ما أشبه اليوم بالبارحة عندما دخلت جحافل التتار إلى عاصمة العلم والثقافة والنور عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد ، خربوا البلاد وذبحوا العباد حتى غاصت الخيول لركبها في دماء المسلمين ونزفت الأجساد ومياذيب الأسطح شلالات من الدماء الطاهرة البريئة ، حطموا جسد الأمة متمثلاً في مئات الآلاف من الشهداء القتلى حتى كانت تلال الجماجم تملئ الشوارع وحملت الرياح رائحة الموت والعفن مئات الأميال حتى أصيب سكان الأمصار المجاورة بالمرض ، ثم توجهوا فوراً إلى عقل الأمة ورصيدها الحضاري مكتبة بغداد يعبثون ويحرقون ويسرقون نفائس الفكر وخلاصات العقل أملاً في القضاء المبرم على أمة العروبة والإسلام جسداً وفكراً، واقعاً ومستقبلاً ، نفس المسلك والمشهد تكرر مع دخول جنود التتار الأمريكي لبغداد عام 2003 م بعد قرون من التتار الأول لكن بنفس النهج التدميري ، مئات الآلاف من الشهداء والجرحى ثم إشاعة الفوضى والاعتداء العمد على تراث وعقل وفكر وحضارة العراق ، بنهب المتاحف والمكتبات والآثار والقصور والحفريات في جريمة منظمة من جرائم العصر أغمض العالم المتحضر الطرف عنها بعمد غير أخلاقي ، ثم كانت الجولة التالية للتتار الجدد في عقل وقلب العروبة والإسلام ، قاهرة المعز ، حيث التدمير العمد بالحرق والنهب والتخريب للمجمع العلمي المصري ، أقدم المراكز العلمية في العصر الحديث ، بني في عهد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 م بتعليمات من نابليون بونابرت ، المبنى في ذاته أثر حضاري وفي محتواه كنوز مصر والعالم "200 ألف مخطوط وفي المقدمة كتاب وصف مصر الشهير فضلاً عن الدستور الفرنسي والأعمال الإنشائية المعمارية والزراعية والمائية والطرق والسكك الحديدية منذ عهد محمد علي بالخط والصورة " ومن قبله خلال فعاليات الثورة كان الهجوم البربري المتعمد على المتحف المصري ، هجوم تكرر خلال الأيام الماضية لكنه باء بالفشل ، الشاهد في الأحداث الأخيرة أن الاعتصامات المشروعة أصبحت غطاءً كثيفاً لجرائم غير مشروعة حين يدخل على الخط الفاصل بين شباب الثورة المتحمس وقوات الأمن المرتبكة مجموعات من البلطجية وأطفال الشوارع والعاطلين ضحايا نظام الاستبداد والفساد والقمع ، مئات الآلاف محرومة الحق مدفوعة الأجر غائبة العقل تحرق وتدمر وتخرب بوعي ودون وعي فالمحصلة واحدة ، المزيد من الانفلات الأمني والاشتباك المجتمعي والخراب الحضاري والابتزاز السياسي والتهييج الإعلامي وفي الأخير خسائر فادحة لكل الأطراف المتشابكة والمشاركة والمشاهدة في مصر الثورة التي شئنا أم أبينا ستكمل مشوارها حتى بر الآمان .... حفظك الله يا مصر ..... محمد السروجي مدير مركز النهضة للتدريب والتنمية