مطالبة فرنسا بالاعتذار والتعويضات عن فترة الاحتلال البغيض منقوصة .. وحق أريد به باطل عبدالباقي خليفة *
أخيرا شعر البعض مثل أحمد الاينوبلي بأن فرنسا احتلت تونس وسامت شعبها سوء العذاب منذ 1881 م وحتى 1956 م ، وعندها فقط ، توقف الاحتلال الفرنسي . بينما هو في الواقع ، لا يزال مستمرا حتى اليوم . فيما لا يزال البعض الآخر يعتقد بأن لبن علي مشروعا ، وهذا المشروع يحتاج لأن يضحى بالبلاد والشعب ، والتاريخ والحاضر والمستقبل ، حتى يتربع أمثال منذر ثابت على تلها . وتونس هي الفردوس الأرضي الذي حلم به الشيوعيون ولم يحققوه ، حتى وإن توهموا ذلك ، وفق الصغير / بسيس . وبن علي الذي لا يستطيع الخروج عن النص الذي يكتب له ، يصبح في نظر جميع هؤلاء سبينوزا ، وكانت ، وديكارت ، بل هو عصارة الفلسفة على مر العصور، حتى وإن كان لا يعرف إن كان ابن خلدون حيا أو ميتا . أوما إذا كان هناك فرق بين القيمة وفائض القيمة . وأتحدى إن كان يعرف ماذا تعني كلمة مواطن ومواطنة في تعريفهما السيسولوجي والسياسي . ومع ذلك يبقى الضرورة ، والضمانة ، وشرط رفع التحديات !!! نضع هذا في مقدمة تعاطينا المختصرمع الجدل البيزنطي الدائر حول قضية بن بريك والتي غيرت موقف فرنسا من دعوة الشعب إلى الاكتفاء بالأكل والدواء ،على حد تعبير الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك في زيارته المشؤومة لتونس ، ولم يقل أحد آنذاك لا بن علي ، ولا الاينوبلي ، ولا الأبواق التابعة للسلطة بشكل مباشر أوغير مباشر أن هذا تدخل في الشؤون الداخلية لتونس ، بل كان هناك ترحيب بهذا التدخل السافر والذي يؤكد بأن تونس لا تزال دولة محتلة . بل تفتخر السلطة بأن فرنسا الرسمية معهم ويعلنون ذلك ، فما الذي تغير ؟ كيف يقبلون بتدخل فرنسا في الشؤون التونسية عندما تكون لصالحهم ، ويرفضون ذلك عندما تدافع فرنسا عن بن بريك . ومع وقوفنا إلى جانب توفيق بن بريك ، ونقولها بدون مواربة ومن منطلق مبدئي ، نرفض في الوقت نفسه سياسة التمييز السياسي والثقافي التي تمارسها فرنسا في تونس . فلم تتدخل فرنسا ولو مرة واحدة لرفع الظلم عن الاسلاميين . بل لم نرها واضحة في موقفها ، كما هو الحال في قضية بن بريك ، فهل هي استفاقة متأخرة ، وعودة الحياة لضمير فرنسا ، أم هي سياسة الكيل بمكيالين كما يبدو !!! وهل فرنسا دولة لائكية حقا ، أم أن تاريخها الكاثوليكي هو الذي يحركها بشكل مباشر أو غير مباشر ، ويبدو ذلك من خلال مواقفها التي تطفو على السطح فجأة ، كما تثار غرائز الحيوان الفطرية ، المنتزع من بيئته الطبيعية ، والمدرب على أعمال ليست من طبيعته ، كذلك القط الذي علمه صاحبه الامساك بشمعة أثناء الأكل ولكنه ألقى بها عندما رأى فأرا ، وجرى خلف فريسته التي يرها لأول مرة في حياته ، تاركا ما تعلمه من مدربه ومربيه ، مؤكدا على الطبع يغلب التطبع ، كما يقولون . لم يخطئ الابنودي في مطالبة فرنسا بالاعتذار والتعويض ، ولكن مطالبته كانت متأخرة جدا ، وليس لها علاقة باحتلال فرنسالتونس ، ولا بالجرائم التي ارتكبتها بحق تونس وشعبها ، بل بحق شعوب المغرب الاسلامي ، والمشرق العربي مثل سوريا ولبنان وغيرها من الأقطار التي شنت فرنسا ضدها عدوان سواء في افريقيا وآسيا أو غيرها . وقد تساءلت في وقت سابق وقبل أكثر من عام عن سبب سكوت نظامي تونس والمغرب عن قضية الاعتذار والتعويض عكس الحكومة الجزائرية التي تطالب فرنسا بالاعتذار والتعويضات . وقد بدأت فرنسا في تقديم تعويضات رمزية مختزلة لضحايا تجاربها النووية في الجزائر . لست من الذين يعيبون على الابنودي مطالبته باعتذار فرنسي، وتقديم تعويضات كما فعلت ايطاليا مع ليبيا . ولكن من الذين يسألون الاينوبلي وأمثاله عن التوقيت ولماذا لم يفعل ذلك من قبل ، وما علاقة قضية بن بريك وموقف فرنسا من مشاكسة الاينوبلي . ولماذا لم يطلب الأخير من السلطات التونسية إعداد ملفات بهذا الخصوص والتقدم رسميا بطلب التعويضات بدل ركوب موجة موهومة في قضية مصطنعة . ونحن أول من يؤيد أي طلب رسمي بهذا الخصوص ، كما فعلت الجزائر . وقبل أن نطالب فرنسا بتقديم تعويضات ، لا بد من اصلاح بيتنا الداخلي ، فالاحتلال والاستبداد وجهان لعملة واحدة ، بل يتبادلان المنافع كما هو الحال في واقع العالم اليوم ، والبلدان العربية أكبر مثال على ذلك . فالاستبداد كالاحتلال يمثل سلبا للحرية والارادة والحق في الحياة الطبيعية ، وما يعيشه الدكتور الصادق شورو والدكتور منصف بن سالم والصحافي عبد الله الزواري ، والصحافي سليم بوخذير ، وتوفيق بن بريك وزهير مخلوف ، ومحمد النوري ، وعبدالكريم الهاروني ، ومية الجريبي ورشيد خشانة ومنجي اللوز وسهام بن سدرين وغيرهم أكبر دليل ذلك . كان على الأينوبلي ومنذر ثابت وغيرهما أن يطالبوا أولا بتسوية الوضع الداخلي ، والاعتذار عن الارهاب الذي مارسته سلطة بن علي بحق المعارضة بأطيافها المختلفة الاسلامية واليسارية وغيرها ، وتقديم التعويضات للذين سجنوا ظلما ، وعذبوا غيلة ، وهجروا حقدا وكراهية . وعندها تستطيع تونس أن تطالب بحقوقها وبالاعتذار وبالتعويضات دون رهبة أو خوف أو استحياء . كما فعل نظام بن علي في قضية بن بريك ، حيث لجأ " للاتحاد المغاربي " ( الجسم الميت ) و" الاتحاد الافريقي " ( الجسم الهلامي ) ليدافع عن تونس في وجه تدخل فرنسا في شئون تونس الداخلية . والسؤال لماذا لم يشتكي نظام 7 نوفمبر إلى الاممالمتحدة ومجلس الأمن ، ولماذا لم يشتكي للجامعة العربية ، ومنظمة المؤتمر الاسلامي ، وهي مؤسسات أكثر فعالية من " الاتحاد المغاربي " المقتول ، و" الاتحاد الافريقي " عديم الفعالية ، المشلول ؟!!! ولا شك فإن لجوء نظام بن علي إلى هذين الكيانين الكسيحين دون بقية الكيانات والتي ليست أفضل حالا ، ولكنها ( أكثر تمثيلية ) يعني عدة أمور : 1 ) أن النظام لا يريد الدخول في خصومة مع فرنسا وهو ما تضمنه بيان وزارة الخارجية التونسية . والذي وصف فرنسا بالدولة الصديقة . وكانت عباراته منتقاة بكل تهذيب كما يفعل الطالب النجيب مع أستاذه القادر على أن يرسبه في الامتحان . 2 ) أن النظام أراد أن يلفت نظر فرنسا إلى إن لديه وسائل للدفاع عن نفسه ، وإنه يمكن أن يلجأ لمؤسسات أخرى ... ولكن هذه تحتاج إلى شجاعة يفتقدها النظام في تونس . 3 ) ربما أراد النظام أن يؤكد بأن ليس لديه توجهات عروبية ولا اسلامية من خلال عدم اللجوء للجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي . وبالتالي يستجدي شفقة فرنسا ، التي يعتبرها أقرب إليه من العرب والمسلمين جميعا ، وهي مرجعيته المشوهة والممسوخة سياسيا وثقافيا . ويمثل عبدالمجيد الشرفي ، والنخبة المسيطرة على الجامعة التونسية خزان المجاري والنفايات الفرنسية . وضررها على تونس لا يقل عن نتائج التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر في بداية ستينات القرن الماضي . أخيرا فإن محنة تونس مع فرنسا لا تزال متواصلة ، وبالتالي لا يمكن أن نطالب باعتذار فرنسا عن فترة الاحتلال والاحتلال لا يزال قائما . إذ يجب أن نناضل من أجل تحرير تونس أولا ، وتحقيق الاستقلال السياسي والاستقلال الثقافي ، والاستقلال الاقتصادي ، والاستقلال اللغوي والتعليمي أولا ، ومن ثم نطالب بالاعتذار والتعويض . وغير ذلك هو استمرار لعملية التزييف التي يمارسها منذر ثابت وغيره ، عندما يحاول الايهام بأن الأقدارأو الماديتين الديالكتيكية والتاريخية اللتان انحازتا لليبرالية مثله تستوجب قيام نظام حداثي وديمقراطي على غرار ما يجري في تونس . مع علمه بأن الديكتاتورية لا تصنع حداثة ، ولا تقيم ديمقراطية بل تعيد انتاج نفسها . وأن الديمقراطية يمكنها صنع الحداثة من خلال التجربة ، وهو ما أثبتته حتى التطورات الاوروبية ، وإن كان لها مسارها الخاص في هذا السياق . ونحن هنا نؤكد بأن منذر ثابت ، وبرهان بسيس ، وأبوبكر الصغير ، وحتى عبد المجيد الشرفي وغيرهم لا يمثلون تيارا فكريا ، ولا ايديولوجية ، وإنما هي قوادة فكرية وسياسية ، وبالتالي هم يمثلون أنفسهم ومصالحهم الخاصة ، وتحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب والماضي والحاضر والمستقبل . ووجود ديمقراطية حقيقية في البلاد تعد خطرا على مصالحهم الخاصة ، ولذلك يقومون بفلسفة الاستبداد ، كما لو أنه حداثة وديمقراطية وأمن واستقرار ، لاستمرار تلك المصالح .