برمجة حملات لقنص الكلاب السائبة بهذه الولاية    طقس الليلة.. الحرارة تصل الى 35 درجة    طار 120 متراً في الهواء: ثامر حسني يقوم بعرض خطير أمام محبيه    نمط الحياة وتعاطي المواد المخدرة والخمول وراء تواتر حالات الموت المفاجئ عند الشباب    أحد حراس بايدن يتعرض للسرقة في كاليفورنيا    مكالمة هاتفية بين نبيل عمار و نظيره البرتغالي    صحيفة: الشرطة الفرنسية تستعد لاضطرابات بسبب الانتخابات البرلمانية    عاجل/ إنتحار عون سجون حرقا    حركية كبيرة بمعبر ذهيبة وازن الحدودي    تطبيقة ء-هوية "E-Houwiya" الجديدة متاحة على "AppStore"    وزير الشّؤون الدّينية يرافق الحجيج في رمي الجمرات    وزارة الخارجية تعلن وفاة 35 حاجّا تونسيا في البقاع المقدّسة    قفصة: تقديرات بإنتاج 2000 طن من الفستق خلال الموسم الحالي    بنزرت: وفاة فتاتين غرقا بشاطئ الميناء بغار الملح    خبراء المناخ يتوقعون صيفا ساخنا وتسجيل معدلات حرارة قياسية    الفيلم التونسي"المابين" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية    المنستير: تقدّم تنظيف شواطئ الجهة بنسبة 33 بالمئة    وزير الشؤون الدينية يرافق الحجّاج في رمي جمرات أيّام التّشريق    يهم المواطنين..بلاغ هام لوزارة الداخلية..    تزيد العطش.. مشروبات عليك تجنّبها في الطقس الحار    البنك المركزي: تراجع طفيف في سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار والأورو    مصدر بقنصلية تونس بجدة : وفاة 23 حاجا تونسيا بالبقاع المقدسة    وزارة الخارجية تنعى سفير تونس الأسبق بأندونسيا    البنك المركزي: تراجع طفيف في سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار والأورو    وفاة الإعلامي والناقد السينمائي خميّس الخياطي    تاجروين:وفاة شابين على متن دراجة نارية    الحجاج يختتمون الفريضة برمي الجمرات وطواف الوداع    نائب بالبرلمان : سنسائل بصفة عاجلة كل المعنيين حول فقدان الحجيج    لجنة مكافحة الإرهاب تعلن عن إطلاق حملة للتعريف باستراتيجية مكافحة التطرف العنيف    مواطنون يشتكون من '' الوضعية المزرية '' لقطار تونس بنزرت    الرابطة الأولى: رهان المقاعد الإفريقية يلقي بظلاله على الجولة الختامية لمرحلة التتويج    عاجل/ "الفيفا" يوقف هذا اللاعب عن النشاط لمدة ستة أشهر..    إنطلاق الموسم الرياضي الجديد وموعد سوق الإنتقالات    دعما للنمو: ضخ 330 مليون دينار لدعم تدويل المؤسسات في الفضاء المغاربي    خطير/ 3 حرائق في يوم واحد بهذه الولاية..    الرابطة الأولى: ملعبا الشاذلي زويتن وأولمبي سوسة يحتضنان ملحقي تفادي النزول والصعود    مانشستر سيتي يبدأ دفاعه عن لقب البطولة الإنقليزية في ملعب تشيلسي    راضي الجعايدي يغادر فريقه سيركل بروج البلجيكي    حوادث: 6 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    رئيس البعثة الصحية يؤكد التعهد بالمرضى وحالات الضياع لكل الحجيج التونسيين حتى من خارج المنظومة    إصلاح الأعطاب و إرجاع التيار الكهربائي إلى هذه المنطقة    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    %60 نسبة سداد الدين الخارجي.. تونس توفي بالتزاماتها تجاه الدائنين    تصريح أثار جدلاً.. بسام كوسا يسخر من فيديو فاضح لممثلة سورية    إصدار أغنية جديدة : ريمكس عربي لأغنية Attraction ل Ramy Sabry و ETOLUBOV    عاجل/ تفاصيل جديدة عن وفاة "الأنستغراموز" فرح بالقاضي..    مستقبل سليمان: المطالبة باعتماد تقنية الفار .. وتعيين مباراة الباراج خارج اقليم تونس وولاية نابل    وزارة الصحة: بوابة إيفاكس ستشمل كل التلاقيح وستُمكّن المواطنين من الحصول على دفاتر علاج رقمية    توصيات وزارة الصحة لمجابهة ارتفاع درجات الحرارة    شهداء ومصابون إثر قصف الاحتلال الصهيوني لمخيم "النصيرات" وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    الاتحاد الفرنسي: مبابي يعاني من كسر في أنفه وسيرتدي قناعا    مقتل 10 مهاجرين بعد غرق قارب في البحر المتوسط    مدخرات تونس من العملة الصعبة تقدر ب107 ايام توريد منتصف جوان 2024    عدنان الشواشي : المنوّعات صنعت في وقت قياسيّ وغفلة ذوقيّة فيالق من أشباه "النّجوم" و"النّجيمات"    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31،5 بالمائة الى غاية يوم 14 جوان 2024    وفاة الأنستغراموز فرح القاضي    نصائح وتوصيات وزارة الصحة لمجابهة موجة الحرارة    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرساء ثقافة الحوار أساس نجاح الثورة
نشر في الحوار نت يوم 29 - 12 - 2013

يصرح العديد من الناس من بينهم بصفة خاصة المعارضين (وأغلبهم من المتعاونين مع النظام السابق) بأن الثورة لم تغير شيئا، بل ويذهب البعض إلى لعنها لأنها حسب زعمهم أدخلت البلاد في حالة من اللااستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وهؤلاء يجانبون الصواب في نظرتهم هذه لأن الثورة غيرت العديد من سلوكياتنا. وأهم ما وفرته الثورة هو أنها أشاعت الحرية بين الناس وفرضتها فرضا في المجتمع برغم أنف المفسدين والحاقدين والمكابرين. وكثمرة من ثمرات الحرية انتشرت ثقافة الحوار. الحوار المتكافئ حوار البحث عن الحقيقة في زمن الثورة وليس حوار بين غالب ومغلوب أو حوار الدجل والتسويق للفساد وحوار المناشدة والتمسكن للاستبداد والاستكبار.
انتشرت أذن ثقافة الحوار ولم يطل الحوار النخبة السياسية وزعماء الأحزاب فحسب كما هو الشأن في الحوار الوطني وإنما طال كل المجتمع المدني وأصبغ مسحة من الحيوية والحركية على حياة الناس مثلما تحيي الروح كل جسد سكنته.
وفي إطار ثقافة الحوار هذه جمعني ببعض الأصدقاء حوار حول المشهد السياسي وما آلت إليه وضعية البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وكالعادة وككل حوار ونقاش بعيد الثورة يتهجم البعض من المحاورين على الحكومة وعلى ممثلي الشعب سواء كانوا على خطإ أم على صواب وألصقوا بهم كل تأخير أو تقصير في مجال الانجازات. لذلك كان من واجبي الرد على هؤلاء بأن سألتهم ما هي انتظاراتهم التي لم تلبها لهم الحكومة إلى الآن ؟ فأجابوا على طريقة الشاعر أحمد مطر :
أين الرغيف واللبن ؟
وأين تأمين السكن ؟
وأين توفير المهن ؟
وأضافوا إلى ذلك، بل وأين الإنجازات التي انتفع بها الوطن ؟
فأردفت ومن يستطع توفير كل هذه الأشياء في ظرف وجيز وفي مرحلة انتقالية مليئة بالإضرابات والاعتصامات ؟ فكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها هي في واقع الأمر تراكمات لفساد سياسي وإداري ومالي لعشرات السنين. ولا بد من الصبر ولا بد من بعض الوقت لتحقيق كل هذه المطالب. فأجابوا : الكل يقول أعطوني بعض الوقت لإنجاز ما تطلبون حتى إذا سيطر على مفاصل الدولة، خلال مدته النيابية، انقلب على الشعب وساسه بالحديد والنار. ولنا في المخلوعين بورقيبة وبن علي خير دليل على ما نقول. فهل نصبر حتى ينقلب علينا الحكام الجدد من جديد؟ فقلت لهم أولا إنكم لم تصبروا على المخلوعين ولكنكم ركنتم للظلم والاستبداد. ولو أردتم الانتفاض لانتفضتم سنة 1989 عندما زيف زين العابدين بن على الانتخابات بعد سنتين فقط من قيامه بالانقلاب. فلا تعيدوا القول أنكم صبرتم 23 سنة ! وثانيا أنتم اتهمتم وتتهمون بالخيانة كل من ساس الناس أيا كان. فإذا كانت وجهة نظركم هذه وجيهة فذلك يفيد أن الشعب كله خائن ومتحيل ومكابر ويحب التسلط وإذا سوف ينتخب بالضرورة أناسا على شاكلته من الخونة والمتسلطين والمفسدين. بما يتوافق مع مضمون ما ورد في الأثر من أنّه "كيف ما تكونوا يولّى عليكم". ولكن هذه الأفكار غير ذات وجاهة وليست دقيقة : فالشعب فيه الطالح وفيه الصالح. وثالثا أنتم لن تصبروا هذه المرة على الحكام الجدد مهما كان لونهم وإنما سوف تصبرون على الديمقراطية الوليدة. فإذا رأيتموها تنمو وتكبر فساعدوها على نموها. فإذا نضجت واشتد عودها فسوف تكون هي الضامن وهي الكفيلة بتحقيق العدل والشفافية والعدالة الاجتماعية. وسوف لن تسمح هذه الديمقراطية بتسلل المجرمين إلى سدّة الحكم. وإذا رأيتم الديمقراطية تتوقف عن النمو فاعلموا أن الأمر فيه خلل واعلموا أن هذه الديمقراطية قد أصابها المرض ولا بد عند ذلك من تدخل الشعب لاجراء عملية جراحية دقيقة تستأصل الورم الخبيث. فمقياس تدخل الشعب لإنقاذ الموقف لا يجب أن يكون مجرّد حصول الأخطاء الصغيرة أو حتّى الكبيرة التي ترتكب عند ممارسة العمل اليومي للحكم وإنما هو مدى تقيد المسؤولين الجدد بمبادئ الديمقراطية والشفافية والعدالة الاجتماعية. وهنا انبرى أحد الأصدقاء قائلا : حسنا. فمن أين جاء ابن الوزير الفلاني بسيارة بقيمة تفوق المائة ألف دينار ؟ فكيف ترد على ذلك ؟ (على طريقة فيصل القاسم) وأثبت لي بالدليل القاطع مصدر هذه الأموال ؟ فأجبته أولا هذه التهم هي من إعداد وإخراج وأداء إعلام العار. وثانيا من يتهم الناس فما عليه إلا أن يأتي بالدليل القاطع بأن هذه الأموال متأتية من مصدر حرام. فالقاعدة تقول : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
تلك هي ثقافة الحوار. فالحوار يجب أن يسود بين الأصدقاء وبين المتخاصمين وبين الأعداء وبين المتنافسين على الحكم كما يجب أن يسود بين أصحاب الإيديولوجيات المتناقضة والمتضاربة. فليس أمامنا اليوم إلا الحوار وطاولة الحوار ولا شيء غير الحوار. فالحوار كفيل بتقريب وجهات النظر. ولا بد للحوار إلا أن يثمر مهما طال الزمن أو قصر لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه ولأن الحجة مع الحق دائما. ومهما خيم الليل على الناس فلا بد من بزوغ الفجر.
جاء في سيرة ابن هشام أن قريشا بعثت عتبة ابن ربيعة لمفاوضة الرسول ومحاورته فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : قل يا أبا الوليد ، أسمع ؛ قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك ، طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه ، قال : أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ قال : نعم ، قال : فاسمع مني ؛ قال : أفعل ؛ فقال "بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه". ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه . فلما سمعها منه عتبة ، أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ؛ ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها ، فسجد ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه. فقال : بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به . فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة . يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي ، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال : هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الإسلام قد انتشر في أقاصي الدنيا بالحوار وبقوة الحجة وليس كما يدعي البعض بالقوة والسيف. ولابد هنا من التساؤل ما الذي دفع الكثير من قادة وجنود المغول من دخول الإسلام وهم يومئذ منتصرون إن لم يكن بالحوار والحجة والإقناع. فالحوار مزاياه عديدة فهو أولا سوف يدفع العديد من الناس ومن مؤسسات المجتمع المدني من الانحياز إلى الحق وإلى الحجة. ثمّ ثانيا سوف يقيم الحجة على المتمسكين بالسراب ويدفع العديد من الناس بالانفضاض عنهم. وثالثا سوف يكون حجة من الحجج على الناس يوم القيامة. قال الله تعالى : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". ورابعا وأخيرا سوف يقلل من التنطع والتطرف. فلو بذل العلماء والمثقفون، ولا سيما المعتدلون منهم، كل ما في وسعهم للانتشار والتواجد بين الناس والاحتكاك بهم وبث ونشر كل المعاني الصحيحة للدين لانحصر التطرف والتنطع ولتجنّبت بلادنا المطبّات الكثيرة التي وقعت فيها ونعاني منها اليوم. وبخلاف التعايش بالحوار فإن مصيرنا جميعا سيكون بالتأكيد مظلما.
منجي المازني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.