانك في الجامعة وشركائك في الوطن أبناء شعبك الطيب.

اليوم يا عثمان يا أنت يا زينة شباب حي التضامن ستعلمك الوالدة المجاهدة بأنّ دمك مازال يبحث عن العدالة والإنصاف وبأنّ القتلة الذين اغتالوك مازالوا يزرعون الموت في أرجاء الوطن.. فصوت الرصاص الذى لعلع في سماء حي الزهور الرابع يوم رحيلك في 18 أفريل 86 هو نفسه الذي لعلع أخيرا في الرديف وإنّ القاتل الذي أراق دمك يومها هو نفسه الذي خطط وقتل الفقراء والشرفاء في الحوض المنجمي حيث تتواصل الجريمة ويتعمق الألم.

اليوم يا عثمان يا أنت يا ضمير الشعب فينا يا أنت يا صوت الزيتونة القادم بإذن الله، يا أنت يا غضبة الفقراء والمهمشين، يا أنت يا جرحنا النازف ستغمس اليوم رأسك المخضب بالدماء بين أحضان الوالدة العظيمة لن تخشى الفراق بعد اليوم، لن تتقطع أرحامك بعد اليوم، إنّه يوم لا فراق بعده، إنّه يوم لا قطيعة بعده، إنّه يوم لا حزن بعده، إنّه الخلود في دار الخلود في جنة أعدت للشهداء والأحرار والمتقين والمجاهدين وحسن أولئك رفيقا.

أما أنت يا أم الشهيد، يا أيتها الوالدة العظيمة ترحلين عنا اليوم بعدما رحل عنا بالأمس القريب شهيدك عثمان، ترحلين وفي صدرك غصة وزفرة ونحيب وألم يلفك وحرقة في القلب كبيرة
حرقة على دم ابنك الطاهر الذي لم نقتص من عصابة اليد الحمراء في نسختها الجديدة التى أراقته، ولم ننجح في جر القتلة إلى ساحات المحاكم والقضاء، ولم ننجح في القصاص العادل من زبانية النمور السود الذين سرقوا منك ومنا ومن شعبنا عثمان.

معذرة أمي الفاضلة يا أنت يا أمنا جميعا، اليوم وأنت تودعيننا إلى جنات الخلد بإذنه تعالى نخجل نحن إخوان عثمان ورفقاؤه من جسدك الطاهر المسجّى بين المشيعين، نخجل من دموعك التى لم تتوقف منذ لحظة الاغتيال الآثمة، نخجل من أنفسنا جميعا أفرادا وأحزابا وحركات على ضعفنا وعلى عجزنا عن كفكفة دموعك والثأر من قتلة فلذة كبدك عثمان ولكن ليكن عزاؤك أن ربك ليس بغافل عما يعمل الظالمون، وأنّ ربك ليس بغافل عن جرائم الجنرال وأزلامه، وأنّ ربك منتقم منهم جميعا ولو بعد حين عزاؤك يا أنت يا أمنا الكبيرة، يا أنت يا أم الشهيد عزاؤك إن خانتك عدالة الأرض وغلقت الأبواب في وجهك الكريم فإنّ أبواب السماء ازدادت اتساعا لدعوتك منذ أن فارقت اليوم روحك الطاهرة عالمنا الآسن والفاني والتحقت بربها شاكية له ظلم الجنرال وأعوانه.

يا أم الشهيد يا أنت يا خنساء تونس ويا تاج على رؤوس أمهات حي التضامن الأكيد أنك تنتظرين بفارغ الصبر بداية أشغال ومداولات محكمة العدل الإلهية يومها سيرتفع صوت الحق مدويا لمن الملك اليوم؟؟؟ يومها ستخر كل الأصنام ستسقط كل الأوثان...

سيغرق طغاة سبعة نوفمبر في بحار من دماء الشهداء، الأكيد أنك في هذا اليوم العظيم ستبحثين عن قاتل عثمان بين صفوف عتاة الظلمة والجبابرة ستجدينه حتما مقيدا في الأصفاد حيث لاحراسة ولا صبغة تغطي شعره ولا بدلة مستوردة تستر عورته عندها ستمسكين به وتصرخين بأعلى صوتك يا ربي هذا قاتل ابني عثمان سله لما قتل نور بصري وفلذة كبدي؟؟؟؟ .

في هذا اليوم الذى لا مفر منه سيثأر رب العزة لدم عثمان ولدماء كل الشهداء والمظلومين عندها سترتاحين يا أمنا العظيمة وستتمتعين برائحة عثمان اللون لون دم والرائحة رائحة مسك يومها سترددين مع ابنك البار ومع بقية الشهداء أنّ العاقبة للمتقين وأنّ النصر للمستضعفين وأنّ الخزي للطغاة والمستكبرين ولو بعد حين.

ملاحق هامة حول جريمة الاغتيال الآثمة:
يعتبرالشهيد عثمان بن محمود "نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا" من رموز طلبة الاتجاه الإسلامي في المدرسة القومية للمهندسين بالمركب الجامعي بتونس العاصمة حيث عرف بدماثة أخلاقه وبحبه لإخوانه وتعلقه الشديد بالمشروع الإسلامي العظيم مدافعا عن ثوابته الوسطية وحاملا للوائه ومبشرا بشعاراته المركزية في العدالة والحرية في أوساط الطلبة وكذا في أوساط أبناء شعبه سكان حي التضامن، هذا الحي المقاوم الذى كانت له إسهامات نوعية في كل المعارك التي خاضها شعبنا ضد دولة العنف والتحديث المغشوش في تونس مثل معركة الخبز والكرامة في 3 جانفي 84 ومعركة الحرية والاستقلال الثاني في 87 ومعركة فرض الحريات والإصلاح السياسي المتواصلة منذ التسعينات وإلى يومنا هذا.

1 ظروف جريمة الإغتيال الآثمة
أقدم النظام على ارتكاب جريمته النكراء في حق أخينا الشهيد عثمان بن محمود مستعينا بوحدة خاصة أطلق عليها بن على عندما كان مديرا للأمن اسم النمور السود وهي فرقة ذات تدريب عالٍ من حيث التسليح والتكوين والرسكلة أوكل لها مهمة تصفية واعتقال رموز العمل الوطني والإسلامي داخل الجامعة والبلاد وهكذا دشنت هذه الخلية الإجرامية تاريخها الدموي بتصفية شهيدنا عثمان بعد مطاردة في الطريق العام وبالتحديد في منطقة حي الزهور الرابع حيث كان الشهيد في مهمة دعوية وما راعه إلاّ وسيارات هذه الوحدة الخاصة تحاصره عندها انطلق بدراجته النارية محاولا الإفلات من الاعتقال إلاّ أنّ انتشار الوحدة الخاصة على طول الطريق حال دون ذلك حيث تفيد وقائع القضية بأنّ سيارات النمور السود انطلقت بسرعة جنونية خلف الدراجة النارية التى يقودها شهيدنا البطل عثمان بن محمود وشرع الأعوان في إطلاق الرصاص الحي صوب الشهيد فأصابت إحدى الرصاصات رجله بما أعاقة عن مواصلة قيادة الدراجة حيث سقط أرضا عندها توقفت السيارات بجانبه ونزل منها الأعوان وبإيعاز مباشر من قياداتهم الميدانية الذين بالتأكيد راجعوا قاعة العمليات في الداخلية وأخذوا منها الضوء الأخضر للإجهاز عليه وهو ما تم بالفعل حيث أمطروه بوابل من الرصاص أمام المارة حتى فارق الحياة رحمه الله.

لقد أثبت الطبيب الشرعي الذى فحص الجثة في معهد الطب الشرعي التابع لمستشفى شارل نيكول بالعاصمة تونس بأنّ الوفاة ناجمة عن إطلاق رصاص كثيف من مسافة قريبة جدا وفي اتجاه أماكن حساسة من جسد الشهيد "القفص الصدري وما يحيط به من أعضاء" قصد إحداث الوفاة بسرعة وهو ما حصل بالفعل حيث أنّ الشهيد عثمان وصل ميتا إلى المستشفي المذكور.
وللتذكير نشير إلى أنّ زبانية النظام قاموا بحملة اعتقالات واسعة في صفوف الإطار الطبي وشبه الطبي العامل في مستشفى شارل نيكول على إثر تصوير جثة الشهيد بعد التشريح وقبله، الأمر الذي فنّد مزاعم إدارة الأمن التى روّجت بأنّ الشهيد عثمان قد قتل بسبب رصاصة وحيدة طائشة أصابته ولم تفلح كل المجهودات والإسعافات في إنقاذه حسب البلاغ الرسمي الصادر عن الداخلية التونسية في هذا الغرض في حين أظهرت الصور المأخوذة للشهيد في بيت الأموات عكس هذه الرواية الرسمية تماما وهو ما أحرج النظام وزاد في توتره وفي إصراره على تعقب كل من صور ووثّق الجريمة ودوّن وقائعها.

2 الحركة الطلابية تنخرط في معركة الشهادة
لم تكن جريمة الاغتيال السياسي التى استهدفت أحد أبناء الاتجاه الإسلامي في الجامعة التونسية لتمر دون إحداث هزة نوعية في أداء الفصيل الطلابي داخل المركب الجامعي وفي بقية الأجزاء الجامعية وذلك بالرغم من حداثة عهد الأداة النقابية "الاتحاد العام التونسي للطلبة" وقلة تجربتها في مواجهة مثل هذه الأحداث الجسام إلاّ أنّ ظروف النشأة وطبيعة المرحلة "مرحلة التأسيس" لم تمنعا المنظمة النقابية ا ع ت ط من قيادة تحركات الطلبة في معركة الشهادة بالاشتراك مع شرفاء الحركة الطلابية يتقدمهم الفصيل الإسلامي الذي ينتمي إليه الطالب الشهيد عثمان بن محمود حيث أبلت الجماهير الطلابية في كل الأجزاء البلاء الحسن وخاضت ببسالة وشجاعة واقتدار كل الأشكال النضالية الراقية من اعتصامات وتجمعات عامة ومسيرات داخل الأجزاء توجت بمصادمات عنيفة مع قوات القمع التى لم تستطع بالرغم من حجم التعزيزات والآليات المستعملة مثل دبابات فرق النظام العام والحرس وفرق الخيالة وفرق الأنياب والطائرات العمودية وأرقام خيالية لا يقدر على إحصائها إلاّ الله وبعده وزارة الداخلية من قوات راجلة مدججة بكل وسائل البطش والقمع والإرهاب...
فشلت جميعها في تركيع الجماهير الطلابية وفي اقتحام الكليات الأمر الذي جعل النظام يعوض فشله الأمني باقتحام المبيتات الجامعية والتنكيل بالطلبة العزل واقتيادهم إلى دهاليز التعذيب في مقرات وزارة الداخلية وبقية أماكن التحقيق السرية.
إلاّ أنه وبالرغم من شراسة الهجمة البوليسية على الفضاء الجامعي استمرت فعاليات المقاومة الطلابية ثأرا لمقتل الزعيم الطلابي عثمان بن محمود وتنديدا بمشاريع السلطة ممثلة في خطة المدعو بن ضياء الرامية إلى تدجين الجامعة ومحاصرة حرية العمل النقابي والسياسي.
لقد أسهمت الدماء الزكية التى سالت من جسم الشهيد عثمان بن محمود في يوم 18 أفريل 86 في التعجيل بسقوط الوزير سيّئ الذكر المدعو عبد العزيز بن ضياء فتحولت بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل نضالات الطلبة في معركة الشهادة إلى نار أحرقت خيارات السلطة ضد الحركة الطلابية حيث أجبرتها على التراجع وعلى إغلاق المركب الجامعي إلى حدود شهر جوان موعد الامتحانات السنوية النهائية.

3 تاريخ الجريمة أبعاد و دلالات : ذكرى "تونسة الأمن"
لا يمكن لأي باحث يدقق في القضايا المعروضة عليه إلاّ أن يستوقفه تاريخ جريمة اغتيال الشهيد عثمان بن محمود ذلك أنّه تزامن مع ذكرى تحرص دولة البداوة السياسية في تونس على الاحتفال بها سنويا مؤطرة ذلك الحدث ضمن استرجاع "السيادة الوطنية" وبسط نفوذ الدولة على كل الأجهزة والقطاعات السيادية ذات العلاقة بأركان الدولة الحديثة وشروط استمرارها وبقائها.
إنّ ذكرى "تونسة الأمن" الموافقة ل18 أفريل من كل سنة هذه "الذكرى" التى يحرص النظام على إبرازها كمظهر من مظاهر استرجاع السيادة على قطاع الأمن من المستعمرالفرنسي وتقديم ذلك على أنه مكسبا وطنيا لا بد من المحافظة عليه والذود عنه وحمايته من كل المتربصين به، استمر هذا الدجل والنفاق والزيف طويلا حتى جاءت حادثة استشهاد الطالب المهندس عثمان بن محمود متزامنة بالكامل مع احتفالات النظام بذكرى تونسة الأمن لتسقط القناع كل القناع عن طبيعة هذا الجهاز الدموي الذي ورثته دولة التحديث المغشوش عن السلطات الاستعمارية وحافظ النظام على نفس عقيدته المهنية القائمة على العنف وإدامة العنف وعلى التنكيل والبطش وزرع الموت والخوف في أرجاء الوطن تماما كما كان يفعل المستعمر والمقيم العام بقيادات العمل الوطني والإسلامي المقاوم لوجوده فوق التراب الوطني.

لقد أزالت دماء الشهيد الطاهرة يوم 18 أفريل 86 كل المساحيق وكل أنواع الطلاء المحلى والمستورد عن وجه السلطة القبيح حيث ظهرت التونسة على حقيقتها إذ لا تعدو أن تكون تونسة فقط للسان القائمين على جهاز الأمن "بحكم قلة تحصيلهم العلمي وعدم امتلاكهم لناصية اللغات الأجنبية" فحين بقيت العقيدة المهنية والسلوك والأداء والعلاقة مع أبناء الشعب محافظة على الطبيعة الغريزية والبدائية المتوحشة لهذا الجهاز الذى لم يكن منذ لحظة التأسيس إلا جهازا تابعا للأجنبي هدفه حماية السلطة والسلطة فقط وما جريمة 18 أفريل 86 إلاّ مكرا إلاهيا هتك به الله سبحانه وتعالى ستر النظام البوليسى وكشف به عن حقيقة أكذوبة تونسة الأمن المزعومة إذ ما قيمة تونسة لا تراعي حق الحياة لأبناء تونس وما الفرق بين أن يقتل تونسي على يد بوليس فرنسى مستعمر وبين أن يلقى التونسي نفس المصير على يد بوليس يحمل أسماء تونسية ويتكلم بلهجة أبناء البلد حتما لا فرق في أساس هذا الفعل الإجرامي إلاّ من حيث الشكل والإخراج ليس إلا.

4 الجنرال بن علي يستثمرالحادثة و يرتقي في السلم الوظيفي

لم تمض 10 أيام فقط على تاريخ جريمة اغتيال الشهيد عثمان بن محمود حتى تحركت اللوبيات الأمنية الداعمة للجنرال حيث أوعزت لبورقيبة ضرورة مكافأة بن علي على هذا الإنجاز الأمنى الذى حققته وحدة النمور السود التى يعود له الفضل في بعثها وتأسيسها.
لقد أكبر بورقيبة تفاني هذا العسكري في خدمة النظام بالرغم ممّا عُرف عنه من حساسية تجاه رجال المؤسسة العسكرية فأسرع في ترقية بن علي من مدير أمن إلى وزير داخلية بقرار رئاسي صادر بتاريخ 28 أفريل 1986 وهو ما فتح المجال أمامه لعسكرة الداخلية وخنق الفضاء العام والإجهاز على ما تبقى من هامش أمام المجتمع المدني والسياسي.
إنّ الإحالة على هذا التاريخ في مسيرة بن علي السياسية له الكثير من الدلالات والمعاني والنتائج لعل من أهمها وأكثرها إيلاما للنفس أن أسهم بن علي في سوق السياسة قصد خلافة بورقيبة والهيمنة على مملكة قرطاج ارتفعت كلما أوغل في دماء الإسلاميين والوطنيين الشرفاء يدلل على هذه الحقيقة ويثبتها كمعطى هام في تحليل المشهد السياسي التونسي جريمة اغتيال البطل شهيدنا عثمان بن محمود وما تلا ذلك من موجة قمع وعنف وإرهاب دولة استمرت حتى دخل الجنرال قصر قرطاج وتعاظمت وامتدت إلى يومنا هذا.
إنّ العلاقة التلازمية بين الجنرال بن على والعنف كما يؤشر على ذلك تاريخه تجعل أكثر المتفائلين والحالمين بإمكانية دمقرطة ومأسسة الدولة في عهده أمام إحراج كبير ذلك أنه لا تاريخه العنيف منذ السبعينات ولا الوقائع التى أنتجها على الأرض منذ وراثته لبورقيبة تبقيان على أيّ أمل حتى في مجرد الحلم بالإصلاح في عهده لأنّ حتى الحلم بالديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة جريمة يعاقب عليها القانون النوقمبري....

5 شعارات و أقوال من وحي حادثة الإستشهاد
لقد رافقت حادثة الاستشهاد العديد من الأقوال التاريخية صدرت من بعض رموز المجتمع المدني ولعل من أبرزها وأكثرها رسوخا في الذاكرة الجماعية للطلبة الذين شهدوا واقعة استشهاد الطالب عثمان بن محمود قولة الأستاذ المفكر راشد الغنوشى في معرض تعليقه على جريمة الاغتيال حيث قال: [إنّ دماء الشهيد عثمان بن محمود ودماء كل الشهداء الذين سقطوا فوق التراب التونسي وهم يقاومون الاستبداد والفساد ويتصدون لمنتوج شجرة الزقوم البورقيبية الخبيثة، ستبقى هذه الدماء سمادا يلقح هذه الأرض الطيبة ضد مشاريع التغريب والعلمنة والاستبداد... فلا مستقبل لدكتاتورية تتحرك فوق أرض سمادها من دماء الشهداء.]... المفكر الأستاذ راشد الغنوشي

من شعارات الطلبة أثناء معركة الشهادة في المركب الجامعي.

يا شهيد لا تهتم الحرية تفدى بالدم.
يا شهيد سير سير هذا عهد الجماهير.
أم عثمان "رحمها الله" لا تهتمي دم عثمان هو دمي
جامعتنا حرة حرة والبوليس على برة.


وتستمر معركة الحريات ومن يكرم الشهيد يتبع خطاه...


الملاحق و المراجع:
1 كتاب: 8 ماي ربيع الجامعة التونسية
2 شريط تونس 87
3 بقايا من ذكريات صاحب المقال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.