الفوتوشوب والمنونتاج* تقنيات إعلامية يصعب ممارسة مهنة الإعلام في هذا العصر دون اللجوء إليها. و"الفوتو شوب" كما هو معلوم لكثيرين، برنامج حاسوب لمعالجة الصور بالتحسين والتغيير والقصّ واللصق وإرجاع ما فقد منها أو إدخال ما ليس فيها أو تغيير إيطارها وشكلها وهو برنامج متعدد الإستخدامات. وأما المونتاج فهو أيضا برنامج يمكّن مستعمله من قصّ المشاهد المصوّرة والتسجيلات الصوتية وإعادة تركيبها أو حذف ما هو منها أو إدخال ما ليس فيها، وهي فنيات تستعمل أساسا في الأعمال الدرامية. طبعا هذه ليست تعاريف دقيقة أو مهنية ولكن هذا هو المعنى الشائع أو الأساسي في استخدام البرنامجين المذكورين. وهي وسائل يمكن استخدامها في الأغراض الفنية والأهداف النبيلة كما يمكن توظيفها عكسيا واستعمالها كأهم الوسائل في التشهير والمعارك القذرة. وبما أنها لم تبق حكرا على المحترفين وإنما انتقلت إلى أيادي الهواة فقد وظفها كل حسب هواه ومخزونه القيمي والمبدئي. وبدأنا نرى ونشاهد الكوارث الأخلاقية خاصة في المواقع الإجتماعية مثل الفايس بوك وغيره من المواقع التي تنقل الصوت والصورة معا. أو بعض وسائل الإعلام التي لا تنضبط لآداب وأخلاقيات المهنة، فرأينا أناسا ابيضت رؤوسهم في مهنة الإعلام لكنهم لم يتورعوا عن استعمال هذه التقنيات لمغالطة قرائهم والكذب وتدليس الحقائق للنيل من خصومهم أو لتنفيذ أجندات خفيّة، حتى أن بعض الجرائد والأشخاص أصبح يطلق عليهم "جريدة الفوتوشوب" أو صحفي "الفوتوشوب". الأمر من مأتاه لا يستغرب! ... ولذلك لم نستغرب أشياء كثيرة جدا يندى لها الجبين نالت من حرمة الأشخاص والعائلات، بالافتراء على الناس كذبا. حيث تم تغليب التعصب الاديولوجي والمعارك السياسية في كثير من "الأحداث"، ولم يتورع "المحاربون" عن تشويه خصومهم بكل الوسائل القذرة.
لا يستغرب ممن لا يراقب الله في سرّه وعلنه أن يكذب على الناس أو يهتك أعراضهم، ف "يستعير" صورة جسد عاري ليلصقه برأس فتاة محجّبة كي ينال منها أو من أبيها! ولا يستغرب ممن ليس له مبدأ أن يقلب صور جلسة عادية إلى جلسة خمرية! أو صوّر إشهار سياسي كاذب إلى صورة سياسيّ آخر "يوزّع صكوك الغفران على من ينتخبه"! ولكن أدهى من ذلك وأمرّ تغيير مضامين الكلام "بالمنتجة" لينقلب مدلولها إلى العكس تماما! من مثل أن يقول سياسيّ: "نحن سنتصدّي لكل من يقول: (سنحرق البلاد ونهدمها على رؤوس من فيها إذا لم نكن نحن المنتخبون على رأس كل القوائم)" فيأتي مقصّ "الممنتج" غير النزيه فيحذف الجزء الأول من الكلام " نحن سنتصدّي لكل من يقول ..." فيصبح المتكلم هو من سيحرق البلاد ويهدمها على رؤوس من فيها إذا لم يتم انتخابه ..." وما أكثر هذه الحالات خاصة في "سوق" المنتديات الاجتماعية. كما لا شكّ عندي أن جلنا أو بعضنا قد وقع تضليله بهذه الأساليب الخسيسة.
والذي أريد أن أخلص له بهذا الكلام أنه ينبغي لصاحب الدين أو المبدإ أو الخلق أن لا يخوض هذا الخوض أو يسلك هذا الطريق. وعلينا جميعا أن نوعيّ الشباب الحامل للمبادئ والمدافع عن حقّ الشعب في اختيار من يمثله ومن يحكمه، حتى لا ينزلق في هذا المستنقع الآسن، ونذكرهم بقول الله تعالى :" (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة آية(8) ، وعلينا أن نذكرهم جميعا بالشهيد عمر المختار رحمه الله وهو ينهر أحد جنوده الذي ضرب أسيرا من جنود الاحتلال الإيطالي محتجا بأنهم "يضربون أسرانا" بقولته الشهيرة "إنهم ليسوا قدوة لنا"!
وقد حملني على هذا الكلام إضافة إلى ما ارتكبه بعض الشباب من مخالفات لا ترقى إلى ما وصفت سابقا من تجاوزات خطيرة ما أقدمت عليه جرائد محترمة يديرها إعلاميون مناضلون ومحترمون، إلا أنهم وقعوا في هذه المنقصة وهي تكرّر نشر صور مشوهة "بالفوتوشوب" على الصفحة الرئيسية. وهو أمر لا يمكن أن نقرّه ونقبل به مهما بلغت الخصومة مع الطرف الآخر ومهما بالغت هذه الأطراف في حيفها وظلمها. فالمفروض أن كل إناء بما فيه ينضح!
ويجدر بالشباب الذين يقطعون مقاطع فيديو هي في أغلب الأحيان وثائق تاريخية مهمة أن لا يمارسوا معها أسلوب "ويل للمصلّين" ويقفوا عند ذلك كما أن أسلوب تكرار مقطع صوتي معيّن بغاية التركيز أو التأكيد أو الإبراز يفقد من القيمة الوثائقة لما تريد أن تبرزه. انقل بأمانة ثم حلل كما تشاء. هذه بعض كلمات أنصح بها نفسي أولا، وكل الصادقين الذين يهمهم محاربة الفساد، ويعنيهم استقرار البلاد، ويسعدهم نجاح "ثورتنا" التي مازالت في طور الحبو ولم يشتد عودها بعد. "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " . والصدق أمانة رفيعة والكذب خيانة عظيمة فاختر لنفسك أيّ مكان يليق بها! * الربطان التاليان فيهما بعض المعلومات عن الفوتوشوب والمونتاج http://majdah.maktoob.com/vb/majdah104045/